قراءة في نص للشاعرة ندوى يونس

نصر محمد

 النص ومضة منشور في هايكو المغرب الكبير 
 خزائن الجسد تتلاشى في مصنع مرصع بك فالجأ الى قافيتك 
 القراءة : نص عفوي بسيط بشكله، ينطوي على إيحاءات شفافة مع غموضٍ آسر في مضمونه.. يقوم هذا النص على إيقاع سريع، انسابت فيه الكاتبة وراء اللفظة المؤاتية للوصول إلى فكرتها التي ترغب بإيصالها إلى المتلقي. فالنص برقة شعرية، هدفت إلى إحداث تأثير جمالي لدى المتلقي، فكان على هيئة لقطة سينمائية ودرامية بموسيقا خاطفة اهتمت بالتشكيل الفني والإيقاع العام للنص. فالنص بدهشته وإيحائه الآخاذ يمكن أن نطلق عليه نص ومضة بامتياز. 
وفي الومضة تواطؤ لذيذ بين المبدع والمتلقي، إذ أن حالة الإبداع تخلق شعوراً خاصاً ونشوة لدى المتلقي، إذ يشعره النص أن الكاتب يحاكي ذكاءه وقدرته على الكشف عن الدلالات الحقيقية المتسترة وراء ومضته. فلا تنتهي مهمة الشاعر في هذه الحالة بكتابة نصه؛ بل تمتد إلى المتلقي، لتحاكي فكره وتستنطق مالم يقله في الومضة اساساً. النص قصيدة ومضة.. فيه من الكثافة والإيحاء الشيء الكثير، ناهيك عن النهاية المدهشة والمفارقة المنبثقة من موقف انفعالي ولحظة مأزومة بنيت على صورة كلية واحدة وعلى الوحدة العضوية.
ارتقت الشاعرة باللغة مشكلة كلمات يرتفع مستواها الدلالي، وعندما استطعنا القبض على جوهر النص حدثت المتعة الفنية. وتجاوزت إطارها المعجمي واكتست دلالات إيحائية جديدة، وقد تم اكتشاف طاقة جديدة للفظ مع القدرة الهائلة على التخلص من الحشو والزائد والعرضي. اعتمدت الكاتبة على التنافر بين عناصر الصورة لتبدو متضادة من حيث الأثر الفني، ولكنه في الحقيقة ولّد دينامية متناغمة للصورة وترابطاً معنوياً من جهة وحيوية من جهة أخرى أحدثت تعارضاً بين القوة البشرية والواقع.. ومركزة على تلك الحالة الشعورية المتزامنة مع الوحدة، وما يترتب عليها من حرمان.. وجوع جسدي، لتظهر نقائض الذات في جدلها الأزلي، وتعبّر بذلك عن التوتر النفسي الحاد الذي يقبع وراء هذا النموذج الإنساني الذي تدور حول تفاصيله كل جدليات ونظريات الواقع. الإيحاء والتكثيف: الومضة عالم شعري ضيق العبارة متسع الرؤى، أتت العبارة بألفاظ قليلة، موجزة، ولكنها بمعنى عميق جداً قدمت نظرة خاصة للواقع بتفرد وخصوصية وبتركيب معقد يحتاج إلى تأويل نظراً لارتفاع درجة الإيحاء الناجم عن التكثيف. كما لمسنا تلاحماً عضوياً بين اللحظة الشعورية والشكل الوميضي الذي قدمت به. نص فاخر بصوره وإيحاءاته وعتبته النصية، وكذلك خاتمته، ومفارقته إذ اتكأت على حقول دلالية محددة وثنائيات ضدية. النص بصغر حجمه أحدث صدمة جمالية..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف

إلى أنيس حنا مديواية ذي المئة سنة صاحب أقدم مكتبة في الجزيرة

 

ننتمي إلى ذلك الجيل الذي كانت فيه الكتابة أمضى من السيف، لا بل كانت السيف ذاته. لم تكن ترفاً، ولا وسيلة للتسلية، بل كانت فعلاً وجودياً، حاسماً، مزلزلاً. فما إن يُنشر كتاب، أو بحث، أو مقال مهم لأحد الأسماء، حتى نبادر إلى قراءته، ونتناقش فيه…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…