المريول الابيض

نيرفت عمر 

(بداية اتوجه بالشكر والتقدير لأطباء فنوا حياتهم بالعلم وخدمة المرضى بكل انسانية ، بكل مثابرة لمواكبة كل ما هو جديد يخدم الطب والمجتمع ،اشكر جهودهم المبذولة بإنقاذ حالات مستعصية و مضنية و إعادة الامل لقلوب انهكها المرض الا انني اتوجه بهذا المقال لفئة من الاطباء نسوا أو تناسوا  أهم بند بالعلاج وهو التواصل الصحيح مع  المرضى لتفادي الاخطاء)
يحجز المريض موعد مع طبيب ما وينتظر موعده بالساعات و احيانا بالأيام ان كان الطبيب مشهورا جدا… الا ان ساعات الانتظار في العيادة لابد منها  بكل الاحوال،  ليدخل  بعدها الى طبيب بارد الملامح قاطب الحاجبين ينظر الى شاشة الكومبيوتر اكثر من المريض نفسه وبنبرة مستعجلة ومقتضبة يسأل عن حالة  المريض الذي نسى معظم اسئلته التي كان يرددها منذ ايام  ليستفهم عن مرضه ويبقى شغله الشاغل أن يستعجل هو أيضا ويخرج من غرفة المعاينة رغم انه انتظر طويلا لدخوله. طبعا) لا يعرف لماذا ؟؟( ., وتنتهي خصوصية المريض وتنتهك حرمته المرضية بدخول 
مفاجئ لمريض أخر لتبدأ معاينة جديدة  .ليخرج اخيرا بعد بضعة دقائق  وهو مازال في حيرة مرضه لم يستوعب ذلك اللقاءالعالمي السريع والمملوء بالتوتر. يخرج مستفسرا من مرافقه هل فهم  ماهي علته ؟ ،  
وهنا تبدأ الاحجية المرضية بالترقيع وملئ الفراغات المبهمة من قبل مريض يائس ومرافق حائر لفهم حديث الطبيب الخافت والمملوء بالمصطلحات الطبية المعقدة ، التي قد يسمعها المريض لأول مرة في حياته فينظر المريض متأملا غرفة الانتظار للمرة الثانية محاولا استرجاع  واستيعاب  مقابلته الميمونة وما حدث فيها وهو محبط وبيده عدة أوراق لتحاليل أو تصوير طلبها الطبيب منه دون ان يخبره لما كل تلك الاجراءات الطبية تاركا مريضه متخبطا بين الفواتير الصحية منساقا الى دوامة طبيب اخر واستشارة اخرى , لعله يجد ضالته ليصطدم بآراء الاطباء المختلفة وتشخيصاتهم الطبية المتضاربة في اغلب الحالات  .
تشخيص خاطئ ، دواء غير مجدي واحيانا وفاة اثناء العملية او ناتجة عن اختلاطها فيما بعد . ثم تبدا تهم الاهمال بالترنح بين الطبيب والمخدر والممرض….. لتنتهي تحت بند القضاء والقدر وان الاطباء بشر والاخطاء واردة .  
قصص حزينة ومعاناة مضنية وشكاوي متزايدة من مرضى لاحول لهم ولا  قوة ، يستنجدون بأمل  الشفاء والقضاء على مرضهم من خلال معاينة متكاملة و صحية من قبل طبيب متمرس ،الا اننا نسمع أو نعيش للأسف احيانا  قصص واقعية لمرضى فقدو حياتهم أو حالات لازمت المعاناة لسنوات وسنوات بسبب ضياع أهم بند وأول خطوة في طريق العلاج…. 
ما الاسباب التي قد تجعل طبيبا ذو خبرة ، قضى سنوات عديدة بدراسة الطب ، يخطئ بتشخيص مرض طالما عالجه بسهولة او يسهو عن عرض صغير يؤدي الى وفاة مريضه في غرفة العمليات !!!؟؟  
الم يقسم ان يحافظ على حياة مرضاه وان يخفف من معاناتهم ،فما الذي تغير بعد ارتداء الطبيب اللون الابيض !!!؟  
الطبيب هو شخص مؤهل علميا وعمليا لتشخيص الامراض واعطاء العلاج المناسب لكل مريض حسب حالته الجسدية والنفسية ، هو انسان وقد يخطئ ولكن الخطأ هنا كارثة عندما يكون نتيجة الاهمال والتواصل الخاطئ بعدم سماع القصة السريرية للمريض بشكل تام  , ومعرفة كافة الجوانب الصحية التي قد تؤثر على حياة هذا المريض .    
أما المريض فهو شخص ملئ بمشاعر القلق والخوف , مهما كان مثقفا او أميا ،غنيا أو فقيرا،  حاكما أو محكوما فهو  صاحب آفة تتخبطه الالام والاعراض مع أفكار و سيناريوات مختلفة ومحتملة لما سيؤول به مرضه بالمستقبل  وخصوصا ان كانت أمراض مستعصية او خطيرة قد تؤدي بحياته،  ليصبح فجأة جاهلا ولحوحا متوترا متراقبا لما سيقوله طبيبه.  
أجريت دراسة اجتماعية في أمريكا لعدد كبير من المرضى بسؤال) ما هو السبب الذي يجعلك تثق بطبيب معين (فكانت الاجابات الاكثر شيوعا كالاتي بالتسلسل الاعلى نسبة الى الادنى :  
١…شعور المريض ان طبيبه يحترمه ويحترم المه وما يمر به من محنة وظرف صحي من اعراض و اعياء .  
٢…حسن الاستماع مع تواصل بصري الايجابي بين الطبيب والمريض.   
٣…شعور المريض ان طبيبه متعاطف معه ومتفهم لوضعه النفسي قبل الجسدي.   
٤…المؤهل العلمي  والشهادات الاختصاصية الحائز عليها الطبيب المعالج من جامعات مرموقة و معتمدة.   
حسب هذه الدراسة نجد ان هناك ثلاث اسباب نفسية مهمة لبناء جسر التواصل بين المريض و الطبيب ، يجب ان تؤسس بأول لقاء بين الطبيب ومريضه والاهم انه يبدأ من عند الطبيب  
لا اقلل من اهمية المؤهل العلمي للطبيب ولا المهارة العلمية والعملية التي يجب ان يتمتع بها كل طبيب متمرس في مجاله الا انه في نهاية المطاف، الطبيب لا يتعامل مع دمى أو حالات مجردة انها أنفس تكتظ بالمشاعر والاحاسيس. والطبيب اختار ان يتعامل مع اكبر شريحة من البشر )اطفال ، نساء ، عجزة ، او كبار في السن ( ، اختار ان يتعامل مع ادق التفاصيل واشد الظروف الحرجة التي قد تلامس حياة الانسان .  
  
 فالأخطاء الطبية هنا هي اخطاء بشرية غير مغفورة لان الطبيب يجتهد ويتعب ويدرس لسنوات طويلة  للحصول على شهادة تخوله ممارسة مهنة انسانية بالمقام الاول يتعامل من خلالها مع بشر وليس مع امراض . لذا يجب ان على الطبيب المهني اعطاء المريض وقتا كافيا للتنفيس عن شكواه ، و ان يعي مدى أهمية التواصل الصحيح وبناء جسر الثقة مع المرضى الذي من شأنه ان يسهل الكثير بالخطة العلاجية من الناحية النفسية والجسدية فيلتزم المريض بتعليمات طبيبه المعالج ويجداجابة لكل ما يشغل  تفكيره وحيرته بأمر يجهله تماما وان بحث المريض في الكتب أو النت أو سأل أشخاصا من حوله فلا يهم فكلمة واحدة من طبيبه تكن له دواء. كما يجب  ان يكون لدى الطبيب أسلوب بسيط وواضح يشرح من خلاله مرض كل مريض يستقبله متفاديا أي سوء فهم من قبل المريض لتعليمات أخذ الدواء . 
 وأخيرا يتفادى المصطلحات الطبية المعقدة فهو ليس في امتحان انه يشرح حالة مرضية لشخص بسيط صابر على المه وربما لأهله الذين يتلمسون كل كلمة ينطق بها ليجدوا لهم العزاء والاطمئنان بان مريضهم على ما يرام. 
 لذا مهما أعاد المريض او أحد من ذويه السؤال والاستفسار بشان دواء او عرض ما، هذا ليس غباء انه خوف وهو مبرر لهم بالتأكيد .  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

مروان شيخي

المقدّمةُ:

في المشهدِ الشِّعريِّ الكُرديِّ المعاصرِ، يبرزُ الشاعرُ فرهادُ دِريعي بوصفِه صوتاً خاصّاً يتكلّمُ من عمقِ التجربةِ الإنسانيّةِ، لا بوصفِه شاهداً على الألمِ فحسبُ، بل فاعلاً في تحويلِه إلى جمالٍ لغويٍّ يتجاوزُ حدودَ المكانِ والهويّةِ.

ديوانُه «مؤامرةُ الحِبْرِ» ليسَ مجرّدَ مجموعةِ نصوصٍ، بل هو مساحةٌ روحيّةٌ وفكريّةٌ تشتبكُ…

غريب ملا زلال

سرمد يوسف قادر، أو سرمد الرسام كما هو معروف، عاش وترعرع في بيت فني، في دهوك، في كردستان العراق، فهو إبن الفنان الدهوكي المعروف يوسف زنكنة، فكان لا بد أن تكون حياته ممتلئة وزاخرة بتجربة والده، وأن يكتسب منها بعضاً من أهم الدروس التي أضاءت طريقه نحو الحياة التي يقتنص منها بعضاً من…

أحمد مرعان

في المساءِ تستطردُ الأفكارُ حين يهدأ ضجيجُ المدينة قليلًا، تتسللُ إلى الروحِ هواجسُ ثقيلة، ترمي بظلالِها في عتمةِ الليلِ وسكونِه، أفتحُ النافذة، أستنشقُ شيئًا من صفاءِ الأوكسجين مع هدوءِ حركةِ السيرِ قليلًا، فلا أرى في الأفقِ سوى أضواءٍ متعبةٍ مثلي، تلمعُ وكأنها تستنجد. أُغلقُ النافذةَ بتردد، أتابعُ على الشاشةِ البرامجَ علّني أقتلُ…

رضوان شيخو

 

ألا يا صاحِ لو تدري

بنار الشوق في صدري؟

تركتُ جُلَّ أحبابي

وحدَّ الشوق من صبري.

ونحن هكذا عشنا

ونختمها ب ( لا أدري).

وكنَّا (دمية) الدُّنيا

من المهد إلى القبر..

ونسعى نحو خابية

تجود بمشرب عكر..

أُخِذنا من نواصينا

وجرُّونا إلى الوكر..

نحيد عن مبادئنا

ونحيي ليلة القدر

ونبقى…