يوسف بويحيى (أيت هادي المغرب)
لا أعلم أين تمضي الحياة بي، وفي أي مصب يمكنها أن تلقي بي، فقدت الكثير منها وإفتقدت للعديد من نفسي، سرق مني كل شيء فلم يبقى سوى أنا، على أني لم أكن أشتاق يوما لي، أكتم كل شيء ثم أمضي بخطوات ثابتة إلى حيث لا أدري، إنعكس كل شيء ضدي إلا روحا مجهولة تسكنني تسامرني ومرة أجادلها، أطردها في بعض الأحيان ثم تعود إلى عمقي، وهكذا يمضي يومي على الحياة دون أن أعاتب الزمن على ما يفعله بي.
وحيد بين الحشود المزعجة لكن بدون ادأن يحيى شيء مني فيها، أبتعد لأستعيد أنفاس نظامي ثم أكمل الحركة صوب الرحيل وفق ما يمليه قلبي، تتوقف كل المعانى عندما أرى ذكريات الماضي البعيد يلتهمها الحاضر بلا رحمة دون أن يترك لها فرصة لمستقبل أفضل، إغتال واقعي كل شيء في نفسي بما في ذلك إبتسامتي، حتى أصبحت رهين الألم والظلام الذي يلفني ويترقبني بهدوء.
إنقلبت معاني الأشياء في قاموسي، أخاف الجميل لما جرعني من مرارة حقيقية كان يخفيها عني، لم يعد يقلقني في الوجود سوى الحياة، وجوه كانت تعرفني اليوم لا أراها إلا في ذاكرتي كأنها لم تنسى تاريخ الخدلان وقساوة الألم، لم أعد أرغب في أي وجه أراه من وجوه العار الخائنة، بنظرة واحدة مني تكسر كل الأقنعة التي يراها الجميع حقيقية، أمضي لأترك الجميع دون أن أحدث أحدا عن حقائق المشهد، أحبب الحياة إلى نفوس المارة ثم أقول في نفسي علهم يكونوا محظوظين عكس ما أراه لي القدر.
ثورة عارمة تسكنني تلقي بي إلى الجحيم، أغوص في ذاتي لأبحث عن مفقوداتي علني ألهي بها نفسي واللهيب الذي يحرق كل جزء مني، لا أجد شيئا منها سوى آثارها التي إنتزعت منها بالقوة، بإستثناء جوهرتين لامعتين مازالتا في مكانهما دون أن يحرك أحدهم فيهما شيء، متشابهتان كأنهما توأم الروح، هناك وفيهما أجد ضالتي لأشفي نفسي من كل ألم لعين يسكنني ويراودني، لم يعد يغريني إلا جمالهما ولا أثق إلا بوعودهما، تركت كل شيء لأجلهما ولم أعد أحتاج شيئا من الآن فصاعدا سواهما.
أنا المنبوذ الذي لم يعد مرغوبا فيه، المطرود من عقول الجميع، المنسي الذي رسم عليه النسيان بشتى أشكاله، لم أمت بعد لكن إغتالوني من واقعهم، لم يبقوا بي في حياتهم كأنني لست منهم، هجروني من إضطهاد إلى آخر، رحلوني إلى ماوراء الحدود ثم ألقوا بي وسط عواصف غضب الطبيعة العشوائية الإتجاه.
لا بأس بكل ما تذوقته من أياديكم الكريمة، فمهما كانت الألام تبقى قدرا يجب الإيمان به كي لا نعلن إنهزام الإرادة أمام الواقع، لم يبقى من الوقت إلا القليل كي ألقي بجثماني وآلامي عميقا، ثم أنام وكأنني لم أكن قط.
شكرا فما زلت أحب تاريخكم.