بقلـــم: فريد أمعضشو- المغرب.
بصدور عددها الحالي، تكون “أبابيل.نت” – و هي صحيفة إنترنيتية تُعْنى خصيصاً بالشعر، يشرف عليها المبدع السوري الشابّ عماد الدين موسى – قد أكْملت الخمسة و العشرين عدداً بعد أزيد من عامين من التألق و العطاء و الإسهام الفعلي في خدمة شعرنا الجديد، و إذاعته، و إطـْـلاع القارئ العربي على عديدٍ من إبداعات شعراء العالم المرموقين غرباً و شرقاً، و نشْر المقالات و الأبحاث الدّارسة أو المعرِّفة بالأعمال الشعرية العربية و غيرها، و لاسيما تلك التي تصْدُر حَديثاً.
لقد جاء العدد الخامس و العشرون من مجلة “أبابيل.نت” مقسَّماً ،كالعادة، إلى ثلاثة أبواب كبرى: عائلة القصيدة، و أشجار عالية، و قوارب الورق.بحيث حوى البابُ الأول خمسة عشر نصّاً شعرياً لعدد من “الأبابيليين” أو الملتحِقين برَكْبهم الشعري، و هي: قصيدة “كنغ لنغ” لأسعد الجبوري – و هو شاعر و روائي و صِحافي عراقي يقيم حالياً بالدنمارك، و يشرف على إدارة موقع إلكتروني يحمل اسم “الإمبراطور”، أطلقه ليكون بمثابة “مشروع لعموم مؤلـِّفي الإبداع حول العالم” -، و قصيدة “دولة الطير” للشاعرة اللبنانية المُقيمة الآن في الدنمارك فاديا الخشن، و قصيدة “سأقبّلكِ الآن” للشاعر العراقي أديب كمال الدين الذي يقيم في أستراليا، و “لكَ كل شيء يا حبيبي” للشاعر و المهندس المصري محمد عزت الطيري، و “حياة موازية” للشاعرة السعودية فوزية أبي خالد، و “مصاطب حرير” للشاعر السوري فراس سليمان، و “في مديح العزلة” للشاعر الكردي السوري أديب حسن محمد، و “خدعتني الأطياف” للشاعرة الفِــلسطينية إيناس عبد الله، و “الطيور الحديدية” للشاعر و الجَرّاح السوري تمام تلاوي، و “نوافذ” للشاعر السوري دمّر حبيب الذي يتولّى مهمة التنسيق بمجلس حكماء موقع “إنانا” الأنيق، و “على طريق الحرير” للشاعرة السورية فرات إسبر التي تقيم ،منذ مدة من الزمن، بنيوزيلندا، و “ارتباكْ” لمحمد عيدي، و “العزلة ذهب الكائن” للمهندس و الشاعر السوري الشاب سلام الزبيدي، و “لأسميكَ طائراً” للشاعرة و الروائية العراقية وفاء عبد الرزاق المُقيمة حالياً في لنذن، و قصيدة “ليالي آب الخائنة” للشاعر الكردي جوان قادو مترْجَمةً إلى العربية بيَراع الشاعر و الكاتب الكردي السوري كاميران حرسان.
و نقرأ في باب “أشجار عالية” ترجماتٍ لنصوص شعرية أبْدعَها شعراء عالميون كِبارٌ. فأما الترجمة الأولى فهي للكاتبة السورية ناريمان صالح، و هَمَّت ستَّ قصائدَ للشاعر الفرنسي الشهير بول إيلوار (1865-1952)، هي: “عمل الشاعر” (7 مقاطع)، و “سهل”، و “بحثاً عن البراءة”، و “من جرّاء الغضب”، و “متابعة”، و “أيتها الأولى في العالم” (مهداة لبيكاسو). و إيلوار شاعر دادائي، و أحد مؤسِّسي المذهب السوريالي في فرنسا، و كان مناضِلاً ذا توجّه شُيوعي، وَصَفتْه بعضُ الكتابات بــ”حاضن النجوم” سنة 1939. و أما الترجمة الثانيةُ فكانت بقلم السوري إبراهيم استنبولي، و انصبّت على خمسِ قصائد للشاعرة و الروائية الروسية أولغا جوراڨلوڨا؛ ثلاثٍ منها مأخوذة من ديوانها “اشتر المساء لنفسك”، و اثنتيْن من ديوانها “للمرأة قوة أخرى”. و أما الترجمة الثالثة فقد انطلقت من قصيدة “الربيع و الخريف” للشاعر البريطاني جيرارد مانلي هوبكنز (1844-1889)، التي أهْداها إلى “طفلة صغيرة”. و قد أرْفِقَ هذا النص الشعري المكثفُ ،المترجَم من قِبَل العراقية خلود المطلبي، بقراءة نقدية مركزة أنجزها له البروفيسور إيان لانكشير. و أما الترجمة الأخيرة فهي للكاتب المغربي د. عبد النبي ذاكر الذي أهداها لروح زميله المرحوم محمد الماگري (ت1994)، و يحمل النص المترجَم عنوان “زاگورة (البصمة و الوردة)”، و هو للشاعر و الرّحّالة الفرنسي گيْ بورْنان (1930-1991)، اقتبسه ذاكر من مؤلـَّفه الرِّحْلي المَوْسوم بعبارة “في الجنوب المغربي”.
و ضمَّ بابُ “قوارب الورق” بين دفتيْه ست دراسات أو قراءاتٍ لمتون شعرية جديدة. بحيث حمل أولاها عنوان “بدوي الجبل: القلب الشامي”، و هي – في الأصل – نصُّ المداخلة التي كان قد شارك بها الناقد السوري جمال باروت في “مهرجان جبلة” بدمشق احتفاءً بالشاعر الكلاسيكي الراحل محمد سليمان الأحمد (1990-1981)، الذي لقّـبَه المرحوم يوسف العيسى؛ مؤسسُ صحيفة “ألف باء” الدمشقية في عشرينيات القرن المنصرم، بــ”بدوي الجبل”. و حاولت هذه الدراسة بَحْثَ أوْجُه حضور الشام ،بمختلِف كورها و بقاعها، و كذا أبعادها في أشعار الجبل ،التي صدرت كاملة في إطار “مجموعة” عام 1979 ببيروت، لتؤكد ،في المآل، قوة تعلق الشاعر بِشَامِه، و شدة ارتباطه الوُجْداني بشتى ربوعه و تضاريسه. و مما جاء في هذه الدراسة القيّمة أننا “حين نقرأ الشام في شعر بدوي، فإننا نعثر على الشام التاريخي في مدرَك الشاعر العظيم لهذا الإقليم، و هو مدرَك ثقافي بامتياز يُعتبر بالنسبة إلى بدوي ذي الجذور الثقافية العربية – الإسلامية الراسخة مدرَكاً تلقائياً و نهائياً ليس بحاجة إلى برهان، و تَجُول فيه استرجاعاتُ بدوي لمَجْد الشام التاريخي الذي يحضر هنا في دورة مجدها الأمَويّ الأخّاذ التي تتواتر في شعر بدوي”، و ورد فيها كذلك أن منطقة الشام لا تحضر في أشعار الجبل (مثل: “عاد الغريب” – “ابتهالات”…) باعتبارها مكاناً فيزيقياً جامداً، بل “بوصفها مكاناً ديناميكياً فردياً – شخصياً و خاصّاً حيّاً. إنها أديم و غوطتان و قبور أحبّاء و نهر و روح عارمة و سفر القلب و نكران و خذلان و حبّ عارم و تواريخ بشر و رجال و معرض إمبراطورياتِ مجدٍ و هبة إلهية… إلخ، و هي تتسم هنا بكل الصفات الخِصْبية الإحيائية المتألـْـهِنَة في الرؤيا العربية المتوسطية؛ رؤيا الإخصاب في مواجهة الصحراء”. و المادة النقدية الثانيةُ في هذا البابِ عبارة عن ثلاث قراءاتٍ مختلفة لكتاب “وحيداً كذئب الفرزدق: مختارات شعرية لأمجد ناصر” الذي قدّم له و تولّى أمْر اختيار نصوصه الناقد السوري صبحي حديدي، و صدر العامَ الماضي عن دار ممدوح علوان للنشر و التوزيع بدمشق. و يحْسُن بنا أن نشير ،ها هنا، إلى أن مثل هذا العمل؛ تصنيف مؤلفاتٍ حاويةٍ كثيراً من الأشعار المختارة لشاعر مّا مهمٌّ و مفيدٌ جدّاً لعدة اعتبارات معقولة، و أهمّ ما في هذه المختارات الشعرية ،كما يقول أحدُ قرّاء العمل الآنفِ ذكرُه، “أنها تعد اختصاراً مكثفاً لمشروعه الشعري، الأمرُ الذي يتيح للقارئ التعرُّف،و لو بشكل جزئي، إلى تطور الشاعر و تغير أدواته و نضْج أفكاره، دون الحاجة إلى قراءة أعماله الكاملة، خاصة في حالة عدم صدور مثل هذه الأعمال، و صعوبة الحصول على دواوين الشاعر الصادرة لدى دُور متعددة، و في أوقات متباعِدة”. و تجدر الإشارة كذلك إلى أن عنوان هذا الكتاب مقبوسٌ من إحدى قصائد الشاعر الأردنّي أمجد ناصر، و يتعلق الأمر بنصه “رُعاة العزلة”. و أمجد هذا بدأ حياته الشعرية بكتابة القصيدة التفعيلية، لكنه سرعان ما تحوّل عنها إلى كتابة الشعر المنثور الذي ألفى فيه مُتنَفَّساً ملائماً للبوْح و التعبير و نقل أشياء الوجود و تفاعلات العالم من حوله، و يعد أمجد – في نظر حديدي – ممّن “حمل هاجس العبور من النثر الشعري… إلى شكل قصيدة النثر”. إن القراءة الأولى للكتاب المذكور سابقاً وردت غُفْلاً من العَنْوَنَة، قدم فيها الباحث السوري خضر الآغا انطباعاتٍ و ملاحظَ بخصوص نصوص الكتاب الشعرية و عَملِ مؤلِّفه. على حين وُسِمَت القراءة الثانية بـ”الطريق إلى قصيدة النثر…”، و تطرّق فيها صاحبُها المبدع و الناقد السوري رائد وحش إلى تجربة الكتابة الشعرية لدى أمجد، و التي رأى أنها “كانت ،على الدوام، محْواً، على أن المحْو تأليف آخر”، و تعرض فيها أيضاً إلى إسهامه الواضح في مضمار الكتابة الشعرية الجديدة، و خَلـُصَ في نهاية قراءته إلى أن كتاب “(وحيداً كذئب الفرزدق) فرصة ثمينة للاكتواء بلهيبٍ شعري، يؤجِّجُه بدويٌّ ما يزال يواصل مغامرته في البحث، و لكن دون الوصول إلى مستقَرّ… و هذه ميزةُ هذا السندباد الشعريِّ”. و تَقدَّم بالقراءة الثالثة (“أيُّ القصائد لم تبتدئ بالأنا و اليباس؟”) الشاعر و الناقد السوري محمد ديبو الذي حاول من خلالها تسليط ضياء كاشفةٍ على شعر أمجد و على كتاب حديدي معاً، و مما جاء فيها أن قصيدة أمجد تعد “واحدة من أهمّ القصائد التي تشكل تكثيفاً و اختصاراً لشعراء السبعينيات الذين جاؤوا بعد جيل الرُّواد، تلك القصيدة التي أخذت من سابقتها نَزَق الشعر و جُنونه، و تمرّدت عليها لصالح البحث عن أرضٍ بِكْرٍ للشعر، و العمل على تخْليص قصيدة الرواد من نُخْبَويتها لصالح انتمائها للمحْسوس و الآني دون أنْ تقع في الابتذال و التسْطيح و مَطبّات السرد المَجّانية، من خلال عُثورها على توْليفة شعرية تَنُوس بين الشفوية و الرُّؤيوية؛ تعبّر عن الآني و العادي و اليومي بلغة رؤيوية تارة و شفوية تارة أخرى”. و اختار الشاعر و الكاتب الكردي السوري عمر كوجري لمقالته – و هي الدراسة الثالثة في هذا الباب – عنوانَ “تواطؤ العَتَبة مع المتن”، و قارَب فيها نصوصَ ديوان “الشذرات” للشاعر السوري حمزة رستناوي خارجياً و داخلياً؛ شكلا و مضموناً، مع التركيز على صلة عناوين نصوص الديوان بمتونها و تعالقها معها. و “الشذرات” هو العملُ الشعري الثالث لرستناوي بعد عمليْه السابقين “طريق بلا أقدام”، و ” ملكوت النرجس”. و اتخذت الدراسة الرابعة شكلَ قراءة شموليةٍ لديوان الشاعر و الناقد المصْري شريف الشافعي ،المقيم حالياً في السعودية، الذي عنوانُه “البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية”، و هو الجزءُ الأول من المشروع الكبير لصاحبه، و الذي أسْماه “الأعمال الكاملة لإنسان آلي”، و قال كاتبُ هذه الدراسة محمد نبيل؛ كاتب مغربي يقيم بألمانيا، عن نصوص هذا الجزء إنها “قصائدُ مشتعِلة في مواجهة جليد الحياة الرقمية”، و قد صدر مؤخَّراً بالقاهرة، في 230 صفحة من القِطْـع الكبير، و أوْمأ الشاعر في ختامه إلى أن الجزء الثاني من مشروعه سيحمل عنوان “غازات ضاحكة”. و قرأ الفنان و الكاتب السوري محمد مدني الحسيْني في الدراسة ما قبل الأخيرة ديوان “الغروب الكبير” للشاعر السوري علي جازو قراءةً نقدية، مما جاء فيها أن في هذا العمل الشعري “يجد القارئ وجهه المنكسر جميلا و متكاملا… القارئ الجادّ الذي يحب الشعر قبل قراءته يجد قلبه شاعراً يوازي صاحب الغروب في هاجعةٍ لا تتحرك، ساكنة تجلس القرْفُصَاء عند فنّ جميل و كتاب أفضل، فيطلب من الكاتب فكّ ارتباطه باللفظ و المعنى حتى يحس بحبْرته الإبداعية داخل كلمة واحدة أو داخل مجاز استعاره الغروب من علةٍ استكبرتْ وجودها العَفوي في قصيدة أو في سَطر هُمِس في خلوة الشاعر من فم شجرة عاقرةٍ غافَله اليقين و المَنْطِق برهَةً”. و الدراسة الأخيرةُ في باب “قوارب الورق” عبارة عن قراءة ناقِدة مختصَرة في عمل إبداعي لم يجرؤ صاحبُه على تسميته ديواناً و لا مجموعة قصصية و لا خواطر و لا غيرها مما يشبهها أو يدانيها من الأسامي، و إنما اختار له – من حيث التجنيسُ – اسم “نصوص”. و يتعلق الأمرُ بعمل اشتمل على عدد من النصوص الشعرية المنثورة، عنوانه “السيء في الأمر” للشاعر المصري ممدوح رزق، و كاتبُ الدراسةِ هو الناقد و الشاعر المصري المتألق هشام الصباحي… و لا مناص من الإشارة في خاتمة هذا التقرير المفصَّل إلى أن العدد المقروء ،هنا، من مجلة “أبابيل.نت” احتوى على مجموعة من اللوحات التشكيلية الجميلة التي أبدعتها ريشة الفنانة العراقية نوال السعدون.