رسائل خاصّة لعاشقة الفراغ

فراس حج محمد| فلسطين

1
في المدينة حيث كنتُ البارحةْ
فاجأتني وهْي تخلو من كلّ مَنْ حولي مثل غبار أسودَ
لا شيء غريب في ملامحها سوايْ
حاولتُني فارتدّ طيفك داخلي
يهزأ بي
في المدينة فكرة أخرى تسلّم نفسها من نفسها
وتعيد ما ترجّل من حكايتي القديمة
لم تتركي فيها سوايَ على سبيلٍ ليس لي
في المدينة قسوة أخرى ليس يتقنها الصمتُ
سمعت ما تدحرج من خطواتنا
لم أكن بعد تدرّبت على حنيني
حاولتُك الأمس فحاولني الغيابُ
وأمطرَتِ الطريقُ ملامحي ونسيتُ
أنّني أمشي وحيداً دونما يدٌ تضمّدُ ما تيبّس من يدي
وصرختُ في ذاك الفراغْ…
وهزئتِ بي
أيقنتُ ساعتها أنّي وحيدٌ دونما امرأة تقودني نحو قافية من ياسمينٍ
زجاجةِ عطرٍ وضحكة لَيْلَكْ
2
كأنْ لم يبق بيني وبينكِ
غيرُ حرفينِ مشتركينِ
بضعُ جملٍ
وعشر نصوص مشاكسةٍ
وخمسُ قصص قصيرةٍ جدّاً
وسبع ليالٍ طويلةٍ
عشرة أعوام قِصارْ
ونصف قمر حزينْ
ستّةُ أسفارٍ
تزفّ صورتك الجميلة للقرّاءِ والنقادْ…
أصدقائنا المشتركينْ
كأنْ لم يبقَ بينيَ غيرُ
عُسْر الوقتِ
أشجار ظلٍّ
و”كمشةُ” أقحوانْ
ومعتقلٌ
وعدوى لا تزولْ
كأنْ لم يبق فيّ سوى وجعينِ منغلقين في ذات الأنينْ
3
امنحيني قليلاً من الوقتِ لأقول شيئاً عابراً
ليس أكثرَ من أحرفٍ أربعٍ ممتدّةٍ في صفحتينْ
فقط، خمسَ دقائقَ لا غير
أظنّها كافيةً
وكافيةً أيضاً لديكِ
4
بكلتا الحالتينِ سأزرع الدرب عيوناً حارسةْ
وأضمّم الريحان إكليلاً يزيّنُ
صدركِ الجامحَ
استعارتين شهيّتين تحتلّانِ عينيّ
وأعلن أنّني المهديُّ في تلك الطريقْ
وتبتهل الأبجديّة مثل حرف النورِ
والأضواءُ تشرحني، وترشح بي
وأكون سيّدك المسافر في شرايين الغرامِ المستقيمةْ
لأبعد ما يظنّ العاشقون الوالهون
وأبتكر الحكايات واحدة فواحدة تسلّي ليلك المسكون بالنجوى ودفق العشقْ
وأعلن حبّك الفاتن روحي كألف أغنية جميلةْ
وأفتح الأسفار إذ تلقين فيها السرّ دون توريةٍ
أكظم الوقتَ، لأنّي لا أراك سوى مجازٍ مرّ سريعاً فانطفأتُ كما اللغةْ
رام الله، أيلول، 2022

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…