حوار مطول مع الفنانة التشكيلية الكردية السورية شيرين باران

أجرى الحوار: نصر محمد 
* ماهي العوامل التي ساهمت في صقل ورسم شخصيتك الفنية؟
كيف كانت البداية؟ 
#طفلة صغيرة كانت تلهو في ربوع قامشلي كانت تصنع لعبة جميلة من بقايا فستان امها وأزرار جاكيت والدها وثمة قطع من الخشب تصنع منها لعبة، وتستخدم مكحلة والدتها لرسم عيون اللعبة وبقلم الحمرة ترسم فمها، وعندما تنتهي منها ترفعها بيديها وتخرج مع اولاد الجيران للطبيعة.. 
وقع اقدامها الحافية على أرض متشققة عطشة تاقت للمطر، تشعر انها تهتز تحت قدميها الصغيرتين تناجي الله ليهطل المطر وهي تردد اغان قديمة للمطر، وما زالت رائحة المطر معلقة في ذاكرتها… 
تلك الطفلة عندما كبرت رسمت لوحة اسمها عروسة المطر 
هذه انا شيرين باران منذ طفولتي وأنا أبحث عن مواد واغرس قدمي في الطين وأصنع ألعاب وأشياء لم تكن تخطر لأحد، وكنت أركض بين سهول القمح على ذلك الشريط الحدودي وأمتدادها مع سلسلة جبال كوردستان من البعيد كانت جنتنا المنتظرة وتلك الطبيعة وعيد نوروز، هكذا نهلت ذاكرتي، وإلى يومنا هذا..
في المرحلة الأبتدائية، وفي الصف الأول توفرت لدي ألوان ومواد وكنت من المتفوقين في الدراسة وكنت من الرواد في كثير من المواد ولكن حصة الرسم كانت الأجمل والأشهى لي من كل المواد.. 
طلبت من أمي ان توفر شيء من مصروف البيت لأشتري ألواناً ودفاتر رسم، وفعلتها أمي رغم فقر الحال، ورسمت لوحات وشاركت بها على مستوى سوريا ونلت المرتبة الأولى.. 
رسمت أول لوحة زيتية على القماش في العاشرة من عمري، رسمت شخصية القائد البرزاني وكبرت وكبرت معي الموهبة إلى أن درست معهد الفنون التشكيلية كانت مجرد إضافة لي ولأكون أكاديمية وليست الاكاديمية هي من جعلتني فنانة، وانما لدي شعور بأن الفن ولد بداخلي عبر الجين الوراثي الذي اورثته من امي، فقد كانت والدتي ترسم مزهريات وزهور، وعمي كان مصوراً ضوئياً، ويرسم نقوش جميلة، وكانت أمنيته في الحياة ان تخرج فنانة من العائلة، وأعتقد أني حققت أمنيته وأيضا أختي الكبيرة كانت ترسم بطريقة مدهشة، لكن وللأسف لم تسنح لها الظروف، ومضت السنوات، ورفعت راية الفن، ولينضم اخي خبات إلى القافلة بكل ما يملك من حماس وابداع وروح نقية استهوت الجمال في الفن.. 
تستطيع ان تقول ان المسألة وراثية بحتة، ولكن الأستمرار في عالم الفن والرسم تطلبت قدرات جبارة وجهد كبير… 
* المجتمع الكردي لا يأبه بالفن التشكيلي مثله مثل باقي شعوب الشرق، فما هي الصعوبات التي واجهتك في مرحلة الهواية او بداية ممارستك للفن التشكيلي؟. 
#المجتمع الكوردي مثله باقي مجتمعات الشرق أسير عقلية ذكورية، مغموساً بالتقاليد والعادات، لديه دوماً اولويات المعيشة دونما اهتمام بالفنون، للأسف يراها مكملات لا ضرورة ولا أهمية لها.. 
حينما نعود الى البدايات، نكتشف كم كان الماضي وقتاً عصيباً، وخاصة كوني أنثى، كنت من اوائل الفنانات الكورديات اللاتي يدخلن المجال الفني ونادراً كانت المعارض تحتوط لوحات لفنانات تشكيليات، فالفن مكرس للرجال وفقط.
لذا كان علي أولا تغيير المجتمع وكانت مهمة صعبة، لكنها لم تكن مستحيلة، فالفنان قادر على تغيير المجتمع عندما يخترق الجموع ويتمرد ويحقق حريته… 
بدأت من عائلتي صحيح أنا ابنة عائلة منفتحة، ومع ذلك كانت هنالك قيود من المجتمع وخاصة بعد انفصالي عن زوجي ولكنني لم اكترث وأزلت القيد بل وأثبت للجميع انني قادرة ان اعمل واتصرف بمحض ارادتي، حملت حقيبتي وأدواتي الفنية مع الكاميرا الأحترافية، وبدأت أصور القرى والطبيعة، وبات الجميع يعرفني وكنت ارسم ايضاً، كان الأمر غريباً.. وهكذا بدأت مرحلة هامة من حياتي بين نظرات وعبارات الاعجاب والأستهجان.. 
بعدها عقدت أجتماعاً عائلياً طلبت من والدي وأخوتي ألا يتفاجؤا من سفري خارج المدينة، كان عليّ ان اسافر واحضر معارضي وأن لا يتفاجأ احد من مرافقتي لفنان او صحفي لو تكلمت أو تعاملت مع رجل أو صحفي واعلمتهم بأن حياتي تغيرت وأصبحت فنانة وهكذا أزلت القيود رويدا رويداً 
بعد هذه الخطوة تلقيت التشجيع والثناء من أهلي وكوني أثبتت لهم قدراتي، وبت مصدر فخر لهم.. 
إما في الوقت الحالي، ورغم انفتاح المجتمع الشرقي،ووجود عدد مقبول للفنانات، لكن وللأسف مازال المجتمع ذكوري، حتى من لدن بعض الفنانين الذين ينظرون نظرة قاصرة لتواجد الفنانات، فما زالوا اسرى نظرة رجعية، رغم كل ما ابدعته ريشة المرأة من ابداع وصلت العالمية وعانقت السماء 
*ماهي التحديات التي تواجهينها.. وفي الظرف الحالي وانتم تقيمون بأوربا..
وهل يشكل ذلك عائقا ام تحدياً جديداً.. ؟
كيف تقيمين تجربة الغربة ؟ 
#التحديات كثيرة وواحدة منها أثبات الوجود على الساحة العالمية وسط كم هائل من فنانين ومن الأساليب والأبتكارات الجديدة.. 
وهنا نقطة هامة فهو ليس فناً معاصراً كما يطلقون عليه النقاد هذه التسمية ففي كل مرحلة من مراحل الفن مخاض مدرسة جديدة لم تستطع ان تلغي المدارس بشكل كلي ماعدا المدرسة الوحشية والتي لاحظنا غيابها نوعاً ما، ربما العصر الجديد يرفض العنف أو الضغط النفسي على المتلقي لأن الحياة لم تعد تتحمل الألم والمعاناة أو الأكتئاب فالبقاء للأقوى، للذي يمتلك طاقة أيجابية أكثر ليكون قادراً على مصالحة ذاته ليعيش بسلام 
أما في عصر التكنولوجيا والفن الرقمي نكاد لا نميز بين الفن الجيد، والرديء. 
فكل المدارس كان روادها على معرفة تامة بما يفعلون وماهية القيم الجمالية في أعمالهم ولكل من سبقهم في تقليد مدارسهم فمنهم من طوروها، والبعض استمروا مجرد مقلدين.. هذا ناهيك عن الدخلاء على الفن وما أكثرهم. 
على سبيل المثال التجريد هو برأيي قمة الواقعية لأن المجرد أن لم يتقن الواقعية بشكل جيد في بدايات مشواره الفني ويذهب للتجريد بشكل مباشر سوف ينتج أعمال جداً ركيكة وفقيرة 
أن رسم العين في ثلاث لمسات بأسلوب التجريد أجمل وأقوى من رسمها بواقعية وفي مدة قصيرة.. 
أما بالنسبة للتحديات التي أواجهها كفنان يعيش في أروبا، فقبل خروجي من سورية كنت أفكر كيف سوف أقف بجانب الفنانين الأوربيين وهل سأنجح وهل سأتلقى رضاهم عن عملي، هذه التساؤلات كانت تراودني بأستمرار.. 
هنا في اوربا، شعرت انني في حضن دافىء وبيئة مناسبة لممارسة ما كنت احلم به، وخاصة كون الفنانة التشكيلية في بلدها مقموعة وغالباً ما تكون متمردة بعض الشيء، ولأن الفن ليس رسم لوحة فحسب، فالفنان يجب ان يكون مثقفاً، فالفن ثقافة وعلم وأحتكاك بالواقع، ويتأثر بأوجاع مجتمعه وينعكس ذلك على أعماله كون اللوحة مرآة روح الفنان فلا بد أن يكون الفنان في جو مناسب يستطيع ان يبدع أكثر، وايضاً لكون الفنان الشرقي يعاني كثيراً فنرى ذلك الأنعكاس على أعماله فالظلم والفقر والقمع نتيجة الظروف السياسية والاجتماعية والأقتصادية الصعبة ستنتج اعمالاً وفنانين يحملون معاناة أمة كاملة ولا يستطيعون تغيير الواقع الا خلال الرسم، هذا ان كان مسموحاً له التعبير لأسباب عدة، اجتماعية دينية سياسية… 
اغلب تلك الممنوعات انتهت بحياتي الجديدة بفرنسا فباتت ريشتي حرة ومنطلقة ودخلت الساحة الفنية الأوربية خلال وقت وجيز، وأستطعت نيل الاعجاب والرضا من فنانين و نقاد واعلاميين، هذا كان أحد التحديات ولكن ذلك لم يكن سهلاً، فقد طورت اسلوبي الفني، وما ساعدني في ذلك هو تنقلي بين عدة دول وبلدان من سوريا إلى امريكا والمانيا واخيراً في مرحلة الأستقرار بفرنسا، هذا الترحال أكتسبت من خلاله القوة والمعرفة، فقد زرت متاحفها وفنانيها ومعارضها، واطلعت على فنونهم، زادني ذلك خبرة وأشباع للرؤية
اما بالنسبة لظروف ومعاناة الغربة فأنك ستجعلني أبكي في هذه اللحظة لأن الحقيقة المرة هي أننا غرباء في أوطاننا فعن أي غربة سوف أتحدث؟ 
فالغربة هنا غربة أشتياق لا غير وهذا الشعور أيضا أستطعنا التغلب عليه لأن معظم أصدقائنا وأهلنا أصبحوا في أروبا.. لقد غادر الجميع ولم يتبقى أحد سوى القليل منهم والعظماء منهم، إذا نحن بلا أوطان ولم نكن وأنا أعتبر هذه الدول التي التجأنا إليها أوطاننا الجديدة وواقع مفروض لاسيما هي من حافظت علينا وفتحت لنا ابوابها، فأنا اعيش ليس كلاجئة بل فرداً من هذا المجتمع له حقوق وواجبات وعلينا أحترام وشكر هذه الدول العظيمة.. وتبقى مدننا وقرانا ذاكرة تنزف في الوعي والقلب، وسنعود يوماً اليها فهي الرحم الذي خرجنا منه، وهي عبق الطفولة والمكان المشتهى.. 
وأيضا أثبات أنفسنا كفنانين وهذا يتطلب جهد ذاتي وايمان بالحلم، أتذكر انني كنت اسير في ساحة المدينة التي اقيم بها، رأيت متحفها فراودني حلم جميل، وحدثت نفسي :”هل من المعقول ان اعرض أعمالي هنا يوماً ما؟ وهل سيتقبلون أعمالي؟” فعلاً وبعد فترة وجيزة عرضت لوحاتي في ذات المتحف، بل وكنت من المشرفات على المعرض في أنتقاء أعمال الفنانين، طبعاً أهنا أستخدمت قانون الجذب أو تحقيق الأحلام 
في ذات الساحة رأيت راديو فرنسي مرة أخرى راودني حلم هل يمكن ان يحمل ذاك الراديو مساحة صوتي يوماً ما، وبعد أيام تلقيت من المنظمة الفرنسية التي اعمل بها دعوة لأجراء حوار اذاعي، وطال الحوار لأكثر من ٩٠ دقيقة عن تجربتي الفنية، ولم أجد أية صعوبة في تحقيق احلامي، الأندماج في مجتمعي الجديد،
لدي أصدقاء فنانين أروبيين ازورهم ويزوروني يمتلكون رقياً في التعامل دون ان يشعرونني بأنني غريبة عن هذه البلاد و ثقافتها، وتلهمهم أعمالنا ويتأثرون بكمية العواطف الموجودة في لوحاتنا تشعرهم بالدفء، لما تحملها لوحاتنا في طياتها من ألوان مبهجة ودافئة تكسر هذا البرد القارص هنا، اما بالنسبة لي فأن لوحاتي هي بقايا من وطن يعيش في وجداني وقلبي، فمن القلب الى اللوحة فاللوحة هي الوطن.. 
* مالذي يثير أهتمامك بالرسم ، ماهي المغريات التي تفرضها عليك مساحة اللوحة، وبياضها؟
 
#قد تزوجت الفن والفن كل حياتي بأختصار
فكل شيء بالفن يثير اهتمامي لدرجة العشق واتعامل مع لوحاتي كأنهم اطفالي، وعندما ابيع لوحة أحزن عليها تماما لمغادرتها.. 
إما اللوحة البيضاء هي كالجنين تماماً مصيره ان يخرج للحياة ولكل لوحة بصمة خاصة لا تتكرر 
فأنا قبل ان أبدا الرسم أحدق في بياض اللوحة، فأشعر بشبح الوجود فيها، وكأنها مقدرة لها أن تكون على ماهي عليها وبعدها أقوم بالعزف على اللوحة من خلال اصابعي، فأرى ذلك الشبح يخرج وتبدأ عملية التواصل الروحي وتستمر عبر جسر من الافكار تحددها حركة الريشة، ونعمل معاً إلى ان يلد ذاك البياض روحاً، انفخ الروح عبر اسقاط الضوء فالضوء يمد اللوحة حياة ويمنح الطبيعة تعبيراً جديداً قادراً على تغير مفهومنا للواقع 
* كيف بدات حياتك المهنية كفنانة؟ 
وهل يشكل التسويق عبئاً فنياً أزاء عملك؟ 
  
#في بلدي لم اخطط يوماً بأن الفن سينفق علي بل كان طفلي المدلل، لكنني كنت محظوظة جداً مقارنة مع الكثيرين من الفنانين في عمليات بيع لوحاتي ، ففي الفترة الممتدة ما بين عام ٢٠٠٢ الى ٢٠١٠ وقبل مغادرتي سوريا كنت ابيع لوحات ما تسمى بالـ دمشقيات، ولوحات الأستشراق، وغيرها لأغلبية متاجر الفن، لأكون لاحقاً مالكة لمحل بيع اللوحات الفنية بدمشق القديمة، وقد بعت اكثر من/ ٤٠٠٠/ لوحة وكنت اعمل بشكل مستمر وكانت المبيعات في ذاك الوقت المزدهر تحقق مبيعات جيدة، وكان المقتنون يخطتفون الأعمال الجيدة، وبأعداد كبيرة، ففي كل يوم كان يخرج من متجري ومرسمي اكثر من عشرين لوحةيومياً اقل أوأكثر حسب حالتي المزاجية وحسب السوق، 
استطيع ان اقول هنا بان نوعية تلك اللوحات كانت ضرورية لكسب العيش، كي أستطيع ان انفق على لوحاتي الفنية والأشتراك في المعارض فكانت اللوحات الفنية اطفالي المدللين على حساب نوعية اللوحات الاخرى والتي كانت الجانب الأخر المكافح من عائلتي.. 
كثيرة هي لوحاتي التي تم اقتناءها في المعارض، رغم اثمانها العالية، ولكنني لم اعتمد عليها فقط واعتقد بأن الفنان الناجح يجب ان يكون منطقياً وألا يعتمد على بيع اللوحة في المعارض فقط، وانما عليه العمل بجانب مواز للفن لذا، وبالاضافة إلى بيع اللوحات عملت في مجالات فنية عدة كالنحت وشاركت بورشة عمل لصنع العاب في مدينة الالعاب بالأرض السعيدة في ريف دمشق، وسوقت الكثير من المنحوتات بالتعاقد مع نحات سوري معروف، وعملت في الديكور، وانجاز رسومات جدارية لقصور وفلل بمناطق الديماس الفلل وكان لدي فريق عمل ننجز الاعمال معاً 
وأشتغلت في تصميم وصياغة الذهب في ورشة صياغة واكتسبت خبرة هذه الحرفة الفنية الدقيقة، كما عملت في معمل سيراميك القيشاني الأغلى في العالم فكنت أصمم النقوش والرسومات واصبحت مديرة قسم التصميم من مرحلة الرسم إلى مرحلة الصهر والتشكيل بالفرن، وساعدتني خبرتي في اعمال السيراميك لأنشاء شركة لتصليح الانتيك الفرنسي بفرنسا. 
وساهمت وضمن شركة انيميشن لصناعة افلام الكرتون وهو فن مميز و مدهش بحد ذاته واكتسبت منه جرأة في حركة الريشة والسرعة المذهلة ولكنني ابتعدت عنه فيما بعد كي لا يسرقني من عالم الرسم، رغم مردويته العالية، واهميته كفن بفرنسا.. 
كل هذه الاعمال التي قمت بها كانت مرتبطة بالفن وكنت مسرورة بكسب كل هذه الخبرات، وكوني امرأة كوردية أشعر بالفخر حقا، ورغم التعب، وسهر الليالي كنت ابني مستقبلي الفني كالقابض على الجمر، او كمن يسير حافياً على جسر من جمر.. 
ولم اكتفي بكل هذا، وشعرت بحاجة روحي للطيران و التحليق بعيداً، لتحقيق ذاتي في قارة اخرى، فسافرت إلى امريكا وهناك اصبح لدي كاليري واسع وصالة عرض كبيرة مع ثلاث غرف، بالإضافة إلى ورشة عمل بمساعدة اخي واشكره جداً فقد كان السند الكبير لي بحكم اقامته بامريكا.. 
كان حلماً صعب المنال،ولكنه لم يجد طريقه للنور بالرغم من انطلاقته، لكن لكل بلد قوانينه و ضرائبه، 
كنت انظر اليه بأنه مشروع عظيم لأكون كاليرست واستقطب إليه فنانين العالم وأيضا اخصص فيه ركن لتعليم فن الرسم للراغبين والهواة.. 
و اخي كان له نظرته الخاصة، وينظر للمشروع بانه مجرد محل لبيع اللوحات، وهو امر عادي، فأي غاليري في العالم يعتمد على بيع أعمال فنان محدد فأنه بكل تأكيد سيصل لمرحلة الأغلاق وبعد وقت قصير.. وخاصة ان امريكا شهدت فترة ركود في الحقل الفني. 
اما بالنسبة لأوربا، وحال وصولي أيقنت كم كانت القوانين في بلادنا سهلة لبيع لوحة أو أستئجار كاليري مقارنة بصعوبة وقسوة القوانين، والضرائب الباهظة
وكالعادة، وبفرنسا لم اعتمد على الفن لكسب العيش مرة اخرى واخترت اعمال قريبة للفن وملاصقة له، فعملت مدرسة في مجال الرسم ضمن المنظمات الأنسانية وفي مدارس فرنسية، وايضا عملت في مجال بيع تصليح الانتيك الفرنسي وترميم اللوحات العالمية ولدي شركة خاصة في هذا المجال، بالأضافة إلى بيع لوحاتي في المعارض، ولدي مقتنيات كثيرة في الدوائر الحكومية و المنظمات، بالإضافة لعشاق الفن ولكن ازمة كوفيد19 اثر على الفن كثيرا والعديد من الغاليريات تم اغلاقها بشكل كامل للأسف، وكنا نكتفي بالتواصل الاجتماعي عبر سوشيل ميديا لاقامة معارض افتراضية حول العالم خلال فترة الحظر، وكان هذا التواصل منفذاً رائعاً للدخول الى الساحة العالمية وكانت فرصة عظيمة للأحتكاك والتعرف على فنانين عالميين ونشأت بيننا صداقات متينة ومستمرة ليومنا هذا، وهذا الامر منح اسمي المزيد من البريق، فأنا موجودة بقوة وبأغلب المواقع العالمية لعرض وبيع وشراء اللوحات، وانا لا اعتمد في حياتي على ترويج لوحاتي بهدف المادة لأن الفن هو الطفل المدلل و الفن غريزة فطرية وايضا هبة ربانية موجودة في العقل والروح ودوما نسعى لفعل بدون أي مقابل مادي…
* من أين كل هذا الإلهام.. ؟
كيف تبدأ تفاصيل اللوحة عندك؟ هل ثمة تخطيط أم هي ومضة تعلن عن ذاتية اللوحة؟ 
#دماغ الفنان تركيبة غريبة جداً وحواسه وذاكرته وثقافته والأحداث وحالتة النفسية الآنية كل ذلك يساعد في انجاز اللوحة، فبعض لوحاتي كانت ذاتية اللحظة وعفوية جداً، والبعض الآخر كانت افكار راودتني قبل ذلك، وقمت بتحضيرها سابقاً بكروكي سريع او كتبتها على ورقة كي لا انسى موضوعها وبعضها رسمتها في مخيلتي، وبعضها ربما كانت فلاش لرؤية ما حولي او موسيقا حركت ريشتي 
ولكن اقولها بصدق أروع اللوحات هي ماتكون عفوية لأن اللوحة المخطط لها سابقاً تقيد الفكر وتلجم الريشة، وانا لا اعرف للرسم طريقاً دون حرية 
فعندما كنت في مدينة ترير الألمانية في مركز اللجوء اعملت مع الحكومة الألمانية، ورسمت لوحة رائعة والسبب كنت جائعة وخائفة في قبو مخيف وكان يوجد معي بالقبو فأر والذي اصبح صديقي فيما بعد وقصتي طويلة معه لا استطيع سردها كلها 
ولكن باختصار هذا الفأر تسلل للوحة بضربة عفوية من الريشة، لذلك اقول بأن بعض اللوحات ليست بالحسبان وتكون ارتجالية ولكنها تمنحنا أعمال نادرة جداً ولا يمكن تكرارها بما فيها من ابتكار مميز .. 
* ماذا يميز أعمالك؟ وهل تجدين انه ثمة اختلاف بين اعمالك واعمال بنات جيلك من الفنانات التشكيليات السوريات؟ 
#اعمالي هي انا ودواخلي ومراة روحي.. وحركة ريشتي وألواني وتقنياتي جاءت نتاج سنوات من الدراسةوالتجربة والخبرة الذاتية. 
احب التميز في كل شي، فلست من أنصار المتأثرين بأعمال أحد، ولا اتقيد بمدارس ومذاهب فنية معينة، ولم أقع في خطأ الأكاديمية الشرقية في عدم درايتهم ماهية الفن، فعندما يقول أحدهم لقد ابتكرت اسلوب فني جديد انظر لعمله وانا اضحك، لانه لا جديد فهو تكرار لـ فاتح مدرس أو زهير حسيب او نزير نبعة 
فهم بأختصار تأثروا بكلام الأكاديميين بانه عليك ان تصنع لك اسلوب حتى لو كان على حساب جهد وابداع فنان اخر… 
أو ان ترسم وتتخصص في رسم النساء طوال حياتك حياتك الفنية، أو رسم الورد ليتحول كاتلوك أعماله إلى حديقة للورد، يخشى ان يغير أسلوبه، فيقع في طور التكرار و الجمود، وهذا فخ كبير سقط فيه الكثير من الفنانين لأن الفن ليس أكسر بيضة فبيضة.. 
الفن أبداع مستمر، وخلق جديد ويموت ان لم يغير اسلوبه ونهجه، ينبغي التحليق في عالم الخيال دوماً كي لا نتحول إلى نسخ منسوخة، وخصوصية أو اسلوب أي فنان تاتي مع الممارسة الطويلة الأمد لرياضة اللاشعور، وسوف يلاحظ الأخرين حركة ضربةالريشة بغض النظر عن انغماس البعض في ذات الموضوع ليصل به الجنون أخيراً ليتحرر من التقيد المقيت، وبمعنى أخر ينبغي على الفنان ان يتمتع بحرية كاملة إلى ان يجد نفسه وان لا يكون نتاج عمله حصيلة رؤية اعمال الغير، والأنبهار بها.. وهذه هي افكاري، وانطلاقاً منها فأنا لا أقارن نفسي مع الأخريات من فناناتنا الكورديات فلكل منها اسلوبها وريشتها وعطرها وبالطبع اعمالي تختلف عنهم كليا لأنني شيرين باران وهن لديهن اسمائهن بالتأكيد.. 
فمنهن من ابدعن في حركة ريشتهن، وعلى سبيل المثال لا الحصر كصديقتي المبدعة الفنانة سمر دريعي ومنهن من دخلن الفن كموضة او حالة هروب من المجتمع لأثبات انفسهم بأنهن فنانات، طبعاً أنا اعتبرهن دخيلات على الفن بالرغم من ذلك انا اشجعهن بأن يتعلمن الفن فعلاً والمثابرة اكثر… 
* هل يمنكك ان تخبرينا عن تجربتك في الاسلوب الشبه التجريدي، ومع اي مدرسة تجدين روحك اكثر تعبيرا وتحليقاً؟ ماهو سر التنوع في اعمالك؟ 
#تجربتي في التجريد كان تحصيل حاصل وخاصة اذا اتفقنا بأن التجريد هو قمة الواقعية 
ففي البدايات اتقنت الواقع ولكنني لاحظت بان واقعيتي انطباعية اكثر وليست كلاسيكية وأرى ألوان لا يراها الأخرين، فكانت خطوة مهمة للأنطلاق، كون الأنطباعيين يرحلون إلى التجريد بسرعة اكبر 
واستطيع ان اقول بأنني مررت بجميع المدارس المهمة الواقعية الانطباعية وثم التعبيرية التجريدية، وأخيراً التجريد، اما باقي المدارس ليست مهمة جداً للمرور بها مثل التكعيبية مثلا ولكن هذا لا يعني الجهل بها او عدم ابداعيتها، ويجب ان يمر الفنان بكل هذه المدارس ليكون اكاديميا وليطور عمله الفني ويختار طريقه و لست مع التخصص والأخلاص لمدرسة دون سواها، فذلك يحد من أبداع الفنان. 
كل المدارس اصبحت متاحة ولدى الفنان حرية التصرف، فمثلا احيانا أرسم لوحة يكون فيها الوجه واقعياً والالوان انطباعية وباقي اجزاء اللوحة مجردة 
وانا اعتبر ذلك الجمع بين المدارس اسلوباً جديداً ومغايراً، وهنالك الكثير من الفنانين ابدعوا في ذلك 
وحقيقة اقول اكاديميات الفن في سورية كانت فقيرة جداً وبحاجة للأطلاع على فن الغرب لأنهم علمونا أشياء محددة وتم تقييدنا بافكار وقواعد لا صحة لها 
على فرض من الفرضيات، أنا ارسم التجريد ولكن فتحت شهيتي لأرسم لوحة واقعية فما الضير في ذلك
ولكن المهم عندما أقوم بعرض لوحاتي في الغاليري تكون من ذات الأسلوب، يعني كما يدعونه بالعامية (اخوات بعض). 
فليس من المنطقي ان أرسم لوحات تجريد وأرسم الواقعي واقدمها في نفس المعرض. 
فخلال مسيرتي الفنية لدي لوحات واقعية ولوحات انطباعية ولوحات تعبيرية تجريدية ولوحات تجريد كامل وانا احضر لمشروع نحتي حاليا كفن معاصر مازالت اعمل عليه، ولكل المراحل مهمة وكل اللوحات التي رسمتها لها قيمة كبيرة عندي حتى لو رسمت شخابيط او فوضى فأنا خالقها وهي قطعة من روحي وكياني 
* إلى أي مدى يؤثر المكان في صبغ لوحتك، 
وانت في فرنسا هل للمكان الجديد تأثيره، وهل هناك ضرورة لإستعارة المكان من الذاكرة؟ 
#المكان له تاثير بالطبع وأفق البلد الذي اعيش فيه ايضاً له تأثيره، وحتى الغرفة التي اسكنها سيكون لها التأثير وكل الاشياء من حولي لها قدرة تأثير 
فبصر الفنان كاميرا تلتقط صور في كل يوم وكل لحظة من محيطه. 
وعلى سبيل المثال عندما كنت في امريكا كان الأفق عند الغروب مميزة عن اي مكان في العالم فتاثرت بلون السومو الجميل وادخلته للوحاتي 
وعندما عدت لفرنسا شعرت ببرودة المكان فدخل اللون الازرق بسبب رؤيتي للعلم الفرنسي كثيراً ولكن الحياة تضم بعض الفوضى أو كانك تعيش في علبة كبريت بسبب المباني من حولي على عكس ما كان عليه المكان في قرانا الجميلة حيث الافق والمدى.. ولا أضطر إلى استدراج المكان من الذاكرة فهي حاضرة دوماً بداخلي، ولا أجد صعوبة في أستعادتها، فأنا أتيت من مدن الشمس وأفاقها المفتوحة 
* كيف هي علاقتك مع الذاكرة، هل ترسمين ذاكرة، ام المستقبل؟
 
#الفنان يتاثر بالمكان او المحيط من حوله و يكون قرين للذاكرة واستعادتها بالعودة للزمن والمكان حيث نشأ فيه
بأعتبار الفنان الشرقي اوالكوردي كتلة من العواطف والأحاسيس، عاش في طفولة مغايرة وتمرغت قداماه بالطين، وعاش الفرح والحزن في ذات اللحظة وكانت طفولته وكانه كهل يفكر بأشياء تفوق طفولته من حرمان وفقر واحلام مؤجلة ووطن موجود في القلب لا يستطيع البوح به حتى في أحلامه وهذا المخزون العاطفي كان لا بد ان ينفجر في يوم ما وخاصة إذا اصبح هذا الطفل فنان 
لا اعرف ربما طفولتي لاحقتني فاستعدت الكثير من الأشياء من ذاكرتي صورها البيانية شكلت لدي لوحات مفعمة بالمشاعر المختلطة الجميلة ربما ايضأ “عروسة المطر” مثلا التي ذكرت احداثها في اجابتي لأحد الأسئلة بمقدمة هذا الحوار الجميل.. 
وايضا لوحات اخرى فرضت تفاصيلها علينا عندما كنا نشاهد تلك الشاشات الزرقاء عبر التواصل الاجتماعي ونتابع كوارث وأحداث دموية حدثت في اوطاننا امام أعين عالم اخرس ونرى الظلم يضحك ضحكته الزرقاء في كل مكان هذه المشاهد دفعتنا نحن الفنانين لا شعوريا وباتت ريشتنا ترسم أوجاع الوطن، وباتت الشاهد على الحدث، فلوحتي ” كوباني” رسمتها عندما شاهدت داعشي يقطع راس مقاتلة كوردية تاثرت جداً ودخلت تلك القديسة في لوحتي وانا ارسم جدائلها المقدسة وانقش اسمي عليها وارسلت اللوحة لمعرض آمد في معرض جماعي كوردي مشارك فيه العديد من فنانين 
ولوحة “قامشلو الجريحة” ولوحة” شنكال “عندما نسمع بنساء يتم اغتصابهن وبيعهم في الأسواق والعودة لعصر الأنحطاط الإنساني على يد ظلام العصر كان لا بد لريشتي ان تبحث في تفاصيل الوجع.. 
ولوحة كوردستان الخارطة الممزقة وغيرها العديد من اللوحات اثرت في اعمالي. واما على الصعيد الشخصي ففقداني لأبنتي الوحيدة وفراقي القسري عنها لمدة اكثر من عشرة أعوام اخذت مكانا وأثراً مميزاً في العديد من لوحاتي 
اما اللوحات المستقبلية انا اعتبرها فيض من الحاسة السادسة وانا حقا مذهولة..من قدرتي على التنبؤ.. ! كيف ارسم لوحة فتتحقق في المستقبل، اصبحت اخاف من لوحاتي، والغريب جدا هنالك مجموعة لوحات لي كانت عبارة عن رؤيا واحلام رسمتها وبقيت مطبوعة في ذاكرتي وفعلا فيما بعد حولتها للوحات حقيقية مثل لوحة” ابنة الشمس” وعملت دراسة لونية لها واقتبست الوان الطيف اللامعة من الاكريليك اللامع لإنجاز اللوحة، والمتلقي عندما ينظر اليها يشعر بإن هذه اللوحات من عالم اخر إلا انها حقيقة مستدرجة من احلامي، فالفنان يتاثر بالزمان والمكان والذاكرة والواقع والاحلام وما بعد الواقع من عالمه الخاص..
* السفر، والأنتقال من مكان إلى مكان، ومن بلد إلى آخر، والآن الانتقال من الوطن إلى أوربا 
كيف ترسمين تلك البلاد الدافئة، كيف تتعاملين مع ضوء هذه البلاد الشحيح؟ 
#عندما هاجرت لم اسافر لوحدي بل اخذت شمسي معي وألواني الدافئة، وكمية الضوء التي تشع من لوحاتي هو مشروعي الفني الذي اعمل عليه منذ سنوات 
ربما سبب وجود الضوء في اللوحة كان لوجودي في أوربا التي نكاد لا نرى الشمس لأشهر طويلة 
لذا اصبحت كفراشة تلاحق الضوء إلى ان تحترق بها ربما.. هكذا هو نوع من العشق..
 
* لا أجدك تطلقين اسماء على لوحاتك إلا ما ندر هل تعتبرين ذلك نقصاً ام اهمال، وهل تعتبرين اطلاق الأسم انتقاص من قيمة اللوحة؟
#لا بالعكس ليست لدي مشكلة باطلاق اسم على اللوحة وخاصة عنوان اللوحة يكون مطلوباً في الكثير من المعارض لأن إطلاق أسمها يسهل من ادراك المشاهد للعناصر المطروحة وفي بعض اللوحات بالفعل يصعب على الفنان تسميتها عندما تكون مجردة بشكل نهائي
ومع ذلك يستطيع الفنان أطلاق الأسم عليها الذي يعبر عن حالة الفنان النفسية، ولا اعتقد بأن ذلك ينتقص من قيمة العمل الفني 
ولكن جرت العادة ان يقول البعض اترك المسرح للمشاهد ليجد في اللوحة ما يريد وانا اقول بان ليس كل متلقي عبقري في الفن فالبعض لا يفهم اي شيء ويقف امامها فقط حائر فيوضع في متاهة وثم يصرف نظره عنها فيذهب إلى لوحة ثانية، وهكذا.. 
لذا هنا على الفنان ان يشرح قليلاً عن لوحته وحالته النفسية فلا ضير بذلك الا إذا كان الفنان نفسه لا يعرف ماذا رسم ربما كانت مجردة خطوط انفعالية عفوية لا معنى لها وأحيانا تكون تلك الخطوط العفوية عبقرية وتذهل المشاهد 
* هل هناك الوان مفضلة، لديك؟ وهل هذا التفضيل يمنحك حرية تعبير أكثر قدرة؟ 
ماذا تمنحك الالوان، اخبرينا عن فلسفتك الخاصة في التعاطي مع اللون؟ وما هي الألوان التي تجذبك في الرسم وتميل إليها كثيراً في رسوماتك ؟ 
#الالوان ذوق الفنان تماماً ولغته، ونظافة الألوان هو الوجه الحضاري لمعرفته الفنية والدلالات اللونية هي حالاته النفسية  
قبل ملامسة اللوحة بالألوان على الفنان ان يأخذ نفساً عميقاً ويقبل فرشاته كما افعل أنا.. ويبدأ الرسم 
ألواني عبارة عن ألوان الطيف التي استدرجتها من الزي الكوردي ولمعانه وألوانه الطيفية حينما يلامس ضوء الشمس.. 
فاستعنت بألوان الأكريليك اللامع عندما ألمسها على اللوحة امنحها إيحاء الضوء بأعتبار الضوء موجود بوفرة في تقنياتي، وهذه الألوان لا تفارق ذاكرتي عندما كنت طفلة كنت أمسك بالفراشات واتفحص اجنحتها، وتلك الألوان الرهيبة التي نراها على جلود الكثير من الكائنات من حيوانات وطيور وحشرات او على سطح الماء تلك ألوان الطيف احبها جداً واعشقها واتميز بها ايضا 
عندما كنت في سوريا اكتشفت لون لم يستخدمه أحد في الرسم اعتبر ذلك اللون هو من أحد اكتشافاتي، فاستخدمته لرسم لوحات بسرعة مذهلة وله تكنيك خاص علبة واحدة منه تكفي لوحات عدة، رسمت فيها دمشقيات ومواضيع مختلفة 
وهذا اللون يجب اضافته ليدرس في كلية الفنون الجميلة بجانب قلم الرصاص والفحم، وهو لون بني خارق 
اذاً ألواني ليست ألوان اعتيادية بالإضافة للمواد والتقنيات والخرز والبريق اضيفها أحياناً للوحة كأحد عناصر اللون 
فأستخدام اللون ثقافة عميقة يدركها الفنان مع الممارسة والاختبارات الكثيرة اما الدلالات اللونية لكل لون مكنونه الخاص ومعاني في عالم التشكيل لذا على الفنان دراستها أكاديمياً.. 
* الواقع، او لنقل الحياة تشكل بواقعيتها ورمزيتها لوحة فنية مكتملة العناصر.
ماذا تضيف الفنانة شيرين باران إلى واقعية الحياة و سورياليتها من خلال اعمالها الفنية؟ 
#الواقع او الحياة هو مسرح وتراجيديا تمر امام اعين الفنان المراقب لكل تفاصيل المشهد، خاصة الفنان المثقف والملتزم لتكريس فنه لخدمة الإنسانية، 
وايضا الفنان يستطيع تغيير الواقع أو إلغائه تماماً 
حسب ثقافة الفنان، فكم من ريشة نادت بالحرية من خلال اللوحة، وكانت ثورة ضد المجتمع في تغيير عاداته وتقاليده او سلبياته 
لدي لوحات عن الوضع الكوردي ولوحات عن الثورة السورية ولدي لوحات عن الاغتصاب الاجتماعي ولدي لوحات تنادي بالحرية ولوحات تنادي بتحرير المراة وفك قيودها عندما اطرح الموضوع لست على ثقة بان المجتمع سوف يتغير بفعل لوحتي ولكن مجرد جراة طرح الموضوع وتقديمه اعتبره انجازاً، لربما استطعت تغيير شخص واحد فقط، حينها سأكون في غاية السعادة.. 
ولن اقف جامدة ابحث عن نفسي فقط واعمل بورتريه لنفسي واتفاخر كوني فنانة هذا غير كاف.. 
المجتمع واقع حال وان لم افكر به سوف تنتهي رسالتي الفنية وتتحول لرسالة نرجسية لا قيمة لها 
انا الكل والكل انا واذا كنت جزء من المجتمع نفسه واجب علي ان تكون ريشتي جريئة نوعا ما 
على سبيل المثال لوحات التعري غير مرغوبة في مجتمعاتنا بسبب العادات والتقاليد والقيود الدينية وبعض العقول المريضة والمتعطشة او المكبوتة
هل سألوا الطبيب في مجتمعهم لماذا يفحص نسائهم امام اعينهم سيقولون بان لا حياء في العلم 
فلماذا نمنع الفنان ايضا عندما يرسم التشريح أليس هذا ايضاً علم؟ 
ولكن في السنوات الأخيرة بدا الفنان الشرقي يطرح مواضيع وبجراة وحتى في مجال الكاريكتير خرج لدينا فنانين مبدعين عاصرو الثورة وكانت ريشتهم فعالة عالمياً كالفنان الصديق جواد مراد وغيرهم الكثيرين
* للفنانين طقوس خاصة، وموسيقاهم التي يختارونها مرافقة لهم..
هل لديك طقوس خاصة؟ وماهي نوع ااموسيقا التي ترافقك في عملك؟ 
#نعم بالطبع للموسيقا دور مهم و للطيران او التحليق الى مدينتنا الساحرة البعيدة جداً عن هذه الأرض كوكب الأبداع والمبدعين ليأخذنا الخيال إليها نصبح جسم غير مادي امام اللوحة واكاد انفصل تماماً عن الواقع المحيط بي واشعر بالتصوف الروحاني او حالة عبادة وحالة رقص مع الريشة والمسرح هو اللوحة 
لكي احلق هناك انا بحاجة لأعداد أدواتي الفنية وأهمها هي اعداد الموسيقا وفي كل مرة ابحث عن موسيقا عالمية مميزة جداً ولدي ذوق خاص واذن موسيقية جيدة، 
على انغام الموسيقا الريشة ترقص معي ولوحتي هي مسرحي إلى ان تنتهي اشعر وكأني في حالة نشوة عميقة وعندما اعود من عالمي ومدينتي أرى بأنني أمام لوحة.. 
كل الفنون لها ارتباط وثيق مع بعضها 
ولدي لوحة رسمتها على انغام أغنية للفنان فقه تيرا وتحولت كلمات أغنيته إلى لوحة رائعة فبقدر ما تكون الموسيقا رائعة يؤثر ذلك على جمالية العمل الفني 
* ماهو تقيميك لحركة الفن التشكيلي السورية في الوطن، وكيف تقيمين حركة الفنانين المغتربين و ماهي اسباب التباين ان وجدت؟ 
#حركة التشكيل السوري كانت ممتازة قبل الحرب وكانت تضخ بالحياة مقارنة بالدول العربية الأخرى 
ولكن لظروف الحرب اللعينة هاجر وسافر اغلب الفنانين البلاد كما عامة الشعب الذي اختار الهجرة خلاصاً من اتون الحرب، وهذا مما منح الفنان السوري ان يتعرف عن قرب على ابرز التجارب الاوربية والعالمية، وساهمت حركة السوشيال ميديا ومواقع الفن و الادب على مزيد من الترابط و مهدت الدرب امام الفنان السوري ابراز اعماله وعرضها في خطوة نحو العالمية..وهذه الفرصة لم تكن متاحة ضمن البلد وخاصة مع حالة التعامل الاعلام المحلي مع معارض الفن.. 
لكن هذا لا يعني ان الفن السوري يعيش حالة من شهر العسل، بالتأكيد لا وسأكون صريحة بهذا الخصوص، فهناك تشتت واضح لدى الفنانين المغتربين فبعضهم انضموا لمجموعات وتكونت شلل والبعض اعتزل و تزهد، واختلفوا فيما بينهم، فالسياسة لم تترك احداً مستقلاً برأيه، وفعل الاختلاف فعله كما في كل الأوساط السورية، 
انا فنانة مستقلة ولم انضم لشلل او كروبات فنية محلية ، لكنني اتابع اعمال الفنانين و اتمنى ان تترك كل واحدة او كل واحد منهم بصمته المميزة فأي نجاح لأي مبدع سوري او كردي هو نجاح لنا جميعاً.. 
وامنيتي ان يصل الفنان الشرقي والكوردي الى الكواكب والنجوم لما لا.. 
* سؤال يطرح نفسه، ماهو مصير لوحاتك بعد ان تنجزينها؟
أين تذهبين بكل ما ترسمينه؟
 
#اللوحات المنجزة حديثا لا يتم عرضها للجمهور بشكل مباشر فهي كالعروسة على رأسها أكليل ولها ثقلها ووزنها لذا لا يتم عرضها بشكل مباشر لوسائل الاعلام الا بعد ان تدخل إلى المعرض وتاخذ حقها الطبيعي من العرض، فإما ان يكون مصيرها البيع أو الأقتناء 
أو ان تبقى في مرسمي إلى ان تعرض في معرض اخر ولكن غالبا لا اعرضها اكثر من مرتين 
واحيانا اهديها لشخصيات مميزة من اصدقاء أو معارف.. ولدي مقتنيات كثيرة جداً 
لدي ما يقارب ٧٠ عمل مقتنيات لدى الحكومة الإلمانية ومتاحف سورية ولدى شخصيات مرموقة من محبي الإقتناء من شخصيات سياسية وادباء وشعراء وغيرهم 
ولكن هناك لوحات اقتنيتها لنفسي ارفض بيعها، تربطني بها ذكريات واحداث عميقة لذا ارفض بيعها 
حزن كبير وعميق بل جرح انزف منه ألماً اشعر به دوماً هو فقدان وتلف عدد كبير من لوحاتي بسب التنقل و السفر والحرب السورية خلفتها ورائي وبدون المطالبة بها لاسباب خارجة عن ارادتي وحزبنة جداً على مصيرها المجهول بعضها في سورية والبعض الاخر في اميركا والمانيا، ولوحة لي انجزتها بقلم الرصاص للموسيقي الفنان ” فقه تيرا” هذا اللوحة للأسف تمت سرقتها مرتين تم استرجاعها في المرة الأولى لكنها أختفت تماماً في المرة الثانية 
* شيرين باران كفنانة كردية كيف تساهمين وعبر الفن التشكيلية في أبراز الهوية الثقافية الخاصة بالشعب الكردي ؟ 
#ابراز هويتي الكوردية ذكرني بحادثة غريبة كدت ان ادفع ثمنها غاليا، ففي عام ٢٠٠٧ في معرض التخرج حضر وزراء وشخصيات وفنانين وكان وزير الدفاع السوري الأسبق العماد مصطفى طلاس احد الزوار وهو المعروف بأقتنائه للكتب واللوحات وقطع الأنتيكا، تجول في معرضنا نحن طلاب التخرج وأقتنى مني احد لوحاتي فقال له الصحفي ياسيادة العماد أنظر من فضلك واشتري لوحة عن كورستان فاقترب مني وسلم علي وقال : سوف اشتري كوردستان وضحك 
فجاوبته سيادة العماد كوردستان غالية ولا تباع ولا تقدر بثمن وانا انظر اليه بضحكة عريضة ََأبتسم ولكنه أشترى اللوحة ومضى ، واصابني خوف ان اكون ضيفة في احد فروع المخابرات، كانت ليلة قلقة ومؤرقة، ومضى الأمر على خير.. 
هذه الكلمة كانت صعبة جداً ان اقولها في ذلك الوقت العصيب ولكنني لم أستطع ألا أن أرد، فالفنان يجب ان يكون له موقف وبطبيعته يحب التمرد، وكانت الرموز الكوردية شيئاً اساسياً في اعمالي لسبب بسيط، هو انني كوردية.. 
اما بالنسبة للوحاتي فلدي مجموعة كبيرة من اللوحات عن الواقع الكوردي فالزي الكوردي والوانه تعلن عن حضورها في الكثير من اللوحات 
وهنا في فرنسا، وفي احد المعارض قدمت نفسي كوردية من كوردستان أمام حشد كبير من الفرنسيين والأعلاميين، وتحدثت عبر قناة راديوRBS وعرفت عن نفسي بأنتمائي إلى كردستان، و تحدثت عن الشعب الكردي بانه شعب مازال يبحث عن وطن، وفواصل اللقاء الموسيقية كانت اغان كوردية و غنيت أيضا بالكوردية ونال ذلك اعجابهم 
هكذا استطيع ان اعبر عن هويتي بشكل صريح وواضح وريشتي دوما في خدمة ابناء دمي
والاحداث التي تمر في المنطقة الكوردية لم تغيب عن مشهدي الفني التي تستنشق الأنفاس الكوردية من ألواني الدافئة.. 
* للشمس علاقة وثيقة باللون، و الشعب الكوردي شعباً آمن بالشمس الهاً وراعياً،
شيرين باران ابنة الشمس الفنانة التي لا تغيب الشمس عن لوحاتها، المترعة بالضوء وعناصر الطبيعة… كيف تفسرين لنا سر هذه العلاقة ؟ 
#نعم انا ابنة الشمس ونحن الكورد يسموننا بأبناء الشمس والنار 
لو عدنا لتاريخ الشعوب سنرى بأن منطقة ميزوبوتاميا تواصلت مع مصر والقوقاز، والهند والرومان.. كانت تتخذ الشمس آلهاً لها ولهذا الشمس رمز مقدس ونحن الميتانيين اسلاف الكرد احد هذه الشعوب التي اعتنقت الشمس ورمزها الازلي، النار المقدسة، التي لم تنطفأ إلى يومنا هذا في معابد الزردشتيين الكورد
ولو تطرقنا لرموز الشمس سنكتشف بانها حاضرة في ثقافات كل شعوب المنطقة،ولكل رمز دلالاته الخاصة، ومؤخراً اعلنت عن معرض أفتراضي، وعلى مستوى العالم، ورسمت رمزين للشمس ودمجتهما معاً 
وحظيت بتقديمي من فنانة برازيلية تحدثت فيها عن مشروعي الفني وشرح معانيه وايضاً قدمت لوحة اسمها ابنة الشمس 
فالضوء المشترك ما بين الشمس والقمر هو ذاته هذا الضوء الجميل الذي يسقط على الطبيعة من حولنا وعلى البشر وعلى كل الموجودات في الارض 
هذا الضوء المنبعث هو مصدر إلهامي واداتي الفنية 
* هل لنا ان نعلم مدى تطلعاتك مستقبلاً، خاصة وأنه لكم باع طويل وصولات وجولات، وتاريخ من المشاركات في معارض ومتاحف الفن حول العالم من امريكا إلى اوربا بالإضافة إلى نشاطكم الملحوظ في سوريا.. ؟ 
#تطلعاتي المستقبلية اتمنى ان أتجول عبر العالم كله وأقيم معارض للوحاتي.. 
ففي العام الماضي سافرت الى مدينة فينيس الإيطالية وأقمت معرضاً جداً جميل بينالي في متحفها و بدار الأوبرا 
كانت رحلة سياحية جميلة بالإضافة للمعرض ونلت الجائزة الثانية واصبحت إيطاليا وكل مدنها مفتوحة امامي لإقامة المعارض، وتتم دعوتي دائماً إلى المشاركة بمعارضها، لكن التنقل ليس بالأمر السهل، ودوماً لدي الرغبة في زيارة بلدان جديدة كنت اتمنى رؤيتها وزيارتها مذ كنت شابة صغيرة، واعتقد انني أصبحت في الساحة العالمية وهي مفتوحة تماماً أمامي، وبإمكاني فتح معارض في اي بقعة من العالم، والأمر مرهون للأمكانيات المادية، وليست فقط امكانيات فنية. 
بالرغم كوني محظوظة بانني سافرت لمناطق عديدة في العالم إلا انني لم ارتوي من تلك الدهشة التي اعشقها حينما ادخل متحفاً او قلعة اثرية أو قصراً يضم لوحات كلاسيكية، بالرغم من ذلك اشعر بأنني مهما سافرت او رسمت وكأنني لم افعل شيئاً، لدي دوماً احلامي، وأحلق معها عالياً وبعيداً.. 
* كلمة اخيرة، او يمكنك طرح سؤال كان يهمك فيما لو طرحناه عليك..
هل من أضافة ترغبون بأضافتها..
لكم حرية الكلام..
تفضلوا… 
#في الحقيقة الاسئلة كانت مهمة وسلسة ووافية بالرغم من ذلك فان الحديث حول الفن ومذاهبه وتعقيداته وافاقه وتاريخه، بالأضافة الى سرد التجربة الشخصية يحتاج سجالات ووقفات نقديةجريئة وربما كان الحديث عن الفن بحاجة لكتاب كامل، فلكل تجربة نجاحاتها واخفاقاتها، ولكل زمن فنانيه وفرسانه.. 
كل الشكر والتقدير لكم… لانني هنا في هذا الكتاب ،،،،،


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…