بُكارةُ الروح الشامخة

لينا مصطفى
ليلٌ ينامُ في شعرها الأسود الطويل، وحزنٌ اغتصب عُذرية عينيها السوداويتين، ليسيلَ منهما دمعُ البُكارة، كحبّات الثلج البيضاء المتساقطة صيفاً.
تحوي مجرَّةً كاملةً في أعماقها، وثقوباً سوداء تَكادُ أنْ تبتلعَها، عظامُ رقبتها البارزةُ تحكي قصّةَ جمالٍ حزين أصبحَ باهتاً شاحباً بلا لوْن. مَعالمُ الحُزنِ في وجهها كخيوط شمس الصباح، حتى تكادُ أنْ تبوحَ وتصرخَ وتُناجي العالم أجمع: «كفى! كفى حرباً، كفى حُزناً، كفى ظلماً». 
حزينةٌ إلى حدِّ لا يُطاق، قويَّةٌ لدرجةٍ لا تستطيع تخيُّلها، عشرينيّةٌ يحيا في ملامحها أربعين عاماً من معاناة الحبّ والحرب، من النضجِ والتهوّر، من القسوةِ والحنان، من الجمالِ وما أصابه من تشوّهات! سنينُ عمرها تتضاعف، دون أن تدري.
لقد كانت كحجرٍ وقعَ في قاع الحُزن، كانت تريد أن تبلغ ذروة هذا الحزن، لأنها لا تحبّ الاعتياد عليه، لترتاح بعدها، لتطمأن أن ليس هناك مزيداً من آلامٍ قد تواجهها، لكن الحزن مقترن بقوة الإنسان وقدرة تحمّله. 
تعيشُ بعتمة غرفتها على ضوء النّار الّذي ينهشُ برأسها، وكأنّ البراكين تثورُ في رأسها، مشتعلة دائماً ومضيئة، لا يطفأها لا حبّ كبير، ولا حزن عميق.
مؤمنةٌ وراضيةٌ بوحدتها، تناقضاتها كثيرة، ففي عزِّ حزنها ترقص كالصغار، علّ الأوجاع تتساقط منها. 
تتبرّجُ لتخفي ملامحَ الحزن من شفاهها. 
تضحكُ كثيراً، وقلبها مُنهمِرٌ بالبكاء. 
تستاءُ من أصغر التفاصيل وأبسطها، وتصمدُ كالجبل أمامَ أقوى المصاعب، روحها تنزف بشدّة، بينما يتخيلُ للعالم أنّها قويّة! وكأنّها خُلِقَت من ذاك التناقض ونُسِخَت منه، حتّى هي تستغربُ من نفسها: 
– كيف لي أن أحتملَ كُلّ هذا السواد؟!
– مَن أنا؟!
ظلامٌ يعيشُ تحتَ عينيها المؤرّقتين من السهر، تبكي كثيراً في الليل، حتّى باتتْ الدُموعُ تُغنّي لها، لتغفى، وتناجي الله، ولِما لم يخلقها موسيقى! 
عندما يداهمُها نزيفُ الروح تهربُ لتختبأ في روايةٍ أو دفتر رسم أو في مقطوعة موسيقية. 
في الحُبّ.. تحبُّ التغييرَ دائماً، ولا يروقُ لها الاعتياد على الأشياء، لا تريدُ أن تعتادَ على طريقة حُبّ الحبيب لها، رغم أنها لم تمتلكْ حبيباً، تهوى أن يحبَّها كلّ يوم بطريقةٍ مختلفة، وجنونية!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أحمد آلوجي

من بين الشخصيات العامودية التي تركت بصمة عميقة في ذاكرتي، أولئك الذين منحوا فنهم جلَّ اهتمامهم وإبداعهم، لا سيّما في المناسبات القومية واحتفالات نوروز التي كانت دائمًا رمزًا للتجدد والحياة. ويبرز بينهم الراحل الفذ مصطفى خانو، الذي أغنى المسرح الكردي بعطائه وإحساسه الفني الرفيع، فاستطاع أن يجذب الجماهير بموهبته الصادقة وحبه الكبير…

آهين أوسو

لم يكن يوما عاديا ،نعم فترة من التوتروالقلق مررنا بها.

إنه آذار المشؤوم كعادته لايحمل سوى الألم .

استيقظت صبيحة ذاك اليوم على حركة غير طبيعية في أصابع يدي ،ماهذا يا إلهي ،أصابعي تتحرك كأنها مخلوقات حية تحاول الهروب من تحت اللحاف ،هممت بالجلوس في فراشي اتحسس يدي ،نعم إنها أصابعي التي تتحرك لاشيء…

(ولاتي مه – خاص):
على امتداد أكثر من خمسة عقود، يمضي الفنان والمناضل شفكر هوفاك في مسيرة حافلة تجمع بين الكلمة الثورية واللحن الصادق، ليغدو أحد أبرز الأصوات التي عبرت بصدق عن آلام الشعب الكردي وأحلامه بالحرية والكرامة.
منذ انخراطه المبكر في صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني في سبعينيات القرن الماضي، ظل شفكر وفيا لنهجه…

ماهين شيخاني

في فجرٍ بعيدٍ من فجر الأساطير، خرج رستم، بطل الممالك الفارسية، في رحلة صيدٍ طويلة. ضلّ طريقه بين الجبال حتى وجد نفسه في مدينة «سمنغان»، حيث استضافه الملك في قصره. هناك التقى بالأميرة تَهمينه، فتاةٌ تفيض حُسنًا وشجاعة، قالت له بصوتٍ يقطر صدقًا:

«يا رستم، جئتُ أطلب من البطل ولداً مثله، لا كنزاً…