الوقوف عند جدار الأغنية الكوردية في سوريا

عنايت ديكو

فقط في الأغنية الكوردية السورية والعفرينية منها على سبيل المثال، ترى اللغط الفني والغنائي والهرج والمَرَج وقلّة الخبرة والآداء وركاكة الجمل الغنائية والشعرية والموازين والايقاعات والضعف القواعدي اللغوي وفقر المعاني وضمور اللفظ والآداء وخفوت الاسترسال على خشبة المسارح الغنائية.
أي بمعنى آخر … أنت تشاهد وأمامك كارثة غنائية وبكل التفاصيل والاحجام، وترىٰ بشكل واضح حجم وماهية التداخل بين الأصلي والنقي بالمزَوَّرْ والمُحَوَّرْ .!
فجهاز ” الأورغ ” مثلاً وفي كل الأمسيات والحفلات الكورداغية … يعتلي المنصة، ويحتل المسرح بلا منازع … طارحاً نفسه كبديل صادم لجميع الآلات الموسيقية الأخرى، من الكمان … والقانون … والسنتور … والگيتار … والعود … والساكسيفون … والبوق … والناي … والجمبش … والزرناية … والكونتر باس … والتنبور … والبزق … والدف … و السولجان … والدربكة … والجاز … والپيانو … والاكورديون … والهارپ … والكمنجة … والتصفيق … والصفير … والزغاريد وغيرها وغيرها من الأدوات والآلات الموسيقية .!
– فالأورغ … ومن خلال صخبه العالي على المسرح، لا يبحث عن دوره الوظيفي في خلق الهارمونيات والخلفيات الموسيقية الهادئة وتعبئة الجمل الموسيقية المطلوبة والضروية، واضافة الرومانسية والشاعرية والقوة الى الأغنية ومفاتنها الجميلة والساحرة … بل يقوم بالتغطية على كل الأصوات الأخرىٰ والموجودة، وحتى على صوت المغنّي نفسه، ولا يعرف الجمهور المسكين والمغلوب على أمره … عن ماذا يٰغنّي هذا المطرب أو المطربة .؟
فالأورغ … يُغطي ويَتَسَتَرْ بشكلٍ متقصد على كل العيوب للعازفين والمُغنيين على المسرح، ومن دون رقيبٍ أو حسيب أو مسؤولية أخلاقية أو فنية .!
الأورغ … يتستر ويُخبّئ كل العيوب والنواقص في مساحة الأحبال الصوتية عند المغنيين والمطربين … ويقوم في أحايينٍ كثيرة بتكملة الجملة الموسيقية الناقصة بدلاً عن المطرب المسكين نفسه، لأن صوت المغني لا يفي بالغرض المطلوب.!
الأورغ … ينتقل ويتحول كـ ” الحرباء ” من لونٍ الى آخر … ومن آلةٍ موسيقية الى أخرى، دون المرور على مساحات الوعي الفكري للمستمع، وترك أثرٍ جمالي على أطراف الرّوح والوجدان الجمعي .!
الأورغ … هو المسؤول عن تردّي هذا الوضع في الساحة الفنية والغنائية، وهو مَنْ يجعل المتدرّب والهاوي مطرباً ومشهوراً خلال خمسة أيام … وبدون مُعلّم .!
الأورغ … وعن طريق كبسة زر … يتحكّم بكل الأعمدة والمفاصل وبنيان الذوق العام للاغنية الكوردية في سوريا وفي عفرين بشكلٍ خاص، دون الرجوع الى الاساسيات الفنية الغنائية والالتزام بها، والى القواعد والمهارات الفنية المطلوبة، والى التدريبات الفنية العالية واللياقات والتمارين الصوتية الضرورية، وتهذيب الأحبال الصوتية. وقبل كل هذا وذاك، ضرورة التمتع بنقاء الالقاء والتلفظ ومخارج الحروف والجمل والآداء الفني القوي والجميل .!
ففي الحفلات العفرينية مثلاً … ومثلها الحفلات الكوردية الأخرى أيضاً، ليس مهماً أن تستمع لصوتٍ عذب مليء بالشجن والاحساس والآداء، وتستمتع بصوت جيّاش نقي وجميل وحنون … وليس مهماً أن يكون أمامك تخت موسيقي شرقي، أو فرقة موسيقية عالية المستوىٰ والمهارة في التقديم والآداء على المسرح … فالمهم هو … ضرورة وجود جهاز ” الأورغ ” على المسرح … وذلك لضمان نجاح الحفلة من عدمها .!
ففي بعض الأحايين … ليس مهماً أن تأتي وتسأل وتبحث عن كبار المطربين أو المغنيين والفنانين، الذين لهم وجود وأثر فني وغنائي كبير في الساحة الغنائية الكوردية … فوجود جهاز واحد للـ ” الآورغ ” على خشبة المسرح مثلاً … كافٍ لقضاء حفلة راقصة وصاخبة وماجنة .!
– فألف مبروك للعرسان… وعقبال كلّ العزابية .!
………………

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…