لأنك استثناء: ديوان فَريد – فرويديّ بفكرته ولغته

محمود محمد نعسان

صدر حديثاً عن دار ببلومانيا للنشر والتوزيع في مصر الديوان الشعري الأول (لأنك استثناء)، للشاعرة السورية الكردية سلمى جمو، الذي يقع في ثماني وتسعين صفحة، من خلال ثماني وعشرين قصيدة.
تمزج جمو الفلسفة مع الشعر، وتحْبِك علم النفس مع الكلمات، لتخرج لنا قصائد غزلية صوفية فلسفية، مع محاولتها لتقريب علم النفس من النفس البشرية بطريقة عميقة ومدروسة، وألفاظ جزلة ورصينة، وجمل متناسقة، وكأننا أمام خبرة أدبية وأصالة إبداعية، لا أمام باكورة أعمال تظهر لأول مرة في ساحة الأدب، رغم قناعتي أن الطريق معبد أمام الشاعرة إلى الشهرة والعالمية.
ولكن مما أثار تساؤلي وخلق عندي الارتباك في فهم فكر الشاعرة، مسألة الألفاظ الجنسية ومآلاتها، فما أن تقع عينك على الغلاف حتى تبدء عندك التساؤلات عن ما ورائيات الغايات عند جمو، في اختيارها للوحة (سلفادور دالي)، الذي كان قارئاً نهماً لكتب فرويد على غرار الشاعرة، وهو الأمر الذي انعكس على لوحاته وإيحاءاته الرمزية، ليس هذا فحسب بل هناك الكثير من النقاط التشابهية بين الشخصيتين؛ كلاهما يحب علم النفس، كلاهما لديه إيحاءات جنسية، كلاهما يحوم حول الاضطراب النفسي والنرجسية – ليس تبنياً، بل تطرقاً.
لكن أكثر ما يُثير الحيرة والتساؤل عند القارئ، سبب استخدامها للإيحاءات الجنسية في ديوانها، إذ تقول في أول قصيدة لها:
واخلع نعلي الوساوس زاجرها
فأنت في حرم جسد مبارك
تغلغل فيه.
هكذا تهمد الشاعرة لولوج عالم الجنسانية، تبدء بالجسد وتنتقل إلى:
وادخل مصلى بدنها
متهجداً
ساجداً
متبتلاً.
والعجيب أن هذا المقطع في القصيدة الثانية، مما يزيل الضبابية عن لاوعي ورود هذه الألفاظ وسقوطها سهواً.
كل هذا يدخل في نطاق المفهوم إذا ما قُرِن بما ورد في قصيدة “كوليمةٍ فاجرةٍ أنتِ”، التي مجرد عنوانها مُحي بالطوام الإيحائية:
مَن ينهال عليك وليمةٍ فاجرةً
يتحلل من صفيح جلدك الجهنمي
ليتيه في شاطئ بِكر.
هل نحن أمام ديوان من الأدب الإيروتيكي – المُحشم، أم أن الشاعرة تلوك الألفاظ لتطبعها بقالبها؟
دعونا ننتقل إلى قصيدة أخرى بعنوان “أعجوبتي اللابريئة”، التي تعلن الشاعرة فيها حربها الجنسية:
لم أتعرف العشق إلا بك
غزوت أبداناً
ولم أجد أجمل من أطوارك المحظورة
ضاجعت رؤىً وأحلاماً
لكنك أكثرها واقعاً…
وتجلياً.
الشاعرة لم تعرف العشق إلا عندما غزت الجسد! وإذا استرسلنا فسنرى استمناء الفكر وفض عذرية المجهول، وسنرى أن الكتابة تشبه مضاجعة عجوز! ألم يكن في محصلة الشاعرة من تشابيه غير الجسد والجنس؟
أما قصيدة الختام فهي “مجزرة جسد أم روح؟!” تحوي فكرة إنسانية نقية لكنها فاضحة بشكل غير مبرر، إذ كان يجب أن يكون التركيز الأكبر على الروح لا الجسد وتضاريسه:
تتتبعُ خريطة بدنها
باحثةً عن فجوات
انزلاقاتٍ
فتوحاتٍ آنية.
كأننا أمام حركة نسوية (جنسية) لا أمام منتج فكري أدبي!! هل أرادت الكاتبة توصيل الفكرة عن طريق الألفاظ الجنسية؟ هل ما ورد في الديوان لا يمثل بشاعة أخلاقية؟ أليست الكاتبة تطرح واقعاً اجتماعياً معاصراً؟ لكن، أليس بوسع الكاتبة الإتيان بما هو أهم وأنفع مما جاء في النصوص؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…