صدور الرواية الثانية للكاتب السوري عواد جاسم الجدي

صدر مؤخراً عن دار Inter Assist الألمانية الرواية الثانية للكاتب د. عواد جاسم الجدي (صداع في رأس الزمن). جاءت الرواية في (378) صفحة من القطع المتوسط، وتدور أحداثها في ريف الفرات الشرقي، وتتمحور على طريق الهجرة الواصلة بين مدينة الأحقاف على ضفة الفرات اليسرى وجمهورية ألمانية الاتحادية التي قصدها مئات الآلاف من السوريين؛ هرباً من براميل الموت وحمم الدمار والقتل التي توزعها (طائرات الوطن) بالتساوي إذ لا فرق بين إنسان وحيوان، طفل أو امرأة أو شيخ عجوز (في سوريا غير المستثناة).
تتخذ الرواية بعدا توثيقيا، إذ جسدت بأحداثها المختلفة معاناة شعبٍ، أشعلت وسائل التدمير الوطنية والغازية النار فوق حياته وحضارته لا فرق بين مركز ثقافي أو مكتبة، فرن أو مدرسة، كنيسة أم مسجد. وأبرزت الرواية معاناة الهجرة والطريق الطويل بين الأحقاف وميونيخ مروراً بثلاثيتها المقدسة (الليل، البلم، البحر).
صداع في رأس الزمن، جسدت نوعاً جديداً من الشيزوفرينيا الإنسانية، إنها (التربلفرينيا) الروائية أن يجتمع ثلاثة أشخاص في شخص، يبقى الطفل جميل العينين رغم الحزن الذي يسكنهما فلا يترك وطنه ولا يرحل، ويهاجر أسامة ابن الجرف مكرهاً يرافقه (البويهيمي الرمادي) الرفيق المناضل يسدي له النصح ويزين له العودة لحظن الوطن الذي لازال دافئاً، وبعد مفاجأتين من العيار الثقيل لا يحتمل أسامة هول الصدمتين فيقرر العودة.
ترى ما الذي حدث ليقف البويهمي الرمادي عند المعبر بجانب الجدار الإسمنتي الكبير الذي شيده الأنصار خوفاً من تدفق المهاجرين؛ ليمنع أسامة من العودة إلى الفرات والضفاف والتفاصيل التي تجذرت في داخله ولم ترحل؟ 
رواية “صداع في رأس الزمن” التي لم تنته، وصفت بأنها: “وثيقة تاريخية لأجيالٍ تعرف أنها من سورية، لكنها لم ترَ ذلك الوطن، عالج فيها الكاتب قضايا الوطن و صوّر فيها مراحل الشقاء بدءاً من الخروج من حدود الوطن، إلى المعاناة في تركيا، وطريق الوصول إلى بلاد الألمان، وما في هذه الرحلة الطويلة من شقاءٍ إن بحراً وإن براً، كما رسم لنا عقلية الشعب الألماني وطريقة تفكيره، وجاء كلُّ ذلك بحبكة رائعة أحسن فيها رسم الشخصيّات، وصنع الحدث، وقوة الحوار ومنطقيته”.
ولم أجد لقباً أطلقه على كاتبها أفضل من أن يوصف كاتبها بأنها غابرييل ماركيز العرب، فهذه الرواية ملحمة اجتماعية سياسية وطنية، لكنها بالدرجة الأولى ملحمة للرحيل والحب.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أعلنت منشورات رامينا في لندن، وبدعم كريم من أسرة الكاتب واللغوي الكردي الراحل بلال حسن (چولبر)، عن إطلاق جائزة چولبر في علوم اللغة الكردية، وهي جائزة سنوية تهدف إلى تكريم الباحثين والكتّاب المقيمين في سوريا ممن يسهمون في صون اللغة الكردية وتطويرها عبر البحوث اللغوية والمعاجم والدراسات التراثية.

وستُمنح الجائزة في20 سبتمبر من كل عام، في…

في زمنٍ تتكسر فيه الأصوات على صخور الغياب، وتضيع فيه الكلمات بين ضجيج المدن وأنين الأرواح، يطل علينا صوتٌ شعريّ استثنائي، كنسمةٍ تهبط من علياء الروح لتفتح لنا أبواب السماء. إنه ديوان “أَنْثَى عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ” للشاعرة أفين بوزان، حيث تتجلى الأنوثة ككائنٍ أسطوري يطير فوق جغرافيا الألم والحنين، حاملاً رسائل الضوء، ونافخاً في رماد…

ماهين شيخاني

كان مخيم ( برده ره ش ) يرقد بين جبلين صامتين كحارسين منسيّين: أحدهما من الشمال الشرقي، يختزن صدى الرياح الباردة، والآخر من الغرب، رمليّ جاف، كأنّه جدار يفصلنا عن الموصل، عن وطنٍ تركناه يتكسّر خلفنا… قطعةً تلو أخرى.

يقع المخيم على بُعد سبعين كيلومتراً من دهوك، وثلاثين من الموصل، غير أن المسافة الفعلية بيننا…

إدريس سالم

 

ليستِ اللغة مجرّد أداة للتواصل، اللغة عنصر أنطولوجي، ينهض بوظيفة تأسيسية في بناء الهُوية. فالهُوية، باعتبارها نسيجاً متعدّد الخيوط، لا تكتمل إلا بخيط اللغة، الذي يمنحها وحدتها الداخلية، إذ تمكّن الذات من الظهور في العالم، وتمنح الجماعة أفقاً للتاريخ والذاكرة. بهذا المعنى، تكون اللغة شرط لإمكان وجود الهُوية، فهي المسكن الذي تسكن فيه الذات…