الترجمة عن الكردية مع التقديم: إبراهيم محمود
ثمة الكثير الممكن طرحه والتذكير به، كلما أشيرَ إلى الكاتب والشاعر الكردي الراحل حديثاً محمد سيد حسين، استناداً إلى تنوع الموضوعات التي انشغل بها، والحيوات التي وجد نفسه مأخوذاً بجدواها ومأثرة تسميتها. حيوات هي جوانب الحياة الكردية التي عاشها، وتمثّلها كتابة: نثراً وشعراً على طريقته، ومستمداً هذه الطاقة الوثابة من ذاكرته الجمعية الفولكلورية، ومما كان يتفاعل معه في تلك الأدبيات الشعبية، بثراء مناخاتها وحكاياتها وقصصها وأمثالها ولغتها .
وحين يقبل القارىء على تصفح كتابه: كُردستان قصيدتي: نصوص أدبية ” ط1، 2010 “
” “Deqên wejeyî Kurdistan helbesta mine
يكون قد بلغ المثار في نطاقه الأدبي المختلف، ما يؤهله لأن يكون كاتباً كردياً باقتدار، وما يبقيه أهلاً للقراءة، وللنظر في تنوع هذه الكتابات التي لا تقتصر على مجرد رؤية شخصية، إنما ما يستحق النظر في جوانب كل نص مطروح على الورق، وللقراءة، وفي المحصلة بصمته .
العنوان لا يخفي دلالته بسيمائها الشعرية: كردستان قصيدتي. أن تكون قصيدته، يعني من ضمن ما يعني أنها محمولة بين جنبيه، طي وجدانه الكردي على وجه التخصيص، وأن الوطن هذا، منظور فيه في تنوع وجوهه، وفي اختلاف مناخاته، في أحواله وهيئاته، وما أكثر تلك الظروف، تلك المتغيرات، والمستجدات والمفاجآت التي عاشها ويعيشها، ويبقى الكاتب والشاعر معزَّزاً بعراقة التسمية، وسمّو الأثر العائد إلى وطن متجذر في النسيج الروحي لكينونته.
ما هو مختار من هذه النصوص، هو الذي يتكفل بإظهار مثل هذا الاقتدار جمالاً واعتباراً !
الطريق
الطريق يخدعني
لقد شربتُ السلامة
من ينبوع السكون
تُرى، حضن صدر من
سيدثّرني من برد الصباح
من سيقرأ صلاتي
باكراً
ويفك حلقة المحتل المحاصِر
عن المنطقة ” ص 14 “
مديح
من تقسيمات الوجه
رموشه
من قرص القمر
ضوءه
سأرمي حجرة
في ظلي
حيث أمضي مشرداً
في إثر الخيالات الكاذبة
حيث أضع الكلمة المحتجة
على منكب القصيدة
أرجع ظاهر الندم
إلى دياري
حيث لملمت تجربتي
من قهوة أول الصباح
من وحل أسفل المستنقع
من وسخ وسط الحي ” ص 15 ”
الاسم الغنوج
رجعتُ
إلى لسعة التاريخ
بلغتُ ارتعاشة
الحكاية
اسم غنّوج محموم
يغلف
هويتي بلا هوادة ” ص 16 ”
ريفيّ
جلبتُ معي
أقوالاً برّية
من دمدمة الأم
من غبار وسط الحي
أمام بخار التنور
من لعبة الكلة والكعاب
من أيام ماضية
أمام ظلال الحيطان
تدربتُ على الملمة
على صورة الكلمة فطمتُ
أمام تفتح يوم ظريف
ربيعي
هدأت
من ممرات حقول القرية
على الدروب
أمام كدسة الشعير
على رأس السكة المختلة التوازن
حيث استهللتُ
بتناول الحليب ” ص 17 “
سلام
الوطن مثل شمس حادة
في آفاق دموع الشاب
لا يمكن لها أن تغيب
أبداً
على خالديها
ممن من ساحة الحروب
لم يدخروا الثمن
الدعاء لا يمارَس
دائماً
وباستمرار
يمطر السلام
في مروجهم ” ص 18 “
الوطن
أحياناً أفكر
على أني أعيش في الوحدة
يلفني هاجس الخوف
صمت مضافة
ألعاب التاريخ
مكتبته
قلمي الحر
صوت شيدا العذب
نداء ناي صفقان
في روحه
ظرف يوم ربيعي
تلتقي اللغة القصيدة
تجمعني بالعالم
حياً ” ص 23 “
شهرة
لو أن غمك مشهور
فلتوزع أصابعُك
النور دائماً
لتكن أفكارك
قلبك مثل
الورق الأبيض
نظيفاً
فلا يكون نداؤك
نداء الندم
ليبق موقدك
مشتعلاً
دائماً
لتكن ألحانك
من الطنبور دائماً
ليكن خبزك حاراً
لا تسند ظهرك إلى الحائط
ليكن مثل الحصان الفتي
في ساحة السباق
حاضراً باستمرار
مهما كانت العاصفة
ثقيلة
يعصف بك الهواء
والعاصفة الثلجية
لا يخطر الموت على
بالك
أبداً
لتكن شهرتك
للحياة العامة ” ص 34 “
أكون وحدي
لست وحدي
أعيش في زوايا الشاورع
لست وحدي
أفكر حزيناً
في الوحدة
أحياناً
تتكاثر علي الأشباح
أحياناً كذلك
تصيّر المرآة أحدنا
جميلاً
تحرض سحر الطفولة
في الذكريات
مثل رقعة
على لوحة العمر
صورة مرتفعات الجبال
تتهندس
حينها عرفت
أنه بجوار مشهد البكاء
أنحدر إلى الأسفل ” ص 35 “
الرحيل الأخير
وطني
قلت ربما اليوم
هو الرحيل الأخير
رائحة قطرات المطر
ندف الثلج
إثارة
كنت أحببت الخبز المحمص
كثيراً
وأنا أفتته
في عدس الصباح
كان البرْد
يغدو ويروح
وكنت أستمر
سليماً معافى
يتفتح النرجس مجدداً
إنما للأسف
أرى شبابي هرماً
مازلت مثل العجائز
أكلّم طفولتي
أستند إلى العكازة
لأنني أعيش اليوم الأخير
يودعني حصان الفال الجلي
القمر والنجم السيار
جميعاً
***
بدوري أردت
أن توزع يداي
النور
أن يتحرك الدم
داخلي
أن تمكنني النار
من النوم
الندم
يرجِع حلْمي
لكَم أحببت شبابي
لأن رحيلي الأخير
اقترب
إحدى ذراعيّ
من عمري
مثل قطرات العرَق
في مناسبة بكائية
على المرج
تثير اليوم نفسه
***
الوقت ربيع
يصحح مشهد النرجس
مشاعري وأحاسيسي
قلبي يصفق
على إيقاع الألحان المثيرة
تمنحني عاطفة قوية
حماساً
لكي أشكر المطر
تباعاً
نهاية الربيع
الغيوم من خلال النافذة
تغدو وتروح
عندها النبات المعطر
والنسرين
يناديان
ويستصرخان الشمس
على أن تؤخّر
حمّى الموت
***
نبات الريحان
يقول
لكم هي ممتعة حرارة الشمس
بالنسبة إلي
لكم أنا مصحصح
حيث هواء الربيع
يتمازج معها
الصيف يصل بالناس
إلى الخريف
إنني أخاف أن أبقى
رسالة غير مقروءة
بشعاع الشمس
من الجهات الأربع
أوزع الدمع
لست مخيماً
ولا أعرف
أيضاً
قراءة الجريدة
لست مديوناً
حتى أتوارى
عن أنظار الناس
***
آباؤنا وأجدادنا
كتبوا أغانيهم وقصائدهم
بغبار التراب الأسود
تُرى
بإيقاع أي ملحمة
بمشاعر أي أسطورة
أمدح اسمي الضائع ” مقاطع، ص 36-37-41-43 “
الصمت
الصمت كتاب غير مقروء
مثل السيجارة التي
ابتلعت رمادها
الكأس المنسية
موضوع محظور
خامد في أصله
مثل جثة
دون نشيد
دون سرور وزهو
دون تنهيدة وبكاء
دون حلم حلم وعشق
سكن مهملاً
على درابزون الزمان ” ص 51 “
وطني قصيدتي
وطني
لكَم أبدعت في
روح أمّي
صمتك
مثل طقس مقبرة
خلف بيتنا
ساحة وسط القرية
…. وطفولتي المشردة
وشاح أمي الأبيض
يذكرني
بمنفاي المتشح بالسواد
***
وطني
لكَم باع المحتلون
الدر والمرجان
على صدرك وذراعيك
مارسوا فيك الموبقات
والأفعال الشائنة
مارسوا مساومة المتعجرفين
على ترابك
كانت الطاحونة والنبع
قمة جمالك
ها هو اليوم النرجس
ذابل على ضفافك
الخابور وجغجغ
قد جفا بالكامل
سهولك وجبالك
أشجارك وحدائقك
ترملت جميعها
***
وطني
هل يمكن أن تشك في
حبي
أو أن الحمى
تلبستني
أتوجع في حبك
مثل واجهة صخورك وجروفك
رفعت هامتي
نسجت قصيدتي
في مديحك
بأبيات موزونة
صلصلة خلاخيل الحسان الجميلات
معطوفة عليك
أنت طي أهدابك مضمومة
***
أريد أن أعيش
مثل زهر مندّى
ترمش أفوافه
معك وحدك
كل الأتراح والأفراح
أعيش الحياة
مثل العاشق الذي
يحتضن محبوبته
على مروج ينابيعك المحصنة
يكتب
حكاية أسرارك
***
وطني
إذاً
حيث الإنسان حط على القمر
وكيف أن جدار برلين
انهار
إذاً
حيث نشهق ونزفر
إن المرأة الكردية
تبدع ولادات
وأن الكرد عموماً
ينتهزون الفرصة
ويستمدون التفاؤل
في عموم جوانب الحياة
***
وطني
نهارك سعيد وطني
اليوم تأكد لي
على أن الشعب الكردي
في غالبه
الجبلي منه والسهلي
المدني والريفي
أصحاب العشائر والأحزاب
المجتمع في جميع تعابيره
يلوح بعبارة النصر
بنبض الشعب
***
وطني
أراني في حضن
مثل طائر النار
عندما يغطي ستار الليل
خريطتك
تنتصب آذان البراري
اللصوص والعملاء الطامعون
يجهزون عدة الخراب
حتى يرخّوا حزامك
أيضاً
***
وطني
عاماً بعد عام
يزدهر حبك أكثر
في القلب
بالسؤال ظهر حبك
إلى الساحة
بالسؤال نفسه
سيكون ختامه
أشعر أنك سكنتَ السنة
في قلبي
منحني هوية اللجوء في
رأس السنة
لهذا سأحملك
على ذراعي
سأحميك طي
أجنحة الفصول
***
وطني
كلما قرأت تاريخك
يجرفني البكاء
أشعر أنه في هذا المستوى
دون صاحب ومشاوِر
وسط ذراعيك
دون سكن
كل الطيور لها
أعشاش ومجاثم
حتى السماء
نحن محرومون منها
من قلبي
ينزف الدم
ثانية
اشتاقَ تاريخ طفولتي
إلى دموع البكاء
***
وطني
لا أصدق أنك
سعيد بوضع التجزئة
أكثر من ذلك
لست أصدق
أن أبناءك
يرضون بمثل هذا الوضع
لو أنهم فتحوا نافذة
في الصمت
***
وطني
تحلو معك
سهرات الليالي كثيراً
حينها أراني
حراً
كل ما تهجأته
تسمعه سعيد القلب دائماً
الليل ساكن
التطرف والعنف
أمام االبوابات المغلقة
في سعار وهيجان
إنما لا زال الحمام الأبيض
على شجر الآمال
بانتظار السلام
يهدل
” مقاطع، ص 64-65-66-72-75-79-83-85 “
الإنسانية
بهذا الطابع أكون
أريد أن أكون
في الإنسانية
عالماً بالإنسان
غالباً أسأل نفسي
من أنا
ما هي هويتي
أعرف جيداً
أنني لست مذنباً
جوار طريق حركة التاريخ
مثل مرض السلة
أعاني
بلغت حافة القبر
ومازلت مرتاباً
في معنى الإنسانية
إنني بريء
من الذنوب
أحب الإبداع
الطبيعة أمي
أستمد قيمة القصيدة
من حماس الكلمة
وجمالها
أقتبس الإنسانية
في حضنها
لم أعد أخاف من علو السد
لففت طوق الإنسانية
شرط السلام وظرفه
على حزامي
لا أضيع أبداً
هدوئي في الإنسانية
سلامي ووحدتي في الحياة
ودوري في الحرية
إنما بالاحترام والتقدير
سأسعى جاهداً
على أن أقاسم الإنسانية
ما هو حلو ” ص 119 “
مقبرة قريتنا
مقبرة قريتنا
في ظلمة الصمت
شمال بيتننا
ناحية شاهدة والدي
نبات الحرمل
نبات المرار
الجعدة
يتعانق
إنها ليست كأي مقبرة
شاهدة الجد
صور وجوه الموتى
تتشابك
مقبرة قريتنا
كتاب مغلق
في تلك الناحية
في روح الخالدين
يفصّلون شهادتهم
في ضوء
مأساة التاريخ ” ص 126 ”
دهوك