إبراهيم محمود
أن تكون مع أحمد خاني الشاعر والمتصوف الكردي الكبير ” 1651-1707 ” فيما أودع ملحمته الشعرية ” مم وزين ” من أفكار وتصورات لها رصيد اعتباري متجدد إلى الآن وفيما بعد، هو أن تكون مع نفسك، هو أن تكون أنت، كما أن أحمد خاني ما كان له أن يكون ما أصبح معروفاً به، إلا لأنه امتلك إرادة قوة معرفية، وإرادة معرفة قوة وميزانها التاريخي والاجتماعي ليعيش ولادة الإنسان الذي لا يفنى، ولهذا لا يمكن لأي كان أن يكون كما يريد أن يكون ويؤمّن على نفسه أبدياً، إلا باختيار الطريق الذي يتوقع فيه تحديات قد تودي به، إنما لتخلده.
وفي حلقة الإعلامي الكردي المعروف الأستاذ حسن مجيد، والذي يدير قناته الإعلامية والثقافية ” جودي ” ذات الحضو في أوربا، وهي التي حملت عنواناً لافتاً ” مم وزين أحمد خاني والوعي القطيعي ” والتي أدارها مساء الجمعة في ” 10-6-2022 “، وكنت ضيفه على مدى ساعتين، كانت ثرية بأسئلتها، وتوبعت كثيراً، عبر مشاهدات وتعليقات من المعنيين بالشأن الثقافي الكردي، ومتابعات حية ( أذكّر هنا بكل من الباحثين الكرديين: حيد عمر ومحمود عباس، حيث أغنيا الحلقة بمداخلتهما “وفي هذا السياق: كيف يمكن قراءة أحمد خاني في ” مم وزين “: من أين جاءته فكرة هذه الملحمة، ما صلتها بـ ” مم آلان “، وكيف جرت الاستفادة منها، وماالذي حفَّزه لأن يكتب رائعته هذه، وفيها من النفَس الكردي القومي الكثير الكثير، البدعة الأدبية التي تضعنا في موجهة الوعي القطيعي الساري المفعول في الأوساط الكردي والمستفحل وبشكل لافت هنا وهناك، مما يوسع المسافة بين محتواها وما يجري، بين الذي يكيل لها المديح، ويتجنب فكرتها الرئيسة، أي يحيل أحمد خاني إلى لقية شعاراتية ليس إلا .
لهذا كان مسار الحلقة ساخناً. وفي الوقت الذي حاولت أن أحصر ذهني في أشياء محددة، إلا أن كثافة معاني ” مم وزين ” وتداعياتها، والذين كتبوا عنها، لم تمكنّي من أن أشير إلى نقاط أخرى لها صلة بما هو تاريخي، وأدبي، واجتماعي ، وسياسي وفولكلوري…إلخ. إن أسماء مثل توفيق وهبي، جلادت بدرخان، نورالدين زازا، روجيه ليسكو، باسيل نيكيتين، رودينكو، بيره ميرد، عزالدين مصطفى رسول، إسماعيل بيشكجي، رشيد فندي، عسكر بويك،فرهاد شاكلي،حيدر عمر، جان دوست، بروزير جيهاني، فرياد عمر، حسن مته، تنكزار ماريني، حليم يوسف، أحمد إسماعيل…إلخ، أسماء لها حضورها البحثي والأدبي المختلف ، ولكل منها سهمها الاجتهادي وذائقتها الأدبية والاجتماعية، وقد استعنت بأمثلة من خلال أسماء ذات صلة، ولم أفلح ” رغم أن المدة الزمنية للحلقة تجاوزت الساعتين “في أن أتناول نقاطاً أخرى مؤثرة في إطار الوعي القطيعي وكيف يمكن قياس المسافة الاعتبارية وهي غير ثابتة بين ما ذهب إليه أحمد خاني في ” مم وزين ” وما يظهر عليه الكرد وممثلوهم السياسيون في هذا الوقت بالذات والوضع الصعب لحال الكرد ومسئوليتهم التاريخية والأخلاقية تجاه الجاري كوردياً. سوى أنه يمكنني القول أن الحلقة استطاعت أن تنير نقاطاً كثيراً، وتعمق فيها وتمنحنا المزيد من رباطة الجأش، جهة الوعي الكردي الناهض وليس سواه.
شكراً للأستاذ والصديق حسن مجيد على جهوده المثمرة !
ملاحظة: خلال أسبوعين تقريباً، كان هناك ثلاثة أنشطة تتمحور حول أحمد خاني و” مم وزينـ:ـه “: الأول في 26-5-2022، في جامعة سوران، والتي كرَّمت المفكر وعالم الاجتماع التركي صديق الشعب الكردي إسماعيل بيشكجي، بنصْب تمثال نصفي له، وبحضوره، كان هناك جلستان: صباحية ومسائية، وقد شاركت في الصباحية، بموضوع عن مفهوم الفكر عند إسماعيل بيشكجي وكردستان نموذجاً، وباللغة الكردية، طبعاً.
أما الثاني، فكان عبارة عن مشاركة في برنامج معَد من قبل قناة ” وار ” التلفزيونية الكردستانية في دهوك من الساعة 6- 7 مساء الأحد، حول جوانب مختلفة من شخصية خاني وملحمته الشعرية.
والنشاط الثالث هو ما نوهَّت إليه في صلب المقال .
ما أريد قوله في موضوعات ومناسبات كهذه، هو كيف يمكن أن تتحدث عن عَلَم كخاني، دون أن تتماهى معه، بحيث تشعِر القارىء أو المتابع أن لديك ما تقوله وهو يُسمّيك في شخصيتك الأدبية أو الفكرية، حتى وأنت تتحدث من ألف القول إلى يائه عنه. دون ذلك ينعدم الفكر ثقافياً !