تلك المرأة.. إلى لاجئة سورية تدعى: س. س/ تزوجت قسراً بسبب الحرب

هند زيتوني| سوريا 

أيها الذئبُ المريض
الأنثى التي تتمدّد بجانبك في السرير، ليست سوى دميةٍ مفخخة بالألم
ضحيةٍ تختبئُ تحت جفنيها جثثُ المعارك
 نجمةٍ تحترقُ كل يوم في سمائك
كما تحترقُ  قبلةٌ على شفاه عاشقٍ ميِّت  
تلكَ الطِّفلةُ تلفُّ جسدَها بشالِ روحِها الرقيق، تحتسي دمعَها كلما جفّتْ أغنيةُ المطر    
لم تعرفْ كيف رستْ سفينتها على ذلك الشاطئ البعيد
الحربُ سيِّدةٌ عاهرةٌ تبيعُ النُّهودَ الطريَّةَ لعابري السرير 
كم يورو دفعتَ لتشتريَ قلباً محترقاً وعيوناً فارغةً من البريق؟
هي قدَّمتْ جسدَها قرباناً لأنيابك، وقدَّمتْ دمها كرغيفٍ ساخنٍ لأفواهٍ جائعة 
لم يستطع أن يفكَّ شيفرةَ توقِها أحد لم يعلم أنّ ابتسامتها المريضة 
 مصباحٌ فارغٌ من الزيت وجهها الوديعُ آيةٌ مقدَّسة، كان يرتِّلُها حبيبُها قبل أن ينام  
يحسَبُها الغريب لعبةً جميلةً من البورسلان الملوّن 
 رآها في فيترينة الحياة وأحبَّ اقتناءها  
تفرُّ نار الرغبة من شمعة الجسد تتدلّى عناقيد الشهوة من سقف الغرفة 
لا تستطيعُ أن  تشمَّها أو تتذوَّقها ثمّةَ أيدٍ غريبةٌ تلوِّحُ لها من بعيد فترتجفُ
كورقةٍ خريفيَّة 
يدٌ خضراءُ واحدةٌ كانت قد حضنَتها قبلَ أن تصبحَ رماداً، أمُّها قبَّلتْ جبينَها وحلَّفتْها بسنابلِ القمح أن تكونَ زوجةً صالحة، أن تخافَ اللهَ في هذا الذِّئب وترضعَهُ من نهديها إذا جفَّتْ بحيراتُ الإله
أن تكونَ ملاكاً صامتاً لا يسجِّلُ الخطايا
 لم تقلْ شيئاً سوى “آه يا أمي، اليومَ سأبتعدُ عن شجرةِ الليمون التي رعيتُها 
ولكن أشعرُ الآن بأن قلبي تحوَّلَ إلى شجرة؟ كيف أكون شجرةً وليس هناك عصفورٌ واحدٌ يقفُ على غصني؟ 
 تكتبُ في مذكَّراتِها: “كلُّ النساء صُنعن من الطين، أما أنا فخُلقت من دموع السماء”
ما زالت تجفِّفُ نوافذَ قلبَها من ملامحِ حبيبها الغائب تصنعُ من الملح سفينة للضحايا 
ثمّةَ ذاكرةٌ مظلمة
تطعنُ كلَّ عصافيرِ الفرح، والآن عليها أن تُغرقَ كلَّ أيَّامِها في زجاجةِ فودكا قديمة، لتنسى الحياةَ الخارجةَ عن الوقت المنقوعةَ بشهوةِ ذئبٍ طارئ
ثمَّةَ موتٌ شهيٌّ يطرِّزُ حافَّة الهاوية بالنرجس والنيلوفر
ويغريها بالرحيل
ليست هي من اختارت أن تكونَ دميةً جميلة، ليلهو بها ظلٌّ غريب  
ليست هي من اختارت أن تكون قيثارةً جوفاءَ عاريةً من الألحان 
تلك المرأةُ لم تتعلَّم الحبَّ على يدِ صيَّادٍ ماهر، لكنها أصبحت اللقمة في صحنِ ثعلبٍ جائع  
ما زال الغريبُ يأتي في المساء، يأكلُ طبقَهُ المفضَّلَ ثم يتمرَّغُ على رمال جسدها
مثلَ لاجئٍ جاء من بلاد الصقيع، ينشدُ الدفءَ واللذة  
تلك التي تتمدَّدُ في سريرك البارد، ليست إلاّ ثلجَ العتمة 
وردة ذابلة ابتلعتْ رحيقها واعتنقت الصمت 
قالت له ذات يوم: هذا الليل يفّكُ جدائلي ليصنع مشنقة لجسدي  
لأهبط من أرجوحة الجموح وأدفن غريزة الأزهار 
ضوءٌ باهتٌ يذبلُ في نهاية ممرٍّ مظلم ها هي تُخمدُ جلجلةَ الصَّمت وترتِّبُ هزائمَها لتضعَها على رفِّ الأمنيات لمن ستشكو ألمَها؟ لعجز الصدفة؟ أم لخوفِ المتسولين؟
تلك المرأةُ التي أرى وجهَها في المرآة تلاشت كغيمة صيفية، ما زالت تحصي خيباتِ الجسد، لم تعد تبحثُ عن عطرها ولا عن مائها، أسأل أينَ  هي؟ أنظر  في مرآة الغياب، وأنا هنا أراقبُ وردةً أخرى تذبلُ في آنية الانتظار… 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غالب حداد

1. مقدمة: استكشاف “العالم الجميل الموجود”

تُقدّم مجموعة القاص والشاعر الكردي السوري عبد الرحمن عفيف، “جمال العالم الموجود”، نفسها كعمل أدبي ذي كثافة شعرية فريدة، يرسم ملامح مجتمع مهمش، ويحول تفاصيل حياته اليومية إلى مادة للتأمل الفني والوجودي. ويأتي تحليل هذه المجموعة، التي تمثل تطورا لافتا في مشروع عفيف الأدبي الذي تجلت ملامحه…

مصطفى عبدالملك الصميدي| اليمن

باحث أكاديمي

هي صنعاء القديمة، مدينة التاريخ والإنسان والمكان. من يعبر أزِقَّتها ويلمس بنايتها، يجد التاريخ هواءً يُتَنفَّس في أرجائها، يجد “سام بن نوح” منقوشاً على كل حجر، يجد العمارة رسماً مُبهِراً لأول ما شُيِّد على كوكب الأرض منذ الطوفان.

وأنتَ تمُرُّ في أزقتها، يهمس لك الزمان أنّ الله بدأ برفع السماء من هنا،…

أُجريت صباح اليوم عمليةٌ جراحيةٌ دقيقة للفنان الشاعر خوشناف سليمان، في أحد مشافي هيرنه في ألمانيا، وذلك استكمالًا لمتابعاتٍ طبيةٍ أعقبت عمليةَ قلبٍ مفتوح أُجريت له قبل أشهر.

وقد تكللت العمليةُ بالنجاح، ولله الحمد.

حمدا لله على سلامتك أبا راوند العزيز

متمنّين لك تمام العافية وعودةً قريبةً إلى الحياة والإبداع.

المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في…

د. فاضل محمود

رنّ هاتفي، وعلى الطرف الآخر كانت فتاة. من نبرة صوتها أدركتُ أنها في مقتبل العمر. كانت تتحدث، وأنفاسها تتقطّع بين كلمةٍ وأخرى، وكان ارتباكها واضحًا.

من خلال حديثها الخجول، كان الخوف والتردّد يخترقان كلماتها، وكأن كل كلمة تختنق في حنجرتها، وكلُّ حرفٍ يكاد أن يتحطّم قبل أن يكتمل، لدرجةٍ خُيِّلَ إليَّ أنها…