محاولة لنقد المشهد الثقافي

عبدالعزيز آل زايد 

لماذا انحسر النقد وقلّت أمواجه؟، أظن أنّ من مكاسب هذا الانسحاب ظهور العديد من الأقلام وبروز الكثير من النجوم الأدبية والثقافية التي تستحق أن تطرح على مبضع النقد، أعجبني كتاب ودوّنت ملاحظتي الإيجابية عليه في موقع القودريدز، وقبل أن أثبت المراجعة طالعت نقدًا موجعًا أطاح بالكتاب أرضًا، ونسف نجومه في اليم نسفًا، لا يخلو مادونه الناقد من الصحة، إلا أنه تقصد إبراز العيوب فاختل ميزان النقد في نظري، وما هكذا تبرد الإبل.
وغاب النقد عن المشهد الثقافي، ذكرنا بعض مكاسب الغياب، ولا يعني ذلك صحة الحال، حيث أننا نرى ضرورة إتاحة النقد، وبأمانة تقدمت كتاباتي كثيرًا بسبب الانتقادات التي وصلتني، فلماذا لا نقبل النقد البناء؟، ولماذا تهاجر العقول الناقدة؟، تحدثت في عدة مقالات عن التميز الأدبي والثقافي بوجه عام وعن المشهد الثقافي السعودي بوجه خاص، وآن أن نستعرض جملة من الإنتقادات التي يجدر الإلفات إليها قبل أن تحتضر الثقافة في بواكير مهدها.
هناك محاولة ثقافية جديدة تسعى للخروج من رحم الزجاجة، منها تولد ١١ هيئة ثقافية، فهل ستحظى الثقافة في السعودية بالانتعاش؟، علينا أن نكبح التوقعات، فالتغيير يحتاج لوقت، والواقع يختلف عن مدينة الأحلام الوردية، ثم هناك تجديد واتساع في النطاق سيبدد التركيز الثقافي التقليدي، فالثقافة انفرجت عباءتها لتلتهم الفنون الأخرى، مثل: الموسيقى والأزياء، أظن أنّ المتنبي سيرقص طربًا على هذا النفشاح الثقافي الجديد!!، هل حقًا سنصدر الثقافة أم الترفيه؟، لسنا ضد الترفيه، فالناس سئمت الروتين وتحتاج للمتعة، ولكن علينا أن نسمي الأمور بأسمائها، فالأزياء والموسيقى ستسحب البساط منا نحن الأدباء، وأنا حرب للوناسة إذا لامست حدود مملكتي!!، بل من الطريف أن تكون للأطباق الشهية هيئة ثقافية تحت مسمى هيئة فنون الطهي، ليشهد مثقفوا العرب أني غير معترض على هذه الأطباق، إذا رافقها سحور ثقافي يغير واقع أمتنا المرير!!، وليشهد الثقلان أني لست ضد التغيير الإيجابي، إلا أنه لا يصح إلا الصحيح، ومن الخطأ أن نفشح الثقافة على مصراعيها لندخل فيها ما ليس من اختصاصها، ثم نضخم الاعتناء بالدخيل ولا نجد للمرتكزات الثقافية أيّ نصيب، سوى رتوش لا تسمن، هناك ضياع في الهوية، حيث أننا مستلبون من الداخل، والثقافة التغريبية الغيرية تتعملق على الذات، فهل من المعيب أن نمجد تراثنا وحضارتنا؟، أليست الثقافة العربية وتراثها مفخرة لكل عربي؟، فلماذا لا تطربنا إلا الحمامة التي تأتي من وراء السدود والحدود؟، هناك اختلاط بين التخصصات، وندعوا النقاد للنظر بين الحدود الفاصلة بين ما هو من الإهداف الثقافية وما هو من أرصدة الإقتصاد، لا ريب أنّ الاقتصاد هام، ولا يعني أن نذوّب الثقافة من أجل الدينار والدرهم، فالثقافة تبقى أصيلة ويجب الاصطفاف لها؛ لا احتلابها لتدر للمستأكلين الذهب!!
ضاعت البوصلة، وأصبحت الثقافة في المملكة كفطيرة البيتزا المقطعة لشرائح يلتهم كل فم منها ما يتوافق مع مصلحته، أليس هناك علامة فارقة بين الثقافة والشؤون السياحية؟، أظن أنّ المقعد الثقافي في السعودية لا يزال شاغرًا، فلقد ضاعت التحف الإدبية لصالح التحف الفنية، فالأديب يعيش المعاناة بينما الاحتفاء بـ (رجل المعاناة)، وما الأخير إلا تمثال حجري عاش ٦ آلاف سنة، بعد الذي أوردناه هل نتوقع للثقافة تألقًا؟، هناك اهتمام للثقافة في المملكة، ولكنه اهتمام ثانوي يصب لصالح الفنون والآثار
والسينما والترفيه والسياحة وحفلات الطرب، وغياب ملحوظ للدعم الأساسي، ولا خلاف أنّ الأساس هو دعم الفكر والأدب والشؤون الثقافة البيضاء.
الجميل أنّ للثقافة صروح بارزة ومعروفة، منها: الملحقيات الثقافية والنوادي الأدبية، فهل تغير واقعها المأساوي؟، هل قدمت هذه الجهات وغيرها دعمًا للمفكرين والمثقفين والأدباء بالشكل المأمول؟، نحن لدينا تركيز على الأرباح المادية، ولكن ماذا عن المكاسب الثقافية والنواحي المعنوية التي هي مفاخر البلاد؟ 
أظن أن جميع المثقفين يتفقون معي أن النواحي الاقتصادية ليست كل شيء في هذه الحياة، ولهذا نجد أنّ المثقف يحرم نفسه من كل المتع من أجل أن يطبع كتابًا، أو يشتري مطبوعة، ومن المعروف أن المثقف رافق خط الفقر منذ الأزل، فهل ستنقلب الموازين، في أمة تقول نحن مع الثقافة قلبًا وقالبًا؟ 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

(ولاتي مه – خاص):
على امتداد أكثر من خمسة عقود، يمضي الفنان والمناضل شفكر هوفاك في مسيرة حافلة تجمع بين الكلمة الثورية واللحن الصادق، ليغدو أحد أبرز الأصوات التي عبرت بصدق عن آلام الشعب الكردي وأحلامه بالحرية والكرامة.
منذ انخراطه المبكر في صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني في سبعينيات القرن الماضي، ظل شفكر وفيا لنهجه…

ماهين شيخاني

في فجرٍ بعيدٍ من فجر الأساطير، خرج رستم، بطل الممالك الفارسية، في رحلة صيدٍ طويلة. ضلّ طريقه بين الجبال حتى وجد نفسه في مدينة «سمنغان»، حيث استضافه الملك في قصره. هناك التقى بالأميرة تَهمينه، فتاةٌ تفيض حُسنًا وشجاعة، قالت له بصوتٍ يقطر صدقًا:

«يا رستم، جئتُ أطلب من البطل ولداً مثله، لا كنزاً…

إبراهيم اليوسف

لم يكن إصدار رواية” إثر واجم” في مطلع العام عام 2025 عن دار نوس هاوس للنشر والترجمة والأدب، مجرّد إعلان عن عمل سردي جديد، بل ولادة مشروع روائية- كما نرى- تُدخل إلى المشهد الروائي صوتاً لم يُسمع بعد. هذه الرواية التي تشكّل باكورة أعمال الكاتبة الكردية مثال سليمان، لا تستعير خلالها أدواتها من سواها، ولا تحاكي أسلوباً…

عصمت شاهين الدوسكي

الشاعر لطيف هلمت غني عن التعريف فهو شاعر متميز ، مبدع له خصوصية تتجسد في استغلاله الجيد للرمز كتعبير عن مكنوناته التي تشمل القضايا الإنسانية الشمولية .

يقول الشاعر كولردج : ” الشعر من غير المجاز يصبح كتلة جامدة … ذلك لأن الصورة المجازية جزء ضروري من الطاقة التي تمد الشعر بالحياة…