ابراهيم محمود
في الجمرة الكبرى :
في أكثر من ” 800 ” صفحة من القطع الكبير، يتنقل الباحث الكردي السوري علي جزيري في كتابه ” الكرد وكردستان : كردستان سوريا ” أنموذجاً “: بحث في ضوء منهجية الجغرافيتين السياسية والتاريخية، منشورات الأكاديمية الكردية، أربيل، ط1، 2017 ” ، بين كل من الجغرافيا والتاريخ، أو بالعكس، إلى درجة التداخل، أو صعوبة الفصل بينهما، فلا يعرَف أحياناً ما الذي أحضرَ الجغرافيا أو التاريخ أو بالعكس، ربما تقديراً بحثياً بحالة التماذج بينهما، فما أكثر ما تبلبل التاريخ على وقْع المأثور الجغرافي: أهميته، دوره: قيمةً اعتبارية طارئة أو صاعدة، وما أكثر ما تراجعت الجغرافيا على وقْع المعني بالتاريخ: سلطاناً باحثاً، تأكيداً على خطورة لعبة التاريخ السياسية وإخضاع الجغرافيا لها، وما لكل منهما من مغذّيات خبرية أو افتراضية ومسوغات وإغراءات كلمات معينة وغيرها.
الكتاب بضخامته هذا يلفت النظر، ضخامة تنطوي على مقدار الجهد المبذول في بناء عالمه المعلوماتي، وصياغته معرفياً، بقدر ما تفصح عن رباطة جأش مؤلفه في المثابرة وتحمل أعباء التنقل بين برودة الجغرافيا وحرارة التاريخ، وكيف تؤدي لعبة المزج والتشبيك بينهما دور الكاشف والمضيء للمرصود، والمردود المعنوي لهذا التحرك، إنما علينا التنبُّه إلى نقطة مؤثرة ومهمة في سيرورة الكتابة وصيرورة المعنى في كل خطوة من تلك، وهي أن ” ليست كمية الجذاذات، ولا عدد الصفحات بما يصنع المؤرخ الجيد.”، كما أفصح عن ذلك كل من غي تويليه- جاز تولار، في كتابهما المهم ” صناعة المؤرخ، ترجمة: عادل العوا، دار الحصاد، دمشق، ط1، 1999، ص117.”. تلك لافتة تستحق تعليقاً من باب تعزيز العلاقة بين مقول القول ودلالته ومهبطه الاجتماعي، أو كمية الملفوظ، وحمولة المعرفة المستجدة والبانية.
ذلك ما أسعى إلى الالتزام به قدر المستطاع، وأنا في معرض قراءة الباحث والذي يعرَف بأكثر من كتاب، خصوصاً في إطار اهتمامه بـ” الأدب الشفاهي “، والسخرية المرة في ” حكايات سياسية ” !
لا شك أن هذا الكتاب يشكّل إضافة نوعية من حيث البنية إلى المكتبتين: الكردية والعربية، كما نوَّه المؤلف في المقدمة ” ص32 “، بغضّ النظر عن طريقة تكوينه وكيفية طرح فكرته، وما يمكن أن يوجَّه إليه من مآخذ، وهي قائمة، كما سنرى، ولعلها مترتبة على المجهود الكبير للباحث، وهذا ما يُتلمَّس من قبل من يتصفحه، أو يدقق في فهرسه، وهو في ضخامته، وفي مسعى التلازم أو الربط بين خاصية حضور كل منهما في الآخر صراحة، أو من خلال الموضوع المطروح هنا وهناك، ليكون هذا التشعب الذي يتطلبه البحث إجراء لا بد منه: من صلب الكتاب، وهو بالتالي يفرز إشكالياته ” الطبيعية ” إن من ناحية أسلوب مكاشفة فكرة معينة، أو اقتباس شاهد أو زاوية المقاربة النقدية المختلفة الأبعاد، وأي تحليل يعتمَد في العلاقة معه، أو من ناحية التصور للفكرة المطروحة بالذات وهي بمكوّنها: المادي: أمثلتها وصِلات الوصل بينها ومدى دقَّتها، وجدّة المعاينة، والمعنوي: الذهنية الفاعلة في إضاءة الفكرة المسماة على مدار البحث، وقوتها الدلالية، أو نفاذ أثرها، وكيفية تلاقيهما وتميزهما، وما تكونه المآخذ ذاتها كإرباك للكتاب على مستوى المتابعة ومساره المنهجي، ومدى تمكُّن الباحث من فكرته التي أحسب أنها بقدر ما تشير إليه بصفته مسمّيها، تخرج عليه أو تستقل عنه، بوصفها مقاسة خارج إرادته الذاتية، وإرادة ناقده كذلك، وهي صحبة أدواتها البحثية والنقدية والتحليلية، أو المنهج القائم قبله ومن بعده، وإلى أي مدى تكون شخصيته بحثية حقاً .
وعلى صعيد آخر، فإن الكتاب هذا يشكّل على مستوى الظهور التاريخي امتداداً لكتب ثلاثة سالفة ” تبعاً لاطلاعي عليها هنا “، منذ سنة، وقد انشغلت بها وكتبت عنها، وقاسمها التاريخي والجغرافي المشترك: سوريا، أو ” كردستان سوريا “، وهي بالتسلسل:
سوريا من الاضطهاد السياسي إلى الكارثة الإنسانية، لإدريس عمر” 2016 “.
الانفجار السوري، لعبدالباقي اليوسف ” 2017 “
تأريخ كردستان سوريا المعاصر” ثلاثة مجلدات “، لاسماعيل حصاف.
وهذا الكتاب الذي يشكّ رباعي كرد سوريا في العصر الحديث الذي يتاخم ما نحن فيه وعليه راهناً.
ثمة الكثير الذي يمكن أن يعثر عليه قارئه متعدد الاهتمامات: العادي والمختص، وهو في نسجه التاريخي والجغرافي، والتلون المعرفي من خلالهما. ولعلّي أرى جل ما يخص ليس تاريخ ” كردستان سوريا ” تبعاً لتوصيفه فحسب، وقد ألمح من العنوان إلى نوع موضوعه، وإنما ما يخص عموم كردستان أيضاً، وبامتداد ثلث الكتاب الأول، وفي ” الجزء الأول ” باعتباره، كما هو ملحوظ مدخلاً إلى مضمار بحثه ” الجزء الثاني ” وإضاءة له، وما أكثر ما قيل لاحقاً، لدعم وشائج قربى بين الجزئين: العموم والخصوص، استناداً إلى قراءة أولية للكتاب طبعاً.
ولعل هذا التوجه صريح من نوعية الإهداء، ورهانه ذي الطابع القومي والسياسي، ومحتواه الوجداني! أي إن كتابه يشكّل ترجمة موقفة مما هو كردستاني وضمناً كردستاني سوري، كما هو عنوان الكتاب، والمقدمة تفصح عن هذا الإيمان الذاتي بما يعتبره الوجه المشرق للكرد من خلال جمعه لشهادات أجنبية” أديب معوض، هادي العلوي، مولتكه.. ” ص 7 “، ومغزى القول هو أن شعباً يوصَف بهذا الشكل جدير بالتقدير، وكغيره يعتبر الدول العظمى متحملة مسئولية هذا التشرذم الكردي: التاريخي والجغرافي ” ص 13، وفي بيشكجي خير شهادة على ذلك ” ص 15 “، ومن سعوا إلى تشويه هذا التاريخ والجغرافيا” سهيل زكار وغيره ، ص 22 “، وهم متماهون مع الأنظمة المتقاسمة لهما. من هذا المنطلق كان هذا التقابل بين الجغرافي والتاريخي لأهميتهما كمنهج دراسي ” ص 27 “، وربما يُقرأ في خطاطة المقدمة هذا الهاجسُ الكفاحي وتمازجه مع المحرّك البحثي، من خلال إبراز الفترة الزمنية التي عاشها في عملية كتابة مؤلَّفه وفي وضع صعب، في قامشلو ومحيطها، والظروف الشديدة الصعوبة، وافتراض وجود مؤثّر نفسي شدَّه إلى كتابة عمل كهذا، حيث المنطقة في مجملها تلتهب، والكرد وكردستان في مخاض عسير، في مهب عواصف تحديات تترى، وشعوره أنه جبهوي بأكثر من معنى. لكأن وضعاً كهذا يفسّر وجود نبرة صاعدة أو عالية من التعامل مع مكونات موضوعه والذين يشكّلون أسماء فاعلة في تكوينه السياسي والثقافي، جهة الكتّاب ومواقعهم، بأسلوب لا يخلو من طابع تنظيري وحتى تأثيمي طالما أنه يمتلك ” الحق ” في ذلك، كما هو ملموس وبيسر، والسعي ما أمكن إلى كسب ” ود ” قارئه، قبل رأيه أو مصادقة عقلية، في مناخ سياسي مشهود له بالتوتر.
لاحقاً، نجد ذلك الارتحال في التاريخ والجغرافيا، بحثاً عما هو رئيس يتعلق بكل من الكرد وكردستان، وما يؤكد وجودهما منذ القِدَم، مشهّراً في من يطعن فيهما من المؤرخين العرب – المسلمين” المسعودي، بداية، ص 36 “، ومدح من يتصدى لهما ” محمد أمين زكي بداية، ص 39 “، وهكذا تستمر السلسلة الطويلة، وما فيها من مكاشفات ومواجهات ومقاضاة تاريخية واجتماعية، تعزيزاً لفكرة كل من الكرد وكردستان وجلاء حقيقتهما، أي استمرارية الكرد وكردستان في التاريخ وتأكيد حضورهما حديثاً، وإضاءة المشهد الجغرافي دعماً لأي معلومة تأريخية يقدّمها هنا وهناك، حتى ينتهي الجزء الأول في ثلث كتابه، كما تقدم.
لقد اختصرتُ هذا الجزء بالطريقة هذه، في محاولة للانتقال إلى ما أعتبره مهماً ومغْنياً لعموم البحث بالذات، وكون المثار في أغلب صفحات هذا الجزء، يمكن تتبعه في الكثير من الأدبيات السياسية الكردية الحديثة، والقديمة قبلها، حيث الجهد البحثي يعرَف بطابعه التجميعي أكثر من التحليلي الذي وعد قارئه به، وهو ما سنعمد إلى إضاءته فيما بعد.
أما في الجزء الثاني، والذي يكاد يفتتح شهية القراءة من خلال معلَم تاريخي ومعرفي يشجّع على المتابعة ” ص 271 “، ليدخل مع المدوَّن في نطاق ما هو كشفي على مستوى التسمية طبعاً ” وقد سمّيناه كردستان سوريا أو كردستان الجنوبية- الغربية أو الجزء الكردستاني الملحق بسوريا بـ” الإقليم الكردي “، رغم أن مفهوم الإقليم يختلف تبعاً للحقول التي تتناول المفهوم…ص273 “، وهذا ما يتجلى في إضاءات قائمة على اقتباسات مفيدة.
ولينتقل الباحث بقارئه إلى ” الجغرافيا الطبيعية- ص 275 “، وهي تخصصه الجامعي أساساً، في صفحات تترى بتضاريسها، فـ” الجغرافيا التاريخية- ص 307 “وما فيها من مواقع وآثار وبصمتها الكردية، فـ” الجغرافيا البشرية- ص 350 “، حيث عدد السكان، والمدن، و” الجغرافيا الاقتصادية- ص 395 “، كما في حال الزراعة، وليكون الانتقال إلى ما هو تاريخي في العصر الحديث ” الشعب الكردي في ظل الانتداب الفرنسي، ص 417 ” ومثالب المرحلة خلاف المتردد عن فرنسا قيمياً، و” كردستان سوريا بعد الجلاء- ص 477 “، وعنف السائد سياسياً ضد الكرد، والحزام العربي، والحركة السياسية الكردية، ونشوء أول حزب كردي في سوريا، ومن ثم ” رؤية الحركة السياسية الكردية لمستقبل سوريا- ص 655 “، جهة التطلعات والعلاقات والمواقف، ووجوب الاعتراف بحقوق الكرد القومية.
أما عن ” فهرس الوثائق والملاحق ” فهو يضيء بنية العلاقة السلطوية المستبدة مع المجتمع عامة والكرد خاصة، من خلال لائحة وافرة من الوثائق والبيانات ذات الصلة، إلى جانب وثائق تخص الجانب النضالي لرموز كردية…الخ.
ولعل القارىء” أعنيني هنا بالتأكيد ” لحظة الانتهاء من قراءة الكتاب، يشعر بوجود مشكل يخص مخطط الكتاب، عبارة عن تحفظ على تركيبة بالذات، وهو أن الجزء الأول ” الكرد وكردستان ” والذي يمتد بين صفحتي” 33-268 ” جاء على حساب المحتوى الرئيس للكتاب، وهو قرابة الثلث الفعلي منه، كما نوّه، حين يتطرق إلى ما هو تاريخي وجغرافي غابر، إلى درجة الشعور بأن الاستهلال بالجزء الثاني وهو المنتظر، يشعِر قارئه، في تقديري ، أن الكتاب يبدأ من هنا حقاً، خصوصاً وأن جل ما سبق يشكل استعادة للكثير مما هو متردد في بطون أمهات الكتب أو المصادر المتداولة هنا وهناك، وذلك يطرح على أي منشغل بالعمل البحثي دوام السؤال: ما الجديد الممكن في قراءة الموضوع، وما عائده النوعي معرفياً؟
إضاءة لإضاءات :
كما نوَّهت، بخصوص ما يحفّز على إثراء البحث، فإن المعزّز لمكانة أي موضوع، هو ما يخرجه من طمأنينته، ويضيئه:
أي حين يُضفى على النص الذي يكتبه فرد/ شخص واحد، طابعٌ اعتباري يصله بالمجتمع، وتبيّنُ مدى تسميته لحقيقة ما تتعداه، بقدر ما تشير إليه، بقدر ما يحمّلها ما هو اجتماعي وتاريخي.
إلى جانب يبقي النص عرضة للنظر فيه، وليس مؤطّراً بسياج شائك من الخطابية وأوجه الذاتية فيها.
وما يكونه الزمان والمكان، وتلك القيمة المتعالية على المؤطَّر، محكاً لكل قول مطروح باسمهما، أو أي منهما.
فحوى الكلام، إن ما يقلق النص ليس ما يمنحه راحة بال تغفيه، أو يحرّره من أي مساءلة، أي يعلو به على أصل مكوّنه أو سببه، وإنما ما يشقيه وليس ما يسعده، ما ينزع عنه كل رداء يحجب عنه خصوصية محروسة، أو دمغة امتياز، أو علامة وصائية باعتباره مكتملاً، حيث إن شرط استمرار النص نصاً هو أهليته للنمو، واكتشاف المزيد من ثغراته، وهي سمة إيجابية، بما أنه يمتد في جهات شتى، ودون ذلك يفقد النص كل انتساب يتهجاه إلى فضاء الإنساني.
لهذا، فإن أول ما يطرح من سؤال، ليس: كيف جاء نص جزيري، وإنما كيف كتبه؟ وتحديده لمنهج كتابته يعلِمنا بذلك.
يعرّف دراسته على أنها تحليلية وليست ميدانية ” ص 31 “، تُرى، كيف يفهَم التحليل هنا ويتم اعتماده في ظل بروز التقييم الأخلاقي والتوصيف الخطابي؟ أي فيما لو عرَّف مؤلَّفه بما يخل بالموعود؟ أو كيف يتقدم إلينا وهو معرَّف به من خلال هذا التحديد المنهجي. إنه وعد الكاتب، الباحث، المؤلّف، فأي وعد متشكَّل بخاصيته المعرفية؟
خيار المؤلف الذي يقوم على ركيزتين غاية في المشقَّة والمكابدة: توأم الدرسين: الجغرافي والتاريخي، فأي ” رحم ” بحثي طرحهما، وأي حاضنة لغوية وهبتهما مقومات تكوين جعلت العنوان مستساغاً من خلال محتواه؟
إن كلاً من الجغرافيا السياسية والجغرافيا التاريخية ، وما فيهما من انبساط وعمق وتداخل ودوام تحوّل، لا تقبلان كمفهوم معتمَد فضاء للبحث طبعاً، أي توصيف أو تقييم أخلاقي، إنما ما يجعل الواقعة التاريخية مفهومة ببنيتها من الداخل، ما يجعل الجغرافيا الموجَّهة مدرَكة بالطرق التي جعلتها هكذا والأدوات الفاعلة فيها والمتلونة بمستجداتها كذلك.
بدءاً من المساحة المعطاة للإهداء، ثمة ما يجدر التوقف عنده:
جاء الإهداء في صفحة وثلث الصفحة، ويقع في ست نقاط، وليته جاء مختصراً، وليس أن يأتي مشروحاً، لا بل إن وروده بهذا التمدد يخرجه عن سياق المعرَّف، في القيمة والتقديم ولفت النظر، ويقلّل من أدائيته، إذ من العلامات الفارقة له أنه مقتضب ويوحي بفكرته البرقية، ومن جهة أخرى، فهو لا يأتي إلا تعبير عن ذروة حدث ما، يمثّل قيمة مجتمعية أو يسمو بها، أو مأثرة تاريخية، وليس جرّاء موقف ما، وعلى سبيل المثال ألا توحي عبارة الإهداء الأولى” روح الزعيم الخالد مصطفى بارزاني ” بذلك، أو على الأقل بعد ذلك ” الذي شق عصا الطاعة في مواجهة الأنظمة المضطهِدة للأمة الكردية “؟ وهكذا الحال بالنسبة إلى صديق الشعب الكردي عالم الاجتماع التركي اسماعيل بيشكجي، وأصدقاء الشعب الكردي من العرب المنصفين ” ولعلهم هكذا حتى بدون استعمال هذه الصفة “، لأن جوهر الإهداء يتركز على هذا التوجه…الخ.
هذا ينطبق على فقرة إهدائه إلى ” أصدقاء الشعب الكردي من العرب المنصفين..”، وهي واضحة دون صفتها” المنصفين “، ولا داعي للإطالة فيما بعد، مع تفاوت في المقام: الجواهري، ميادة حناوي، محمود درويش…الخ، كون الإهداء يعرَف بكثافة رصيد زماني- مكاني، وليس من خلال حالة معينة. أحسب أنه في هذا ” الإسهاب الإهدائي ” نزع عن الإهداء شرط حضوره وحقانية تسميته إهداءً، ولعله يشي ضمناً باندفاع عاطفي وسياسي جانبي وليس تأكيداً لفكرة تعلو على أي تخصيص .
وفي هذا السياق، فإن قارئاً آخر، حين يلاحظ الافتتاح بالإهداء إلى الراحل ملا مصطفى بارزاني، والاختتام بكلمة للسيد مسعود بارزاني التي يؤكّد فيها لزوم منح الكرد حقوقهم القومية، بالحوار لا بلغة السلاح ” ص 684 “، لا بد أن تتشكل لديه صورة مباشرة عن توجهه الفكري السياسي، وما في ذلك من مساءلة عن جنسية لغة المعرفة المؤسسة لكتابه، وتحديداً، حين يعرف جزيري، قبل أي كان، أن كتابه منزوع الحدود سياسياً، أي لم يؤلَّف في حقل مؤطَّر اجتماعياً.
معبَر:
في مقدمته يشير إلى أن أياً كان حين يتحدث عن معاناة شعبه ورغبته في التحرر من نير العبودية إلا ويكون متحيزاً مهما ادعى الموضوعية، مستشهداً بقول السوسيولوجي حنا بطاطو في مستهل كتابه عن ” العراق “، بأنه: في أي عمل تاريخي يقوم به المؤرخ كائناً من كان، شيء من ذات المؤلف ” ص 30 “، ولعلها بداهة معرفية بالتأكيد، ذلك يعيدنا إلى أقوال آخرين قبله كالتوسير وإشارته إلى أن ليس من قراءة ” بريئة “، أي ثمة إشارة إلى بصمة الذاتي في الموضوع، سوى أن هذا الاعتراف لا ينبغي أن يعمَّم ويوحّد بين مختلف النصوص، وسوف نرى لاحقاً، وجه المغايرة بهذا الصدد، وبالمقابل، ينبغي ألا يكون هذا القول اعترافاً بحقيقة قد لا تكون لصالح قائله، حين يكون ممرّراً لقول أو أكثر يلعب فيه الذاتي دور الحَكم وهو ما لا يستسيغه لا النظر الجغرافي ولا السمع التاريخي، عدا عن أن بطاطو المشار إليه يعرَف بمكتبة مرجعية ووثائقية فيما كتبه، وهو السوسيولوجي الفلسطيني الكبير حقاً، وأن قوله جاء على خلفية من هذا الثقل المعلوماتي النوعي، ومن باب الاحتراز، وهو الذي أشار في كتابه ” العراق : الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية “، ترجمة: عفيف الرزاز، منشورات فرصاد، قم، إيران، ط1، 2005″، الكتاب الأول، إلى ” المصاعب التي اعترضته جهة التكاليف والمصادر..حتى لقد لقي دعماً..ص15″، وتالياً ما يبقي للذات الصانعة مكانة في الصفحة ذاتها “هناك التاريخ في أي عمل تاريخي يقوم به كائناً من كان، ولكن هنالك أيضاً شيء من ذات المؤلف في هذا العمل دوماً. “.
ضمناً، وبعد هذا الاعتراف يشير المؤلف إلى أوجه معاناته وهو منكبٌّ على كتابة بحثه، وكيف كان يعاني كثيراً للوصول ” إلى المعلومة المطلوبة أو جرّاء العثور عليها مشوَّهة، لأنني كنت محكوماً أثناء كتابة هذا البحث بواقع الحرب والحصار الاقتصادي….ناهيك عن الظروف الأمنية وسياسة الترهيب والتجويع والخطف والاغتيالات في وضح النهار…الخ، ص 30 “، وهذا يستوقفنا ليس بغية مراعاة ظروف تأليفه لكتابه، إنما تقديرها، سوى أن أخلاقية المعرفة وكمعرفة تنفصل هنا عما هو وجداني، لأننا إزاء بحث يربط بين التاريخ والجغرافيا، ويمارس تحليلاً لأمثلته بمقتضى النقد التاريخي والجغرافي وليس العاطفي بالتأكيد، ولو أنه في مختتم تقديمه يثني على جهود الدكتور عبدالفتاح بوتاني رئيس الأكاديمية الكردية في هولير جهة مراجعة بحثه والتدقيق فيه، إذ لا بد أن تواجده في هولير كان عامل دعْم له للعثور على مصادر مختلفة لعمله هذا، وبالتالي، فإن دقة المعلومة تبقى مطلوبة في مختلف الحالات.
وأجد في طريقة تناول جزيري للنسب الكردي مجالاً رحباً للمناقشة، ولو باختصار، وهو أنه جمع في متابعته بين السرد التاريخي” ما يقوله المسعودي العربي- الإسلامي، والبدليسي الكردي- الإسلامي، مثلاً ” ص 36-38″، ومقصد العرب من ذلك، حيث الاستناد في الرد على محمد أمين زكي بك ” ص39 “، ووبولاديان ” ص40 “.
إن أول ما يمكن قوله، هو وجوب عدم اللجوء إلى استخدام تعابير تسيء إلى جوهر الكلام، عندما يسفّه الماضي في تأكيد النسب الكردي بأنه عربي أو من سلالة الجان، كما في ” ترَّهات ” وهي تتكرر في أكثر من مكان من كتابه ” 16- 22-39- 40 -354-507..”، وكم كنت أتمنى على الباحث اعتماد اللغة التي ألزم نفسه بها ” التحليل “، حيث لا يطلَب منه التفوه بكلمات كهذه، والتحليل هو الكشف عن البنية الذهنية لقائل هذا النسب، وما الذي كان يراد منه، ضمن أرضية جغرافية لا تكون في متصوره كما هي في طبيعتها، ويأتي التاريخ مفصلاً على مقاس الجسد الجغرافي المركَّب، عندما يكون النسب بحثاً عن سند وقائي له مسوّغه الزماني- المكاني، ومضماره الاجتماعي والوظيفي، ومدى خضوع كل من الزمان والمكان للتحول، كما في حال دلالة التشبث بالمكان عند الكرد وليس الاسم الشخصي، فالنسب المكاني من جهة عباس العزاوي، في” عشائر العراق، دار المحبة، بيروت، د.ت. ج2″، يقرَأ بخصوص الكرد هكذا ” وهذه الأمة مجاورة للعرب، ومساكنة للعراق وهي من أعظم الشعوب العراقية فالإنصاف يدعونا أن لا نهمل أمرها..ص 224..ثم: تحققنا كثيراً، فلم نجد ما يعين أن القبيلة تنتسب إلى جد واحد، بل في الغالب إلى محل أو قرية وكأن القرية هي جد وأصل. ص 228..”، وإزاء إشارة المؤلف إلى ذلك كما في نسب البعض إلى خالد بن الوليد، ثمة من انتقد هذا التنسيب باللجوء إلى التاريخ، كما تصرف محمد أمين زكي في كتابه العمدة” خلاصة تاريخ كرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن، ترجمة: محمد علي عوني، الجمعية الكردية اللبنانية، بيروت، ط2، 2003″، وفي الجزء الأول، كما في سعيه إلى تأكيد أن ” خالد بن الوليد توفي كما دفن في حمص، وانتشار روايته في كردستان من باب تقدير الكرد له، والتاريخ ينص على انقطاع ذريته في صدر الإسلام. والمتواتر أن له أنجالاً ثلاثة سليمان وعبدالرحمن ومهاجر، وكان أولهم مع علي ” ر ” وقتل في حرب صفين، والثاني والياً على حمص فدس له السم في دواء بأمر من معاوية… ويشير إلى مؤلف ” أسد الغابة، ج2، ص104 ” إلى انقراض ذريته.. ويشير المؤلف إلى التداخل بين خالد وانحدار عشائر الجزيرة وحواليها من الشعب ” الخلدي- الكلدي ” واعتباراً ذلك سبباً لهذا التنسيب مع تقادم الزمان..ص 309 ….الخ”، وكان الأولى على جزيري التنبه إلى إحالة كهذه، أو المضي قدماً في مكاشفة نقدية أخرى تعرّف بالمحرّك الذهني والنفسي والتاريخي لواقعة تاريخية كهذه.
نحن هنا إزاء لعبة سلطة تمتد في أوجهها ومراتبها ومدى نفوذها بين الشخص الواحد وجماعته أو طائفته أو مذهبه، أو ملّته، أو قومه والحاكم وما يكونه قوةً ومكانة في المجتمع، وكيف أن الصلة بالسلطة كرغبة، والسلطة كمحفّز نفسي وعقلي، والسلطة كحلبة تصارعات، وكعمى إيديولوجي أحياناً مداهم، تتموقع في الداخل الفردي والجماعي، ويكون النسب مكاناً وزماناً حاملي هذه القيمة والعلامة وفاعلين في بنيتها، في إطارر جدلية القوة- الضعف، الحرمان- النفوذ، وهو إجراء لا يخلو من تمسح بأهداب الآخر، حتى داخل الجماعة الواحدة، كما في حال كردنا اليوم، على مستوى سلوكيات الأحزاب الكردية ونسبها العقائدي ورصيد القوة، وسعي هذا السياسي أو ذاك، وعلى أرضية تنافسية إلى تأكيد وجاهة عقائدية موصولة بصاحب سلطان على الأرض، وتأثير كل ذلك على القيمة الإجمالية لمفهوم الشعب ووزنه خارجاً.
أي حين يكون النسب طلَب إدراج الاسم الشخصي إلى خارج بؤرته الرحمتية واللحمية، واللوذ بما هو خارجي، قريب أو بعيد، في الحمولة العشائرية، أو السلطوية، واشتهاء لعبتها.
أنوّه هنا إلى أهمية الأطروحة الجامعية للباحث الكردي حيدر لشكري والأكاديمي في جامعة ” كويه ” الكرد في المعرفة التاريخية الإسلامية : دراسة تحليلية- نقدية ، سبيريز، أربيل، 2004 “، وهي عبارة عن رسالة ماجستير نوقشت في كلية الآداب جامعة صلاح الدين في 2004، حيث يتعقب فيها ماهو ملتبس وملتوٍ وماكر وعبر عشرات الأسماء في التاريخ العربي – الإسلامي، في هذا الجانب الكردولوجي، مثلاً، من صص:54- 130، وبجلَد الباحث المحلّل لموضوعه.
في السياق، يهمني جنس الملفوظ ومسقطه الدلالي، فجزيري حين يقول ” زعم المسعودي.ص36 “، و” يشير البدليسي إلى ذلك ، و” يؤيد المؤرخ الكردي ملا محمود بيازيدي وجهة النظر فيه.ص 38 “. فالثلاثة يقعون على مستوى الرؤية الاعتبارية نفسها، بالعكس، يكون ” جرم ” الكرديين ” أكثر، ولهذا كان ينبغي على التحليل أن يطال هذا الجانب، أي ” الزعم المشدد عليه ” من قبلهما، مثلاً، البدليسي نفسه يعتمد تصوراً بنائياً للنسب من هذا القبيل.
ماذا في الجانب التعبيري وكيفية حيازة الفكرة ومنحها كياناً دلالياً؟ :
أرى أن جزيري كباحث، لم يحسن تدبير فكرته التي من أجلها كان كتابه، وهو يلبسها بما يضعفها مكانةً، وذلك من خلال اعتماد صيغة المسئول السياسي وليس الباحث، وأنا أورد كماً هائلاً من هذه ” الملّة الملفوظاتية، وصلتها بما كان يكتبه في ” حكايات سياسية ” ونبرة السخرية الصادمة أحياناً، وروح الانتقام بالتوصيفات، ومرتكزها:
ما يجعل اللغة خطابية: سياسة البطش التي تمارس ضد شعبنا المسالم . ص 11.
إجراء آخر لا صلة له بعملية البحث، إنما بالمقاضاة وهي خارج سياق النقد التاريخي والجغرافي: باختصار، توحي هذه الدراسة …بأن صاحب الحق لن يلوذ بالصمت..ص 13.
وما يصبُّ في هذا المصب ” أضاليل يشيب لها الولدان.ص 16″، وهذه صورة أخرى من صور الخطاب الإنشائي، لأن المزكَّى هو فعل النقد والتحليل الموعودين كما تقدَّم.
بصدد توصيف الذين تترَّكوا ذاتياً، أو في ظروف معينة، كما في حال ضياء كوك آلب” ص 18 “، حيث لا تفيد العبارة الوصفية والأخلاقية ” الانمساخ ” والتي استعارها جزيري من الباحث الكردي الآخر أحمد الخليل، في معرفة هذا الذي يتغير أو ينتقل من زاوية إلى أخرى نسَبياً، لأن ” تمسيخ ” الآخر لا يعرّف عليه إنما ينفّر منه.
وفي سياق التسفيه والتشهير والتعرية الوصفية والإنشائية ثمة الكثير:
مضيّ أمثال الدكتور سهيل زكار ومنذر الموصلي للتطبيل على مثل هذه الترهات. ص 22-
عن استلام بشار الأسد للسلطة: عيّن ابنه بشار الأسد رئيساً عبر مسرحية هزلية ساذجة…جعل سوريا مزرعة له ولبطانته الفاسدة…روجت له أبواقه…ص 496 .
اتبع البعثيون سياستهم القذرة.ص 505.
عن خليل اقطيني الأكثر تعرضاً للتشفي، بما يفوقه أحياناً في التهكم، أو بانتقام مماثل، كما يظهر” صص 507-509″، مثل: المدعو خليل اقطيني من سموم عجرفته…دعوته المجترة.ص507… كمراوغ ماكر…ماتزال متوهماً…عورتك مستورة…فضحت نفسك بنفسك، حين أزحت عن عورتك ورقة التين المهترئة ..ص508… مغمور مثله…بمنطقه المعوج وسلوكه الحرباوي المعهود…ص509….الخ، ومن المؤكد أن توصيفه بالمغمور لا يكون في مصلحة الكاتب، كونه تعرَّض له في صفحات ثلاث تقريباً، وهو يقرّعه ولا يحلل كتابته إجمالاً.
من خلال المداهنة والتزلف والعهر السياسي..ص514.
الإيديولوجيات الشمولية المسيطرة والزائفة تاريخياً.ص 520 ” كما لو أن هناك إيديولوجيات شمولية وغير مزيفة !”. ولعل الرصيد البلاغي المتشكل عن ميشيل كيلو بارز هنا، ولا أخاله رصيداً معرفياً يمكن أن يسهِم في إثراء أي عملية حوارية أو نقدية، حتى بغيابه ولمن على خلاف معه، بما أن اللغة المعتمَدة تقيم فصلاً كاملاً بين كونه باحثاً، مهما كان الموقف، وله حضور معين، وكونه مجرداً من كل خصلة إنسانية، وبالتالي، فإن حصاد عملية النقد معدوم أو شبهه، عدا عن أن المنطقي يقول هنا: إذا كان بمثل هذا ” الجهل ” و” السفه “، فلماذا هذه ” المطاردة “؟، كما في:
ويأتي كيلو- وهو المتوهم بأنه منظّر لا يشق له غبار- في طليعة الاتجاه الأول، وبدا فاقداً لتوازنه ورزانته المعهودتين فور الإعلان عن الفيدرالية في العراق..ص 613… ولاحقاً يتعرض كيلو في مقال آخر متابعاً الأسلوب ذاته مع إضافة جرعة من الخطاب التعبوي، وهو مرعب بحمولته التصفوية : يعيد ميشيل كيلو على مسامع القراء من جديد تلك الأسطوانة المشروخة التي اتخذ منها- هو وأمثاله- تعويذة لا يكفون عن ترديدها، كلما أرادوا دسم السم في العسل ” في الدسم ” كعادتهم، ثم يمضون في اجترار مقولة باتت حتى الأنظمة الشمولية تخجل عن ترديدها في وسائل إعلامها بعد أن فاحت رائحتها النتنة…أسير أوهامه الإيديولوجية المسبقة الصنع، نراه يمضي في حبْك أقصوصته المزيفة الساذجة إلى حد البلاهة… كماركسي منبوذ من سلطة معلميه….ص 625.
وما يدخل في هذا المضمار القدحي: وصفاتهم المهترئة.ص 626- بحثنا هذا كان يهدف إلى نفض الغبار عن الحقائق التي شُوّهت في دهاليز الجغرافيا وكواليس التاريخ، لكشف النقاب عن العهر السياسي الذي مارسه العتاة، هذا العهر الذي لم تعد تطاق رائحة عفونته، لأنهم تزكم الأنوف فحسب، بل باتت تتسبب بتفشي داء الرئة…ص 681…الخ.
ذلك ما يقرّبنا من بيت القصيد وهو موضوعنا المركَّب، وكيف أن جزيري يراهن على خطورته، ويقيم داخله بعتاد توصيفي يقصيه عن شاغله المعرفي أساساً، وهذا ما يذكّرنا بمقولة هـ.أ. مارّو، في كتابه” من المعرفة التاريخية، ترجمة: جمال بدران، مراجعة: د. زكريا إبراهيم، الهيئة المصرية العامة، القاهرة، 1971″، وهي ” إن حل مشكلة الحقيقة التاريخية يجب أن يكون مصاغاً في ضوء كل ما قام باكتشافه لنا تحليلنا النقدي..ص188″.
والسؤال: هل من صلة ” رحم ” بين لغة كهذه، للباحث، ومتطلبات الموضوع القائمة على النظر والمقايسة؟
أطرح هذا السؤال، وأنا أذكّر بفقرة واردة في كتابه لها قيمتها المعرفية العميقة، ورصانتها البحثية، وهي خلاف المكتوب سالفاً ” إن آلية التفكير هذه” السلبية طبعاً” في قراءة وتأويل النص الماركسي والتي اقترنت بإهدار السياق التاريخي للنص وإضفاء هالة من القداسة عليه كما أسلفنا، سهل” سهَّلت ” على الأنظمة التي تقتسم كردستان ذاتها توظيف النصوص الماركسية التي تناولت المسائل القومية لخدمتها واعتكزت عليها لتبرير الواقع المزري للشعب الكردي وديمومته. ص 620 “.
أعتقد أن زاوية الاختلاف تكاد تكون كاملة!
إضاءة الملتبس قيمياً :
ولدينا هنا، جملة نقاط، ربما تعين في تتبع شبيهات أخرى، أي من ذات ” السلالة ” الموضوعاتية والاعتبارية:
– وجود قطعيات أو يقينيات، أي أحكام مطلقة وصلتها بشمولية ذات مفتونة بصورتها ونبرتها، كما في: البحث الذي نضعه بين يدي القارىء الكريم، يكشف دون مواربة…ص 13- وهكذا يتضح لكل ذي بصيرة. ص47-…قاسملو المعروف بموضوعيته..ص55-ويتضح لكل ذي بصيرة.ص 507- وكان هذا وحده كافياً لكل ذي بصيرة.ص 593-لا يحتاج القارىء الحصيف- كما أظن- إلى عناء جهد…ص629- عن زبير سلطان: منتهى الغباء.ص 631- يتكشف لكل ذي بصيرة….بروح مشبعة بالتحامل بقصد الإساءة، إلا أن وهن أسانيده قد فضحت قد فضحت” فضح ” تهافت خطابه، وفي النهاية عجز هذا الخطاب عن حجب الشمس بغربال…ص632- وعنه وقراءته: إن مثل هذه القراءة التي تمتاز بضحالتها وسذاجتها لا تنطلي على أحد..ص 633- عبدالرزاق عيد أحد يتامى الحزب الشيوعي السوري.ص 634.
حيث إن مكاشفة نقدية لهذه التسويات النهاية تترجم إفلاساً في رؤية الآخر الذي يستحيل الدخول معه في حوار دون وجود اعتراف بحقيقته أولاً، وأن الحوار يستدعي معرفة بخزّين معلوماتي ومعرفي لديه ثانياً، وإلا لما كان هناك حوار معه، وهذا يتطلب التخلي عن تسفيه عار له من نمط التوصيفات السالفة الذكر، لأن أول مهزوم معرفي وخاسر هو الباحث نفسه، كما ينبغي أن يؤخذ بالحسبان، وأول ما يتعرض لنقد الصديق المعرفي الفعلي هو الباحث المسفّه هذا.
أي عدم خفْض مكانة الآخر بطر يقة تعدمه، إنما محاولة قراءته ذهنياً، وتبعاً لأي معيار معلوماتي ومعرفي يقرأ ما يعني سواه جغرافياً وتاريخياً، كما الحال بصدد كل من الكرد وكردستان، وما يتردد حولهما وباسمهما. إن سماع صوت الغريب ضروري لمعرفة نبرة صوتنا، ذلك أضعف الإيمان، لمن يتعقب علم الأصوات وأبعادها الموسيقية !
ذلك من شأنه الدفع بمفهوم القول والكتابة في منحى مغاير للمخطط له، ونحن إزاء تأكيد متعدد الوجوه في متن كتابته على هدر المعنى، أي عندما تصبح حيازة المكان المخصص للتحليل، تعزيزاً لإرادة منفعلة لا فاعلة معرفية: منتجة “.
-ثمة نقاط تتطلب مكاشفة نقدية، تخص الكتاب الكرد، إذ لا ينبغي أخذ ما قالوه بصفته حقيقة تاريخ، وتحديداً في سياقه الزماني- المكاني، جرّاء ظهور حقائق تاريخية جديدة، فشرف خان البدليسي غير محمد أمين زكي بك، غير ما يكتبه الأكاديمي فرست مرعي وهو في موقع المدافع المستميت عن الفتوحات الإسلامية واعتبارها نعمة على الكرد بامتياز، كما في كتابه المذكور في كتاب جزيري” الفتح الإسلامي لكردستان “، ص 217، ممثلاً، ولو أنه يشمله بالنقد أحياناً” ص 219 “، إنما – وكما أرى – يتطلب النقد تكثيفاً أكثر، إذ كثيراً ما يصل المديح التاريخي للإسلام ونعمائه بمن يشدد على ربطه بما هو قومي” عربي ” ومدى خطورة هذا التوجه، حيث الديني يصبح هو المتقدم على ما سواه هنا، وهذا ينطبق على مثال آخر، يجدر التنبه إليه، وهو جكرخوين الذي كثيراً ما يتعامل مع التاريخ كشاعر وليس كناقد أو باحث في التاريخ، من خلال كتابه ” تاريخ كردستان ” والحاضر في مؤلَّف جزيري” ص 220-221 ” مثلاً.
-كثيراً ما يجري الحديث عما شهده مطلع القرن العشرين الفائت، وإثر دخول فرنسا إلى سورية كدولة منتدبة ومحتلة، ومن ثم الوقوف في وجهها على أنها مقاومة أو ثورة ” وطنية “، وبمصطلح الراهن، دونما نظر فيما كان يجري على الأرض، وكيف أن سوريا ” الأمس ” ليست سوريا ” اليوم ” لا جغرافيا ولا سياسياً، وأن الوطنية، هذه التي أريق حولها حبر كثير، إن لم نقل دم كثير باسمها أو في نطاقها، ما تزال غريبة اليد واللسان في مجتمعاتنا، وأن رهاننا بمختلف لغاتنا هو كيفية بناء وطن فعلي يضمنا، وطن مؤسساتي، وحدود تشعِر كلاً منا أنها تعنينا.
ولعل نفحة، أم نفخة الإيديولوجيا وجانبها التعبوي وراء ” تثويرات ” عملية أو نفسية كهذه، وتجاهل الانقسام في الموقف تجاه هذا المحتل، كما يوصَف، وفي الحالة الكردية، باعتبار فرنسا لم تعبأ بالكرد، وبالتالي، فإنه بصدد الحديث عن الثورة الوطنية في سوريا ومقارعة الاستعمار الفرنسي، ينبغي هنا التروّي في إطلاق الأحكام، كما في حال ” ابراهيم هنانو، صص 428-436 “، فالوطنية وقتذاك، لا ينظَر فيها، كما هو الآن، عدا عن مدى تقاسمات الداخل السوري كثيراً من الخارج، حال ما قام به هنانو ، وحتى قبل دخول الفرنسيين إلى سوريا، والتعامل معهم بما هو أكثر من الولاء، أي التبعية أو البراغماتية، حيث إن محمد جمال باروت نفسه، في كتابه ” التكون التاريخي الحديث للجزيرة السورية ” وهو معتمد عليه كثيراً في كتاب جزيري، يشير إلى هذا الانضواء العربي العشائري، من قبل عشائر عربية كحماة للفرنسيين ” ص131-132 “، وعلى الصعيد الكردي أيضاً، يمكن ملاحظة ذلك، جهة تجاوب قبائل كردية معهم، وجهة دخول أخرى في حرب معهم، بتحريض من تركيا، كما يذكر، على الأقل، جوردي غورغاس، في كتابه” الحركة الكردية التركية في المنفى ” وهو وارد في كتاب جزيري، أيضاً ” ص 46 “.
وهذا يبقينا مجدداً في ” حوزة الفصل السابع ” الشعب الكردي في ظل الانتداب الفرنسي “، وهو مكثف وطويل نسبياً ” صص 417-476 “، فثمة ضرورة لقراءته من أكثر من زاوية: تاريخية وجغرافية، مجاراة لطريقة المؤلف، استناداً إلى نقد ملحوظ له، موجه إلى من يثمّن فترة الانتداب الفرنسي على سوريا كرديا ” ص 417-418 “، ومن خلال مقولة ” الوهم ” وسعيه إلى دحضها، عبر التركيز على أن فرنسا كانت تبتز، مثلاً ” تركيا والكرد على حد سواء. ص 418 “. أكون معه تماماً، جهة السياسة الفرنسية في التعامل مع مختلف الأطراف تبعاً لمصلحتها، سوى أن التدقيق في ” الجغرافيا المرنة ” والتي كانت تسمح بتنقلات الأشخاص، وحتى جماعياً بالنسبة للكرد على طرفي الحدود، يغيّر مفهوم التاريخ السياسي وقتذاك، ليس لتبرئة ذمة فرنسا، وإنما لإضاءة هذه الفترة ” الانتداب ” وما تحقق للكرد ثقافياً، وجهة الوعي القومي- ولو- النسبي- والتاريخي على مستوى كردي، وحسب جزيري شاهداً أنه يورد أمثلة مختلفة في هذا المضمار، وقد ضمت” سوريا ” رموزاً كردية، مثل جلادت، قدري جميل، أكرم جميل باشا…، وأن حاجو آغا الذي تمكن من ” اجتياح ” منطقة جغرافية واسعة نسبية في ” أسفل/ جنوب ” الخط المعلوم، وإخضاعها له، عدا عن الدفع بكثيرين إلى الاستقرار في المكان، وأنشطته الأخرى في المنطقة : السياسية والاجتماعية تحت سمع الفرنسيين وبصرهم، كل ذلك يظهِر استثنائية الفترة مقارنة بما تلاها، فثورات الكرد وانتفاضاتهم وأنشطتهم كانت تجد متنفساً سياسياً وثقافياً واجتماعياً لها من هذه الحاضنة السورية ” من قامشلو إلى دمشق ” بالذات، وكل ذلك يتطلب متابعة تنقيبية واستقصائية لما تقدم، وكل عودة إلى الفترة تلك” النصف الأول من القرن العشرين الفائت “، تظهر الطابع التركيبي والعميق الأثر لتاريخ ينتظر تأريخه كردياً، ليعلّم الباحث فيه أكثر فأكثر.
-ما يكون شروحات، والمقصد خلافها بوعي أو بدونه، في عملية التقصي التحليلي الموسومة، كما في صياغة كهذه: جرّاء تجاهل الشعب الكردي والتنكر لأبسط حقوقه القومية العادلة، وجرّاء ممارسة سياسة القهر القومي ضد…كون هذه السياسة العقيمة….يتبجح مروجوها بشعارات الوحدة الوطنية…ص11…
إنه توصيف وليس تعريفاً أو تصحيح مسار أو تسميته، وهو أيضاً شرح لشرح، وما في ذلك من تبئيس المراد معرفياً، فالتجاهل هو نفسه نظير: التنكر، وهذا يؤدي منطقياً إلى التالي، كما في ” السياسة العقيمة “، وما يخص “تبجح مروجيها ” حيث ينعدم التحليل، لحساب التوصيف والخطاب الإنشائي الذي لا يفيد في عملية نقد ” الآخر.
– في الصفحة” 609 ” يعترف المؤلف بأنه كان شيوعياً بين عامي ” 1970- 1988 “، أي في مرحلة شبابه، ويقول” ثم تركت الحزب بمحض إرادتي لأسباب عدة، يعد الموقف من القضية الكردية عامة وحلبجة بشكل خاص أولاً، وتبعية الحزب وفقدانه لاستقلاليته بعد انضمامه للجبهة الوطنية التقدمية التي يقودها البعث ثانياً، من بين تلك الأسباب “. ذلك صحيح، سوى أن ذلك ، كما هو مقروء في بنية الكتابة، لا يشهد على التحرر البحثي من أسْر المحاكمات النصية، والتهكمات الكلامية وتسخيف الآخر في صفحات مختلفة من الكتاب، كما رأينا، والانتقال إلى ” خارج ” الحزب، لا يعني بالمفهوم النفسي والمعرفي ” تحرراً ” من وطأة ما كان، إنما قد يظهِر ما هو آفاتي، عبر نقل ” الفيروس ” العلموي ” المعتمد سابقاً، إن جاريناه في منطقه، إلى ساحة أخرى، ومدى ضراوة هذا الانتقال، خصوصاً، حين نتلمس في الأدبيات الحزبية الكردية غالباً ” عدوى ” مقاضاتية: توصيفية وأخلاقية من هذا القبيل، ولا أظن أن جزيري بغائب عن ذلك أولاً، وأنه لم يجد تقبلاً له، وفي الأقرب إليه حزبياً ثانياً، وهو يستخدم صيغاً لها فخامة الإنشاء، وضعف المردود المعرفي .
– عبارة ” الكاتب العلوي سعدالله ونوس . ص494 “، في غير محلها، وإنما الصواب: السوري، ومن ثم إبراز موقفه النقدي من حقيقة ” 5 حزيران 1967 ” رغم كونه علوياً، وفي مسار التصويب ثمة حديث تكليف وزير المعارف محمد كرد علي من قبل رئيس الجمهورية السورية شكري القوتلي بغية تقصي الحقائق في ” الجزيرة ” السورية، وكتابة تقريره في ” 18-تشرين الثاني 1931 “…ص 512، والصحيح أن الرئيس كان تاج الدين الحسني ” 1885-1943 “، وقد حكم في الفترة الفاصلة ما بين ” 14 أيار1930- 19 تشرين الثاني 1931 “، وفي نقطة أخرى، تخص مقولة ماركس عن التاريخ كمأساة أولاً، وملهاة ثانياً ” ص 513 “، والأدق ثانياً كمهزلة، لأن الملهاة/ الكوميديا لها دلالة أخرى أرفع مستوى أو قيمة من سابقتها ، وفي نقطة أخرى ذات صلة بمعرفة الذات التاريخية، تحدث عن: سرد خلود الرسالة التي خلَّفها السلف يكمن –قبل كل شيء – في حضورها الآني ..ص548 ، وهي عبارة تتطلب ضبطاً وتنقيحاً، تجاوزاً لما يتردد في الأدبيات الإيديولوجيات للآخرين ” خلود الرسالة “، وبغية التغيير، وأن ” الآني “، ربما تكون ” المستمر “، لأن المعنى، كما أرى في صيغتها تلك، نقيض ما تقدَّم، وكذلك فإن وصفه لمنذر الموصلي بأنه كاتب سوري مرموق ، كونه مندهشاً من معاكسة حقائق التاريخ لديه.ص 641، لا يخفي تناقضاً، وفي الوقت ذاته عدم الدقة في المكاشفة النقدية لحصّالته المعرفية.
– الفصل التاسع: رؤية الحركة السياسية الكردية لمستقبل سوريا” مشروع الفدركة “، صص 655-678. نقد الآخر أكثر، ورؤية سياسية لا ثقافية، وأرى أن الباحث لم يشأ خوض غمار الباحث التاريخي في حصة هذه الحركة من الخطأ والصواب التاريخيين، لأنه، كما هو أسلوب تناوله للأحداث، داخل في مضمار استحواذي نفسي وجانبي بأكثر من معنى، وبالتالي، فإن الحديث عن ” الغابة ” جاء من الخارج أكثر من الداخل، برطوبتها ورائحتها ورهبتها وطبيعتها، إن جاز التعبير، وحيث إن تناول الحركة هذه في عجرها وبجرها مفصل رئيس في رواق كل من التاريخ والجغرافيا. أي إن نقد الداخل وهو منقسم على نفسه أشد الانقسام يتجاوز في أهميته نقد الخارج، لأن الحركة تبدأ من نقطة متموقعة في الداخل، سواء على الصعيد التنظيمي ومحفّز العلاقات بين أعضائها، والنظر إلى الفاعل الثقافي، أي دور المثقف الذي لما يزل في هيئة الغريب المشبوه فيما اختاره من تمايز، وما يتفوه به، من منظور المشهد البلوكي غالباً لهذه الحركة المخلخلة.
إضاءة خطأ لا أراه سهواً :
أردت من هذا العنوان الصغير أن يكون فاعلاً في لفت أنظار المعنيين بالكتابة عموماً، والكرد منهم خصوصاً، وأنا أشير إلى ازدواجية شخصية الكاتب حين يضفي على الكتابة قيمة مجتمعية، ويصل نفسه بالآخرين، والسعي إلى التحرر من سطوة النرجسية، وفي المجال البحثي والنقدي قبل كل شيء، وما أن يبدأ بتحديد موقف ” نقدي ” من الآخر: الكاتب المختلف عنه، أو زمرة الكتّاب، حتى تتراجع إرادة المعرفة الفاعلة لحساب الإرادة المنفعلة، جهة تقييم اجتزائي، أو مراضاتي، ومزاجي، دون نسيان التركيز العمد إجمالاً، كما تلمست ذلك لدى نسبة معلومة من ” كتّابنا “، وأحسب أن علي جزيري في تعرضه لهذا البحث هو الأقرب إليه من أي كان، لأنه ينتسب إليه أو يحسَب عليه، وبالتالي ، يكون حساب الخطأ مضاعفاً، أو المساءلة تكون أكثر توجهاً حتى إلى الحافز اللاشعوري وكيفية تلوينه لخياراته الاسمية وغيرها.
في تناوله لكوكبة من الكتاب والباحثين المتألقين المعاصرين ” ص 565 “،في الوقت الذي يردُ اسمي ثانياً، ورغم أنه يستميح قارئه عذراً إن نسي اسماً ما بسبب الذاكرة التي لم تسعفه أو جرّاء سهو غير مقصود…الخ، إلا أن تدقيقاً في اللائحة الاسمية، تقول خلاف ما أفصح عنه من جهة، ولأن هناك أسماء لا ينبغي أن تنسى أو تهمَل مقارنة بأسماء لا تمثّل وزناً اعتبارياً يعتد به من جهة ثانية، وذلك عندما أوردُ هذه اللائحة الاسمية التي تعرَف بحضورها الثقافي أكثر من نسبة لافتة في لائحته، وفي وسع القارىء المعني الربط بين ” منتسبي ” اللائحتين.
من الكاتبات، مقارنة بأسماء ست كاتبات متتاليات فقط وردت أسماؤهن في قائمته، أشيرُ من جهتي إلى: كجا كرد، جانا سيدا، آخين ولات، خلات أحمد- مها بكر- نارين عمر- دلشا يوسف- فدوى كيلاني- أفين ابراهيم- ديلان شوقي، شهناز شيخي، منال الحسيني…الخ.
ومن الكتاب: نوروز مالك، رزو اوسي، حليم يوسف، خالد عيسى، محمود عباس، هيثم حسين، هوشنك بروكا، ولات محمد، أرشف اوسكان، جميل داري، عبدالواحد علواني، أديب حسن محمد، منير خلف،أحمد ومحمد نور ومحمد عفيف الحسيني، جوان عبدال، كوني سبي، معشوق حمزة، بشار العيسى، جان كورد، دلاور زنكي، عزالدين ناسو، حواس محمود، عنايت ديكو، خالد عيسى، مروان علي، بنكي حاجو، كاميران حاجو، هيبت بافي حلبجه، حسن ظاظا، لقمان محمود، جولان حاجي، علي جازو، آذاد عنز، فريد سعدون، فارس عثمان، صالح جنكو، عزيز غمجفين، لقمان ديركي، محمد جزاع، محمد باقي محمد، عبدالباقي يوسف، محمد قاسم، حسن دريعي،جوان نبي، فرمان بونجغ، هوشنك درويش، ادريس عمر، مسعود عكو، رستم محمود….الخ.
فهل هذه الأسماء، أو نسبة كبيرة منها، قابلة للنسيان، من قبل من يأتي على ذكر أسماء دونها منزلة؟ خصوصاً وأنه في عمل بحثي طويل، وليس مقالة سريعة! ألا يضعنا ذلك في مواجهة المكر بالتاريخ بصورة ما؟
يذكَر هنا، وهنا كما أرى، يكمن التجني على الحقيقة، وعند تناوله لقائمة ” الأسماء “، أنه في معرض حديثه عن ” اتحادات الكتاب ،ص 571 “، تجاهل كلياً أي إشارة إلى ” رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا ” وهي تضم عشرات الأسماء الكردية في حقول أدبية وبحثية مختلفة. هل يعتبَر ذلك سهواً أو ضعفاً في آلية الذاكرة أم لهواً بها ؟
حول ضبط المصادر ودقتها :
يُتلمَّس إرباك في التعامل مع المصدر وخلل فيه، وتحديداً حين يعوّل على مصدر على علّاته دون التأكد منه، ومدى صحته، ومفهوم السياق أصلاً، عدا عن جانب تواكلي يقلّل من صدقية العمل البحثي، وما يترتب عليه من تشكيك في التعامل الفعلي، دون أن أغفل عن الإشارة إلى المعتبَر هفوة في بعض الحالات لحظة نقص معلومة أو خطأ كتابتها:
1-ثمة اقتباس لقول، دون الإشارة إلى المصدر وصفحته، كما في حال رواية ” الجذور” لاليكس هالي ” وذلك في ” ص 13 “. وثمة ملاحظات أخرى تخص طريقة التعامل مع المصدر أو الجاري ذكره، إذ المهم هو تعميق الجانب المعتمَد عليه، على الأقل لمصلحة الباحث، كما في الحديث عن مقدمة سارتر لفرانز فانون، بالإحالة إليها ضمن هامش، أو العدد المتعلق بمجلة ” دير شبيغل ” حيث أجري لقاء مع يشار كمال ، وكتاب ” وعاظ السلاطين ” لعلي الوردي”..
2-يضع اسم مترجم كتاب بيشكجي” كردستان مستعمرة دولية ” خطأ: زهير عبدالله ” ص 14 “، ويتكرر ذلك ” ص 16 “، وهو : زهير عبدالملك، عدا عن عدم ذكر اسم الدار.
3- حين يقتبس قولاً لنهرو عن الكرد وهو ينتقد سياسة أتاتورك، مشيراً إلى كتاب ” لمحات من تاريخ العالم “، وعبر التذكير بكتاب آخر ” هامش، ص 21 “، والأجدى النظر في كتابه السهل التوفر حتى انترنتياً كسواه: نقله إلى العربية: لجنة من الأساتذة الجامعيين، دار الجيل، بيروت، طبعة جديدة، 1997، وضمناً مقاله المتعلق بالكرد ضمناً: مصطفى كمال ينفض غبار الماضي، 8 مايو 1933، صص 256-264. رغم أنه يمدحه ” مثلاً، ص256 بداية، و264 نهاية: ضمناً يتحدث عن مأساة الكرد وكفاحهم من أجل حريتهم، وكيف يتهمون بالعمالة للآخرين” بريطانيا. ص 259- وما يستشهد به جزيري من كتاب غونتر دشنر” هامش 1،ص 107 ” موجود بصياغة أخرى في كتاب نهرو: وهكذا نرى أن الأتراك الذين حابوا مؤخراً للحصول على حريتهم سحقوا الأكراد لمطالبتهم بحريتهم. فما أغرب تحول القومية من دفاع عن الوطن إلى هجوم لسلب حرية الغير…الخ.ص 260-
4- كتاب خالد حسين الصادر عن دار ” التلوين ، ص 28 “، والصحيح، دار ” التكوين “.
5- المصادر التي بقيت دون أي نقد وخطورة ذلك، مثل كتاب: محمد جمال باروت” التكون التاريخي الحديث للجزيرة السورية، 2013 ” لديه لم يؤرَّخ لصدوره ” ص 40 ” إنما لاحقاً، وهو الأهم في كتابه، وكان ينبغي التوقف عنده أكثر من كل الكتب التي تعرَّض لها المؤلف بالتحليل، نظراً لخطورة محتواه وصلته المباشرة بالوضع السوري ومكانة الكرد في الجغرافيا السورية وطبيعتها، وكيف أنه أخضع الجغرافيا لإرادة تاريخ موجَّهة، وهو ما لم يتعرض له إلا نادراً، وهذا يشكل ثغرة لافتة في البنيان التأليفي للتأليفي، ومنذ أول إحالة إلى قول مقتبس من قبل باروت لهادي العلوي، جاء مخلّاً بالمعنى، ففي كتاب جزيري، وهو يتحدث عن كيفية تزييف التاريخ ينوّه إلى ” مزاعم الأصل العربي للكرد كما يشير إلى هادي العلوي – وكونها- ترتبط : بأخطاء المنهج القديم لدى المؤرخين العرب.. فهي تستند إلى ” ظنية الرواية “، لا إلى ” قطعية الدراية “. ص 40 “، وفي العودة إلى المصدر الرئيس ” ص 236 “، نلاحظ أولاً نقصاً، إذ كان ينبغي إملاء الفراغ المتروك، أي بعد: المؤرخين العرب ” هكذا: وليس بتحيزات لأمة أو دين “، وثانياً، كان يجب على الأقل، تسمية مقال العلوي والمنشور في منبر ثقافي بيروتي سنة” 1994 “، ومن ثم كتابة : نقلاً عن… !. ذلك، ما نجده لاحقاً، وهو يتحدث عن سعيد النورسي وخروجه عما هو كردي قومي، عبر الاستعانة بباروت والذي لا يأتي على ذكره هو وسواه إلا لتأكيد مسار مغاير تماماً لمسار المؤلف: جزيري ” كان النورسي في تقديرنا كردياً عثمانياً، وهذا ما يميزه عن النخب القومية الكردية. ص 190 “، وكأني بجزيري يتبنى وجهة نظره، أو يتماهى معه، وهو كارثي في المآل. وكان عليه على الأقل أيضاً أن يكمل مقولته، كأضعف الإيمان ” … عن النخب القومية الكردية الحديثة التي انخرطت في تفجير ثورة آرارات. ص 212 “، وما تردد في ” ص 228 ” عن نفوذ ابراهيم باشا، إذ يحيل عليه، وهو يسمّي أكثر من مصدر وبصياغة مختلفة ” ص 98 “….الخ. وفي السياق، فإن نقده الموجه إليه، وهو يرد عليه في تناوله لواقعة بياندور، كونه ” يشوه مجريات الأحداث التاريخية “، لأنه يقول عن ” أن أحداث بياندور كانت جزءاً من الصراع التركي- الفرنسي على ترسيم الحدود، وما جرى كان بدافع من تركيا…ص 442 “، فثمة نصف حقيقة في قوله على الأقل، وتخص الصراع المذكور،وكيف كانت تركيا تشجع على مقارعة فرنسا من الداخل السوري” هنانو بالذات “، ولو أن باروت كان ينشد شيئاً آخر، وهو مدى ارتهان الكرد بالذات لتركيا، ومنهم حاجو آغو، وفي الوقت الذي نجد أن حاجو آغا نفسه لعب مع فرنسا على هذا الخط عندما دخل ” سوريا ” سنة 1926 “، وأشار إلى المحرّض التاريخي : التركي، كما يذكر جبو في كتابه ” سلاطين هفيركان ” والوارد اسمه في مؤلف جزيري، حيث رفِض قبول حاجو لأنه حارب فرنسا وقتل فرنسيين سابقاً ” التطور ركب حاجو حصاناً باقياً من الضابط الفرنسي روجر الذي قتله، وذهب إلى مقابلة المسؤولين الفرنسيين بالذات. وقد أوضح لهم بأن الحكومة التركية هي التي أجبرته على محاربتهم، وهددته بإبادة كل أفراد عائلته إن لم يحاربهم… وبعد لقاءات ..قبل لجوءه. ص 181 “. كما ينظر أيضاً في كتاب جوردي غوغاس : الحركة الكردية التركية في المنفى والمذكور باسمه في مؤلف جزيري، حول هذه النقطة، من خلال تحركات الضابط التركي اسماعيل حقي، وتأثيره في القبائل الكردية على جانبي ” الخط “، وحاجو آغا بدوره استثمر هذا الجانب ” وكان حاجو بن حاجو من هفركان يمثّل الصورة المثلى بين المرشحين للحصول على دعم القائد التركي، للقائد الطموح المستعد مجدداً للقيام بمغامرات حربية. ص 57…. .. إن عملية بيهندور/ بياندور، بمعزل عن طابعها العسكري التام، قد أدَّت إلى زيادة الفرنسيين من اهتمامهم بأراضي وسكان الجزيرة العليا. ورغم أن المفوضية العليا لم ترسل إمكانيات عسكرية ومالية إضافية للمناطق المتمردة، فإن الضباط الفرنسيين أدركوا أن رفض الانخراط بصورة واضحة في أراضي الشمال الشرقي السوري يجعل كل الجهود الرامية إلى احترام الإدارة الانتدابية، غير ذات جدوى.ص59 ” في الهامش الأول والتوضيحي لهذه النقطة نقرأ: قدم للفرنسيين الأدلة عن تورط الترك في الاضطرابات التي حلت في الجزيرة العليا منذ بداية العشرينيات. وتفيدنا الرسائل ” 13 ” الموجهة إلى حاجو آغا وزعماء عرب من النقيب محمد شوقي، والتي تتهم بشدة حاجو بأنه فوت موعداً مع مقاتلي قبيلته. وينصحه شوقي ببذل المزيد من ” الاهتمام ” مقابل تزويده بالسلاح. وأخيراً فإن الرسائل من 5 إلى 7 تؤكد بأن اسماعيل حقي هو الذي أثار أحداث بيهندور عام 1923. ص 59-
6- الهامش الأول ” ص 45″، حيث الكتاب لنيكيتين، وليس مينورسكي.
في كتاب جزيري، ثمة إحالات متكررة إلى كتاب الباحث التركي الأصل والأكاديمي والمقيم في الولايات المتحدة الأميركية هاكان أوزأغلو” أعيان الكورد والدولة العثمانية…”، ترجمه عن الانكليزية د. خليل علي مراد، منشورات الأكاديمية الكردية، أربيل، 2016، ورغم إشارة المترجم، وهو قدير، إلى أهمية الكتاب” ص 7 “، إلا أن هذه الأهمية لا تنسينا مقدرة المؤلف اللافتة في تمرير تصورات تعنيه كتركي، وما في ذلك من صعوبة تواجه من يحاول مناقشته أو مخالفة رأي رأي له هنا وهناك، خصوصاً وأنه يجمع بين التاريخي والجغرافي، كما يذكر المترجم أيضاً، ولكنه لم يستعمل أي وصف عاطفي أو إنشائي، إنما ترك للمعلومة وما يرد في سياقها تأخذ موقعها، وكان يمكن لجزيري الاستفادة من طريقته هذه، ويتضح ذلك، مثلاً، لحظة المقارنة بين ” أصل الكورد ” لدى أوزأغلو” صص 42- 58 ..”، وطريقة تعقّب جزيري لهذا الموضوع، ووجود تداخل بين مرجعيات جامعة بينهما، ولا بد أن جزيري تأثر به هنا، وهو جلي، سوى أن الأخير لم يدخر جهداً في استعمال مفردات أو تعابير وأوصاف تخرجه عن منطقة الباحث التأريخي والناقد الجغرافي” صص 35-52″…الخ.
7- بصدد كتاب علي الوردي عن ” العراق “، يغفل اسم الجزء، ويكتفي بذكر رقم الصفحة ” 160 “، وربما كان في الجزء الأول، وثمة أكثر من طبعة ودار نشر لكتابه، كما في : لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، جامعة بغداد، دار الكتاب الإسلامي، ط1، 2005. م1، ج1، حيث يستخدم تعبير ” التناشز الاجتماعي ” الدال على التناقض ” كثيراً ما يكون هناك جزءات مترابطان ثم يحدث التغير في أحدهما دون أن يحدث في الآخر، أو هو قد يحدث في أحدهم أسرع مما يحدث في الآخر… وهو ما أسميه بـ” التناشز الاجتماعي “.ص 300″، وينظر أيضاً ،ص 301.
8- بصدد الحديث عن ” رأس السنة الكردية : نوروز/ اليوم الجديد ” وإحالة الباحث لقارئه إلى ما كتبه حول ذلك سالفاً، وفي الهامش” ص 199 “، بغضّ النظر عما كتبه، فإنه، ولو من باب الإثراء والتنوع، النظر فيما أثاره د. حسين قاسم العزيز” 1922- 1996 “: المفصل في نشأة نوروز: الذهنية الإبداعية ” دراسة في فكرة الأعياد الشرقية “، تقديم: مكرم جمال الطالباني، المركز الأكاديمي، بنكي زين، بيروت،ط2، 2013 ، وبموسوعية لافتة، كما في الفصل الخامس تداخل أعياد ورموز بين نوروز وتموز، صص 159-261….
9- بصدد كتاب رحلة أوليا جلبي ” ص223 “، والهامش “2 “، والملاحظة المدونة، كان ينبغي التذكير بأنها لمترجم كتاب جلبي: رشيد فندي، مع كامل العبارة، وهو يتحدث عن الزعيم البدليسي ” عبدال خان الفنان ذي الألف فن “:
” في البداية أقول أنه خبير في الفلسفة والعلوم العجيبة والكيمياء والسيمياء… وقد فاقت شهرته شهرة جالينوس وأبوقراط وفيلوس….يجب التذكير تالياً أيضاً: بسبب كثرة الأمراض وضعف الناس في هذا الزمان.”.
10- يورد نصاً حكائياً عن بدرخان بك وكرهه للحجل ” هامش 1، ص 260 “، دون ذكر المصدر، على الأقل وأنا أشير هنا إلى كتاب نذير جبو: سلاطين هفيركان” صفحة من تاريخ الكورد “، ج1، ترجمه من التركية الأستاذ الدكتور خليل علي مراد، مراجعة وتقديم الأستاذ الدكتور: عبدالفتاح البوتاني، مركز الأبحاث العلمية والدراسات الكوردية، دهوك، 2012 . بالتركية، ستانبول 2010 ، ص 60.
11- يورد قولاً للباحث العراقي سيار الجميل، حيث يذكر العنوان في الهامش” 1- ص 359 “، ولا يعرَف ما إذا كان عنوان مقال أو بحث أو كتاب، ولحظة التأكد يعرَف عن أنه عبارة عن نص محاضرة ألقاها في مؤتمر زيورخ للأقليات في الشرق الأوسط، يوم السبت” 24 ” آذار، 2007، وهو منشور في موقعه الشخصي، وهو خلاف توجه جزيري في بنيته، أي تمييع للمفهوم، وضمناً” الأقليات ” والمقصد السلبي في القيمة، حيث تواجَه بـ” الأكثريات “.
12- ثمة لزوم للتدقيق في الصياغة، فجزيري يتحدث عن بنية المعارضة السورية وموقفها من مسألة حقوق مكونات الشعب السوري، مقتبساً القول من كتاب عبدالباقي صالح اليوسف: الانفجاري السوري ” ص 360 “، وقراءة القول في كتاب اليوسف” ص71 ” أكثر ضبطاً ووضوحاً وتكامل معنى .
13- كان في الوسع الرجوع إلى مواقع انترنتية، حيث تتوفر مواد داعمة لموضوعه، وفي نقاط مختلفة منه، ولعل هذا الجانب هو الأفقر في متن هوامشه ومصادره، كما في حال موقع ” كلكامش ” الغني بموضوعات من هذا القبيل، مثلاً: حول أحداث عامودا” صص443-447″ كان ينبغي إحالة القارىء إلى مجموعة ” من وثائق الصراع على الجزيرة 1937 ” والتي ترجم لكم وافر منها وقدَّم في حلقات، ونشرها في الموقع المذكور، سنة 2009، على الأقل، من ” 1- 19 “، إلى جانب موضوعات أخرى تخص الحركة الكردية في سوريا ومعركة بياندور، وشخصيات كردية…الخ، في الوثائق الفرنسية، لا غنى عنها هنا.
14- في حديثه عن حزب البعث العربي الاشتراكي، وهو فاعل رئيس في بنية التاريخ المعروض للنقد والتحليل، كما نتلمس في” صص 598-603 “، أما كان ينبغي الرجوع إلى مصادر مباشرة، ولو مصدر واحد له صلة بمؤسسيه ومَن في/ مِن بطانتهم؟ وهي متوفرة انترنتياً لميشيل عفلق أو زكي الأرسوزي، أو ساطع الحصري، أو فيما كتبه حازم صاغية عن البعث العراقي أو السوري أو ” قوميو المشرق العربي “، أو ما ينقد الحزب نفسه من الداخل، من قبل من كانوا حزبيين، مبكراً: مطاع صفدي، سامي الجندي، ولكل منهما كتاب عن البعث و” مأساة ” الجاري فيه عملياً.
15-بصدد كتاب حنا بطاطو : فلاحو سوريا ” ص 493″، والصفحة المرقمة ” 25 “، لا وجود لهذا المقتبس فيها.
16- بصدد المقتبس من كتاب ادوارد سعيد ” الثقافة والامبريالية “، في الصفحة ” 682-683 “، ينوّه أولاً إلى نقص فيه، وخلل في المقصود ثانياً، فالكاتب يتحدث عن الديمقراطية الممثَّل فيها ” في كل بقعة من بقاع الشرق الأوسط، الذي ما زال قومياً ” بل ثمة طغم ” أوليغارشيات ” ذات امتيازات، وأما الجموع الغفيرة …”، والصحيح، كما هو وارد في كتابه ” …ما يزال ” قومياً “: بل ثمة إما طغم ” اوليغارشيات ” ذات امتيازات، أو فئات أعراقية ذات امتيازات…ص 356 “، وفي النقطة الثانية، فإن سعيد يكاد يرجّح كفَّة طغيان ” أميركا “، وجنوحها إلى بلبلة الأمن في المنطقة وذلك في تعاملها مع أنظمة المنطقة وطغاتها، ويشير تالياً إلى فيض الكتب الفورية التافهة التي ألفها صحفيون وروّجت…تبرز جميعُها العرب بوصفهم تنويعاً أو آخر على صدام ” حسين “، وأما تعساء الحظ الحظ الذين قاموا بالعصيان المسلح من شيعة وأكراد، والذين كانت الولايات المتحدة أول من شجَّعتهم على الانتفاض ضد صدام، ثم تخلت عنهم ” فريسة ” لانتقامه الذي لا يرحم..ص357 “. طبعاً، ذلك ما يمكن تطبيقه على الوضع الراهن، إنما ثمة ما هو أعمق وأوسع حراكَ علاقات من ذلك، في بنية العلاقات الاجتماعية والسياسية في المنطقة، بين أنظمتها وشعوبها و” أميركا ” وامتداداتها في الغرب وغيره.
ما ليس خاتمةً :
في خاتمة كتاب علي جزيري، نقرأ في بطاقته البحثية والذاتية:
” لا مناص من القول بأنني لا أدعي بأن بحثي هذا بمنأى عن الثغرات والنواقص، لكن حسبي أنني أنتجت في ضوء الظروف القاسية ما في المستطاع، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وقد باتت الدراسة بعد نشرها، ملكاً للقراء الذين سيزودنني بملاحظاتهم النقدية التي آمل أن تغنيها.ص 679 “.
وربما كان القول المفيد في الإيجاز الشديد، وهو: بناء على هذا الاعتراف، تضاعف حافز القراءة وكتابة هذا المقال، ولو أنه كان سيكتَب من دونه، سوى أن المعترَف به يعزّز شهية كل من القراءة والكتابة و…الحوار .
ملاحظة: كما لوحَظ، لم أتطرق عموماً، إلى أخطاء لغوية ونقص في المنقول في أمكنة مختلفة من الكتاب، آمل التدقيق فيها.