أحمد شكري عثمان
تتجه هذه الدراسة -عن كتاب الباحث إدريس عمر (الكورد والإرهاب) الصادر عن دار مكتبة خاني/ دهوك في طبعته الاولى ٢٠٢١ – إلى مقاربة موضوع الإرهاب بمرجعية المنطق الحيوي.
تقوم الدراسة على نقطتين مهمتين أثارهما الكتاب تتعلق الأولى بماهية الإرهاب ككل، أما النقطة الثانية تبيّن مدى تورُّط النّصوص الدينيّة لعقيدة فئوية ما بإنتاج ظاهرة العنف والإرهاب (الزراداشتيّة نموذجاً).
تقتصر هذه الدراسة على مقاربة ظاهرة الإرهاب من وجهة نظر المنطق الحيوي، وعلى اعتبار أي مرجعية معرفية ليست مطلقة بل هي نسبية بالضرورة. إلا أننا نؤكد أن قيمتها الفعلية تكمن بالمردود النظري والعملي المتأتي عن هكذا مقاربات. على أمل أن تفتح هكذا دراسات فيما بعد الباب أمام كل مهتم لإجراء دراسات مماثلة على مفاهيم اخرى. شاكرين للباحث إدريس عمر جهده المبذول لإغناء المكتبة الكوردية بهكذا أبحاث.
أؤكد هنا أن الدراسة تأتي في إطار فهمي الشخصي لنظرية المنطق الحيوي ومؤسسها الدكتور رائق النقري.
❖ مفاتيح الدراسة:
⮚ أولاً الحيويّة: هي فهم الوجود الكوني والاجتماعي كطريقة تشكّل ديناميكية، وليس كوجود جوهراني ثابت، بغض النّظر عن تسمية هذا الجوهر الثابت: (روح -مادة -مطلق -جنس -أخلاق أ-و آلهة -جوهر قومي -طائفي -ديني أو حتى شخصي.. إلخ).
الحيوية هي نقيض المفهوم الكلاسيكي عن الجوهر الثابت، وهي تنفي وجود جوهر ثابت سحري مفارق للكون أو المجتمع. والحيوية هي نقيض مفهوم الثنائيات: (الخير والشر-الجمال والقبح -الحقيقة والوهم -المُقدَس والمدنَس… إلخ).
الحيوية نقيض الموت والقصور والجمود [المنطق الحيوي: عقل العقل – ص 57]
يقول المنطق الحيوي بقوننة حيويّة واحدة، تعمّ الكون بجميع تشكيلاته، وتشمل “المجتمع والفرد والفكر والسياسة ضمنًا”، ويمكن اختصار هذه القوننة في المبادئ الخمسة للقانون الحيوي.
⮚ ثانياً مبادئ القانون الحيوي:
▪ ١-الكائن ليس جوهراً بل هو شكل، أي طريقة تشكّل لأبعاد الكائن.
▪ ٢- الكائن حركي لا ثابت.
▪ ٣-الكائن احتوائي متعدد ومتفاعل الأبعاد.
▪ ٤-الكائن احتمالي لا حتمي.
▪ ٥-الكائن نسبي لا مطلق. [المنطق الحيوي: عقل العقل، الصفحات من 67 الى 73]
إشكالية مصطلح الإرهاب
أتفق مع الباحث إدريس عمر حول صعوبة إعطاء تعريف معياري بصيغه جامعة يمكن الإستناد اليه في تبيان مصطلح الإرهاب، أو أي مصطلح إختصاصي آخر بصيغة جامعة مانعة.
وإن كنّا بالمنطق الحيوي نتجه الى تقنية مربع هوية الكائن؛ ونعني بها أي كائن كان لتبيان هويّته (الإسمية والفعلية). ولكن لإدراكنا صعوبة الشرح كون التقنية جديدة ولعدم القدرة على التبسيط نقترح لتسهيل الدراسة اعتماد التعريف التالي :
الإرهاب هو أيّ عمل عنفي يذهب ضحيته مدنيون أبرياء. وغالبا ما يكون لأسباب سياسية/عقائدية.
نجد أولاً أن الباحث ادريس عمر يفرّق بين التطرّف والإرهاب مبيّناً أن كل إرهاب تطرُّف وليس بالضرورة أن يكون كل تطرّف إرهاباً، رغم تاكيده أن فعل التطرّف قد يكون محرِّضاً على أعمال العنف (الكورد والإرهاب للباحث إدريس عمر ص ٣٨)
بالاستناد إلى الاقتراح السابق في تعريف الإرهاب نستخلص بعضاً من النقاط التي تسهّل هذه الدراسة:
❖ ١- الإرهاب شكل (طريقة تشكُّل):
كل كائن شكل ولو بدا جوهراً أو بدا من دون شكل والمقصود بالشّكل هو طريقة تشكّل لعناصر وسياق وظروف وأبعاد وجوده المختلفة، وقد يتشكل بأشكال لا حصر لها بدءاً من إرهاب الأفراد إلى إرهاب الدول إلى الإرهاب الإجتماعي أو الإقتصادي أو الإرهاب النفسي. وبعض وجوهها لا يشترط فيه السّلبية حتماً أو أن تكون مُجرّمة،كحال أن تكون الدول منيعة ضد تدخّل دول أقوى لترهب أعدائها من أي تدخلات أو جماعات متطرِّفة تريد الحاق الأذى بها أوالإخلال بالنظام العام مثلاَ ولا يوجد جوهر للإرهاب قائم بذاته بمعزل عن سياقات وظروف وأبعاد تشكله، إذ لا جوهر شريف ولا دنيء ولا خير ولا شرير للإرهاب ولا يوجد جوهر إسلامي أو مسيحي أو بوذي أو ماركسي أو يميني ثابت للإرهاب.
لأن الإسلام والمسيحيّة والبوذيّة والماركسيّة هي أشكال عقائد وصيغ ضبط إجتماعي وفئوي وسياسي يمكن أن تتشكّل بأشكال لا حصر لها بعضها قابل للحياة وبعضها قد يأخذ صفة إرهاب مدان، فمقولة الجوهر منافية للبرهان إذاَ
ولا يوجد جوهر عنفي أو سلمي للإرهاب لكون العنف والسلم صيغ اجتماعيّة واقتصاديّة متغيرة متفاعلة ومشروطة بأبعاد الكينونة الاجتماعية وامكاناتها المختلفة لذا اقترحنا كونه فعل دون تخصيص هذا الفعل بكونه فعل مادي حصراً اذ قد يكون الفعل الإرهابي بصورة تحريض معنوي يرقى لفعل الإرهاب ويأخذ صفة التهديد اذ لا جوهر مادي للإرهاب
وهو ما يتفق مع المعايير القانونية الحديثة التي تجرّم فعل المحرّض تبعاً لعقوبة الفاعل الأصلي ولنا أن نتخيّل مثلاً كمّ الفتاوى التي صدرت من داعيةٍ ما بتحريض النّاس على قتل الآخر ولو لم يكن تدخّله بصفة مادية وقلنا يذهب ضحيّته مدنيون أبرياء كون الأفعال ضد أهداف عسكرية مثار خلافٍ سياسي مصلحي، وهو أمر يختلف تبعاً لمصالح الدول واعتبار الفعل مقاومة ضد احتلال أم لا، وهو ما أشار إليه الباحث ادريس عمر أيضاً بعدم وجود تعريفات ملزمة حتى ضمن القانون الدولي، إذ يختلف التقيم من كونه مقاومة إحتلالٍ أو كونه حركة تحرّر وطني مشروعة تبعاً لمصالح الدول وتقيماتها النسبية. لذلك وجدنا مباركةً من أمريكا لطالبان أثناءَ مقاومتها للاتحاد السّوفياتي فترة الثمانينات وأصبحوا نفسهم إرهابيينَ بمجرد انتهاء دورهم. ونقول تبعاً لدوافع عقائدية أوسياسية في الاغلب على اعتبارأنه لا يوجد جوهر إرهابي لعقيدة ما كما اسلفنا، بل إن أي عقيدة كما يوضح الباحث إدريس عمر سواء اكانت دينية أو غير دينية خاضعة لتفسيرات وفهومات متعدّدة أقل أوأكثر حيوية تتراوح بين الانغلاق والإنفتاح وبنفس المنطق أيضا يصحّ الحديث عن إرهاب إسلامي سني أوشيعي أوماركسي أويميني أو يساري، دون أن نعتبر ان الشّكل الإرهابي هو الوحيد الممكن للتسنّن والتشيّع والماركسيّة وغيرها من هويّات الضّبط الفئوي والإجتماعي، وهو ما مثل له الباحث ببراعة بإشارته إلى حركات الإرهاب على الخارطة العالمية بمختلف إتجاهاتها / الألوية الحمراء/ الجيش الجمهوري الإيرلندي/منظمة إيتا/ حركات اليمين المتطرِّف الأوروبي والأمريكي، ودون حصرها بشكل جوهراني يخصّ عقيدة ما فقط ونؤكد أنه لا يوجد حركتان إرهابيتان متطابقتان تمام التطابق فكل العمليّات تتفق أنها اشكال /طرائق تشكّل/ وتختلف في السّياقات والنتائج والمآلات والظروف.
نضيف إلى كلام الباحث إدريس عمر أيضا أن التطرُّف وازدواجيّة المعايير وتبرير الظلم والعنصرية هو الجذر المنطقي المتأتي من اعتناق أي فكر أو مصلحة أو عقيدة بشكل جوهراني منغلق محتكر للحقيقة، وأي ادعاء بحق ما دون برهان حدوث موضوعي ومنعه عن الآخرين هو منطق الجوهر العنصري الأرسطي؛ أي حسب منطق الجوهر الأرسطي الذي يؤمن بجوهر الشيء الثابت أي القائم بذاته حادثاً كان أم قديماً بمعزل عن ظروف وسياقات تشكله مقابل أعراض متغيرة فهناك جوهر ثابت للأشياء وهناك أعراض متغيرة، كتمثيلنا بجوهر ثابت للاسلام أولليسار أوللإرهاب أوللقومية ثابتة أبدية حتمية مطلقة بطبيعة خيرة حتما ونفيسة مقابل جواهر الٱخرين الطارئة أوالغريبة النجسة والأقل شأنا أو الوضيعة.
❖ ٢- الإرهاب فعل حركي ولو بدا ساكنا
بدلالة فرق الجهد المحرك والمتحرك وبدلالة فعل الزمن، وهذه الحركة في صيرورتها تتأثر بفعل الزمن وصيرورة التاريخ وتؤثر بدورها في تغيير تشكل آثار ونتائج الفعل الإرهابي مثلا هجمات ١١ أيلول/سبتمبر كانت محركاً لتغيير سياسات العالم وأثّرت بدورها على صيرورة الأعمال الإرهابية وأدت لتغير تكتيكاتها واستراتيجياتها ويمكن تحقيب الإرهاب زمنيا تبعا لمناظير مختلفة فمثلا الإرهاب عالمياً قبل هجمات ١١ أيلول/سبتمبر ليس كما بعدها.
❖ ٣- الإرهاب احتوائي
كل كائن احتوائي متعدّد الأبعاد ولو بدا فارغاً ولا يوجد كائن بدون أبعاد أو كائن أحادي البعد، فأي فعل إرهابي يتحوى أبعاد سياسية وعسكرية واقتصادية وعقائدية فئوية، وهي بدورها محتواة في أشكال سياسية عقائدية فئوية وكل فعل إرهابي هو محصلة لتحويات متعددة المستويات والأبعاد تتحوّى بعضها بعضاً بحسب صلاحيات كل منها تجاه نفسها وتجاه غيرها ولا يوجد عمل إرهابي فارغ وبدون أبعاد أو دلالات أو معاني، هجمات ١١ أيلول/سبتمبر مثلاً لا يمكن اختصارها بالبعد العقيدي على الرغم من كون البُعد العقيدي أحد الابعاد المؤثرة والوازنه فيه والاهم فيه.
❖ ٤- الإرهاب شكل إحتمالي
من حيث أنّه متعدّد المسارات والقيم وإن بدا حتمياً وينفتح على احتمالات لا حصر لها بطرق تشكلّها، ماذا لو لم تتم هجمات ١١ ايلول/سبتمبر؟ كان ممكناً لها أن لاتعطي ذريعةً لأمريكا بالتدخّل في افغانستان والعراق. الإحتمالية هنا لا تتنافى مع الصيغة القانونية التي تضبط هذه الإحتمالية إنما تتنافى مع الحتميّة الغائية الفلسفية أوالعقائدية التي تفسّر حركية الكون والمجتمع.
عمليّات ١١ ايلول/سبتمبر لم تكن حتميّة بل مجرّد احتمال محرّض بأسباب وعوامل تعامل امريكا السّياسي بتصنيف الإرهاب لبعض الحركات على أساس مصلحي يؤدي الى تغير في الشّكل الإرهابي للحركات عالمياً.
❖ ٥- الإرهاب كائن نسبي وان بدا مطلقا
كلّ عمل إرهابي هو شكلٌ نسبيٌّ من حيث انه متعدِّد المنظور والخصوصيّات بدلالة الجملة التي يقترن بها ويتحول بدلالتها. نجد مثلا تاثير البُعد العقيدي في الفئوية السّنية عنها بالفئوية الشّيعية تجاه بعض الأعمال المُرتكبة
ولا يمكن تحييد الانحيازات الثقافيّة بالمطلق عن أيّ فعل إرهابي كان.
مما سبق نستنتح إن الإرهاب يتجسّد بأشكال لا حصر لها وأنّ الباب لايزال مفتوحاً لقابليّة التشكُّل بصيغ أخرى، مما يضع المنظومة الكونية أمام مسؤوليةٍ أخلاقيةٍ لعدم وقوعها بإزدواجبة معايير أثناء تقييم أيّ فعل باعتباره فعلاً إرهابياً أو مقاومةً مشروعة.
أحمد شكري عثمان
المملكة الهولندية
اوتريخت
١-١-٢٠٢١