ماجد ع محمد
أول استيقاظي اليوم وفورَ تخلصي مما تعلّق من بقايا سحب النوم بأجفاني، مددت يدي إلى الجوال لأرى إن كانت ثمة رسالة ما وردتني على البريد الالكتروني أو وسائل التواصل الإجتماعي، إلا أني عند تصفحي للفيس بوك لثوانٍ معدودات قبل التهيؤ للخروج من الفراش الذي بقيت أتحسر على فراقه كل صباح منذ ما يزيد عن 15 سنة، لمحت ما يفعله الفيس بوك عادةً بخصوص أحداث المرء اليومية وتذكير واحدنا بأشياء كنا في وارد نسيانها، كما كان عليه البرنامج التلفزيوني الشهير على الفضائية السورية (حدث في مثل هذا اليوم) الذي كان يعده اسكندر لوقا،
نقرتُ على القائمة تلك وقرأت بتؤدةٍ ما جاء في ذاكرة اليوم “في الأمس كنتُ أمعن النظر في تضاريس قريتي المحتجبة عن أعين العابرين بفضل تضاريسها القائمة على الصعود والانحدار، وتخومها المزروعة بالسهول والأودية، ووقوعها بشكلٍ صارم في قبضة سلسلة جبالٍ تحيط بها من أغلب الجهات، واليوم كنت أرنو من مهجعي المؤقت في استانبول، الأفق أمامي مفتوح على مد النظر، لا وجود لحواجز محجبة للبصر، ورغم الفارق الشاسع بين الموقعين المذكورين، إلا أن الأسفَ والكآبة لم يفارقا هامتي منذ أن وطئت بقدميِّ تراب الأستانة” حيث كان قد مر على المكتوبِ ذاك ثلاث أعوامٍ بالضبط، التفتُ فلم أجد بجانبي مَن يشاركني ما انتابني من المشاعر، فخرجتُ على إيقاع المقروء في السابعة صباحاً من بيتي المؤقت، الكائن في حي باغجيلار، ووسط زمهرير الطقس انطلقتُ كالعادة في الساعة السابعة صباحاً أي في السادسة حسب توقيت سوريا، إذ حتى الفلاح بسوريا في هذا الوقت لم يكن قد خرج إلى حقله بعد، أما سبب استيقاظنا المبكر جداً فلا يُخفى على كل مَن مكث في اسطنبول زمناً أو عمل فيها بعض الوقت ليعرف الظروف التي نعيشها في هذه المدينة المكتظة بكل شيء ما عدا الراحة، إذ أن السبب الرئيسي للنهوض مع صوت آذان الأئمة هو بعد أماكن العمل، وكبر مدينة اسطنبول التي تساوي بعدد سكانها عدة دول مثل قطر والكويت، أما السبب الآخر لنهوضنا المبكر حسب أقوال العامة في الشارع التركي هو أن الحكومة التركية ونكايةً بأوروبا وإملاءاتها الدورية على الحكومة التركية لم تقم بتغيير ساعتها هذا العام بخلاف كل الأعوام، المهم في الأمر أن الزمهرير الذي لفحني منذ الخروج من البيت أعادني الى قريتي التي ذكرني بها الفيس بوك صباح اليوم، بطفولتي التعيسة جداً والتي غالباً ما أتحاشى التحدث عنها لسببين: منها لكي لا يظن السامع بأني أحاول استجلاب عطفه من خلال البوح الحار لتلك المحطات، وتالياً لكي لا يظن المصغي بأني أتباهى بأناي من خلال سردي لتلك الأيام المطعمة بحنظل الواقع والوقائع، لذا أتجاوزها في أغلب الأحيان، عموماً فبعد أن وصلت إلى محطة المترو بـ: (يني كابه) وتأملت سيوفاً حادة من معدن الصقيعِ تتدلى من على الشرفات وكابلات الكهرباء، رحتُ أتساءل وأقول يا ترى كيف استطعنا أن ننجو بأنفسنا رغم هول الظروف التي مررنا بها؟ وكيف حافظ بناؤنا الجسماني على حاله وسط كل تلك العواصف؟ وكيف وصلنا الى هذا العمر بكل أمانٍ من غير أن تنعطب أية آلة من آلات أبداننا، أو تتعطل وظيفة عضوٍ ما من أجسادنا رغم قسوة الحياة لتي تجرعناها ونحن نتقلب عبر وديانها كما تتقلب لقُية أثرية حين تجرفها السيول عبر الوادي، وهي ترتطم في انسيبها بهذه الصخرة وتلك إلى إن يستقر بها الحال في البحر أو في عمق السهل، أمضي وتُجَر معي قائمة طويلة من التساؤلات، أعيد وأقول كيف يا ترى رغم قساوة الظروف والأحداث المدوية التي زنّرت خاصرة حياتنا حافظتُ على صحتي ولياقتي وسجيتي لا أعرف؟ لأني لو عرفتُ لما اضطررت لطرح السؤال على نفسي تحت وابل الزمهرير، والمظلة تكاد من قوة العاصفة أن تفلت من يدي وتركن بعيداً كما هي الآن بعيدة عني تلال قريتي.