قطار الشرق السريع…

عبد الستار نورعلي

على رصيفِ ساحةِ النهضة،
في بغدادِ الأزلْ
بينَ الذبحِ والأملْ،
مضى سالم صادق ملانزار
نحو حتفهِ 
برصاصاتٍ
زيَّنتْ صدرَه وجبهتَه
بأكاليل الغار.
كانَ ذلكَ 
حين اعتلى عرشَ الموتِ
الحرسُ اللاقوميّ
بقطارٍ جاءَ 
من مصانعِ البيتِ الأسود الخلفيةِ،
ليزنَ الذبحَ في شوارع بغدادَ
بميزانِ الدولار المُدنَّس
برائحةِ البترولِ،
وكوارثِ البنكِ الدوليّ.
مضى سالم ورفاقُه موشَّحينَ
بأوسمةِ المُستضعَفينَ في الأرض،
أصحابِ بيوتِ الطين والقصبِ
في أهوار العشق الأبديّ 
لگلگامشَ الباحثِ عن العُشبة
بمعيّةِ خليلهِ أنكيدو.
الحانةُ الشعبيةُ في البابِ الشرقيّ
كانتْ مزدحمةً بأولي النخوةِ والمعاناةِ 
بحثاً عن ساعاتٍ من النشوةِ
والخَدَر اللذيذِ 
غير المتوفرين في الأزقةِ الرازحةِ 
تحتَ صخرةِ الركضِ
بحثاً عن رغيفٍ 
منَ التنور الطينيّ المسجورِ
بقلوبِ أمهاتِ الشهداءِ
في ساحاتِ المعاركِ الدونكيشوتيةِ
في درب المسيرةِ الكبرى 
نحو اليوتوبيا المُنتظَرةِ التي انهزمَتْ 
امامَ النمرِ الورقيّ.
 
سالم 
ورفاقهُ الشبابُ الحلوين
المُرتّبين
في صالوناتِ الكتبِ الممنوعةِ، 
والمعبّأين 
بأحلامِ اليقظةِ 
في القلوبِ والجدرانِ المتهالكةِ، 
حملوا رايةَ الشمسِ الحمراء
في الأفق البعيدِ،
وأناخوا بإبل آمالهمْ 
عندَ واحةِ لينينَ،
بين الرمال المتحركةِ 
بأيدي الباحثين عن حتفهم
في زمن الذي ضيّعَ المَشيتين،
ليصبحوا جثثاً مرميةً 
على قارعةِ الطريق العامّ 
بأحقادِ رُكّابِ القطار القادم
برداءٍ مهلهلٍ من تاريخٍ.. 
أسودَ من الفحم 
في كهوفِ شيوخ فتاوى المُفخّخات،
الرُكّاب الذين رفعوا رايةَ الذبح
من الوريدِ إلى الوريد
شعاراً
بأنَّ الجماجمَ للعقيدةِ سُلَّمٌ.
وأمّا قطارُ الشرقِ السريع 
فكانَ أسرعَ منَ الضوءِ
في اختطافِ الشبابِ المُرتّبين 
المؤمنين
بوطنٍ حرٍّ وشعبٍ سعيد،
اختطافاً غيرَ مؤجّلٍ
صوبَ الموتِ المجانيّ 
في قافلةِ الحُداةِ المَهرةِ بالختيلان، 
والمدرّبين في مدارس الرفيق: 
“ميكويان، أهلاً بيكْ…”،
والرفيق عزيز الحاج!
عبد الستار نورعلي
  نيسان 2022

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

منذ أكثر من قرنين؛ جرى ويجري تجهيلٌ للأجيال في العالم الإسلامي؛ فيتكرر القول بأننا نحن العرب والمسلمين؛ قد تخلَّفنا وتراجعنا عن عَظَمَةِ أسلافنا وهذا القول خادع، ومضلل، وغير حقيقي، ولا موضوعي، ويتنافى مع حقائق التاريخ، ويتجاهل التغيرات النوعية التي طرأت على الحضارة الإنسانية فقد تغيرت مكَوِّنات، ومقومات، وعناصر الحضارة؛ فالحضارة في العصر الحديث؛ قد غيَّرت…

سلمان إبراهيم الخليل
تبدلت ملامحي على دروب الرحيل
ثمة أنفاس تلهث خلف الذكريات
تركض خلف أسفار حزني المستدام
الأرصفة وحدها من تشعر بأنات جسدي
وهو يئن من لهيب المسافات

المطر الأسود ينهش في جغرافيا الروح
وهي تعزف للريح تراتيل الغربة
وأنا ألملم شظايا أحلامي بخرقة هشة
لأتوه في دهاليز المجهول

أمد نظري في الأفق البعيد
أمد يدي لمرابع الطفولة
انتظر لهفة أمي وأبي
لكن ما من أحد يصافح
لقد…

سيماف خالد محمد
كنتُ جالسةً مساءً أستمع إلى الأغاني وأقلب صفحات كتاب، حين ظهر إشعار صغير على شاشة هاتفي، كانت رسالة من فتاة لا أعرفها مجرد متابعة لصفحتي منذ سنوات.
كتبت لي دون مقدمات:
أنا أتابعك دائماً وأرى أنك تكتبين عن القصص الاجتماعية، هل يمكنك أن تكتبي قصتي؟ أريد أن يكتب أحد عن وجع طفولتي، ربما إذا قرأتها…

أ. فازع دراوشة| فلسطين

المبيّض أو كما يلفظ باللهجة القروية الفلسطينية، ” المبيّظ”. والمبيض هذا كريم الذكر لا علاقة له قدّس الله سره بالبيض.

لم أره عمري، ولكن كنت في أوائل الابتدائية (الصف الاول والثاني) وكان يطرق سمعي هذا المسمى، علمت أنه حرفي ( صنايعي) يجوب القرى أو يكون له حانوت يمارس فيه حرفته. يجوب القرى، وربما…