الفنانة التشكيلية إيفا عزت (حواء حسان عزت) تسقط عالياً لتبحث عن لون مفقود

غريب ملا زلال

– رحيلها كان صادماً، و موجعاً إلى حد الصمت، تصل استانبول يوم السبت 17-12-2022 الساعة الرابعة مساء برفقة شقيقتها بقصد الزيارة، الساعة السابعة في اليوم ذاته يهجم عليها كابوس الدم ليلقط أنفاسها، و كأنها جاءت إلى هذه المدينة لتسلم روحها لباريها و تعود دونها إلى الإمارات المتحدة حيث تقيم مع طفلتيها و فارشاً والديها بأجنحتهم عليها علها توقظ ذاكرتها لتسرد لهم الذي كان، و الذي لن يكون . 
كتبت عنها هذه المادة في عام 2015 و كلي أمل أنها ان تكون رقماً، بل ستكون إستثناء و كان رحيلها حقاً إستثناء و مفاجئاً و مؤلماً، هنا أعيد نشر هذه المادة لأشد بها على أيادي والديها الشاعر حسان عزت و الكاتبة فاتن حمودي و أهمس لهما بأن حواء لم تكن ابنتهما بل ابنتنا أيضاً فالعزاء لنا جميعاً . 
حواء حسان عزت أو إيفا عزت كما تحب أن تعرف فنياً هي سليلة تراكم ثقافي طويل، فهي إبنة الأديبين الكاتبة والإعلامية فاتن حمودي و الشاعر السوري المعروف حسان عزت الذي له من الرصيد الشعري والمعرفي 
في المشهد الثقافي السوري الكثير، فهو إلى جانب صقر عليشي، و ابراهيم اليوسف، و حكم البابا، و ابراهيم عباس ياسين، وأحمد تيناوي، 
و طه خليل، و معشوق حمزة، و ابراهيم جرادي، و خليل صويلح و بندر عبدالحميد…….. إلخ القائمة 
تطول فهو إلى جانب هؤلاء شكل ترسانة شعرية أعطى الشعر السوري دفعاً و دفقاً له حضوره الجميل، في هذه المعمعة الشعرية الجميلة ولدت إيفا و عاشت طفولتها، فكان لا بد أن يكون لذلك الأثر الأجمل في كشف موهبتها و النزول إلى الساحة الفنية، فقدمت معرضها الأول و هي ما زالت طفلة تنام في حضن أبويها، بحضور أسماء لها وزنها في الحراك الثقافي و الفني، منهم الراحل الذي لن ينسى فاتح المدرس الذي تفاءل بها خيراً، وهي لم تخب ظن فاتح بها فحصدت جوائز عالمية وهي طفلة، واليوم و بعد أن أصبحت إيفا صبية كبرت معها حبها للفن فهي تحضر الآن لإقامة معرضها الحلم في مكان مناسب و في مدينة مناسبة .
ولكل ذلك لن نستغرب أن نجد التركيب الفني عند إيفا في حالة صعود دون أي إختلال في المفهوم الإجرائي الذي تستعين به في صياغة عملها، و دون أن تترك طفولتها فهي مازالت تعيشها وتعكس ذلك في علاقتها مع مكونات عملها، فهي هنا إستثناء أو حتى إختلالاً في المشهد التشكيلي النسوي ( مع رفضنا لهذا المصطلح )، و بتعبير آخر هي تعبر عن صيرورة التحولات الكثيرة التي تعصف بكل شيء، و من هذا المنظور فهي ترمي
بريشتها أفقياً لخلق مبادرات لونية قد تعيد قراءة الواقع قزحياً، و هذا هو المرغوب تماماً، و من باب عدم خلق أي إشكالية ذوقية تنتج إيفا و بتنوع مرموق عملاً فنياً به ترمي كل أسئلتها مهما كانت غارقة في الصعوبة و التعقيد، فهي تأخذ كل شيء من حولها بعين الإعتبار، و هذا ما يجعلها تبتعد عن التغريب، بل تغرق في 
التقريب و من أوسع أبوابه، لأن الإنسان بتعبه و بأمله، ليس قطعة خشب مرمية أمام فرن، و لا قشة في مهب الريح، هوكيان من روح و أحاسيس، و هذا ما يتوافر في عملها المعنون بالسقوط دون أي تقاطع مع أحداث مغايرة بل تبقى الذاكرة حكاية من حكايا البلاد،ولهذا تبذل إيفا جهداً دون أي ترهل فتذهب و بحصانة يفترض بها مع إرتباطها بهوامش المكان إلى إستخدام تقاطعات لونية للوصول إلى حقائق هي مبعثرة في أكثر من مسار،
فتبدأ بلملمتها لوناً لوناً، حتى تأخذ كل أبعادها فتغرق في إحداها ألا وهو السقوط عالياً، و هذا ما يجعل مفهوم البلاد عندها لا يتوقف على أحجار و نوافذ وأبواب بل تكتمل بالإنسان، فليس عبثاً أن تفرش إيفا غضبها في هذا
العمل، فهي تثور وتغضب لما يحدث حولها، فهم لا يكتفون بمصادرة الماء والريح واللون فقط بل الرأس أيضاً، و هذا ما إستوجب من فنانتنا إيفا اللجوء إلى المعادل البصري لخلق فضاء فني جمالي فيه من الحركة كل خطوط الباحثة عن تعالقات عنصري الزمان و المكان دون إغلاق الأفق الفاعل في ذهنية المتلقي بقوة الرياح . 
ففي هذا العمل تلفت إيفا و بإنفعال إيجابي كل ما يقارب تقنيات التعبير بخلق مساحات للتجريب كأساس تكويني 
عليه تقوم إيفا في إنشاء بنائها الفني مما يعطي هذا البناء دلالات غير مستوردة بل مستوحاة من سيرة مدينة، أو لنقل سيرة بلاد، ومن البداهة في الثقافة الفنية أن التجريب مرتبط بتلك التراكمات التي تتيح للفنان خلق فسحة 
زمنية معينة، و هذا ما فعلته إيفا مع خلقها فرصة لصيرورة جديدة ألا وهي النقلة العالية في مجال خلق اللون الخاص بها كحالة ( بحث عن لون مفقود ) و هذا ما يخلق لديها ترابطاً مع كل بنية قد تهطل عليها، لتتحول بدورها إلى حالة تدعو إلى الكثير والكثير جداً من التأمل . 
و تلك التقاطعات التي قد نجدها عند إيفا في مفهومها للتجريب قد تفسر على نحو آخر مغاير، و بقياس يتطابق بالضرورة مع عرف المتلقي، الذي سيقول حينها بأن عملها هذا ليس أكثر من تجربة ذاتية لا علاقة لها بالتجريب كمفهوم فني، حينها لا بد أن نبحث عن التأصيل في مجمل مفاصل هذا العمل، و بعناية تفسيرية مع الوقوف عند إشارات تشكل مفهوم التجريب عند إيفا، و من أولى هذه الإشارات قراءة النوافذ المغلقة غير المشرعة على صيغة هي بحد ذاتها بحث تجريبي من خلال الظروف الفاعلة، و كذلك السجال الدائر 
ما بين الرجل الذي يصرخ وهو يسقط : نعم كانت السماء زرقاء و بين الأنثى التي تؤكد بأن المدينة لم تكن زرقاء، فإيفا هنا تتأرجح رويداً و بخفة عصفور خرج تواً من القفص بين التأصيل و بين التجريب، والسؤال الذي يطرح نفسه : 
هل بحثت إيفا في منظور التشكيل ؟ أم أنها تعتبر الحقل الذي تحرث فيه حقلاً متنوعاً لا إعاقة فيه، حقلاً لوعيها الفني الجمالي وهذا ما تؤكده 
في رسم معادلها الإبداعي الحامل للشرط الذاتي المقترن بحالتي الإنعكاس و التحديد بين تدرجات الأزرق الغارق في التداخل بحركية التغيير و بين العوامل التكوينية التي تفرض ملامحها الخاصة التي تحاكي الوجع ضمن إستمراريتها بثنائية الصعود والسقوط . 
فإيفا تتوغل في إنتاج عمل فني ينتسب إلى الكشف عن مفاهيم تعبيرية قد تصاغ بريشتها وفق معيار تراتبي و بإنحياز تام إلى الإقتران بمرجعية طفولتها التي مازالت تعيشها في سياق عملها الفني و بين الإسهام اللافت
في نقل تجلياتها التي لم تلوث بعد بإشكاليات التبعية، فهي تريد ومنذ البدء و إنطلاقاً من دوافعها الأساسية طرح مفهوم مغاير للسائد و بالتالي للوجع المطروح، و ذلك بتعزيز مفهوم تجاوز الإشكاليات التي قد تعترضها،وحتى لا تقف أمام معضلة البحث عن إعتاق مفردات العمل تترك كل ذلك مع مساحة كبيرة للمتلقي .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ألمانيا- إيسن – في حدث أدبي يثري المكتبة الكردية، صدرت حديثاً رواية “Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)” للكاتب الكردي عباس عباس، أحد أصحاب الأقلام في مجال الأدب الكردي منذ السبعينيات. الرواية صدرت في قامشلي وهي مكتوبة باللغة الكردية الأم، تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة وغلاف جميل وسميك، وقدّم لها الناقد برزو محمود بمقدمة…

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…