وقفات مع ميلاد السيد المسيح عليه الصلاة والسلام

  الدكتور علاء الدين جنكو

منذ بداية أيام طفولتي كانت سيرة السيد المسيح عليه السلام تشدني بمراحلها المختلفة من الميلاد إلى رفعه من قبل رب العباد..
عقيدتنا – نحن المسلمين – في السيد المسيح هي الإيمان المطلق بحقيقة رسالته ونبوته وإنها رسالة سماوية ، انزل الله كتابه الإنجيل على رسوله وعبده عيسى بن مريم العذراء البتول ، ومن أنكر أصل هذه الرسالة أو قصة ميلاده يخرج من بوتقة الإيمان إلى الكفر حسب أصول العقيدة الإسلامية.

وكلامي هنا في حقيقته لا يخص المؤمنين به فقط – سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين – فنحن متفقون على كثير من الأمور من وجهة نظري ، ولو أن الخلاف في جزئه الأخر يتعلق بالأصول !!
بل يضاف إليهم أؤلئك الذين يضعون المسيح ومات يتعلق به من قصة ميلاده ورفعه في ميزان العقل وحكمه ، وينكرون الغيب والمعجزة في حقيقة أمره ، لي معهم هذه الوقفات :
الوقفة الأولى :
هل يستطيع أحد من البشر مهما بلغ من العقل وقوته أن ينكر وجود شخص من البشرية اسمه المسيح بن مريم ؟!!  أعتقد أن الجواب بالنفي
ومن جانب آخر هل يستطيع أحد أن يقول : أن عيسى ولد لأب بشري ؟؟  أعتقد ثانية أن الجواب بالنفي
وقع الخلاف بين المسلمين والمسيحيين في نسبة المسيح إلى الله ولداً ، فالمسلمون يرفضون قطعا هذه الرواية ليقفوا عند نقطة إيمانية لا جدال فيها :
هي أن خلق عيسى كخلق آدم ، خلقه الله من دون أب ، وانه روح الله وكلمته وعبده ورسوله ، جاء بدين سماوي يقيم بها العدل والتسامح والمساواة .
أما من يحكم على خرافية رواية المسلمين بأن عيسى عليه السلام خلق من غير أب، ليجيب أولا ، كيف خلق الله آدم عليه السلام ؟! وكيف خلق حواء من جسمه ؟!
الوقفة الثانية :
العلاقة بين الإسلام والمسيحية ، وسر بعض الأحكام في الشريعة الإسلامية ،
فالعلاقة بين الديانتين هي علاقة إيمانية أحادية الطرف، لأن المسلمين يؤمنون بالمسيحية ، أما العكس فلا ، ويكاد أن يكون هذا الحكم مطلقا ومتفقا عليه بين جميع الطوائف في الطرفين .
وبناء على هذه العلاقة ، كان سر بعض الأحكام في الشريعة الإسلامية كمنع زواج المسلمة من الرجل المسيحي ، في الوقت الذي يسمح للرجل المسلم أن يتزوج من مسيحية .
فالمسلم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يسيء إلى المسيح عليه السلام ولا أن يسيء إلى الديانة المسيحية في أصل سماويتها وقدسيتها ، لأن ذلك من أصل معتقدات المسلم ، فالإيمان بعيسى عليه السلام من أركان الإيمان ، وأي خدش فيه هدم لعقيدته الإسلامية ، لذا يبقى الزوج المسلم محترما لعقيدة زوجته المسيحية.
أما الرجل المسيحي الذي لا يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا مرسلا من الله تعالى ، ولا بالإسلام دينا ، فلا يكون له – وحاله هذا – رادع يمنعه من الإساءة لعقيدة زوجته المسلمة ، فمهما كان الزوج مراعيا لعقيدة زوجته ، تبقى المرأة في حالة من الانكسار والتذلل وخاصة إذا كان زوجها المسيحي رجلا متدينا ..
الوقفة الثالثة :
كيف ينظر الإسلام والمسلمين إلى أتباع السيد المسيح في أيامنا هذه ، وهل هناك مجال للحوار معهم ، أم أن العلاقة لا تقبل إلا وجها واحدا ؟!!
أعتقد – و حسب فهمي للإسلام – أنه لم يدعو في لحظة إلى إجبار أحد في اعتناق الإسلام ، وخاصة مع أهل الكتاب حيث دعاهم إلى الحوار والمناقشة ، قال تعالى : ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمه سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون )
جاء الخطاب في القرآن الكريم بـ : (يا أهل الكتاب) اثنا عشرة مرة ، اثنان منها دعوة واضحة وصريحة للحوار ، والبقية هي مناقشة أهل الكتاب في بعض التصرفات التي خالفوا فيها أصول معتقداتهم ، وخاصة التوحيد لله تعالى .
إن الدعوة للحوار بين الأديان دعوة قرآنية ، أما الغلو في طرح بعض المحاولات التي تصل للدعوة إلى وحدة الأديان ، اعتقد أن ذلك ضرب من الخيال ، ومضيعة للجد والوقت !!
وفي هذه الوقفة يحزنني أن أجد المسيحي وغيره يحكمون على الإسلام من خلال مصادر معادية له ، في الوقت الذي يناقش المسلمون معتقدان المسيحية الحالية من خلال علمائهم ، لأن المعادلة في هذا الشكل من الحوار والنقاش غير متكافئة !!
الوقفة الرابعة :
بين الدعوة والتنصير : لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما منعت مسيحيا في العالم الإسلامي كله من الدعوة إلى دينه وعقيدته بشرط واحد فقط وهو عدم استغلال حاجة الإنسان من مأكل ومشرب وملبس ، لأن حركة التبشير في كل مراحل تاريخها قائمة على هذا الاستغلال مع كل أسف ..
ليُفسح لهم المجال في المناظرات العامة مع المسلمين ، وأن يفتح لهم أبواب الإعلام في شاشات التلفزة جنبا إلى جنب مع علماء المسلمين .
ليكن الحوار علنا ، ليتحول الشارع إلى الحديث عن حرية في الاعتقاد حتى يصل إلى مستوى عال  يسمع المسلم في بيته الديانة المسيحية ، والمسيحي يسمع في بيته الديانة الإسلامية .
ليكن العقل والفطرة هي التي تحكم وتختار فهي أقدر على اختيار الصلح لها ..
قد تكون دعوتي هذه لا تروق للكثيرين ، ولا ترضي وجهة نظرهم ، لكني أقول وبكل ثقة : إن القرآن الكريم وسنة رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم تعاملا مع المخالفين للمسلمين تعامل المثيل للمثيل ، ولم يرد أن الإسلام دعا إلى النظرة الدونية للمخالف في الفكر والاعتقاد ، وإلا كيف ناقش المسلمون الأوائل المسيحية مع أهلها ، وكيف ألفوا وكتبوا وناظروا ؟!!
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ) .
كيف يكون الحال ، واليوم أصبح الأب الحقيقي في التربية للإنسان وسيلة الإعلام التي لا يمكن الابتعاد والتخلي عنها من جهة ، والشارع المجتمعي من جهة أخرى .

وفي الختام الكل يسعى للحقيقة ، وقمة الإنسانية أن يطأ المرء رأسه للحق لا أن يكون عبدا لفكرة ربما لا يكون هو بذاته مقتنعا بها ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…