محمود درويش يحضر أمسية أدبية في القامشلي

فدوى الكيلاني

 كنا مجموعة من الكتاب والشعراء، لانزال في أمسية أدبية ، بعد أن انتهت فقرها للتو، حين تلقى أحد الأصدقاء الشعراء في الجلسة، هاتفاً من صديق آخر له ، صعق على أثره صديقنا، كي يستسلم أمام ا أمارات التوتر والألم على محياه ، بل كامله، وينهض بحركة هستيرية من مكانه، وكأنه يعيد أسطورة لطم الروح، مردداً : لا.. لا ..أصدق……

قلت له: ماذا حدث ، قل لنا لنشاركك ما أنت فيه…؟
كنت منشدّة تماماً في تلك اللحظة، شأن من معي إلى هذا الصديق، الذي بدا غريب الأطوار، في هذه اللحظة، غير العادية، التي بدت وكأنها لا تشبه أمسيتنا الهادئة، التي افتقدت إلى مثيلاتها منذ وقت طويل، مادمت قد ابتعدت مكرهة عن أجوائي الأولى منذ سنوات عديدة، بسبب علقم الغربة ، إلى تلك الدرجة، حيث توقف سير حوار الأمسية الأدبية 
– ماذا حدث …..؟
سألته في هذه المرة بصوت أعلى، كي يرددها غيري

– نعم …. ماذا جرى؟

– لقد رحل محمود درويش
قالها أخيراً

-لا …لا أصدق….
قلتها، وأنا أحس بعدوى اضطراب صديقنا الشاعر، ينتقل إلي أيضا بالعدوى، بل ليضطرب كل من في تلك الجلسة، ورحت أردف قائلة:
 -بربك تأكد….!
 وراح كثيرون منّا للتأكد عبر اتصالاتهم الهاتفية، ولهرع صوب شاشة الرائي في الغرفة المجاورة، واجمين، خاشعين بوجل، كي نتأكد حقا ً، بأن ما تم صحيح بأسف….!

لقد كانت الأمسية الأدبية قد انتهت، ويهم كل منا الانصراف من المكان، بيد أننا وجدنا أنفسنا وكأننا أمام أمسية أدبية حول الشاعر الكبير محمود درويش، فمنا من استظهر قصائده، و منا من تذكر بعض مواقفه الشجاعة، ومنا من راح يتحدث عن صداقته للكرد، وكيف أن أحد الناشرين الحاقدين على الكرد، مارس الدكتاتورية بحقه، وحذف قصيدة – معكم- التي احتوتها مجموعته الشعرية -أوراق الزيتون – من ديوان الشعر الفلسطيني، وحذا حذوه بعض الناشرين في بغداد وبيروت، وغيرها من العواصم العربية، إلا أن شاعرنا الكبير كان يدحض وجهات نظر هؤلاء ليبقى صديقا للكرد حتى آخر ديوان له، وآخر قصيدة، وآخر نبض، ومنا من راح يتحدث عن المكانة العالمية لهذا الشاعر

 لقد نسي جميعنا أننا كنا قبل ربع ساعة، فحسب، في حضرة أمسية أدبية شارك بها عدد من الأسماء الجديدة ، بل تحولت أمسيتنا هذه إلى – حفل تأبيني-  للشاعر الكبير محمود درويش، وحقاًها نحن في اليوم الأول على غياب هذا الشاعر العملاق، ونعيش عالم ما بعد درويش كما قال أحد الأصدقاء الأدباء، وهو يلعق ألمه بهذا الرحيل الاستثنائي.

فجأة، قلت للزملاء من حولي:

لماذا لا نخصص أمسية أدبية على روح الشاعر الكبير محمود درويش ؟

وافق جميعهم على مقترحي، كي يكون ذلك أحد نشاطات الملتقى الثقافي في – القامشلي- الذي يحتفل في هذا العام بمرور ستة وعشرين عاماًعلى تأسيسه

تحية إلى روح الشاعر الكبير محمود درويش

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إدريس سالم

 

ليستِ اللغة مجرّد أداة للتواصل، اللغة عنصر أنطولوجي، ينهض بوظيفة تأسيسية في بناء الهُوية. فالهُوية، باعتبارها نسيجاً متعدّد الخيوط، لا تكتمل إلا بخيط اللغة، الذي يمنحها وحدتها الداخلية، إذ تمكّن الذات من الظهور في العالم، وتمنح الجماعة أفقاً للتاريخ والذاكرة. بهذا المعنى، تكون اللغة شرط لإمكان وجود الهُوية، فهي المسكن الذي تسكن فيه الذات…

مازن عرفة

منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، يتسارع الزمن في حياتنا بطريقة مذهلة لا نستطيع التقاطها، ومثله تغير أنماط الحياة الاجتماعية والإنسانية، والاكتشافات المتلاحقة في العلوم والتقنيات، فيما تغدو حيواتنا أكثر فأكثر لحظات عابرة في مسيرة «الوجود»، لا ندرك فيها لا البدايات ولا النهايات، بل والوجود نفسه يبدو كل يوم أكثر إلغازاً وإبهاماً، على الرغم من…

أصدرت منشورات رامينا في لندن كتاب “كنتُ صغيرة… عندما كبرت” للكاتبة السورية الأوكرانية كاترين يحيى، وهو عمل سيريّ يتجاوز حدود الاعتراف الشخصي ليغدو شهادة إنسانية على تقاطعات الطفولة والمنفى والهوية والحروب.

تكتب المؤلفة بصدقٍ شفيف عن حياتها وهي تتنقّل بين سوريا وأوكرانيا ومصر والإمارات، مستحضرةً محطات وتجارب شكلت ملامحها النفسية والوجودية، وموثقةً لرحلة جيل عاش القلق…

غريب ملا زلال

رسم ستار علي ( 1957_2023 ) لوحة كوباني في ديار بكر /آمد عام 2015 ضمن مهرجان فني تشكيلي كردي كبير شارك فيه أكثر من مائتين فنانة و فنان ، و كان ستار علي من بينهم ، و كتبت هذه المادة حينها ، أنشرها الآن و نحن ندخل الذكرى الثانية على رحيله .

أهي حماسة…