الإحباط

إدريس سالم

بينَ ريعانِ قهقهاتِ هابيل، وقابيل
حينَ أشعرُ بقسطٍ من التفاؤل
يستنسِخُ المُستنسِخون مني تفاؤلي
زَغَبةً تلو زَغَبة
فينتعلُني إحباطٌ مَرتوقٌ ضجُوج
بعَثانينه الخشِنَة
سروالِه المُترهّل
أسمالِه المُحبطة
حذاءٍ عتيقٍ تعيسٍ يشكوه
وحركاتٍ رشيقةٍ يلقيها باحتراف
مُعلناً الدخولَ إلى رُخائي، ورَخائي
فسألْتُه بامتعاض:
لماذا تنتعلُني؟!
عاظلَ باقتضابٍ، وقال:
أنا مُحبطٌ مُتصعلِك!!
أحبطَني وطنُ المُزيّفين
تساءلْتُ مُختلِجاً:
كيف سيعيشُ مُحبطٌ، وإحباطٌ مُحبط؟!
***     ***     ***
أنا صَومعةٌ للمُرِيدين
قصدَني إحباطٌ مَلعون
مع رُفقاءٍ صَلادِمٍ مُتلصّصين
يُدَلْدِلون في الخمّارة عندَ الخمّارين
يُتقِنون بينَ بعضِهم حفظَ الخَفَاء
ويبحثون في تفاصيل راحتي، وراحي عن الاسترخاء
ويشخرون بعدَ رحلةٍ من العَناء
***     ***     ***
مُحبطٌ أنا..
بينَ تفرعُنِ الإحباطِ المُحبط
وقد طالَ إحباطي،
وإحباطُ الإحباط
أأرعاه كطفلٍ بعدَ أنْ أقاتَني؟!
أأجعلُه أعزَّ المَخلوقات؟!
أعاملُه كمعتوه؟!
أقدّمُ له الولاءَ، أم أستخولُه؟!
لا..
لا أريدُه
فليبتعدْ عني..!!
يكفيني أنّني مُشرّدٌ في إيماءاتي المُنهكة
***     ***     ***
أقهيْنا معاً تحتَ الأعْياص
أمامَ نغمِ الأغْياضِ، والغَضَى
توقّفَ تفكيرُنا لثلاثين سنةٍ مُجدِبة
كنّا دائماً نفكّرُ باللاغد،
وبالغد لا نفكّر!
استمعنا إلى أوبرا الفشلِ العاثرِ العاهر
تشاتمْنا
تجادلْنا
نعتُّهُ بالمُتسلّط
بالمُترفّه على حساب الرافهين
نعتَني بالعدم
كلانا يقولُ للآخر:
اعتقْني حتى أعيشَ بسلام،
أو أرقدَ بسلام
***     ***     ***
ما هذا الذي أعيشُه؟
العلمُ يتكسّرُ أمامَ مَناجِلِ الوحوش
الفِكرُ يتبخّرُ في جماجم الأموات
الحبُّ يتمخّضُ في هلوسة المُتهلوسين
اللغةُ تُهانُ من لغةٍ أخرى
لَعنةٌ، أم لُعنةٌ ما أعيشُه؟
واقعٌ مَصنوعٌ، أم قدرٌ مَكتوب؟
أحسُّ بنهايتي العُسرى
لم أستشهقْ الحريةَ، ولم أزفرْها
أما الإحباطُ فقد فعلَ كلَّ شيء

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…