الدالة الكاذبة… في الأدلجة والسياسة

  هيبت بافي حلبجة

يقول السيد المسيح (عليه السلام) أنا الطريق , أنا الحقيقة , أنا الخلاص. بهذه الرؤية الخارقة يدق السيد المسيح أحد أرهف أسرار البشرية في إطارها الوجودي والمعرفي من خلال العلاقة ما بين مصيرها وسعادتها … تلك السعادة الأبدية التي لا تلغي المحسوس إنما لا تكتفي به. بل تراه في ذهنية غير محظورة ترتقي إلى مستوى غائي غبر مرئي على الصعيدين السياسي و الأيديولوجي……
ولقد أكد قبله الفيلسوف الأول « زرادشت » هذه الرؤيا في الوجود والمعرفة , ولخصها في معادلة فلسفية تستغرق كل المقدمات وتنم عن كل الغايات (أنا سر الحياة ، و لا قيمة لأسرارها  بدوني. أنا دفق الوجود ، فرؤياي تهبه الجمال)
فهذا الوضوح الكاشف للعلاقة ما بين الشخص ” البؤرة , المحور” والطريق{المنهج , النهج} والغاية “السعادة , الديمومة ” سواء لدى السيد المسيح أم لدى زرادشت لاينصاع إلا لمفهوم وحدة في زمنه وفي حدثه وفي غايته المطلقة (وحتى النسبية).. هذا الصدق التاريخي الذي يتعارض مع الدالة الكاذبة والذي إذا ما قارناه بالمعطيات الراهنة للعلوم السياسية أتضح لنا المعتى الأجتماعي , الأيني , الكينوني للتاريخ .. ذلك المعنى الذي يواظب ويثابر على ديمومته ، وليس من خلال توافر خصيصة الديمومة فيه فقط ، إنما (وضمن جملة معطيات في الوجود والخلود)
شريطة وفقط شريطة أن يختص بشرط اسميه استحساناً ~ بالشعور المنقذ ~ {بكسر القاف}الذي هو في جوهره الركن السببي للتاريخ في اتجاه واحد ووحيد إسميه مجال العلة المصدقة لموضوعية ميكانيزم التاريخ …..
لهذا السبب بالذات أكتشف زرادشت مفهوم (جسر الصراط .) الذي يحدد مفهوم حصيلة الخير و الشر … فمن كان خيراً عبر ~ جسر الصراط المستقيم ~ وأصبح مثواه الجنة . وغدت عاقبته ناصعة البياض .. وأما من كان (أينياً)
شريراً هوى عن ~ الصراط ~ وأمسى مأواه رقائق الجهنم. والصراط في اللغة الكوردية يعني ما هو أرهف من حد السيف وأكثر استقامة من المستقيم { المستقيم المطلق} ……
وأقل إنبهاراً من هذا التألق لدى كل من السيد المسيح ( عليه السلام ) وزرادشت , ثمة حالة أفلاطون وهيجل، فالحضور الفلسفي لدى كل من السيد المسيح وزرادشت يقترن أكثر بالأدلجة والسياسة و المعنى الأجتماعي مما هو الحال عليه لدى كل من هيجل وأفلاطون، فالمثل الأفلاطونية التي تدل على المثالية التصورية تنم عن عنصر محايث لأنطولوجية تبعث تفعيل الغاية. لأن أفلاطون يبغي تجاوز حالة ارتكاس التاريخ من خلال عدم ارتكاس المثل التي تمسي في الحقيقة ضحية ارتكاس المعنى الأجتماعي للتاريخ . وكأن هذا الأخير يفقد اجتماعيته وبالتالي معناه وبالمحصلة أنسنته.. لكنه ( أي أفلاطون ) يصرخ أنا ضد الأرتكاس ، أنا مع الخلاص , أنا المثل …..
وأما هيجل , ففي طرحه مقولة الفكر المطلق إبما اعتمد غلى مفهوم التثنية أو التثنين وليس الثنائية . فالثنائية تتضمن مفارقة في الجوهر ، في حين إن التثنية تتضمن تطابقاً فيه . وهذا له دوره التمايزي في مسألة الحد / الحدود . وهذا المنظور المميز لدى هيجل إنما مرده التلازم والتزامن ما بين الفكر والمطلق مع الأولوية الموضوعية للفكر على المطلق ، مسبباً تبعية المطلق للفكر غلى رغم إرادته ، وكأني به يصرخ هو الآخر ، أنا الفكر ، أنا المطلق ….
فالفكر المطلق هو المنقذ ……
والأمر لايتوقف عند هذا الحد , إذ يمكن أكتشاف الرموز الناطقة بأسم دالة نقيض الكذب في المعنى الأجتماعي للتاريخ بصورة محضة من خلال القصة التاريخية المتوارثة من قبل الديانتين السماويتين ( التوراة ~ القرآن ) الكريمتين ألا وهي قصة قابيل وهابيل … أستدل من هذه القصة ، من قبل بعض الكتاب لتأصيل مفهوم الجريمة في النفس البشرية ( الشيخ نديم الجسر ، دستوفسكي ، آجاثا كريستي ، محمد
قطب , سيد قطب , حسن البنا , وأغلب أساتذة مادة القانون الجنائي ) , إلا أن الأمر ليس على هذه الشاكلة البتة ، فقتل أحدهما للآخر ~ ولايهم من قتل من ~ يدخل ضمن المفهوم إن الحدث ، وليس الجريمة ، يعتبر منفذاً إلى مفهوم الأنقاذ  وليس إلى حدث الأنقاذ ، فالمنقذ احتسب في نفسه ( ضالته المنشودة ) محتوى الأنقاذ ، وهو لم يبغ ولم يرم النجاة من خلال قتله لأخيه , إنما رام النجاة في نفسه , فهو البؤرة التي أشرنا اليها سابقاً … ومن ناحية أخرى إذا اعتبرنا القتل هنا جريمة , لتوجب علينا البحث عن باعثها ودافعها .. وإذا ما تم ذلك ~ اي البحث عن الغاية ~ فأنه لا يخدم مفهوم تأصيل الجريمة لأنه يعتبر حدثاً إجرامياً ، فالقاتل عاقب أخاه على ذنب أقترفه وارتكبه وليس لدافع أو حافز في نفس الفاعل . وإذا ما اعتبرنا أن القاتل قام بفعله ( وليس بفعلته ) عامداً متعمداً لغرض إجرامي مستبطن في قرارة وغياهب شعوره ، لأعتبرنا القاتل مستحوذاً نفساً مريضة . وهذا التعليل لايخدم هو الآخر مفهوم تأصيل الجريمة إلا إذا زعمنا أن نفس القاتل المريضة تمثل النفس البشرية عندئذ
يحق لنا تأصيل مفهوم الجريمة ليس لأننا أسوياء , بل لأننا مرضى , أي بالأستنباط  أن النفس البشرية مريضة ، وإذا ما توصلنا إلى هذه النتيجة المهينة ، فأننا نفقد كل الأسباب الموضوعية في معرفة النفس البشرية . ومن هنا أنتقدنا مفهوم اليأس لدى كيركجارد الدانماركي ….
ومن خلال هذه الأمثلة لانستدل فقط على مفهوم دالة نقيض الدالة الكاذبة , وانما على مقولة الدالة الكاذبة نفسها .. ولكي نسبر الغور أعمق ، و نحدد المعنى والطباق ~ الأثبات والنفي ~ ينبغي أن نقوم  بتعريف مقولة  الكذب (ضد الصدق ) وشرح ركنه وشرطه وأنواعه , ثم الأستنباط الأكيد والتعريف الدقيق لحالة الدالة الكاذبة ، مع عدة أمثلة .. ومع الأحتراس إننا نمايز ما بين دالة الكذب والدالة الكاذبة……
كما إننا نفارق ما بين دالة نقيض الكذب ودالة نقيض الدالة الكاذبة …….
تعريف الكذب : هو قول متعمد لشخص ( أو جماعة , جهة , عصبة ) تجاه غيره يتضمن محتوى مخالفاً لما هو ، أو لما قد حدث ، أو لما ينبغي أن يكون ~ أينياً ~ ….
ركن الكذب : التعمد القصدي , أي المعرفة الأكيدة إن هذا الحدث ( المحتوى ) هو على شكل آخر ، مع الأحتراس والأكتراث لمفهوم ~ سوء النية ~ ..
شرط الكذب : هو آنية وحضور شخص آخر ( جهة أخرى ) . ولايمكن أن يعد كاذباً من يردد قولاً بمفرده أو لنفسه . ويصدق ذلك على الكتابة التي ما نشرت ولم تنشر ( مع احتساب المعتى الأجتماعي لتاريخ ) ….
أنواع الكذب : ثمة خمسة أنواع من الكذب من حيث الدلالة ومن حيث المعنى والغاية :
الكذب الأجتماعي , الكذب التاريخي , الكذب الفلسفي , الكذب الأيديولوجي , الكذب السياسي … وكل نوع لايغاير الآخر من جيث الفحوى فقط ، إنما من حيث النتيجة أيضاً …
1 ) الكذب الأجتماعي : وهو الكذب الذي يتعلق بالمعطيات والفرضيات السوسيولوجية وعلاقاتها .. و الآراء النظرياتيه بخصوصها ، وبخصوص المادة الغنوصيولوجبة و الأبستمولوجية المكونة لها …
2 ) الكذب التاريخي : وهو الكذب الذي يبحث في تحليل الأحداث التاريخية وفي منحها أبعاداً لم تكن لها ، أو مسخ أبعاد أنتمت إليها وكانت لها ….
3 ) الكذب الفلسفي : وهو الكذب الذي يلحق الشخص ( الجهة ) سواء من ناحية عدم اعتقاده بما يدلي ، أو إنه يتناقض بصورة تحليلية صريحة مع بقية آرائه ، أو أنه يراهن على الدالة الفارغة ، أو أنه يراهن على إشعاع هندسي غير موجه أو على مجموعات جبرية فارغة ، أو أنه يخضع آرائه لمصلحة خارجة عن مفهومها الخاص …
4) الكذب الأيديولوجي : هو الكذب الذي من جانبه العملي يتناقض بصورة سافرة مع المبادئ النظرية التي تقوم الفكر الأيديولوجي ، أو الذي من جانبه النظري لا يجسد إلا صورة اعتباطية من مزيج كونتراستية متناقضة ومبعثرة ..
5 ) الكذب السياسي : ويتناول جانبين منسجمين . الجانب الأول . التمسك البهتاني ببعض الآراء .. الجانب الثاني . التخريب القصدي الذي يلحق زاويتين أثنتين ، الأولى , التخريب الذي يزور المبادئ ويضر به . الثانية . التخريب الذي يضر بأحوال الناس وأسباب معيشتهم …
الدالة الكاذبة : إن التعريف الدقيق لها ينصب في الإطار المعرفي والأنطولوجي لظاهراتية الحدث سبباً ونتيجة ، دون إعارة الأنتباه إلى بعض الجزئيات التي قد تخدع الأنسان وتضلل التعليل . أمثلة على ذلك :
أ) حالة الحزب الشيوعي الأندونيسي . لقد وجدت فئة في هذا الحزب تتكالب على بعض الخصوصيات في عدة أقاليم . كان الغرض الظاهري منها التركيز على الفوارق الموضوعية لدى هذه الأقاليم لكنها استهدفت ~ حسب لوموند ديبلوماتيك   الفرنسية ~ تقويض الوحدة الوطنية وأنعاش المسألة الطائفية ….. 
ب) حالة العلاقة التي كانت بين النظام السوري وحزب العمال الكردستاني . تلك العلاقة التي سعت إلى تشويه المسألة الكوردية في سوريا. وتهميش دور الحركة الوطنية الكوردية فيها . وزورت الحقائق التاريخية. إلى جانب إشكاليات أخرى مستعصية الحل . ولكن بأنفكاك تلك العلاقة آبت الأوضاع إلى نصابها العادية ..
 ج) حالة روجيه غارودي. رغم كتاباته العديدة فأنه يمثل حالة مفكر يبحث عن اللامعنى , يفتش وينقب ويمحص كل شيء لكي يبلغ حالة ~ اللاشيء ~ ..  يمثل روجيه غارودي حالة نادرة في تاريخ الفكر السياسي والفكر الأيديولوجي . فهو يفتقد المسلمات الأولية التي كانت من الممكن أن تجعله أحد أبرز رجال  الفكر في التاريخ المعاصر …………..
 وإذا مثلت هذه الحالات مفهوم الدالة الكاذبة فتوجد حالات عكسية تماماً تمثل حالة  دالة النقيض . نذكر منها الحالات الآتية : روبرت كيندي , المهاتما غاندي , ملا  مصطفى البارزاني , جبران خليل جبران , ناجي العلي , ويليام واليس
 أ) حالة روبرت كيندي : هو السيناتور الأمريكي الشهير من عائلة الكيندي , الذي ترشح لرئاسة الولايات المتحدة وأوشك أن يظفر بالمنصب خاصة بعد النصر  الساحق الذي أحرزه في لوس أنجلس , وهناك أمام حشد منقطع النظير أقترب أحدهم منه وشهر مسدسه ثم قتله ~ 1986 ~ .وبهذا الصدد قال سيناتور أمريكي شهير مصاحب لروبرت “لقد انطفأ نوران ~ جون وروبرت ~ من سماء    الولايات المتحدة , وها نحن نعيش في ظلام دامس ” …
 ب ) حالة ملا مصطفى البارزاني : الذي استطاع بحسه الوطني العظيم أن يجعل من المسألة الكوردية قضية مسموعة دولياً , وأن ينسج حولها معالم عصرية تليق بأمة تاريخية. وهو صاحب كلمته المشهورة رداً على بيان الحكم الذاتي “كركوك  قلب كوردستان”. وبرحيله فقدنا أبرز معالم التاريخ الكوردي المعاصر …….
 ج ) حالة المهاتما غاندي : الذي قدر أن يعبر عن مشاعر الشعب الهندي بكافة أطيافه ودياناته. فلم يستميل إلى طائفة دون أخرى , إنما ساوى بينها قاطبة . ومن جهة أخرى انتهج دبلوماسية سلمية ضد المحتلين الأنكليز معتمداً على دعم ومساندة  جميع الفئات والطوائف الهندية . وأغتيل عام ~ 1948 ~ على يد واحد من طائفته بينما كان يتجول في حديقة عامة ………
د) حالات أخرى : لقد استطاع جبران خليل جبران من خلال مؤلفاته ~ النبي ~  دمعة وابتسامة ~ الأجنحة المتكسرة ~ وغيرها ، أختراق حاجز التأمل وإخضاعه لشفافية الروح والجسد ضمن قراءة فذة لمصير البشرية وأحاسيس النفس البشرية في حدود غاية مثلى وهي السعادة البشرية …..
واما ناجي العلي فهو الشكل   الآخر للجذور كجذوة متقدة تمتد بأوارها نحو صبايا العلاقة ما بين الشكل والمضمون في أفق المجابهة والصمود والأنتماء إلى شوارع بيروت وأزقة الأغتراب . وأغتيل  عام ~ 1987 ~ …
وأما ويليام واليس فهو البطل الأسكتلندي المعروف الذي قارع  الأنكليزفي معركة شهيرة وأعدم بالمقصلة أمام الملأ وغدا , على أثر ذلك ، رمزاً تاريخياً للشعب الأسكتلندي………….
 والآن قد يتسائل المرء عن معيارنا في كون (البؤرة) تنتمي إلى دالة نقيض الدالة  الكاذبة ؟؟ أي ما الذي ينطبق على هؤلاء السادة لكي يتسنى لنا عدهم ذوي تلك الدالة ؟ في الحقيقة إن هؤلاء السادة تنطبق عليهم شروط مشتركة , وينتسبون إلى حالة واحدة :
 1) التطابق التام مابين الشخص وما ينادي به في المجال الأيديولوجي والسياسي ،  ومن الناحيتين النظري والعملي . أو ما يصبو إليه في المجالين الفكراني والسوسبولوجي واستظهار جوهر الكينونة المحايثة بالقدرالمستطاع …
 2 ) تقرير مبدأ جوهري وهو تمثيل ( حق الأمة ) هذا المبدأ ينفصل في بعض  جوانبه عن حق الأفراد في العيش , إذ ينضاف إليه البعد التاريخي المنسجم مع   المصلحة العليا ، ومقولة الأمن القومي……………………
 3 ) التوظيف الأكيد للبعد الأجتماعي في إطار نفي الذات وشطب المؤثرات   الجانبية المارجينالية في خدمة الغاية المطلقة لحق الأمة في المفهوم الأنطولوجي.. ……
 4) التزامنية المطلقة ما بين الشخص وإرادة بقية أفراد الأمة فيصبح الشخص ما   أسميه ~ حالة أمة ~ وإذا ما بلغ الشخص هذه الحالة فلا يجوز المساس به لأنه لا   ينفك عن بقية معطيات ~ حق الأمة ~ وعندئذ تكون دالة نقيض الدالة الكاذبة في  أرفع وأجل معناها ………
 إن هذه الجوانب الأربعة التي تملأ الدالة الصادقة، فإذا ما هوت وخبت تدريجياً  برزت الدالة الكاذبة ، وهذا ما يدفعنا إلى مفهوم التداخل ما بين الدالتين وخصيصاً   العلاقة التي ترسم أشكالاً بيانية بالتتابع . لنر ذلك لدى ماركس وحالات أخرى ………….
 أ) لدى كارل ماركس . إذا ما اعتمدنا على مقولة التشكيلة الأقتصادية التاريخية ، نجد أن ماركس وظف العلاقة التداخلية ما بين الدالتين عندما أنتقل من إحداها إلى أخرى . فالتشكيلة الأقتصادية الأولى المشاعية تنطبق عليها الدالة الكاذبة  لأن مبادئ الديالكتيك الماركسي ~ الهيجلي لاتصدق فيها لأنتفاء عنصر الأستغلال والأضطهاد ، وبالتالي ينعدم مفهوم الطبقات والدولة . ثم تنبثق فجأة التشكيلة   الأقتصادية الثانية من خلال مفهوم الأستغلال ~ الطبقات ، فنعثر على محتوى الديالكتيك وبالتالي محتوى الدالة الصادقة . ويستمر ذلك في التشكيلة الأقتصادية   الثالثة والرابعة والمرحلة الأنتقالية من الخامسة . وبعدها تأتي المرحلة الثانية من الخامسة حيث أنتفاء الأستغلال ثم مفهوم الطبقات والدولة والقانون فتعود الدالة  الكاذبة إلى الظهور …….
 ب ) لدى النازية والفاشية . ثمة من يخلط دون تبصر { عباس محمود العقاد ، آلدوس هيكسلي ، محمد يوسف القرضاوي ) ما بين مقوماتهما . فالشروط التي  انصاعت لها كل من ألمانيا و إيطاليا لم تكن على درجة واحدة من التطور التاريخي . والأعمق من ذلك أن السلوكية التخريبية في الحالتين كانت ذات  مفارقة أكيدة ، فالنازية عبرت عن نفسها وعن مطامح شبيبتها بوضوح تام. وأخضعت ذاتها لنظام صارم وقاس للغاية ، في حين أن الفاشية لم تعبر سوى  عن فشلها الأجتماعي ومعضلتها الأقتصادية . لكن الأثنتين تخارجتا عن تآلف  وتناغي التطور التاريخي مع معناه الأجتماعي ، مع مفارقة إن الفاشية كانت   أقرب إلى الدالة الكاذبة …….
ج) لدى الشبيبة الشيوعية والأممية الأولى .يمكن تقسيم فترة الشبيبة الشيوعية  إلى مرحلتين ، الأولى كانت قصيرة واستمدت عنفوانها من المفاهيم البلشفية   الأولية فأقتربت من مفهوم دالة نقيض الدالة الكاذبة ، لكنها سرعان ماتراجعت   وتقهقرت ودنت من محتوى الدالة الكاذبة . وهذا ما حدث للأممية الأولى وبشكل أقوى وأدفق للأمميات التي تلت ، حيث أنتصر المفهوم السياسي على المدرك   الأيديولوجي ، ولجأ الصراع الأيديولوجي للأسف في نهاية المطاف إلى حلول  سياسية ……….
د) لدى جان بول سارتر . يعتقد سارتر أن العدم هو معدوم الوجود ، وهو من ناحية أخرى يتعارض / يتناقض مع الوجود في طبيعته . في الحقيقة إذا كان الوجود يترائ للمرء من خلال موجوداته / الأمتلاء ، فإن العدم لايمكن أن ندركه ، إنما بمقدورنا أن نتخيله بفضل المادة المدركة الواعية / العقل / بصورة عقلانية إدراكية صرفة وتعسفية وبالتضاد من الأمتلاء. وإذا كان من طبيعة العدم أن يكون معدوم الوجود ، فإن من يملك طبيعته الخاصة يملك وجوده الخاص من هذه الزاوية تحديداً يدنو سارتر في مفهومه عن العدم من الدالة الكاذبة………..
 ضف إلى هذا إن العدم هو سلب حقيقي وهذا السلب الحقيقي لايملك لاامتلاء  بالمعنى الأنطولوجي ولافراغاً ولا وجوداً سالباً أو مسلوباً . لهذا إنني أسميه بالسلب الواهم أو النفي المفترض …..
 ه ) مفهوم بطلان الدور . برز هذا المفهوم لاسيما لدى الفلسفة الأسلامية  بصدد عدة مجالات ~ العلل , العلة الأولى ~ المخلوق , الخالق ~ الدجاجة , البيضة ~ وفحواه : يبطل التسلسل إلى ما لا نهاية . أي إبطال تسلسل العلل إلى ما لا نهاية . يبدو هذا المفهوم متماسكاً لكن يفند ويدحض عند التدقيق . إذ كيف يمكن إنهاء التسلسل ؟؟…ننهيه عند الخالق , لأن لكل مخلوق خالق. وننهيه عند العلة ، لأن لكل معلول علة . ولكن كيف ننهيه بصدد الدجاجة والبيضة ؟! …ثم ليس هنالك تطابق ما بين المعنى والنتيجة فإذا قلنا (لكل معلول علة) واستخدمنا مفهوم بطلان الدور فإننا نقع في مصيدة الأفتراض  لأننا نحكم على ما سميناه بالمعلول ( معلولاً ) . فما هو معيارنا في ذلك ؟! لاشئ !! سوى الأفتراض النظري . زد على ذلك إن انقطاع التسلسل ليس سوى افتراضي محض. وهذا يعني تماماً كأننا لم نقم بالموازنة أصلاً . وكان من الأجدر القول مباشرة ” إن هذا ~ الأمر ~ الذي ينبغي أن يكون                    بالضرورة وحسب رأينا معلولاً يحتاج إلى من جعله على هذا المنوال , أي يحتاج إلى علته ، علة وجوده “.وهكذا لا نحتاج إلى إقامة البرهان ، أي  بطلان الدور . لكن حتى هذا القول يفقد مصداقيته عند الحديث عن الدجاجة والبيضة ………
 و) الأستقراء التام .لقد ابتدع أرسطو ما يسمى بالمنطق الشكلي / الصوري   الذي يتمحور حول مبادئ ومسلمات أولية وجوانب أخرى من الأستنباط   والأستدلال وأحد الجوانب هو على هذه الشاكلة:  كل البشر مائت ..
 كل الفلاسفة بشر ….
 كل الفلاسفة مائت …..
 من الواضح أن هذا المفهوم لايرتكن إلى قوة الأستنباط إنما تلحقه نقطتا  ضعف قاتلتين: الأولى . إذا كان كل البشر مائت ، فلم يعد ثمة داع للتتمة .   وإذا كنا متأكدين أن كل البشر مائت فهذا يعني أننا نعلم بصورة مسبقة
 إن كل الفلاسفة مائت. والثانية . ليس من سبب يجعلنا أن نقول (بما أن الفلاسفة بشر) وذلك لأن الفلاسفة ليس نوعاً مستقلاً من البشر وكذلك الموسيقيين والكتاب. فهؤلاء كانوا وما زالوا أناس مثل غيرهم ، التجار الأطباء ، الخ .فالصفة هنا (طبيب ، فيلسوف، فنان ، كاتب) لاتغير من النوعية شيئاً . فهي صفة مكتسبة لاحقة وليست صفة أولية بدائية تدخل في تغيير النوع البشري …..
 وإذا كان ثمة تداخل مابين الدالة الكاذبة والدالة النقيضة ، فإن هناك تداخل أيضاً ما بين الدالة الكاذبة والدالة الفارغة . مع العلم إن التداخل له صفة  مزجية بالتعارض مع التداخل السابق . وإذا مثلنا كل دالة بدائرة لحصلنا على منطقة مشتركة تعادل ثلاثة أرباع  كل دالة ، أما الربع المتبقي من  كل دالة فهو مستقل ويتضمن ثلاثة نقاط متباينة :
 الأولى – عنصر التعمد. هو أوضح لدى الدالة الكاذبة مما هو عليه في  الدالة الفارغة …………. الثانية – عنصر السلب. إن الدالة الكاذبة تقهر الإرادة وتغتال الغاية  وتميت المبدأ والأطروحة أكثر وأعنف من الدالة الفارغة …..
الثالثة – تمتاز الدالة الكاذبة ، على الصعيد الأجتماعي ،بأنها مدلولها   مستبد ومتسلط  وفظ ، في حين إن الدالة الفارغة مدلولها أنسيابي مائع … ……
 إذن ، وبأختصار مقتضب ، نحن شعوب منطقة الشرق الأوسط بحاجة ماسة إلى الدالة النقيضة للدالة الكاذبة  ، حيث توفر الدالة الممتلئة مع الإرادة الخيرة في تجسيد الفكر ، الأدراك ، الوعي ،والمصلحة العليا ، أنسجاماً مع ما أطرحه هنا ~ التثليث الحديث ~ (وحدة الوجود ، وحدة  المختبر ، وحدة الهوية) ……..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…