ريبر هبون
يسعى الناقد خالد حسين هنا في مغامرته الحميمة في تخوم الشعر لبيان الاقترافات في التأويل من بوابة سعيه لفهمه للتأويل من زواية أنه مهما بدا ناقصاً أو خاطئاً إلا أنه واقع بحكم رأي المؤول وطريقة فهمه ، حيث يبين في كتابه هنا سوءات الوقوع في متاهات غير محمودة من التأويل للنص ، في حين تبدو أكثر النصوص الشعرية النثرية منها على وجه الخصوص، بما يتعلق بالرمزي مشرعة أمام تأويلات كثيرة، حال الواقف أمام لوحة تشكيلية زاخرة بالألوان بهيها ومعتمها، فما الذي دعا الناقد هنا لاستخدام كلمة اقتراف، سنعود إلى هذه الكلمة وذلك عبر تفكيكها، ففي شمس العلوم : اقترف الشيء أي اكتسبه ويقال فرّقه بأمر أي اتهمه به فاقترف به،”شمس العلوم – نشوان بن سعيد الحميري” أما في معجم الزائد : اقترف اقترافاً: -اقترف الذنب : فعله، اقترف المال : اقتناه،ربحه ، اقترف من مرض فلان: أصابه مرضه.“ الرائد
” جبران مسعود
حيث يستبدل خالد حسين التأويل بكونه مغالطة ويفتح الباب لمتاهة من الهفوات بالتفكيك حيث يقول هنا ص 161: „إن التفكيك في الأساس بحث عن التناقضات والفجوات والمسكوتات التي تخترق بنيات النصوص وهذه الأخيرة ليست إلا نتاج اللاوعي الجمعي المنبثق من تجاويف النظام السوسيوثقافي الذي يقف وراء النصوص ويحرسها من القراءة ومن ثم يشكل جانباً من جوانب سياساته” فالناقد هنا ينحاز للتفكيكية بدلاً من التأويل بكون التفكيكية مشروع قراءة وكسر للمألوف من تقاليد سائدة في النظر للعمل الإبداعي والذي قام جاك دريدا عبرها بتأكيد رفضه لثلاث مقولات وهي : سلطة العقل والحضور والمقولات البنيوية، وبالتالي فإن الناقد خالد حسين ينتصر في مجمل كتابه للمنهج التفكيكي لأنها طريقة لكشف معالم النص وفهمه محتجاً في ذلك على تلك المتاهات التي اتسم بها النهج التأويلي الانطباعي ، بيد أن التفكيكية ما تزال مبهمة وتدعو للثورة على النص المؤول وهذا ما يجعلني أرجح التأويلية كمنطلق لفهم متوالد ومتجدد للعمل الإبداعي بمعزل عما يذهب إليه الناقد بوصفه للتأويل كجنحة ممارسة على العمل الإبداعي ، الأمر الذي يجعل المساحة تضيق أمامه بخاصة حين ينجرف النقد إلى الانطباعية التي تقاد بمنطق ذاتي قائم على الأحكام والرؤى المسبقة والجاهزة، الأمر الذي يذهب بالناقد مذهب التضليل والتلاعب بالمنتج الموضوع بمزاجية
. ذاتية في غالب الأحيان
لاسيما وأن الكثيرين رؤوا في التأويل كفكرة فلسفية مدخلاً وسبيلاً لفهم النص ، بيد أن المفكرة الأمريكية سوزان سونتاغ عارضت التأويل في كتابها “ضد التأويل ومقالات أخرى” لكنها انتصرت لمنهج التأويل
. المقونن، أي أن يكون مستنداً لقوانين وليس لرغبات ذاتية مزاجية
وإذا نظرنا لمعنى التأويل فهو يعني التفسير والشرح وقد كان موضع نقاش الفلاسفة قديماً وحديثاً ، فقد مارسوا التأويل كطريقة فهم كما عمل ابن رشد على فهم فلسفة أرسطو في كتابه شرح فلسفة أرسطو وقد كان ارسطو مع التأويل وكذلك في الوقت المعاصر برز شيلر ماخر الذي وظف التأويل في الدراسات التاريخية والإنسانية معاً وهكذا تدرج التأويل الفلسفي وأخذ ينحو منحى فهم النصوص الأدبية ونقدها كما
. فعل غدامير وبول ريكور
وبما لاشك فيه فإن التأويل يذهب مذهب تطويع المنتوج الإبداعي لخدمة المؤول وأفكاره كما برز النقد الإيديولوجي بكونه طريقة لفهم النص والعمل الإبداعي على نحو إيديولوجي وقد رأى بول ريكور أن النص عبارة عن رموز لهذا راح ينقّب في المعاني والدلالات استناداً لمفهوم الهيرمينوطيقا في تفسيره للنصوص الدينية وكذلك الدنيوية، فالكتاب بمجمله مسبوك بلغة تذهب للتلميح واستخدام التوصيفات ذاتية الفهم متعلقة بالمعجم اللغوي للكاتب مثالاً : ص 158 „القراءة الثقافية مفهوم عام يشتمل على استراتيجيات متنوعة ومتعددة في مقاربة الممارسات الدالة تعمل في الحقل الخاص بها من منظور العلاقة عبر البريئة بالعالم” نضع إشارة على كلمة بريء ، التي استخدمها الناقد هنا عن نعت لصيق بالإنسان المتهم ، وهنا أيضاً ” القراءة الثقافية مدعاة إلى الإعلان عن جثة القراءة النصية الحريصة على تجفيف التواصل الرطب بين النص والعالم” نلحظ هذين التعبيرين جثة القراءة والتواصل الرطب حيث يمكن توظيفهما في حقلي الشعر والنثر الأدبي وليس النقدي ، إذ لم يكن إدخالهما عنوة إلا مدعاة إذكاء للغموض الذي يحيلنا لما قاله
: البحتري في احتجاجه على الشعراء المتكلفين أو الغامضين حينذاك قائلاً
كلفتمونا حدود منطقكم والشعر يغني عن صدقه كذبه-
والشعر لمحٌ تكفي إشارته وليس بالهذر طوّلت خطبه-
تذكري لما قاله البحتري يمكن قياسها على لغة الكتاب وإسلوب التطرق لقضايا التأويل والتفكيك اللتين شغلتا الكاتب هنا في هذا الكتاب وهي محاولة مقتضبة ومكثفة من قبلي لقراءته وهو إلى جانب غموضه فإنه حقق بالفعل المتعة الفنية وتحريك التساؤل في الذهن حول معاني ودلالات النص وتلك الرموز التي تستوجب منا جدية أكبر في فهمها بعيداً عن التصحر البنيوي على حد تعبير الناقد حسين خالد، حيث لا انطباعية ذاتية ولا نقد أكاديمي منغلق وإنما انتصار للتفكيكية وبيان قيمها دون مجافاة التأويلية كمنهج، والدعوة لرسم معالمها
. وإحياءها في التعامل مع النصوص الشعرية على وجه خاص في الحاضر والمستقبل غير المنظور