بلغ السيل الزبى

دلشاد مراد

لابد في البداية من التأكيد بأن الحديث عن دور ومهام المثقف والمؤسسات الثقافية في أي بلد أصبحت كأسطوانة مشروخة، وقد جرى الحديث عنه مراراً وتكراراً، وكأنه يتم شرح نظرية مبهمة للرأي العام. وفي الحقيقة إن الموضوع أبسط بكثير مما نتوقعه، فالحزب السياسي على سبيل المثال يجري تأسيسه لغرض خدمة المطالب العامة ومنها السياسية للجمهور… وهكذا بالنسبة لكافة التنظيمات والمؤسسات المجتمعية، فالمؤسسة الثقافية تنشئ بغرض تفعيل الحالة الثقافية في مجتمع أو بلد ما، وهذه ليست مجرد وجهة نظر فردية بكل الأحوال.
وما دام الموضوع المثار بسيط – كما أزعُم- فإذاً لما كل هذا التكرار والجدال حول المثقف ودوره المفترض، في المجتمع المحلي (شمال وشرق سوريا)، حيث يتم تنظيم اجتماعات ومحاضرات ولقاءات تشاورية بين حين وآخر، فيهدر بذلك الوقت والجهد التنظيمي وحتى الذهني من جراء ذلك، بل أن كل تلك الاجتماعات واللقاءات التشاورية لا تؤتى بثمارها، فهي مجرد شكليات ولا تتضمن سوى أحاديث ارتجالية وشعاراتية عن دور المثقف أو مداخلات تحمل انتقادات وتحليلات غير موضوعية عن الواقع السياسي والثقافي، فتصبح تلك الاجتماعات واللقاءات أشبه بمكان لتفريغ الشحنات أو الآراء الشخصية المتراكمة لسنوات دون أي اتفاق على أي موضوع محدد، ويتم تكرار هذه العملية أو هذا الحدث بين حين وآخر، وهكذا تمر الأيام والسنوات والنخبة المثقفة تواصل نقاشاتها عن دور ومهام المثقف والمؤسسات الثقافية دون أن تتقدم ولو بخطوة إلى الأمام.
فالمثقفون كأي جزء من المجتمع لابد لهم من التحرك الفوري وأخذ دورهم دون أي تأخر في السياق العام للتحرك المجتمعي تجاه الظروف والتحديات، ومن الخطأ الانتظار أو الوقوف على الحياد في المواقف أو اللحظات التاريخية الحاسمة. أقصد بذلك أنه من غير المنطقي بعد مرور حوالي عشر سنوات من الثورة الجارية في شمال وشرق سوريا وبعد وقوع عدة مناطق بأيدي الاحتلال التركي أن يتناقش المثقفون عن دورهم المطلوب في عملية الثورة والبناء المجتمعي. ولو كان توقيت هذا النقاش الجاري حالياً في بدايات الأزمة السورية (2011-2012) لكانت نتائجه مغايرة حتماً.
وإذا كان الحال هكذا.. فهل يمكن القول أنه لا يمكن الخروج من الاستعصاء الحاصل في تنظيم المثقفين، وأنه لا حل في المستقبل المنظور؟
في الحقيقة وكما يقال (لكل داء دواء) فأن العمل التنظيمي للمثقفين لا يمكن ان يكون فعالاً دون أن يغير المثقفون من أسلوب عملهم من خلال تعزيز قدراتهم المعرفية والجدية في العمل والابتعاد عن الأنشطة الشكلية والسطحية والمتقوقعة البعيدة عن المجتمع، لابد لهم أن يدركوا ويتلافوا أخطائهم السابقة ويبتعدوا عن إنتاج مجتمع وهمي.
ما أريد قوله إن الوقت المعاش لا يحتاج منا التنظير والنقاش على دور المثقف بقدر التوافق على مبادئ عمل مشتركة واستنفار عملي في مواجهة التحديات والأخطار الراهنة من خلال تكثيف الأنشطة والفعاليات والنتاجات الأدبية والثقافية القيمة والجدية المؤثرة في المجتمع. على المثقفين أن يدركوا أن الوقت يداهمهم.. وإن السيل قد بلغ الزبى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*زاوية “الحديث الثقافي”، صحيفة روناهي/ شمال وشرق سوريا، 11 أيار 2022م.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…