أجرى الحوار: نصر محمد/ المانيا
بطعم الغربة، والوجع السوري لنا حوارات مع اخوتنا السوريين
في المهجر، بالرغم من قساوة الظرف الذي ابعدهم عن وطنهم
واهلهم، فهم في حدقات العيون، وتباً لزمان جعل من الكفاءات السورية خارج اسوار الوطن، ومن هذه الكفاءات ضيفتي الفنانة التشكيلية السورية المبدعة علا الأيوبي..
فنانة تشكيلية فضائها التشكيلي في جله اشتغال على الوجوه والجسد جسد الانسان عموماً وجسد المرأة تحديداً.
يقول مارلو بونتي :”الجسد هو مايجعلني اتجذر في العالم بل هو محور العالم الذي أعيه بواسطته” والوجه جزء من هذا الوعي بالعالم…
اللون عندها مركب أو لا يكون لأن الألوان التي تأتي من المصانع
ألوان لا بحث فني فيها على الرسام ان يغازلها ويحادثها ويخلق منها اللون الذي يريد .
* الفنانة التشكيلية المغتربة علا الأيوبي بداية ارحب بك، وأسمحي لي ان نبدأ حوارنا بسؤال كلاسيكي، وربما مرهق أيضاً ان نتحدث عن البدايات، عن الطفولة الفنية ان صح التعبير، الظروف التي مارست أدوارها في توجهك نحو الفنون التشكيلية؟
– منذ الطفولة وعمري سبع سنوات و انا اعشق الرسم واحاول ان ارسم كل شي يعجبني، وخاصة الوجوه رغم صعوبتها …كبرت وكبر حلمي مع الوقت …لكن اخترت طريقاً مختلف في دراستي للرياضيات ورغم ذلك لم اتوقف عن حبي للفن..
بعد ان اكملت دراستي للرياضيات واعتمدتها كمهنة للتدريس …بدأت ادرس في معهد للفنون التشكيلية ….اضافه الى اصراري لحضور اغلب المعارض الفنية المتاحة في دمشق.
* عــلا الأيوبـــي فنـانة تشكيليــة ســـوريــة حاصلة على بكالوريوس في كلية العلوم _قسم الرياضيات_
هناك فرق كبير بين لغة الارقام وعلم الرياضيات وبين الفن التشكيلي، حيث الخيال والجمال، كيف عملت على عقد المصالحة بين الرياضيات والفن التشكيلي ؟
– نعم كانت مادة الرياضيات مصدر توتر كبير إلا انها كانت سبب في احداث نوع من التوازن الفكري بين المنطق و العاطفة وكشخصية انفعالية مثلي تجرفني مشاعري وتأخذ معظم وقتي ..كان ولابد من شيء من المنطق يحكمها… هذا التوازن …ربما فشلت في تحقيقه في علاقاتي الاجتماعية وحياتي الخاصة وامور كثيرة ولكن كان له دور كبير في لوحتي اكثر من الواقع الغريب الذي عشته … من الضروري جداً للفنان ان يفهم الكتل على سطح من بعدين فقط وكيف تضطر لدراسة وجودها مع رسم الخطوط و الالوان دون وجود خلل يؤدي الى سقوط اللوحة أو تركها للصدفة وخاصة ان كنت فنان متجدد لا تكرر موضوعك آلاف المرات كما يفعل بعض الفنانين بحجة المحافظة على لون واحد .
* برأيكم الفنانة التشكيلية كم من الخيال والحرية كي تمارس فناً ليس له حدود في التوغل نحو مساحات الحلم،
هل تتوجهي نحو اللوحة كفنانة احترافية، ام كهاوية للرسم، وهل ثمة حدود أبداعية او اكاديمية بين من نسميهم المحترفين وهواة الرسم؟
– نعم ليس للفن حدود أو قانون ثابت يحكم انها خبره سنوات طويله وتطوير طريقه التفكير من خلال التجربة و الممارسة الطويلة…والتجربة لا تقتصر على ممارسة الرسم وانما على طريقة التفكير وتطويره نحو الافضل …الفنان الهاوي لا يعتمد على عقله وتجاربه و عاطفته معاً وانما يعتمد على الصدفة لا أكثر ….لوحه ناجحة واخرى فاشلة وهكذا ….الفنان المحترف او لنقل الحقيقي ….يبحث بجهد عن المفتاح الصحيح لحل لغز كل لوحه من لوحاته ….على سبيل المثال بعض من لوحاتي تحتاج مني وقت اطول اقضيه معها وانا أسألها ماذا تريدين مني …. انتظر ها لربما ساعات او شهور او سنين حتى تهمس في أذني وتقول …نعم انا جاهزة للعرض ….اضافه لذلك الفنان الهاوي فبعضهم على الاغلب يتخبطون ويقلدون فناناً معيناً، واخر يسرق من هنا وهنا لقصور تجربته الحالية في انشاء عمل فني متكامل العناصر …
* الى أي مدرسة تشكيلية تنتمي علا الأيوبي؟ ام انها تتفرد بأسلوبها الخاص بعيدة عن الإنتماءات ؟
– لم اتقصد الأنتماء لأي مدرسة …حتى ولو نسبني الآخرون لخليط من المدارس المتنوعة …..ولكن اعمالي نتيجة تجاربي في الحياة و ذخيرتي كل ما يلتقطه نظري من لون او تشكيل أو مشهد او فكرة تأتي أو قضية سياسية او انسانية …نحن كفنانين نعيد صياغة الواقع بتشكيل مختلف عن الحقيقة ولربما نطرح رموز لتختزل المضمون الواسع به ..ومن وجهة نظري من الممكن القول ان اعمالي تتقارب مع خليط واسع من المدارس الواقعية والرمزية والسيريالية والتجريد والتعبيرية ….ولكنها في النهاية تحمل بصمتي الخاصة
* من سفوح قاسيون، من ضفاف بردى الندية.. ومن سلالة عائلة عريقة لها تاريخها ومجدها في التاريخ من الحي الكردي العريق.. من الشام بكل حميميتها وصوفيتها إلى الغربة، إلى عمق القارة الأمريكية، هل تتغير الأليات الفنية ؟ هل لكل مكان لغته الفنية الخاصة به ؟ كيف تتنفس الفنانة علا الأيوبي الغربة فناً ؟
– أي فنان حقيقي لا بد وأن يتأثر بالبيئة المحيطة به .. نعم تأثرت بكل ماعشته في طفولتي فرسمت شوارع مدينتي، وياسمينها وبيوتها وثمار اشجارها… رموز وزخارف على وجه انثوي ….وحملته معي لموطن جديد، واليوم اعيش بانفصام بين ذاك الحنين وعالمي الجديد الذي لايشبهني رغم اني احببت جمال الطبيعة ….ورغم اجبار الذات على التأقلم …اصبح هناك مزيج جديد بين الحاضر والماضي فألوان الحب و الدفء الدمشقي لاتشبه الجمال الصامت البارد في امريكا ….لهذا لوحاتي اخذت منحى الدمج بين الطبيعة الخلابة وبين علاقتها وتآثرها بالوجود الانساني …
* الفنانين التشكيلين عندما يبدأون برسم لوحة فنية ما، يستوحونها من فكرة معينة، من أين تستوحي الفنانة علا الأيوبي أفكارها هل هي حاضرة قبل العمل، ام انك تستوحين الفكرة مباشرة بمجرد ان تمسك ادوات الرسم؟.
– اللوحة وماتحمله من مضمون فكري وماتستند إليه كلون وتشكيل وكتل ليس من السهل ابدأ لأي فكرة معينة تعجبنا ان نضعها بقالب اللوحة ونصقلها بعمل فني …((قد لاتناسب تلك الفكرة هذا التشكيل)) …او طبيعة وروح الفنان …وهنا تأتي صعوبة العمل في التطبيق ….وهذا يحتاج لخبرة طويلة وبحث عميق لتحقيق الروابط بينهم …دون الاخلال بقواعد التنسيق ..فالافكار سهلة للكاتب او الشاعر ولكن الفنان التشكيلي يحتاج لجهد اعمق في تنفيذها كخامة ولون ومعنى وهدف، انها عناصر تحتاج ذكاء عالي لتحقيق هذه الروابط…
* هل سبق وغامرت الفنانة علا الأيوبي برسم لوحة عشوائية دون استحضار لفكرتها، ونجحت، وهل نالت استحسان أو قبول المتلقي او النقاد ؟
– نعم …وفي الواقع ليس هناك وجود للوحة بدون تخطيط مسبق لان خبرة الفنان على مدى السنوات الطويلة هي التخطيط المسبق ذاته …لاشي يأتي من الفراغ …كل شيء هو مخزون سابق لحياتنا وتجاربنا ولاشي عن عبث …فالحزن نتيجة تجارب مؤلمة في الماضي والفرح كذلك …والذوق والحب والكره ..
*هل هناك متابعة أعلامية لنشاطاتكم الفنية في المهجر؟ وكيف ترين حركة النقد الفني.. هل من مواكبة حقيقية؟ أم انه يخضع لقوانين السوق والشللية؟
– نعم رغم اني اعمل ببطء في الفترة الأخيرة ولكن كل شي لايزال جيد …كل الفنون في كل دول العالم تخضع للتجارة، و التسويق والدعم …هذا الامر اعتدنا عليه …
* الفنانة التشكيلية علا الأيوبي كيف تعيشين الغربة بعيداً عن جذورك ووطنك سوريا ؟ وماذا أضافت لك الإقامة في الولايات المتحدة الامريكية ؟
– وجودي في امريكا ووجودي في الوطن العربي لن يغير الكثير بالنسبة الي سوى اني افتقدت للحياة الاجتماعية الصحية وهذا جعلني ادخل دوامه الكآبة …والفن في المجتمع الامريكي …ليس امراً مهماً لهم …هناك حالة تسخيف للفن …ولا اجد وحسب رآيي ان الفن في امريكا اهم من الوطن العربي أو اوربا .
* يقول الفنان والنحات الاسباني بابلو بيكاسو : “ان اعظم ما اردت
تحقيقه وجدت بان الخط العربي قد سبقني اليه منذ زمن” مارأي فنانتنا علا الايوبي بما قاله بيكاسو ؟ هل ثمة علاقة بين لوحاتك كحالة تشكيلية وقصائد شعر؟
– لا اعرف مدى مصداقيه هذا القول لبيكاسو فكثير من الاقوال تنسب للآخرين …وان كان …فالخط العربي لوحده حرفة وقواعد لا يرتبط بالفن بصلة…ولكن بعض الفنانين استخدموه بطريقة مختلفة ووضعوه كجزء من اللوحة، وجعلوا منه عمل فني قيم …وهنا الامر مختلف ….اما بالنسبة لقصائد الشعر فهي شيء جميل وملهم ومحفز جيد لاي فنان …بصورة غير مباشرة
* عن ماذا تبحث الفنانة التشكيلية علا الأيوبي في اللون ؟
– اللون وحدها كجزء من عناصر لوحتي …معادلة كيميائية قيمة ومكمل اساسي لتحقيق التوازن لتكامل العمل الفني …
*لمن ترسم الفنانة علا الأيوبي؟..
هكذا اترك السؤال مفتوحاً، ولن اغلقه بأضافات او تحديدات معينة..
اخبرينا.. لمن ترسمين؟
– ارسم لذاتي ولوطني ولكل انثى خذلها مجتمع، واعزز قيمتها في لوحاتي فهي محور لهذا الكون …ولكل قضية انسانية لمست قلبي وتعاطفت معها
*الفنان التشكيلي السوري مشهود له وعالمياً ببراعته وعمقه وإبداعه وأخلاصه لفنه، كيف تقيمون المشهد الفني السوري الحالي، وهل الفنان السوري قادر إلى الآن منح العالم تجاربه وأبداعاته؟
– الفن السوري تآثر بآلام ومصاب وطنه …ولا أتوقع بعد الهجوم العنصري من قبل الكثيرين سوف يكون بخير مستقبلاً ….واليوم الفنانين السوريين معظهم مهجرين وسوف يحملون جنسيات مختلفة ….وستختفي خصوصية الفن السوري مع مرور الزمن وتعاقب الاجيال سيندمج كثقافة وتاريخ مع شعوب اخرى …الدولة القوية المتعافية تقدم دعماً لابنائها في كل المجالات …واثبات وجودية الفن السوري يحتاج لدعم وهذا غير متوفر في الوقت الحالي ونأمل وجوده في المستقبل
* علا الأيوبي إمراة مبدعة لها اسمها في المشهد الفني، إلى أي مدى للمرأة حضورها في اعمالك، وكيف يمكنك ان تشرحي لنا رؤيتك للمرأة؟
– على الاغلب كل فنان يرسم ذاته او جزء كبير من ثقافته وافكاره …كوني أمرأه لابد لي وان احترم جنسي وادافع عنه بمواقفي ولوحاتي ….المرآه هي مصدر للحياة …هي أم وأخت وزوجه،) …هي الوطن والجمال والحب والعطاء والقوه …هي الطبيعة ….والعاطفة وكل شيء جميل ينسب لها …
* لكل فنان واديب وطن خاص به وعالمه السرمدي، هل تمكنت الفنانة علا الأيوبي ان تشيد لها وطنها الخاص بها ؟
– لم يتبقى من الوطن سوى الذاكرة …قد اترجمها احياناً في لوحتي واحياناً احاول الهروب من ذاك الالم الجميل وهو الوطن كي أمنح نفسي فرصه التكيف وتقبل واقعي الجديد .
*الأزمة السورية، والحرب التي طالت والتي جعلت المشهد السوري يكتسي بالسواد، كيف تقرؤون الحرب؟ وماهي تأثيرات الحرب على الوان لوحات علا الأيوبي؟
– الحرب تشوه كل شيء جميل …نعم افتقدنا لوطن آمن و خسرنا الكثير من اهلنا واصدقائنا والحياة، ازدادت صعوبة وتعقيد واشعر بالأسى لمن رحل عن سوريا ولمن بقي يعاني فيها …اتمنى الاصلاح والسلام لسوريا الجميلة وان تحدث معجزة حقيقيه تخلصنا من هذه الكارثة اللعينة
* سؤال خارج نطاق الفني، متى تبتسم
علا الأيوبي، ومتى يغزوها الحزن ؟
– ابتسم للجمال حينما اراه في الطبيعة او عندما أصادف علاقات طيبة بين البشر …ابتسم لكل شي صادق وانساني ….واحزن عندما ارى الشر والظلم يمارس بين البشر وخاصة على الضعفاء …واتمنى أن يعم السلام والمحبة في كل دول العالم وخاصة سوريا
* ثمة قضايا ربما لم نتعرض لها، هل من سؤال يتبادر إلى ذهنك..
سؤال نحن لم نطرحه عليك، وتودين طرحه والأجابة عليه..
كلمة اخيرة نختتم به حوارنا معك.. مع كل تقديرنا واحترامنا لوقتك وشخصيتك وفنك الجميل…
– الفن منذ الماضي والى اليوم لايتبع قوانين ومعايير ثابتة ومن الصعب جدا انصاف كل الفنانين أو معرفة قيمتهم الحقيقية وخاصه لعامة الناس ولكن ..من المؤسف من تجار الفن واصحاب بعض الجاليريهات اللعب على هذا المنحى …وترويج لبعض الفنون الرخيصة والتافهة كفن او فكرة مهمة …فكل ما نحتاجه بعالم الفن هو الصدق واحترام قيمة الفن وتطويره بصدق ..تحياتي لك وشكرًا لك على محبتك واخلاصك للفن .