إلى الأثرياء.. افعلها ولا تخف!

عبدالعزيز آل زايد 

ماذا ستصنع إذا علمت أنه لم يتبقَ لك من حياتك إلا ثلاثة أشهر، لمرض عضال أصابك؟، هنا ستقف تتأمل؛ ماذا قدمت في حياتك؟، هل أحسنت صنعًا في الأيام الخالية؟، وماذا تريد أن تصنع فيما تبقَ قبل الرحيل؟، أغلبنا لا يلتفت لأحواله إلا إذا ضاقت به الأيام، فلماذا لا نجرب الموت قبل الموت؟، بمعنى لماذا لا نكتب لأنفسنا نعيًا يليق بنا؟، من سيبكي على تابوتنا الخشبي ويذرف الدموع؟، هل سيحزنون علينا لمدة ثلاثة أيام ثم نُنْسى مع المنسيين في من قد نُسي؟ 
للأسف البوصلة ضائعة لدى الأغلب، ولا توجد رسالة ولا رؤية ولا هدف، خبط عشواء تسير بنا الأيام، ثم نُفُوق مفاجئ، ثم نسيان لشخوصنا العاجزة، أعجبني عجز بيت لأحمد شوقي يقول فيه:
وَكُن رَجُلًا إِن أَتَوا بَعدَهُ
يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر
كلنا يمر، ولكن قلما نترك وراءنا أثرًا، كنت أحدث مع أحد الأصدقاء وأقول: “لماذا أغلب الأغنياء بخلاء؟”، خالفني الرأي، وقال لي: “أنا مزامل للكثير من الأثرياء، وهم ينفقون على أعمال الخير دون توقف”، فأجيبه: “للأسف ما نراه، أن الثروات تترك في يد الوارثين، وكان بمقدور ذو المال أن ينفق قبل الرحيل”، فهل تتفق معي -عزيزي القارئ- أن البخل شيمة وعادة طبيعية في كثير من ذوي الثراء؟، ماذا لو أنفق ذو المال على هذه الحياة؟، أليست هناك حاجات ماسة ستغير وجه المستقبل؛ لو أنفق ذو الدينار والدرهم؟، فلماذا لا ينفق ذو السعة من سعته؟، لماذا لا يفعلها في حياته؟، لماذا يحاصره الخوف والله يعده بالمزيد؟
قال لي صاحبي: “هناك من لا يقدّر ذو الثراء، حين يساعد البعض، فمثلًا: من يستدين مبلغًا في وقت حاجته لا يرد دينه”، هنا أعارضه بسؤال عفوي: هل نجعل من النماذج السيئة، مقياسًا لتغيير نبلنا ومبادئنا الإنسانية؟، ما الفرق بيننا وبين القرود؟، إذا استحوذنا على عناقيد الموز دون النظر لمن بالجوار؟، لقد رحل الكرماء الذين ينفقون بحب وعطاء دون مقابل، لقد فقدنا حاتم الطائي الذي نحر فرسه لأضيافه، حين لم يجد جزورًا، بلى وجدنا إسرافًا فاحشًا وهدرًا للطعام؛ لاسيما في أيام المناسبات، مما يعارض قطعًا مبدأ حفظ النعمة، الملايين من الدولارات تتبخر لمفاخر قبلية أو نزوات غير مسؤولة، ثم نرى في المقابل صدودًا وعزوفًا عند بعض الأثرياء، فلا يصرف جزء يسيرًا من ماله في وجوه مشروعة يرى صوابيتها كل راشد، لنرى كيف يتصرف ذو الثراء في يوم زفاف ابنه؟، كم من الهدر والسرف سيتكبد في ليلة واحدة؟، ثم يُكَبِّل نفقاته الخيرية مدى الحياة، بالفعل سيقول الناس كان ثريًا كان غنيًا، ولكنه لم يفعل بماله في حياته شيئًا، ألا يُطَوّق بما بخل به يوم القيامة؟، الغريب أنه يترك للورثة ما يتقاتلون من أجله، فلم يفلح حيًّا ولم يفلح ميتًا، أتمنى لثري أن يقرأ سطوري ويخالفني النظرة التي احملها عنه لأقول: “ما تزال أمتنا بخير”. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صبري رسول

 

توطئة للفسحات:

يهندس خالد حسين أشكال الحب في قصيدة: واحدة، في مجموعته رشقة سماء تنادم قلب العابر الصادرة عن دار نوس هاوس بداية 2025. المجموعة عبارة عن أربع فسحات، وهي الفهرسة الهندسية الخاصّة التي تميّزت بها، أربعة أقسام، كلّ فسحة مؤلفة من أربع فسحات صغرى معنونة، وتحت كل عنوان تندرج عدة مقاطع شعرية مرقمة وفق…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “ليالي فرانشكتاين” للروائيّ والفنّان الكرديّ العراقيّ عمر سيّد بترجمة عربية أنجزها المترجم ياسين حسين.

يطلّ عمر سيّد “ليالي فرانكشتاين”، حاملاً معها شحنة سردية نادرة تمزج بين الميثولوجيا السياسية والواقع الجحيمي، بين الحكاية الشعبية والتقنيات المعاصرة، ليقدّم نصاً مكثّفاً عن الجرح الكردي، وعن الوطن بوصفه جثةً تنتظر التمثال المناسب كي تُدفن…

عبد الجابر حبيب

 

يا لغرابةِ الجهات،

في زمنٍ لا يعرفُ السكون،

وعلى حافةِ قدري

ما زالَ ظلّي يرقصُ على أطرافِ أصابعي،

والدروبُ تتشابكُ في ذاكرتي المثقوبة،

ولا أحدَ لمحَ نهايتَها تميلُ إلى قبري،

ولا حتى أنا.

 

على الحافة،

أُمسكُ بزهرٍ لا يذبل،

يتركُ عبيرَه عالقاً في مساماتِ أيّامي،

كأنّه يتسرّبُ من جلدي

ثم يذوبُ فيّ.

 

الجدرانُ تتهامسُ عنّي،

تعدُّ أنفاسي المتعثّرة،

وتتركُ خدوشاً على جلديَ المتهالك،

كأنّ الزمنَ

لا يريدُ أن…

إبراهيم محمود

 

 

1-في التقصّي وجهيّاً

 

هي ذي أمَّة الوجوه

غابة: كل وجه يتصيد سواه

 

هي ذي أمة الوجوه

سماء كل وجه يزاحم غيره

 

هي ذي أمَّة الوجوه

تاريخ مزكَّى بوجه

 

ليس الوجه التقليدي وجهاً

إنه الوجه المصادَر من نوعه

 

كم ردَّدنا: الإنسان هو وجهه

كم صُدِمنا بما رددناه

 

كم قلنا يا لهذا الوجه الحلو

كم أُذِقْنا مرارته

 

قل لي: بأي وجه أنت

أقل لك من أنت؟

 

ما نراه وجهاً

ترجمان استخفافنا بالمرئي

 

أن…