ومفهوم التصميم الذي يحيل الكاتب إلى محرك لحقيقة ما يقوم به، وحقيقة من يكتب عنه( أعني أنا)، وهو يقوّمه دفعة واحدة.
ولأكون أنا، فيما تلا الاسم ، من خلال مفردتين، هما صفتان مركبتان، تفعيلاً للقول التقويمي، أي أنني قادم من الخارج، وما يعنيه مفهوم (الخارج) من إنكار لوجوده، عبر صفة (الاقتحامية)، أما مفهوم (المجازفة)، فيثبت لافعالية الاقتحام، وبالتالي، لتعبّر الصفتان معاً عن وطأة صورة الآخر الضاغطة عليه من الداخل، وكيفيه التعريف به، ببساطة: مجازفة، وهذا التحديد النعتي والبتّي، يقطع شكه بيقينه البيتوتي، حول أن ما كتبته، هنا وفي غير (هنا)، يندرج في إطار (الاقتحام- المجازفة)، وأن كل ما عناني به إيجاباً يظل من باب تعظيم الذات الكاتبة، وتقذيم المقابل.
ويرافق اعتذاري هذا، لكاتب، لا أعتبره كاتب الكثير مما حمَّلني به من (شنآن قوم)، فيما يخص أمر الكتابة والعلاقة، وقد كتبت حول ذلك الكثير الكثير، ويدرك هو، ومن في خانته (الاقتحامية المجازفاتية المضادة)، مثل هذا الوضع بجلاء، يرافق اعتذاري، كما قلت، شكر مضاعف:
لأن صاحب الكتاب النقدي (نظرة نقدية إلى الشعر الكردي)، ووقتها كان يعيش طفرة (وعي الذات الكردية)، في مسائل تخص الشعر الكردي، وبالملموس، طفرة طلَّقها صاحبها بالثلاث، دون رجعة، قد خصَّني بمقال كامل، دسم التقريع، من الحقد بتوابله، وما يرادف ذلك، وأنا لم أشمله بأي صفة من الصفات هذه، وأترفع عنها، وبمثل هذه الطريقة السافرة النافرة، لا هو ولا سواه، في عراء المكان الكردي.
ولأنه لم يركّز على ما توقفت عنده، بقدر ما أفرغ حمولة سنين عدة، مما ليس بأدبي أو نقدي كثيراً، ناطقاً بأسماء سواه هو، وهو البارز ظلي القامة التفسية كثيراً، كما هو دأبه، بعد كتابه النقدي الوحيد ذاك، والممكن النظر فيه أثراً يعلى من شأنه، قبل خمسة عشر عاماً ،كما أظن (والذي ندم لأنه كتبه، كما يظهر)، وأن المتعلق بمادته، يتحرك في ظل ما كان متصوراً، أو مدَّخراً من أثريات اللانقد في المجمل.
وحسبي هنا، أن أعتذر مسبقاً لكل قارىء، قارىء بالفعل، إزاء كلمات تمر في السياق، لها صلة بما يحرك الأدبي فينا سلباً، ولكن، ربما أمكن القول، أن ليس من كتابة، تخلو من تشنجات، إذ ربما مجدداً، تكون التشنجات قابلة أثيرة’ لولادة أو استيلاد ما هو أفضل فيما بعد.
حول مقولة (المدالسات):
مفردة (المدالسات) من (المدالسة)، وهي تعني (المخادعة)، وأصل المدالسة (دلَّس)، أي (كتم وأخفى)، كما جاء في (الصحاح في اللغة والعلوم)، ولكن المدالسة، ترتبط بخبر رواية يجري تزييفها، كما هو الحديث المدلَّس، وفيه نقرأ( الحديث المدلَّس هو الذي رواه شيخ عن شيخ لم يجتمع به ولا سمع منه أو سمعه من شيخ ضعيف، فكتمه وأسنده إلى شيخ مشهور وموثوق من أجل تقويته) والشافعي يقول( التدليس أخو الكذب..)، (كما ورد ذلك، في( تدوين السنة، لابراهيم فوزي، ص177).
هنا أشير إلى أن ما أرمي من ورائه، هو مدى حضور المدالسة، بصيغتها الجمعية في حديث دحام الوارد في عداد النقد، وهو حديث منفرط المفهوم في الغالب، لخلوه من التوثيق، سواء فيما ألمح عليه، خارج موضوعنا (وما في ذلك من تجلٍّ للذاكرة المقهورة والمهدورة معاً)، أو فيما يخص موضوعنا نفسه، وفيه انتقاء فظيع، وتحميلي بأكثر من دسيسة كردية.
مدالسة الإنكار المطلق لما هو نقدي:
قبل أن يصل إلى نهاية مقاله (رغم أن نهايات كثيرة، تخللت كتابته، من خلال القطعية الواردة فيها)، يكتب دحام ما يلي، وبالحرف الواحد (ألم تصادف في قراءتك هذه للترجمة ، ولو على حسنة واحدة فتشير إليها ؟! وهل يعقل هذا يا رجل ..؟!
يبدو أن النقد في مفهومه هو (فقط) البحث عن الزلاّت في المنقود ، وان خلا الأمر ، فما على الناقد العتيد سوى ممارسة صنعته النقدية ، باختلاق الخلل ، ثم اصطناع القول في ما يجوز ولا يجوز ، والصحيح والأصح … !! هي (فــــشّـة خُلق) إذاً ، ليس إلا. (….!
أوردت قوله هذا، كاملاً، رغم سهولة مراجعته، فهو طازج بحداثته، حتى يمكن النظر في مضمونه، وكيف جرى التعامل معه، وكون التالي (كما سنرى) جاء أكثر رعباً.
من أين جاء دحام بقول كهذا؟ هل حقاً، لم يتضمن ما كتبته ” حسنة واحدة؟
لا أظن أنه توقف عند العديد من النقاط، حيث تقتضي الضرورة الكتابية، تلك التي تبرزه خلاف المشار إليه، أعني ما يؤكّد وجود حسنات وليس حسنة واحدة:
1- صدرت الترجمة بطبعتها الأولى هكذا ( Dastana GIL GA MÊŞ : ملحمة جلجاميش)، سنة 2006، في دهوك، والثانية، في ذات السنة، في ستانبول، باسم المعهد الكردي في آمد، وهذا يضفي على الملحمة، وعلى الترجمة معاً، بعداً تاريخياً وثقافياً واعتبارياً آخر طبعاً!
2- إذ بغض النظر، عما يمكن التوقف عنده من ملاحظات في الحالتين، لا يخفى الجهد المبذول من قِبل الكاتب المترجم، في ممارسته اللغوية والأدبية، فهو ذاته ينم في الكتابة، عن شخصية شاعر، ولا يمكن ترجمة أي ملحمة، دون امتلاك ذائقة شعرية مطلوبة، وهو جهد محفوظٌ حقوقاً،
3- ففي ترجمة الكاتب ما هو لافت للنظر، في الكثير مما عالجه ودبجه لغوياً،
4- حاول أن يقدم أقصى ما عنده، تلك هي حدوده الاجتهادية، كما هو المتلمَّس، في الكثير من العبارات، حيث لا تضيّع أثر الثقافة الذاتية والمعايشة اللغوية لما هو مفكَّر فيه هنا وهناك.
جميلة هي لغة الترجمة عنده، مطواعة، مرنة، وهي بذلك، تشكل ترجماناً حياً ناطقاً بخبرة قائمة، ولا يمكن التوقف عند أمثلة من هذا النوع، طالما أن ثمة الكثير مما هو مترجم، يدخل في هذا النطاق.
5- طبعاً، لا يمكنني إلا أن أثمن، بدوري ، ترجمة الاستاذ دحام، وكما قلت منذ البداية، وأنه بعمله هذا، أغنى المكتبة الكردية، بصورة أمثل (على أقل تقدير، من جهة اللغة المكتوبة
تُرى هل كان دحام يطالبني، وهو الذي أهداني؟ كتابه هذا إلى جانب اثنين آخرين، لأبدأ في مدحه، كما لو أنني في انتظار مناسبة؟ كهذه، أم تراه كان يتوقع مني أنني سأكتب انتقادي المعهود فيه، نعم، توقعَّه، بفطنة الوصي المخضرم، ليطلق لمتخيَّله البيتوتي العنان ذماً وتحقيراً؟ في الحالتين ثمة سوء تقدير، في الحالة الأولى لي، وفي الحالة الثانية له، فيما اعتمده بمسرحة فجة!
إن (الحسنات) التي أوردتها، إذ أعيدها، له وللقارىء قبله (لأنه أدى دوره التقريعي الجمعي خصوصاً، بنجاح)، لا أستهدف منها، إعلامه أنني أسترضيه، أو أفكر في منحى آخر، لما صممت عليه، بقدر ما أحاول، ومنذ تحفتي المهدورة بدمها في وسطنا المحروس (وعي الذات الكردية)، أن أكمل ما توقف عنده آخرون، أو يتحركون في هذا المضمار بدرجات متفاوتة، وخصوصاً فيما ابتدأ به، في كتابه (نظرة نقدية…)، والذي أكَّد أكثر من مرة، أنه ترك النقد (المدفون ذاك)، تخلصاً من الألسن التي لاحقته، ونشداناً لطمأنينة ذات مزيفة لاحقاً. أما إذا كان ما أورده في مجال استثارة الضغائن، فحسب الكاتب أن يسأل نفسه، لماذا تخلى عما كتبه. وبالنسبة لي، لا يهمني إذا كان من يعتبر أي نقد موجه إليه، في وسطه الكردي، وفي المقدمة دحام، وكما سنرى، في عداد التحامل الشخصي، حيث نبرة التعالمية خفاقة (باعتباره الأدرى بما يجري، والناصح، رغم كل الترقيع الكلامي المصاحب ودياً)، وإذا كان يعتبر ما كتبته نقدياً، مجرد تحامل شخصي، وإشباعاً لغرور لامتناه، فليعلم هو وسواه، أنني ماض في هذا الطريق حتى آخر نفس لي، من جهة، وأنني، وبداية ونهاية، وهأنذا أسمي، لا أتنازل عما أردته نقداً موجهاً إلى مقدمته اللامقدمة الشخصية، على أنها تخص سواه، وهنا، أسميها ، وبالحرف الواحد: سرقة ، ليس إلا،كما سنرى، من جهة أخرى.
مدالسة النقد باعتباره اجتهاداً:
رغم كل إطناب مسمي الصديق اللدود هنا دحام (ولكم أكره هذه الكلمة الوصفية لخواء مضمونها مسلكاً)، حول مكانتي الكتابية والثقافية، وفي أكثر من مكان، بنوع من المراوغة المعهودة، فإنه أبى إلا أن يستعين بما يتصوره بيتوتياً (من يكون)، وفي داخله النفسي، في مقامه النقدي والمعرفي عموماً، لأنه لم يبق فيما أثرته من ملاحظات، في مجالاتها الثلاثة، سوى ملاحظة وحيدة، تستوجب الشكر عنده، تلك التي تخص (الساعة البابلية المضاعفة)، وما عداها، لا تستحق التوقف عندها أو مناقشتها. وهذا نوع آخر من التدليس الواجب الذكر، إذ تجاهلها، وهو عارف بها، تلك التي تتعلق بجانب الزيادة والنقصان، في الترجمة، كما في :
1- مقابل مفردة (نسل) في الصفحة (34)، الفقرة (33)، يستخدم (Ji pişta ) : لوجال بندا، أي (من صُلب..)، بينما في الصفحة (37)، الفقرة ( 35)، فيستخدم (neviyê: حفيد): ننورتا، والالتباس واضح.
2- في النص العربي (ص105-ف 52)، نقرأ: […] فليبتسم لي حظ عميق!
أما في المقابل الكردي( ص 42)، فنقرأ: […] فليبتسم لي شمش جيداً.أي هكذا:
[…]ŞEMŞ, bi min re baş bibiş ire bila
ويبدو أن الخلل هو في مفردة (شمش): إله الشمس السومري، حيث أن المتوقع كردياً، هو في تجلي شمش، هكذا:şens ، رغم أن المفردة كتبَت بحروف كبيرة، دلالة على اسم العلم، أو خصوصية معينة، لا تفسير محدداً لها، وإلا، فما العلاقة بين المفردتين،دون احتمال من هذا النوع؟
حول هذه الملاحظة، يقول دحام) في نسخ أخرى ورد النص العربي على صيغة الترجمة الكردية. ( وهذا تدليس على الذات، وعلى القارىء، إذ السؤال الوارد هنا: في أي ترجمة، وردت الصيغة هذه؟ والذي تابعته حرفياً، يقول خلاف ذلك، وليس باختزال، كما توهَّم اللاصديق دحام، المعتمد على نص السواح حرفياً. في ترجمة السواح وردت مفردة عبارة (حظ عميق) كما ذكرت، وعند باقر، وردت عبارة (يتحقق هذا الفأل الحسن. ص46)، وفي الطبعة المصرية، وردت عبارة (هذا نصيبي. ص 56)، فمنأين إذاً استقى ترجمته، حيث الكردية ذاتها، ترتد إلى باقر؟
3- في النص العربي (ص 123- ف :9- 13)، نقرأ : أراك خائفاً من الموت وما زلنا هنا-ــ فإذا سقطتُ اصنع لنفسي شهرة.
أي أن المخاطَب هو صديقه، وهو الذي يجب أن يقوم بما يقال له.
تتعرض الفقرتان لخلل التحويل، في المقابل (ص 52):
أراك، خائفاً من الموت، وما زلت هنا:
Ez dibînim , hîn tu li vir î, tu ji mirinê ditirsî.
و: فإذا سقطتُ أصنعً لنفسي شهرة:
Heger ez mirim ezê navdariyekê ji xwe re çêbikim
4- في النص العربي (ص137)، يشير السواح، بعد (العمود الخامس)، إلى أن (البداية تالفة)، وليأتي الترقيم بدءاً من (39)، بينما المترجم الكردي، وفي أكثر من مرة، كما الحال هنا، يرقّم الملحوظة هذه، كما لو أن المرقَّم جزء من النص، وهذا إخلال بالنص، يجب التنبه له، كما في النص المقابل (ص60)، وبعبارة طويلة (لا تقرَأ السطور في بداية العمود)!
5- في النص العربي (ص 143- ف: 4- 15) ثمة فعلان (يرتعش- اهتزت)، حيث يأتي فعل واحد في المقابل كردياً (ص 63)، وهو (lerizandin)، أي (bilerize) و (lerizî)، رغم معرفة أن الأقرب إلى الفعل الثاني هو( hejiya).
وهنا، يأتي تعليقه المفلق (مرة أخرى وأخرى مكررة يعود إلى اقتراح بدائله اللفظية مثل : لو استخدم لفظة (hejiya) بدلاً عن (lerizî)، مقابل (اهتز) ، ولفظة (nirîn) بدلاً عن (qîrîn ) و (xezal) بدلاً عن (mambiz) و …
ملاحظاته (البدائلية) هذه لا تستأهل الوقوف عندها ، فالترجمة الحرفية اللفظية لأي نصٍ أدبي قتل لروح النص ودلالاته البيانية(.
هنا أقول: ليته كان منسجماً مع نفسه، فبصدد مفردة (الغزلان)، عندما تساءلت (تساءلت فقط)، لماذا أورد مفردتين مختلفتين، إزاء مفردة واحدة بالعربية، علَّق على أن لا ضير في ذلك، لإغناء المفردات، إذاً، وطالما هذا هدفه، لماذا يقلص حدود اللغة، وثمة أكثر من مفردة، إزاء مفردتين ليستا واردتين بالمعنى ذاته (يرتعش- يهتز..)؟ هل ثمة أستذة هنا كذلك؟
6- يخاطب جلجامش عشتار،في النص العربي (ص 150- ف 44): تعالي أفضح لك حكايا عشاقك!
بينما في النص المترجَم كردياً، فثمة خلل ملحوظ: تعالي أظهر (أكشِف) حكايا عشاقك):
De were, ez ê çîrokên evîndarên te diyar bikim !
ولا أدري ما إذا كان المترجم قد التبس عليه المعنى من ناحية التفكير في فعل (أفصح)، بدلاً من (أفضح)!
7- وفي ذات الصفحة( ف 46)، نقرأ: على تموز ، زوجك الشاب! يأتي المقابل الكردي، أقل دقة ومعنى طبعاً: li ser DOMOZÎ, mêre xwe yê ciwan!
أي : على تموز زوج (ذاته) الشاب! والمطلوب هو ( te) بدلاً من (xwe)!
8- ثمة مفردة، هي صفة للعدو، في النص العربي (ص 171- ف 7)، وهي (شيطاني)، تستحيل صفة أخرى، لها منحى أخلاقي في متخيَّل المترجم، وكأنه هو المعني بها مباشرة، أو ما هو مقدَّر عنه، إذ يوضع محلها ما يدل على (القذارة- النجاسة: çepel)، وهذا إخلال بمبدأ الترجمة التي يجب الحرص على دقتها.
9- وفي الصفحة التالية (ص 173- ف 22)، نقرأ: ويطرح عن جسمه [ ثيابه] الجميلة. ليأتي المقابل مغايراً تماماً في النص المترجَم: شق ثيابه، ونزعها (كأنها اتسخت)، أي هكذا:
Çillên xwe çirrandin û ji xwe kirin, (weke ku gemarî bûbûn).
إن الخلل في النص واضح، من جهة الموقع والعلاقة طبعاً!
10- في النص العربي (ص 128- ف 21)، نقرأ: لا تعتمد على قوتك يا جلجامش! وهو حديث موجَّه من شيوخ أوروك، إلى جلجامش، ليكون معتمداً على انكيدو بداية، لهذا يطالَب بأن يكون في أثره، حتى يكون الآخر حامياً له، وعند ظهور خطر ما، يكون المتعرض له انكيدو، كمضحٍّ هنا، بينما في النص الكردي (ص55)، فالمعنى جلي خلافاً، إذ يكون المطلوب هو أن يعتمد على انكيدو إضافة إلى قوته أولاً، وهذا تحريف، وذلك من خلال إيراد (فقط): لا تعتمد على قوتك وحدها (أو فقط)، يا جلجاميش:
Xwe nespêre hêza xwe tenê, Gilgamêşo!
11- إزاء الفقرة (19- ص 148)، من النص العربي: سيبز حمار أثقالك البغال! والمعنى واضح، من ناحية وصف حماره ذي الشهرة المتوقعة، أو المرسومة، في حمل الأثقال، على أنه أقوى من البغال، وبصيغة المبالغة، بينما في النص المترجَم كردياً، فالمفرد ينقلب جمعاً في (الحمار)، والصيغة تختلف: وحمير أثقالك ستسبق البغال.
12-في الصفحة (91)، من الترجمة العربية، الفقرة (2): ما لجسمه من نظير! لا نجد مقابلاً، في النص المترجَم (ص36- ف 2)، إنما ثمة توزيع لعبارة الفقرة الأولى في فقرتين: ثلثاه إله- وثلثه بشر.
13- في ذات الصفحة (ف:14)، تصبح عبارة: وهو الراعي لأوروك المنيعة، في المقابل الكردي، في ذات الصفحة كذلك (ف: 14)، أيضاً: إنه راعي أوروك!
14- الفقرة (20- ص 116): أمسك كل منهما الآخر! لا وجود لها في النص المقابل(ص 48)!
15- في النص العربي (ص145 – ف 17)، يأتي ذكر حواوا بالاسم : وضربَت عيني حواوا! بينما المترجِم الكردي، فيسقِط الاسم: وضربت عينيه !
16- في النص العربي (ص 189- ف14)، نقرأ: فقال له سورسنابي، قال لجلجامش! حيث لا وجود للفقرة هذه في النص المقابل (ص91)!….الخ.
إن مجمل الملاحظات الأخرى، يمكن مناقشتها، وحتى الاختلاف حولها، كما في حال الموقف من التفرج والنظر، والعلاقة بينهما. ولعل ملاحظته الوحيدة، وهي محل خلاف بالمقابل، هي التي تتعلق بحقيقة فعل (gazî kir)، وقد تساءلت لماذا لا تكون هكذا (gazî kirin)، وقد أطنب دحام في ذلك كثيراً( قرابة صفحة)، وبأسلوب مدرسي تماماً، وليته اختصر هنا، ولكنه رأى النقطة هذه، هي الجديرة بالتوسع فيها عنده سيكولوجياً، لإخفاء الأثر عن بقية النقاط، إذ المتداول اليومي هكذا يكون. ولكن دحام يأبى إلا أن يظهر أستذته ومراوغته، كما تبيَّن حتى الآن.
مدالسة الحقيقة توثيقياً:
وهنا يكون بيت القصيد، إذ يظهر لي، أن جل غيظ دحام، وحديثه الشتائمي الطابع، عما يخص ينيتي الشخصية، وعلاقتي بوسطي، محاولة لتأكيد أنه لم (يفعل) شيئاً في المقدسة، أنه اعتمد على الآخرين فقط، وأنه بالمقابل، كتب ما اعتبره صحيحاً من وجهة نظره، ملوّحاً بـ(عصا) المصادر)، أي أنني تغافلت عنها، وليت القارىء المعني يحاول التأكد من ذلك.
ثمة الكثير من المراوغة (التدليس حرفياً)، كما لو أنني لم أكتب بحثاً( ودحام لا يقرأ إلا ما ندر)، حيث التصعيد بالكثير من التهم الموجهة، يصل إلى درجة المحاكمة الأخلاقية.
وهنا، يمكنني القول بداية، وأؤكد مراراً وتكراراً، على أن كل محاولة التفاف، ومواددة مزيفة، ليجانب شبهة السرقة، وانتحال صفة الباحث التاريخي، فما لجأ إليه هو سرقة (وأسميها بالثلاث) أو سمّها (سطواً مقنعاً- أو جناية)، وخصوصاً في التقديم والتأخير، وكما وثقتُ مجمل الوارد في المقدمة حرفياً، ودحام فيما قام به، ليست تلك محاولته الأولى (أعيد سرقته لمجمل مقال خالد حسين، مثلاً، عن شيركو بيه كس، عن (دلالات الجبل)، ونشره في مجلة (نزوى) العمَانية)، وعدم ذكر اسم خالد، رغم مطالبته من قبل الكاتب، وتهربه من تثبيت الاسم: المصدر الحرفي، لأنه نشر المقال هذا في أكثر من منبر كردي (كردستاني أيضاً)، والمعنيون بموضوع كهذا، مطلعون على فضيحة كهذه!
لماذا أصرُّ على أن المقدمة مسروقة، وليس حتى مجرد جمع، كما تذرع الكاتب؟
لأسباب عدة:
لأن أي مقارنة، بين تسلسل العناوين الفرعية، وسياقاتها البحثية، عند دحام، وما يخص ورود المصادر (مصادر الاستلال)، كما يسمي، أو (مصادر مذكورة مثبتة)، كما يكتب، والوضع ليس كذلك إطلاقاً، فهي تظل مراجع، ما دامت غير موثقة، كما ذكرت (بالطبعة والصفحة والتضمين القوسيني). إن الفقرات الممكن تتبعها، كما نوهَّت، لا تتطابق وطريقة تسلسل المصادر.
ولأن ثمة تغييراً، وتحويراً وتحريفاً في العديد من النقاط المتعلقة بالمصادر التي أورتها (موثقة)، حيث العملية تتجاوز مفهوم الجمع والإعداد.
ولأن مضمونَ المقدمة، يقدمُ دحام على أنه واضعه، وليس معده أو جامعه، وإلا لأشار إلى ذلك، ولأراحنا من عناء التحري والمقارنة.
ولأن دحام قدَّم وأخر في الكثير من النقاط هذه، كما في الأخير، حيث يرتّب المعلومة التاريخية على مزاجه، ولا يجوز التلاعب، هنا، بالمعلومة في تسلسلها (ما أشار إليه بصدد النقاط العشر المأخوذة من باقر، وكيفية اللعب بها، هو أكثر من إعداد، إنه بعثرة عشوائية مسيئة إلى جوهر المستل، وحصول أخطاء تاريخية ومواقع، كما أنه تصرف مختلسٍ، لتضييع الأثر على القارىء، والمقارنة توضح ذلك).
ودحام حين يفضّل السواح على سواه، يتصرف من موقع الندية البحثية، مقللاً من جهود الآخرين، كما ركًَّزت على النقطة هذه، حيث تحدثت كثيراً عن النقطة هذه.
أما عن محاولة استنفاره لقارئه، ولمن له صلة بالسواح، فهذا يدخل في نطاقه تماماً، باعتباره لابساً لبوس الدخيل على التاريخ الأثري حصراً، وحيث أنني أثنيت على جهود السواح فيما كتبه، ولكنني في أكثر من كتاب ومقال لي (الضلع الأعوج وغيره)،انتقدته في إسقاطاته التاريخية الحديثة على ما كان (مغامرة العقل الأولى، ملحمة جلجامش، لغز عشتار..)، ولتركي علي الربيعو موقف نقدي لافت، هو الآخر منه، حول ذلك (انظر كتابه: الأرض اليباب” محاكمة الفكر الأسطوري العربي، دار الريس،2007،الفصل الخامس).
أما عما يخصني وموقفي من السومريين، فثمة تفخيخ في القول، كما لو أنني أقطع جذوري بالسومريين،فقد أكدت الصلة هذه ولكن ليس على طريقة دحام ، وإنما من خلال مساءلات بحثية، كما ذكرت في مقالي وغيره، والأفظع من هذا، هو محاولة دحام الظهور بمظهر الحريص على تاريخه فعلاً، والمشغول بمستجداته، ولعمري إن هذا من المفارقات المثيرة للضحك والسخط معاً، كما أكدت أحداث السنوات المنصرمة حتى الآن.، وما كتبه كل منا هو المحك، وكفى!
إن ما أشير إليه، في بحثي، هو عدم التصرف وبنوع من السجال الحامي الوطيس، على طريقة من يريد عربنة أو تعريب ما كان في فصل أو أكثر منه، أو تتريكه أو تفريسه، فما نحن فيه، يمكن أن يقدم الكثير مما يهمنا، ويتطلب تكثيف المزيد من الطاقات الفكرية والبحثية، دون نسيان الماضي، ولكن ليس على طريقة: تاريخنا في ماضينا فقط، ودحام في تهويله لما ذكرت بصدد ” تكريد السومريين”، لا يخرج عن محاولة التعتيم المريب على صمته المعتق، فيما يجري كردياً.
مدالسة التاريخ الذاتي:
ويشدد دحام على انتقاديتي، ويكرر مفهوم حرصه” الأبوي” أو” الأخوي” المزيف واقعاً، علي، وهو بين جملة شبهاتية وأخرى، يحدد وصفة نفسية لما يعنيني سلوكاً وواقعاً كرديين خصوصاً.
ولكتابي (وعي الذات الكردية) الدور الكبير في ذلك. هنا، لكم كان مؤثراً لو أن ” المستغني” عن النقد بفنونه، أن يحدد ما المقصود بما هو شخصي، ومن هم الذين كنت راضياً أو ناقماً عليهم ، وبجرأة الناقد المهني، كما كان قبل عقد ونصف.
إذا كان الذي يغيّر ألوانه صباح مساء (يتظلل بظل هذا الحزب صباحاً وبنقيضه مساء)، أو يقيم برزخاً هائلاً بين ما يقوله، وما هو عليه في الواقع، ثم يكون نقد هذا التحول مساً بما هو شخصي، فلأقل: فلأكن في النطاق هذا، وليدم نقد ” شخصي” من هذا النوع.
وإذا كان الذي يعتبر الصمت عما يجري في مآزقه، وفي شلليته، وفي الجهر بالأنخاب، برفع الكأس ويمارس النفخ في الرأس، والحديث عما هو كردستاني، والرؤوس شبه مخمورة، صمتاً مهيناً لما هو مجتمعي، ولما هو كردي، وأن التعرض لذلك، يعتبر إهانة شخصية، فلا بأس بذلك (أستعيد هنا، السجال الحاد الذي جرى بين مجموعة من المثقفين السورين، وفي وزارة الثقافة السورية “الهيئة العامة للكتاب”، بين د. عبدالنبي اصطيف وثائر ديب وروز مخلوف وكريم حلاوة..الخ، وعبر ذكر وقائع شخصية وليست شخصية حقيقة، لأنها تخص الواقع الثقافي وذات الثقافة، وكيفية التعامل مع الكتاب المقدم للنشر، ومن يحق له النشر، أو التقويم….الخ، كما ورد هذا في صحيفة تشرين، 5ك2| 2008،في ” تشرين الثقافي”).
ولعل اتهامي، بصورة ظاهرة، على أن ثمة تفسخاً ثقافياً، أو شرخاً في الواقع الثقافي الكردي، وبروز التكتلات والشلليات، ومن قبل دحام، لأمر يثير الحزن حقاً، فأنا، وأظنه يعلم ذلك، من أقل الكتاب احتكاكاً بهذا الوسط الموبوء الذي يعرفه تماماً، ويخالطه فعلاً، وأن التفسخ المعلن عنه، لا ينسَب إلى جرثومة تاريخية طارئة، تسمى بـ” ابراهيم محمود”، فثمة قيمون ورعاة تكتلات مختلفة يمكن مشاهدتهم في وضح النهار، وحول موائد الطعام الرسمية، وسواها، وما عدا ذلك، فمحاولة أخرى، وبنوع من التهديد الذي لا يخلو من إرهاب قولي، بضرورة اليقظة لما يمكن أن يحصل لو أنني ” تماديت” دون حساب.
وليس الكلام الأخير، والذي أستنكره، وهو يستسهل العمل به( البصق في اللحى)، إلا تعبيراً عن نفاذ صبر من يعدُّ العدة لخطوة أخرى، لا تخرج عن إطار تأديبي، وهذا يعكس صورة الذات الكاتبة( وعي ذاته الكردية المهشمة تماماً)، وليس ليس إلا أبدي أسفي على استعمال كلمات تهين قائلها، لسوقيتها قبل أي شيء آخر.
أما عن ربط روايتي (perdeya guh)، بما كتبتُه، فهو العجب العجاب، إذ لا يخرج بدوره، عن تقويل وتهويل من نوع آخر، أي تدليس تاريخي، قهري، فأنا لم أوزع نسخاً من الرواية، إلا على عدد محدود من المعارف( حديثه عن أنه استعارها من شخص لا يهتم بذلك، فيه غمز ولمز، ويمكن تسميه بسهولة، ولكنني أدع ذلك لذاكرة القارىء المتابع لأمور كهذه)،وثمة من قرأها، وأبقاها هكذا، لعلي أعود إليها معيداً كتابتها من جديد، وقد قدمت نسخة منها للشاعر (أحمد حسيني) في بروكسل، قبل سنتين، وهو ليس قارئاً عادياً، إذ أفادني بملاحظاته. أما فيما دحام، فإذا كان ما يقوله هو واقع، لكنه لم يدَّخر جهداً في تبيان تهافتها لسواي، ولو أنه نزل فيها (بهدلةً) ، إن جاز التعبير، وبطريقة نقدية: لغوياً ونحوياً، وغيرهما، لكنت له من الشاكرين، مثلما أنني أعتبرها تجربتي الأولى في الكتابة بالكردية، وما عدا ذلك، فخارج كل اعتبار أدبي، إذ أظل مديناً لكل الذين انتقدوني، حولها، أو حول سواها، مثلما كتبت في أكثر من مقال (ما كتبته في نقدي لترجمة الشاعرة جانا سيدا مؤخراً)، أما إذا كان دحام يعتبر أن كل ما يخرج مني (كوني عاجزاً عن النقد)، في سياق الانتقادي في الحد الأقصى، وليس أكثر من إعادة لما حملته في حافظتي، فهو البؤس الذاتي الذي يعرفه جلياً، هو وسواه، وأنا أحيله إلى ما نشرت في هذا الميدان، عربياً، إذ لم يظهر حتى الآن كاتب عربي بارع براعة دحام ومن يحيطون به من حملة الكؤوس خصوصاً، وهو يقتفي إثر كتاباتي، ويمارس تعريتي لقارئه العربي، رغم أن لي عشرات الكتب المختلفة في مضامينها، ، أما بصدد ما نشرت عما هو كردي، فلا أظن مترجم جلجامش، قادراً أن يدعي زيفه دون تأكيد المصدر: في النقد الشعري أو القصصي أو الروائي، أو سواه، لأن أصحاب هذه الكتابات أحياء،
أخيراً وليس آخراً، آمل أن يعلم دحام، وفي قرارة نفسه، أنني لست نادماً على كل ما كتبته في سنواتي السابقة، دون أن أخفي أخطاء حاصلة، وهذه بداهة، وأن مسيرتي النقدية( الانتقادية كما يريد دحام)، لن تتوقف، وإن اختلفت السبل.
أما بصدد جلجامش مجدداً، فلا زلت مصمماً على جملة ملاحظاتي الواردة، ولا يهمني إن أعاد دحام النظر فيها، أو لم يعد، مثلما أنني مصمم أكثر، على أن مقدمة كتابه المترجم مسروقة ليس إلا !
——–