محمد سيد حسين وقصائد من «جهاته المتنفذة»

الترجمة عن الكردية مع التقديم: إبراهيم محمود
كلما أمضيت في قراءة نصوص إبداعية للشاعر الراحل محمد سيد حسين، كلما تراءى ذلك الأفق الواسع الفضاء، الرحب التعبير، الرحب المعاني، لما كان يعيشه في داخله، ويتحسس خارجه بعمق أيضاً، لتلك المأثرة الحياتية التي وهِبها بين جنبيه، وهو يقيم في الحياة في تنوع مجالاتها، لصداقته مع الكلمة في مستجد إطلالاتها الفنية المتماوجة .
مهلاً. إنه ذلك الصديق الحياتي المخضرم الذي عرفته كثيراً، في نومه ويومه، في حلمه وصحوه، في هاجسه وطمأنينته، في شتائه وصيفه، في صمته وصوته .
وحين أتوقف، ولو لبعض الوقت عند مجموعة نصوص أدبية معنونة بـ “من أثار الجهات المتنفذة ؟ Kê destane sorkirine ?، نصوص أدبية ، ط1، 2010 “، حيث تتراوح بين المقاطع الشعرية الطابع، والطول النسبي، يظهر هذا المأهول بجمال القول وزهو الخيال، إلى أي مدى كان يرسم لغده، ويخطط لغده، وسيكون مقروءاً أكثر من سواه في غده، على وقْع ما نشرته باسمه حتى الآن، وما سأسعى إلى نشره، تعبيراً عن صداقة لها رأسمالها الاعتباري .
في هذه المختارات التي يُستدعى الماضي: ماضي قريته، ماضي أسرته، ماضي حياته الخاصة، ماضي كرديته، ماتضي حبه الكردي، ماضي أناسه، حاضره الموصول بما، غده الذي ينبني على ذلك الرصيد الأدبي الذي لم يدخر جهداً في بثه قرطاسياً، ونشره تحت عناوين لها مغزاها، أراني في ذلك ما هو عليه هذا الكبير باسمه، بجسده الذي قاوم وجعه الجسدي، باستماتة روحية، وأنا أتخيله في صوته المبحوح، وفي شكواه مما حل به، وهو يسعى ما وسعه الجهد ليكون أقوى مما هو فيه وعليه جسده الواهن، حباً بالآتي، وكرمى من يستحقون قراءته .
أراهن على أن النصوص التي اخترتها وترجمتها هنا وقدمت لها، تعرّف بدقة حيواتها، وهي تشهد في الوقت نفسه، على الميزة الإنسانية المختلفة التي وهِبها بعفوية لافتة :
غرفتي
جدرانها
أيام غير مسجَّلة
صمتها
يترجم الكلمة في القصيدة
داخلها
عالم لا محدود
منظار دون حد
شبراً شبراً 
دققتُ فيها
باحثاً عن نفسي
سطحها كتاب
غير مقروء
ممتلىء بالخفايا
رغم أنني 
آلاف المرات
بشكل خاص
قرأته في العزلة  “ص 19 “
سؤال
سألوني
كيف تميز الحقد والحب
عن بعضهما بعضاً
أعطيت الجواب باختصار شديد
هكذا:
الحب جوع
لا يهدأ
الحقد عطش
 لا يروى غليله
إنما في حقيقة الأمر
وحده السيف يفصل بينهما
إنما ما ليس 
أفظع منه
هو أن كلاهما رضعا
من ثديي الأم نفسها ” ص 20 ” 
مطر
من أجل المجرى
رجلاي المضرجتان بالدم
من أجل الأطفال الجوعانين
الأثواب البالية، الأرض العطشى
أجنحة الطيور المنكسرة
من أجل أحلام الأطفال
سأهدي عينيّ
صحبة روحي إليك
فقط لو تسمح
لبذوري
أن تخضر وتنبت 
في حقلك ” ص 21 ”  
حبُّك
أيام العمر كلها لك
القلب والحياة والتطواف
عيناي السوداوان كلتاهما
خذ الذراعين لك
وأكثر مما تقدم 
ما ليس أفضل من ذلك
في الحياة
الحب المبارك لروحك
معرفتي كلها لك
نعم، يا روحي 
أنت أيضاً
اقترب مني مقدار شعرة
أنّى كنت أنا ظلك
أحبك
معك حتى الموت  ” ص 22 “
الزمان
غالباً
الزمان مثل
ثوب رث
ثقيل مثل رصاص
ملؤه رقَع ومقطَّع
لا يمكن ارتداؤه
إنما غالباً أيضاً
يتنبه العظم
كرمى زهرة
بتغضن
يقول وصية فقط
لا تنهضوا من ثقل النوم
بجرس الزمان
إنما وحدها قيمة الزمان
قيسوا
بميزان الحب ” ص 23 “
أيا العمر-2- 
الأغنية من أجل زهرة
الوردة رمز الحب
الاثنتان من أجل الحياة
الحياة من أجل الوردة
هكذا اللون حياة الناس
***
أيتها الأيام أسرعي
اختلسي من الأعمار
الساعات تركض
تهرب
تمضي بعيداً
 عن آلام الأرواح
لقد عرفتُ نفسي
الزوبعة الأخيرة
منذ البداية
كلما فرَّ يوم مني
يهرب، يمضي دونما رجعة
ألا فامض دونما عودة
أتراك أصبحت ظلي ” ص 44 “
آباؤنا
تجاعيد جباههم
تكاتفتْ
مثل السنوات الهرمة
في القلاع المنسية
مزجوا التأوه بالدم
تلك الشفاه الذابلة
حفظت الكثير من الحكايات والتجارب
عن ظهر قلب
العيون شديدة التحديق نفسهال
قد خبَّأت الكثير 
من المشاهد، الأسرار..و
الذكريات اللامتناهية
وسط التجاعيد الهرمة
بهكذا لون
استمروا آثارنا
إرثنا
 إرث التاريخ الأصيل ” ص 60 “
همُّ الضرة
عندما يعانق النهر الرافد
في النقطة التي يتلاقيان فيها
يموت الرافد في الحال
يصبح الموت
فرماناً طبيعياً
يتصالح الرافد مع النهر
بعد قبلة
تطير طيور القطا
من أعلى النبع
تبقى محلقة دائماً
صحبة الزمان…و
تحمل معها البشائر  ” ص 77 “
لن أنسى – 1-
كلا، أبداً لن أنسى
زوجة أبي تلك
البائسة المسكينة
عندما كانت تفرش
قماش الطعام
وتضع الخبز
لصق منسف العدس
مع الملاعق والمغرفة
عليه
حذاؤها ذاك الذي فقد لونه كلياً
يخيَّل إليك
أن أثراً تاريخياً
قد عهِد إليها
على كتف عارية
رقعة قماش بالية
لم تغط خجلها
كما يجب
كانمت تقول دائماً وتكرر
إلهي أنت إله بالمطلق
أنت ترى
ما نحن عليه جيداً
أي ذنب هو ذنبنا
ألا اسمع صوتنا
ذات مرة
اصغ إلى شكاوينا وعتاباتنا
أنا عبدتك
لا تؤاخذني
أتراك وهبت البؤس 
للفقراء حصراً
مثل شحوار أسفل القدْر
قد ألصقته بنا فقط
أصبح شريكاً ملازماً لنا
حتى اليوم الأخير
لماذا ضاقت بنا
الأمكنة 
أتراك اخترت هذا الطريق
لنا وحدنا
الطريق الذي يسلق الناس
يفتفتهم
الطريق الذي جعلته
نصيب البؤساء والدراويش
في عرَق ناهبي الآخرين
مشيْته
على الطريق التعب
كل يوم يتوجعون بفرمانك
يهرولون دونما توقف
ونحن في هذا الوضع القاتل
نهيم على وجوهنا
على غير هدىً
يبدو أنه ظل طريقنا وحدنا
إنما لن أنسى ذلك  ” ص 93 “
دعها
قلت لك
لا تحصل سنابل القمح الطرية
دعها تيبسها شمس الصيف
وتنضجها
حصاد السنابل الطرية
تثير الآلام والهموم
قلت لك
لا تقصف العمر الغض
لأنه اختلس شبابه
من الربيع
قلت لك
لا تسوّد النجوم في السماء
بتلك المكنسة المنسية
***
ترى أتستطيع 
عدَّها بالنجوم
لئلا تهرب الأحلام
التي جمعناها
صحبة الذكريات المضطربة
لهذا قلت لك
لا تشغل بالك
لا تحصد القمح الأخضر الطري
لم يستو بعد
لم يحن حصاده بعد
دعها وكفى  ” ص 113 ” 
أحلام
لا تتكلموا
عن الأحلام…لأنكم
ستثيرون البكاء
ستجعلون عيون الذكريات
محدقة
تلك التي تنطفىء
على على صدر الذكريات
***
لا تتكلموا عن الأحلام
سوف تنبّهون
هم عظام جدي
الذي انتقل منذ 
زمان طويل
إلى رحمة الله
***
كلا كلا بالمرة
لا تتكلموا عن الأحلام
لئلا يتحسس
سعال جدي
لئلا تلمع بروق الغيوم
على حقول القمح
ولئلا يهرب الزمان سريعاً
صوب المروج والمراعي ” ص 116 “
نجمتي
نجمتي
أنت وسط النجوم
واقعة أمام ناظري
بحثتُعنك
منذ الأزل
وسط غلالات أشعة الشمس
في زاوية أعين الفلك
بحثت عنك
أحسست بك
تنسجين في آفاق دون حدود
لهذا ضيعتني معك
تُرى ألا تبحثين
عني ولو مرة ”  ص 119 “
الكلمة
أي نعم، يا الكلمة
أنت التي تقرعين
جرس الحرب
تحرقين الجثث
تلهبين النار
في الرؤوس والنفوس
تكوين الأرواح
تميتين الإنسانية
وتستعدين الحقد والحب معاً
تجدعلين عالي الأرض سافلها
***
لا، بدءاً من اليوم
لم نسمح لك في 
أن تخدعينا
أي نعم، أيتها الكلمة
إن شرارات نارك
بلغت كل الأمكنة والجهات
أسألك
أيتها الكلمة الصالحة
لماذا لا تصبحين وردة
كي يحميك القلب
من غزوات الأعداء
لماذا لا تصبحين زهرة نقية في الحال
في سلة الأحلام
حيث لا تسيرين حافية أبداً
لأن الحب يعدُّك
من أجل الإبداع ” ص 123 “
ذات يوم
ذات يوم ربيعي صاح ٍ
أخرجنا كلماتنا بالقوة من
داخل الجراحات
ذلك اليوم لم يكن 
في مقدور أي متغير
تقليب الصفحات
إلا أنني أسألك
أيتها السهول والحقول المنجرحة
التي أحلم بها
كل ليلة
***
ذات يوم
أمسكنا بذيل الحياة
وناصيتها
حاولنا بقوة وعزيمة واحدة
أن نقلع أسنانها المنخورة
أن نفقأ عينيها المتسختين
***
تُرى من يمنحنا
لوناً زاهياً
كل الطرق فتحت أذرعها
لعابري السبيل
وأحلامنا تسلكها كذلك
حيث تعبت العيون
جرّاء الانتظار
على الطرق البعيدة
الطرق التي مازالت
موصولة بالمدن
بعد أيام معدودات
سوف تمشي آمالنا
بجوار الأسلاك الشائكة
وهي في قلوب الأحلام
على حدود محظورة
في اليوم نفسه
ستبحث عن لقاء ” ص 125 “
دهوك- مركز بيشكجي للدراسات الإنسانية- جامعة دهوك

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…