ريبر هبون
يستند الكاتب ابراهيم اليوسف في روايته على محاكاة الواقع الذي تماهى مع جوانب بهية من حياته، فشارع الحرية يمر من منزله وله فيها حكايات متسلسلة كقطار بانورامي في الذاكرة مترامية الأبعاد، حيث يوظف الميتاسرد كمذهب جمالي في الاستدلال على محطات هامة من تجربته في الحياة في ظل بيئة معتقلة ونظام مستبد فرّخ مستبديه الصغار الذين أوكلهم مهمة حراسة إرثه القمعي من بعده ونشير هنا إلى النظم الشمولية فقد خلّفت وراءها أحزاباً شمولية على شاكلتها، تؤله قادتها، وتقزّم ما سواهم من الأفراد، أحزاباً وإن ادعت أنها على جانب الخلاف مع النظام إلا أنها أوغلت في المفاسد والمظالم على طريقتها، حيث حذت هذه السلطة القمعية حذوها ولعل تجربة الأحزاب اليسارية بشقيها الشيوعي والقومي اعتكفت على تقاليد سلطوية تجهيلية مع المجتمع ،
فالذي حظي بحكم الناس فإنه سرعان ما يسلك مسلكاً قمعياً في التعامل مع الخصوم ومع من يخالفهم الرأي بالقمع والتنكيل والتكميم وكيل تهم الخيانة بحقها، الأمر الذي يدفع بالأخيرة إلى التشرذم ولنعد إلى طريقة كتابة الروائي الكردي ابراهيم اليوسف لرواية شارع الحرية بطريقة تمد ذراعها لآفاق التخييل والإدهاش موظفاً كل ما هو مذهل ومشوّق ليحد من خلالهما من موجي التقليدية والنمطية، وليعالج القضايا بمقاربات موضوعية تتحلق حول الكتابة الناقدة والمتفحصة لمسارات حقبة زمنية بدأت جلية في بداية عام 2011 ص47 : „لقد تعلمت من الشيخ معشوق الخزنوي، أن أخرج بطارية هاتفي كما من معي ، عندما نكون في جلسة حساسة، كان يفعلها، لأنه قيل لي : من الممكن التلصص للإصغاء إلى ما
„! يدور في أية جلسة من حديث ، إذا كان الهاتف مطفئاً ، مالم تنزع منه بطاريته..! لابد من النوم
يركز الكاتب على التفاصيل ومن خلالها ينفذ إلى قلب المتلقي القارئ كشمس تهوي بداخل زنزانة من كوة متداعية، فالآليات التي يوظفها الكاتب تتسم بالدقة والشفافية وتحاول أن تستقر في الذهن المتفحص للغة الرواية ومناخها ورسائلها الكامنة في تلابيب تلك النصوص الهادرة والمكتظة بإيقاع الأشخاص وصخبهم وما يحملونه من وقائع تصطك عبرها عظام الذاكرة، فالواقع الثوري كشف عن عديد المخاضات وأدخل الذهن في
. شباك الهواجس والأفكار التي تنتقل بالمرء من فكرة لأخرى ومن مشهد لآخر
وسننتقل هنا لكشف جانب آخر يكمن وراء السرد ومآلاته ودوره في إغراق الذهن المتخيل بعديد التفاصيل : „ص83 : „خيال أمك ، خيال أبيك ، ملامح أخوتك وأخواتك وهي تهندس أخطوطة البيت، أخطوطة روح
” أهلها ، لحظات الفرح والحزن ، كل ذلك ينهض على نحو حار في دمك
فمستويات السرد يمكن تشبيهها هنا بحالة البحر الذي يتلاطم حيناً ويهدأ حيناً آخر، وما بين مد وجزر راح خيال الكاتب المتقد يكشف عن مسارات تخييلية متصاعدة تحاكي عوالم الفرد في ظل القهر السلطوي والخشية من الأذى ، الاعتقال أو الموت حيث بالتزامن مع ظهور المنتوج الإبداعي، يتحرك قلم الناقد ليدرس ويهندس تلك العوالم بمقاربات تفصح عما هو مخبوء وغير ظاهر، وتنطلق من رؤية منهجية تتسم بالتنقيب والسبر وتحاول ملياً فهم اللغة ومراميها وفلسفتها تبعاً لوصفها للمكان والإنسان ، هذا ما يجعل للنقد قدرة على إتاحة المجال لفهم العمل الإبداعي بكونه فضاء مفتوحاً للعديد من الاحتمالات، حيث يغزو التساؤل ذهن الناقد مما يدفعه لخوض تجربة القلق الوجودي من الموت ومسبباته ، لنقرأ هنا أيضاً 173 : „يلتقط السماعة أحدهم من يدها: بابا ، كنا في فم الحوت ، كنا في أحرج لحظة، هواتفنا كانت تركية، رفعنا
” شرائحها، أغلقنا الهواتف لئلا ترن، لم نعد إلا بعد أن عبرت العجوز، لا تقلق، لقد استلمت قرص السيدي
نتأمل اللغة كم تبدو مشغولة بالحياة المعيشة وبواقع قاسٍ أحالها إلى ذعر وقلق، أربكه الإنسان السلطوي المستعمر للوقت والأنفاس ولأفكار الناس، حيث يمكننا عبر رواية شارع الحرية قراءة المكان والزمن واستنباط الكثير من الدلالات والرؤى التي قد تساعدنا لمعرفة الطبائع وسرعة تنقلها في زمن العنف حيث الاستقصاء وسيلة لمعرفة أطوار عيش المجتمع وحاجياته الضرورية المتصلة بالاقتصاد والفكر، حيث انفتاحنا على النص هو بمثابة انفتاحنا على الزمن، أي الحقبة وكذلك نفهم من النص الميتاسردي أنه بمثابة مرجعية لحدث ما وزمن ما وأناس تجرعوا الحياة بطريقة مؤلمة فالفضاء الروائي مكتظ باللوحات السريالية التي تلخص الحياة بجمالها وقبحها، بعظم مصائبها ومحاولات الإنسان العديدة في الخروج من تلك القوالب المغلقة نحو صناعة الحرية والعدالة نحو مجتمع معرفي يؤمن بالحب والمعرفة ويؤمن بوجود جميل يحوي كل البشر حيث الحركة في الرواية آسرة مدهشة وولاّدة بالمشاهد والحوارات والإدهاشات على مستوى سبك النص
. الغرائبي حيث يهيم بخيال المرء وإدراكه لفهم الحياة بمنطق جلي وهادر