مروة بريم
عزيزتي روشن بدرخان:
كان أيلولي محموماً طريح الفراش منذ أيام بعد أن قضى أواخر الصيف يحمل أمواج البحر على كتفه الجريح و يجففها على الشطآن يصنع منها أكاليل ملح تزين جبهة الصباحات. دنوتُ من سريره الأصفر أضع على جبينه كمادات حب مثلجة أردت استنشاقه برئتين بحجم السماء قال أخاف عليك من العدوى قلت أنا مصابة بك منذ زمن، أريد أكثر…أريد الاختباء في أعماقك قال ليس في أعماقي سوى الظلام قلت لا احد يجيد قراءة الظلام مثلي ألا تراني كلما التقيت بك عيناي تستحيلان ملحمتين داكنتين حيث تصطبغان بلون أعماقك، أتنفسك أيلولي أتنفسك قال ما أحيلاكِ من امرأة أرى فيها جنون الكون نهاراً ووداعته في العتمة. و انتزع الزمن سريره مني وابتعد مطفئاً شموس عينيه.
عزيزتي أم جمشيد: في ليالي الخريف كم أنا ضئيلة كهذا المجنون بليلى في صفحة السماء، يخدش المسافة بشرارات اللهفة و يشعل أصابعه في الطريق إليها ليحظى بعناقها في العام ليلة.
أحمل بين أضلعي قلباً ممزقاً فتك به الشوق لتشرينين كتومين باستدارة اللوز و سكونٍ بني اللون يعتليان وجه أيلول، أيا مجنون ليلى أحترق في العام ألف ليلة تمتلئ منافض الظلام برمادي و أتوسل المسافة لأجد للعناق سبيلا. في كل مرة أصطحبك أنا نتفقد أماكن منسية، لكني في هذه الليلة الغريبة الباردة طفلة تسطع في عنقها لآلئ الحزن تبحث عن يد أبيها البعيد لتشعر ببعض النبض و الأمان ليأخذها في رحلة عمياء. اصطحبيني أنت إليهما….. لتشرينيَّ فأنا زهرة خريفية الطباع لا تفرح بتلاتها و لا تتساقط إلا بينهما. الإزهار والتساقط في مكان نعشقه شعور عميق بالحياة و مبارحتها برضا. فكيف أستسلم للتساقط و لم أزهر مرةً على غصن هويته و و لمن أتوشح بالأخضر و أنا عن منابتي بعيدة، كيف أرضى بالموت و لم أتذوق بعدُ عذوبة ينابيعٍ أرغبها؟.
سأخفي نصف وجهي أحذو حذوَ القمر في طوره المُحاقي عندما تقضم الايام نصف وجهه، لأطلع هلالاً في التشرين الاول و أستدير بغنجٍ في حدقة الثاني، وحده يستحق رسائل الحبر المضيء.
لا شيء يضاهي الاكتفاء ليغدو فلكاً نشتعل في دارته ملئ الارادة. أكتب وعدي اليك في هذه الرسالة أن أبقى برعماً خجولاً يختبئ بين الأوراق يحبس عطره بعناد و لا يفوح إلا قرب وسائد أيلول. إليك أشواقاً بلون إشراقة وجهي في هذا الصباح الذي يتشاقى و يقفز على وجهي فرحاً. نلتقي في رسالة قادمة على المحبة والوفاء.
7/9/2017
من منشورات جريدة روشن – العدد 24