النزعة التأملية في شعر هوشنك أوسي (لا أزل إلا صمتك، لا أبد إلا صوتك)

ريبر هبون

تتكئ هذه المجموعة على حقل فريد من المناخات الهادئة والصور الشعرية المتجانسة وتجمح نفسية الشاعر إلى الطبيعة لتعبّر عن توق المرهف للاندماج بالوجود استناداً على المبهم والمتخيل لفهم الحياة على طريقة الغنائيين الرومانسيين ممن يجدون في محاكاة الطبيعة والتماهي بها مبتغاهم، فيرسمون ما يشاؤون من لوحات ويتابعون مكوثهم وانغماسهم بالطبيعة والانشداه لها، حيث يعلو عنوان المجموعة هادراً في سماء الحب ،   فالصمت والأزل، الأبدية ، والصوت يلخصان جدلية العاشق في تعبده للجمال في شخص المرأة المعشوقة ، حيث أحسن الشاعر انتقاء العنوان وامتهن الانزياح والغموض الشفاف الذي يلعب على حبلي الوضوح والغرابة وهكذا يبدو المشهد الشعري في حالة دائمة في عقد مقاربات انزياحية ودلالية ما بين المعاناة الشعورية والإفصاح عنها في حضرة الطبيعة، حيث ينجذب الشاعر لألوان بهيجة وشديدة الإضاءة ويشرك المتلقي القارئ أو الناقد في استرساله المحبذ في وصف النتاج الشعري بكونه بوصلة نحو المكان وأثره على المكنون الداخلي للشاعر لنقرأهنا ص13:
 اللقلق مختل بذاته فوق برج السريان في الدرباسية
  وبوم يعتلي شامخ غرائبي
كلاهما يتحاوران بالنظرات حول مقتلي
يتساءلان عن قاتلي
ورابعنا لمئذنة الجامع
تطلق النفير
كلما مال بنا النعاس
“الرفد المعرفي الديني لدى هوشنك أوسي تعبير” ورابعنا مئذنة “، تنقلنا لسورة الكهف” ورابعهم كلبهم  
إلى جانب هذا الانزياح المشير لعلاقة الكاتب المرمّزة مع  مسقط رأسه مبرزاً التعددية الأثنية والدينية في مدينته الدرباسية ومشيراً  إلى القاتل والقتيل “هو” ليحدثنا عن شعور الحنين والانتهاك الداخلي اللذين لا يبرحان الشاعر أينما حلّ، حيث يميل هوشنك أوسي للتعريف في مطلع بعض قصائده هنا 
ص 24 :
 النهر بميلانه على خاصرة الجبل
الليل يخالج القلق
ص38
الشارع يبيع الغواية
المكان فيوضات خيال
ص59
النورس في اضطراب
ص68
الظن عليل
ليشير في ذلك إلى ثيمة التوصيف التي تتربع هاجساً شعرياً في ذهنه، لاهتمامه بالمكان كونه سر الشاعر ودليله إلى التوغل بالماضي ومصائر البشر، حيث يفصح في هذا الديوان على كم هائل من التأملات التي تخص علاقة: الشاعر بالمكان، كون المكان روح كما قال نزار قبّاني
  مدائن الشام تبكي إذ تعانقني
وللمآذن كالأشجار أرواحُ
وما تعلق الشاعر بالمكان إلا بحثاً عن ملاذ ينسيه قتامة الواقع ، دأبه في ذلك دأب الغنائيين في البحث عن
. الخلاص في حضرة الطبيعة وللكلام بقية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

منذ أكثر من قرنين؛ جرى ويجري تجهيلٌ للأجيال في العالم الإسلامي؛ فيتكرر القول بأننا نحن العرب والمسلمين؛ قد تخلَّفنا وتراجعنا عن عَظَمَةِ أسلافنا وهذا القول خادع، ومضلل، وغير حقيقي، ولا موضوعي، ويتنافى مع حقائق التاريخ، ويتجاهل التغيرات النوعية التي طرأت على الحضارة الإنسانية فقد تغيرت مكَوِّنات، ومقومات، وعناصر الحضارة؛ فالحضارة في العصر الحديث؛ قد غيَّرت…

سلمان إبراهيم الخليل
تبدلت ملامحي على دروب الرحيل
ثمة أنفاس تلهث خلف الذكريات
تركض خلف أسفار حزني المستدام
الأرصفة وحدها من تشعر بأنات جسدي
وهو يئن من لهيب المسافات

المطر الأسود ينهش في جغرافيا الروح
وهي تعزف للريح تراتيل الغربة
وأنا ألملم شظايا أحلامي بخرقة هشة
لأتوه في دهاليز المجهول

أمد نظري في الأفق البعيد
أمد يدي لمرابع الطفولة
انتظر لهفة أمي وأبي
لكن ما من أحد يصافح
لقد…

سيماف خالد محمد
كنتُ جالسةً مساءً أستمع إلى الأغاني وأقلب صفحات كتاب، حين ظهر إشعار صغير على شاشة هاتفي، كانت رسالة من فتاة لا أعرفها مجرد متابعة لصفحتي منذ سنوات.
كتبت لي دون مقدمات:
أنا أتابعك دائماً وأرى أنك تكتبين عن القصص الاجتماعية، هل يمكنك أن تكتبي قصتي؟ أريد أن يكتب أحد عن وجع طفولتي، ربما إذا قرأتها…

أ. فازع دراوشة| فلسطين

المبيّض أو كما يلفظ باللهجة القروية الفلسطينية، ” المبيّظ”. والمبيض هذا كريم الذكر لا علاقة له قدّس الله سره بالبيض.

لم أره عمري، ولكن كنت في أوائل الابتدائية (الصف الاول والثاني) وكان يطرق سمعي هذا المسمى، علمت أنه حرفي ( صنايعي) يجوب القرى أو يكون له حانوت يمارس فيه حرفته. يجوب القرى، وربما…