جاك في البيت الأبيض

إبراهيم أمين مؤمن-مصر

وصل جاك إلى مبنى البيت الأبيض وما زال يتوقّد حنقًا على وتيرة الأحداث التي قدْ تُنذر بزوال العالم ولاسيما أن مؤجج هذا الصراع هو رئيس جورج رامسفيلد بإيعاز من يعقوب إسحاق.   
وصل إلى البوابة الرئيسة للبيت الأبيض، دلف إلى أحد حرّاسها، ثمّ قال له بابتسامة هادئة رغم أن غضبه يكاد يتحول إلى لهيب: «أريد مقابلة  فخامة الرئيس.»
تفحّصه الحارس بنظرة عميقة، وأوغل في شرارة عينيه وطأطأة بشرته وتذبذب جوارحه، تبين حقيقته ولم تخدعه ابتسامته الهادئة، عندئذ قال له الحارس بهدوء: «هل أخذت موعدًا من فخامة الرئيس يا دكتور جاك؟»
أجابه بسؤال: «أتعرفني؟»
– «وهل تظنّ أنّ حارس البيت الأبيض لا يعرف مَن هو مثلك يا جاك، يكفي أنّك تُسمِّي نفسك جاك الولايات المتحدة الأمريكيّة.»
صمت هنيهة ثمّ قال: «أنا سعيد برؤيتك، وأرجو أن تُهدّئ من روعك وتملك أعصابك العائمة في بركان غضبك.»
– «لا شأن لك بغضبي، فقط أخبره أنّي أريد لقاءه.»
انتحى الحارس جانبًا ليكون بعيدًا عن سمع أذني جاك، بينما جاك يرمقه مقطبا.
كلّم الحارس رئيس حرس البوابات وأخبره بحالته، فأخبره رئيس الحرس بمنعه من الدخول والانتظار لحين إشعار آخر.
ومرّت ساعة وما زال جاك ينتظر على أحد المقاعد، وبدأ الظلام يهبط وئيدًا، فنهض وأقبل على الحارس وهو يزفر غضبا، وقال: «بعد إذنك، افتحْ البوابة واتقِ شرّي، أنت ومن وراءك.»
رد الحارس: «لا تضطرني يا جاك أن أفعل ما أكره وتكرهه أنت، انتظرْ حليمًا أو انصرفْ راشدا.»
ضربه جاك ضربة قوية في قضيبه فتقلصت ملامح الحارس ألما وسقط طريحا، حاول النهوض فلم يستطع. مضى جاك قدما واخترق الباب، خطا خطوات وهو يلتفت يمينًا ويسارًا يريد أن يعرف السابلة إلى حجرة الرئيس، لكنْ سرعان ما التفّ حوله حرس البوابات ولم يكن بينهم رئيسهم.
أحصاهم جاك عددا وقال لهم متوعدا: «دعوني، أريد مقابلة الرئيس.»
هاتف أحدهم رئيس الحر فأتى مسرعا وهو يكلم الرئيس بشأن جاك.
أقبل إليه رئيس الحرس وقال له ممتعضا وأنفاسه تتلاحق: «أهذه طريقة تدخل بها البيت الأبيض يا جاك، اتفضل الرئيس بانتظارك.»
ورغم دخول جاك عليه متجها إلا أن الرئيس نهض له والتزمه وبش له، هكذا تراءى له.
أما جاك فلم يبد له أي احترام؛ بل لم يبسط يده إليه.
أنزل الرئيس يده بعد أن أخذ تلك الصفعة النفسية وتجاوز أيضا عن هذه الأخرى وبادره بقوله: «لعلّك فكّرت في عرضي السابق وقرّرت أن تصنع الطائرة.»
هز جاك طرف أذنه اليمنى بإبهامه وكأنه يريد أن يطرح أرضا بكلمة الرئيس التي سمعتها أذنيه، وسرعان ما قال: «أشعلتَ الحربَ أنت ويهودك، ماذا ستجني أمريكا من وراء الحروب؟» 
واستطرد مستدركا بصوت عال: «بل ماذا ستجني أنت من العرش؟»
لم يعد يحتمل الرئيس استخفاف جاك به لذلك قال: «تأدب أيّها الفتى، وإيّاك تظنّ أنّ وكالة ناسا أو حبّ الشعب الأمريكيّ لك سينفعانك عندما تتطاول على رئيسك، أنا هنا على هذا العرش أحمي بلدي ممن يريدون بها السوء.»
– «أيّ سوء؟» قالها جاك باستخفاف.
– «من الشرق يأتينا الإرهاب، ومن آسيا يسرقون ملكتنا الفكرية ويتربصون بنا عبر المضايق والممرات المائيّة ليقطعوا عنا إمدادات النفط وخطوط الغاز، ولا يتورعون بالفعل أو القول لإلحاق الأذى بنا رغم أزمتنا الاقتصادية الخانقة.»
وسرعان ما هرول وفتح التلفاز وأراه أسعار النفط التي فاقت الخيال ثم قال له: «أرأيت كيف فعلت بنا ودول الخليج، أما آسيا فقد منعت النفط عنا.»
ثمّ حدّ إليه النظر وقال ممتعضا متعجرفا: «وهم صنيعتنا ونحن الذين ثبّتناهم على كراسي الحكم.»
قال جاك: «أيّها الرئيس، أنا غير مقتنعٍ بما تقول، مَن كان قبلك أفضل منك وقد ساهم في الخروج مِن أزمتنا الاقتصاديّة إلى حدٍّ كبير.»
ثم أقبل إليه بضع خطوات ورفع سبابته في وجهه وقال محذرا متوعدا: «ارفعْ يدك من هذه الحروب، اسحبْ الجيوش الأمريكيّة وخذ تعويضات الحرب التي عرضها عليك الروس والصين، انسحبْ بالجنود من أرض العرب إلى أرض أمريكا فهي (الأرض) الأولى بأن تدب أقدام الأمريكيين عليها.»
لما همّ الرئيس بالحديث بادره جاك بقوله: «اسمع، ليس لنا شأن بهرمجدون والهيكل والمسيا الملك وأرض الميعاد والنيل إلى الفرات وسائر تلك المخططات الصهيونية القذرة، شأننا هو (يشير في تلك اللحظة بسبابته إلى السماء) ذاك الرابض في السماء، ارفعْ يدك عن العالم، ارفعْ يدك عن أمريكا.»
قال الرئيس ممتعضا: «ما شأنك أنت بالسياسة والحرب يا فتى، لابدّ أن تحكم أمريكا ولا تُحكم، حتى لو اضطررت لإبادة العالم كلّه، ولا مانع أن تضحّي أمريكا ببعض جنودها مِن أجل أن يعيش شعبها كله في كرامة وكبرياء، اذهبْ أيّها الجاهل إلى ناساتك ولا تعدْ.»
تملك الغضب جاك وجرت الدماء في عروقه وأخذ يتمتم بعبارات الحنق، وتحولت عيناه إلى جمرتين وقال بصوت كالرعد: «أنت جرثومة يا خادم يهود، أنت عضو خبيث في الجسد الأمريكي يجب بتره، وأنا باتره.» 
وانقضّ عليه ليخنقه، وطوقه بذراعيه وأخذ يضغط حتى جحظت عينا الرئيس واندلع لسانه وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بادر إليه حرس القصر وانتزعوه من يديه.
أخرجَ أحدّ الحرس مسدسه من غمده ليطلق الرصاصة على جاك، لكنّ رئيس الحرّاس رفع يده إلى أعلى في الوقت المناسب فطاشت في الهواء  ثمّ قال للحارس: «أجننت! أتودّ أن يثور الشعب على الحكومة! هل تظنّ أنّ وسائل الإعلام الأمريكيّة سترحمنا؟ ألا تعرف ماذا يمثل جاك لأمريكا وللعالم؟»
ونظر إلى كل الحرس وأمرهم بالصمت.
التفوا جميعا حوله والذعر يتملكهم، وتمكنوا منه وهو يسب ويلعن في رامسفيلد ويرميه بأفظع الشتائم، بينما توارى رامسفيلد خلف ظهر رئيس الحراس.
استطاع جاك بعد لحظات التخلص من قبضتهم وركض كالوحش نحو رامسفيلد ولكن رئيس الحراس لكمه لكمة شديدة ارتد على إثرها للوراء وسرعان ما هجم عليه الحراس من جديد قبل أن ينهض.
أمرهم رئيس الحرس بأن يتركوه، وفور أن نهض قال لجاك: «جاك امضِ لحال سبيلك ولن يمسك سوء، امض وحسبك ما فعلت.»
قال جاك: «لن أمضي حتى يأمر هذا الصعلوك (يشير إلى الرئيس) بانسحاب بلدي من أرض العروبة وترك الحرب بلا عودة.»
لم يجد رئيس الحرس بدا من تهديده بعد إصراره فقال: «جاك، لو قتلتك الآن لن أُعاقب فيك، وأمور الحرب هذه سياسة دول وشأنها وليس لنا أن نتدخل فيها، ولا بديل لك الآن إلا أن تمضي.»
ردّ جاك: «لن أمضي قبل أن يعدني هذا الأخرق (يشير إلى الرئيس) بألا تتدخل أمريكا في شئون أحد.»
قال رئيس الحرس: «جاك، أنت بذلك تثير فتنة ببلدك، لا أريد أن أؤذيك لأني لا أريد للبيت الأبيض أن يصطدم بوكالتك فتتسبب في عودة الثوار مرة أخرى.»
وفور أن انتهى من قوله كرّ جاك مرة أخرى يريد الفتك بالرئيس، فوقف رئيس الحرس حائلا بينه وبين وقال له بثقة: «إذن لا محيص، قاتلني أنا.»
وأمر جميع الحرس بعمل دائرة كبيرة أشبه بحلبة المصارعة، وكل منهما يحمل بداخله أمرا، فجاك يريد هزيمته ليفتك بالرئيس، ورئيس الحرس يريد الفوز ليصرف جاك عن المشهد.
لم ينصاع الحرس للأمر، واندفعوا إلى جاك في لحظة خاطفة وتمكنوا منه وقيدوه.
أمرهم رامسفيلد بسلسلته ووضعه في أحد حجرات البيت حتى يُنظر في أمره.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…