بحث في الميثولوجية المقارنة: بين قصة شمشون التوراتية، والقصتين الكرديتين التراثيتين الموسومتين بـ(سيامند وخجيى)، وتلك المعروفة بـ(جومرد) أو محمد أحياناً:
بقلم: خالص مسور
لابد من القول، بأن الكورد لم يأتوا إلى تسجيل تاريخهم في الماضي البعيد وغير البعيد، وإنما بقي هذا التاريخ نتفاً منسية بين ثنايا تاريخ شعوب المنطقة عموماً، وحتى هذه فقد تناهبتها أيدي المتلاعبين ونسبوها إلى أنفسهم ببساطة ويسر، وفي المقابل استمر الكرد أيضاً في تجاهلهم وإهمالهم البحث عن تاريخهم وأساطيرفي كتب الأقدمين من شعوب المنطقة حتى اليوم إلا قليلاً، ولذلك اعتبرتهم هذه الشعوب ضيوفاً عليها لاوطن لهم ولاتاريخ، وما عليهم إلا الذوبان في الجموع والخضوع للآخرين بدون تردد أو تذمر، ومعاملتهم حسب المثل العراقي القائل: (ياغريب كن أديب).
رغم الماضي الكردي المشرف والعريق وإنجازاتهم في خدمة شعوب المنطقة كلها، ورغم ما تحفل به كتب الشعوب المجاورة من ومضة هنا وومضة هناك تنير زوايا معتمة من التاريخ الكردي في حالتي الإزدهار والإحباط، وما على الكرد سوى الإجتهاد والبحث والمقارنة في هذا المجال حتى يستحصلوا على الأقل ولو من نتف كهذه ماتبقى من تاريخهم الماضي التليد، وهوما يتطلب صبراً وبحثاً واجتهاداً ومعرفة واسعة ودقة في الملاحظة وبصراً وبصيرة، وذلك حتى لايكون مااستخلص واستنتج منها اعتباطياً ومزاجياً يسيء أكثر مما يحسن، ومن هذا القبيل قمت بالحث عن الميثولوجيا الكردية في التوراة واعترتني الدهشة، لوجود آثار لقصص وأساطير كردية بين جمع من الأساطيرالتوراتية، وخاصة تلك التي جمعها كاهن السبي المدعو (عزرا) والذي جمع التوراة من جديد بعد إحراقها على يدي الآشوريين والبابلين منذ عصور موغلة في القدم. وتمكنت مبدئباً من استخلاص الدراسة التي نحن بصددها الآن وقد تكون هناك مقارانات وأبحاث أخرى لقصص كردية في سلة الشعوب الأخرى إنشاء الله.
وسنبدأ هنا بحثنا هذا بالقول: بأن هناك بالفعل الكثير من الإقتباسات التوراتية عن الشعوب التي اختلط اليهود بها وعاشت بين ظهرانيها ردحاً طويلاً من الزمن، ومنهم الكرد في كردستان العراق خاصة، حيث أخذ عنهم اليهود بعض قصصهم وأساطيرهم وأدخلوها في توراتهم على أنها قصص إلهامية منزلة من الله، ولكن يبدو أن الأمربخلاف ذلك تماماً. وسنورد هنا قصتين كرديتين اقتبسهما كهنة التوراة وأدخلتا إليها بظلالهما التناريخية بل بتفاصيلها أحياناً وذلك أثناء تواجد اليهود في السبي البابلي وفي مناطق كردستان بشكل خاص، والقصتان هما (سيامند وخجى)، ثم قصة (جومرد) أومحمد حسب الرواة أحياناً. وحول الإقتباسات التوراتية يقول الأب (دوفو): (لقد تكونت أسفار موسى الخمسة من أقوال موروثة لأمم مختلفة، جمعها محررون وضعوا تارة ما جمعوا جنباً إلى جنب، وطوراً غيروا من شكل هذه الروايات بهدف إيجاد وحدة مركبة، تاركين للعين أموراً غير معقولة، وأخرى متنافرة…). وثائق إيبلا – عفيف يهنسي
وبدورنا، وعن طريق هذه الدراسة الميثولوجية المقارنة والفريدة من نوعها ولأول مرة في تاريخ الدراسات الميثولوجية المقارنة بين القصص الكردية والأساطيرالتوراتية، سنؤكد على أن التوراة اقتبست الكثيرمن أساطيره من التراث الكردي كما هو، مع بعض التعديلات الطفيفة التي أدخلت عليها لتناسب وحجم طموحات اليهود المستقبلية، وذلك أثناء تواجدهم في السبي البابلي البختنصري 586 ق.م. وتوزيعهم ما بين كردستان وبابل آنذاك. حيث بادرالكهنة اليهود المسبيين وأولهم كاهنهم الرئيسي (عزرا) إلى كتابة الأساطيرالتوراتية بإلهام من الإله (يهوه) حسب زعمهم، وبذلك استعادوا كتابتها من جديد بعض ضياعها على إثرالغزوات والبابلية والآشورية لليهود في فلسطين، لاستعادة ما فقد من التوراة من جديد كمزيج من أساطير الشعوب وما حفظه البعض منها في صدورهم وعن ظهر قلب، وسخروها في سبيل تحقيق طموحاتهم في نيل الأراضي والجنان مفارقين حياة الرعي والصحراء، متعاقدين مع إلههم يهوة ليمنحهم أرضاً تفيض لبناً وعسلاً.
قصة شمشون الجبار حسب التوراة:
قدم الفلسطينيين إلى كنعان من جهة البحر، وشغلوا السهل الساحلي الجنوبي، وكان لهم خمس مدن هي تمنة، ووادي سورف، وأشقلون، وغزة، وعيطم، ويحكمها خمسة ملوك. وبعد مدة ضاقت بهم الأرض الواقعة قرب الشاطئ بما رحبت، فتوسعوا نحو العمق في الأرض الفلسطينية التي استولى عليها سبطي اليهود وهما (يهوذا) و(دان)، ودان هواسم ابن يعقوب الذي ولدته له جاريته (بلهة)، ويعتقد أن يعقوب تعلم الكردية أثناء تواجده عند حماه المدعو (لابان) في مناطق حران الكردية والذي عاش فيها عشرين عاماً وفيها ولدت ذريته(1). ولذلك يعتقد الكثيرون أن دان هو اسم كردي وتعني العطاء فالأكراد يقولون(ana Xwedê ) أي عطاء الله.
نعم، لم يكن الفلسطينيون ليهابون أحداً لأنهم كانوا قساة في الحرب مجربون وبالحديد مدرعون. لذلك لم يكن من الغريب أن يسيطروا على المنطقة وأن يخضعوا إسرائبل لعبوديتهم على مدى أربعين عاماً.
عاش في تلك الأيام في مدينة (صرعة) رجل من الدانيين أسمه (منوح)، وكانت زوجته عاقراً، وفي أحد الأيام ظهر للزوجين ملاك أخبرهما بأنه سيكون لهما ولد على ألا يقصا شعره أبداً وألا يشربا الخمر أو يأكلا النجس لا هما ولا الولد. ولد الطفل وسمياه شمشوناً وبدأ يكبر وينموبالساعات لا بالأيام، وأصبح بعد حين أقوى الأقوياء فلم يشرب الخمر، ولم يأكل النجس، ولم يقص شعره، وبقي الرجل محافظاً على وعد أبويه رغم أنه لم يكن شديد الإيمان. بالإضافة إلى أنه كان يمتلك جسماً قوياً وعضلات بارزة وقوة هائلة. فكان ينزل إلى الشوارع ليبارزالناس متفاخراً بعضلاه وقوته. عدا ذلك فإنه كان يتمتع بميل شديد نحو التصرفات الغريبة والأعمال التي تدل على غباء. فكان مغرماً بالمزاحات الثقيلة على النفس. وفي الوقت الذي كان يقهقه فيه ضاحكاً حتى الغثيان لعمل أرتكبه أو مزحة تتعذب بسببها ضحيته وتتألم أشد الألم. لذلك أبتعد عنه أغلب الناس. وكان إذا جرح كبرياؤه يتملكه غضب شديد غضب جنوني قد يترك آثاراً لا تحمد عقباها عند المحيطين به. وعدا كل هذا وذاك، كان هذا المتسكع المغرورشهوانياً كثيرالتعلق بالنساء، وحينما يدخل حبه في قلب فتاة ويتعلق هو بها كلفاً، فعندها يتحول شمشون إلى خروف أحمق غبي.
كان شمشون يهوى التسكع في البلاد من مكان إلى آخر، فصادف في مدينة تمنه الفلسطينية واحدة من الفلسطينيات فأغرم الرجل بها من أول نظرة وقرر الزواج منها. حينها ركض مسرعاً إلى البيت وطلب من والديه خطبة الفتاة له، فاستشاط الوالدان غضباً لأن هذا الولد الشقي طالما سبب لهما الألم والشقاء. وها هو اليوم عاقد العزم على الزواج من أمرأة غريبة من ابنة أحد الفلسطينيين الجاهلين. ولكن أصر شمشون على موقفه وخاطب أباه قائلاً: (( إياك خذلي لأنها حسنت في عيني )).
حينها لم يكن لدى والديه حل آخرفتأوها بتعاسة وألم ونفذا رغبة أبنهما المتهورغير المتزن، هكذا صارشمشون خاطباً وتكررت زياراته لبيت خطيبته. في أحد الأيام لما كان يسيرفي كروم تمنه متبختراً، صادف شبل أسد يزمجرفمزق شمشون الجبار الشبل إرباً إرباً. وتابع سيره إلى تمنه وكأن شيئاً لم يكن بل ولم يخبر أحداً بالأمر. وكان وهو عائد من البيت أن رأى دبراً من النحل في جوف الشبل مع عسل. فأخذ شمشون العسل إلى أبويه ولم يقل لهما من أين حصل عليه. حل أخيراً يوم الزفاف أستمرت الأحتفالات حسب العادات الفلسطينية سبعة أيام. وفي إحدى السهرات أخذ شمشون يخترع الأحاجي ويسأل ثلاثين من الفلسطينيين لإيجاد حل لها. وراهن على ثلاثين قميصاً وثلاثين حلة ثياب إن حزر أحدهم أحجيته التالية : (( من الأكل خرج أكل، ومن الجافي خرجت حلاوة)). لم يستطع الفلسطينيون بعد تفكير ثلاثة أيام أن يحلوا أحجية شمشون. ولما فقدوا كل أمل بحلها جاؤوا إلى زوجته وقالوا لها: (( تملقي رجلك كي يظهر لنا الأحجية لئلا نحرقك وبيت أبيك بنار….)). ماذا كان بمقدور المرأة التعيسة أن تفعل؟ خافت من التهديد واضطرت لخداع زوجها كي تعرف منه حل الأحجية. وهكذا ذهبت إليه غارقة بدموعها، واشتكت له باكية (إنما كرهتني و لا تحبني، قد حاجيت بني شعبي وإياي لم تخبر).
تهرب شمشون بشتى الوسائل من الجواب لكن أمرأته ظلت تبكي وتتملقه وتشتكي حتى أفضى لها بحل الأحجية. وفي اليوم التالي أجتمع الفلسطينيون من جديد بشمشون على مائدة الطعام وأخبروه ساخرين: أن الحديث يدور في أحجيته عن أسد مقتول في جوفه دبر نحل. عرف شمشون فوراً أنه قد خدع فتصنع الهدوء رغم الغضب الشديد الذي سيطر عليه وقال للفلسطينيين: ((لو لم تحرثوا على عجلتي لما وجدتم أحجيتي)). لكن الأنكى من ذلك كان البحث عن وسيلة لدفع الشرط المتفق عليه، فالثلاثون قميصاً والثلاثون حلة ثياب ليست بمزحة ولا بأمر سهل سيما وأن أهله فقراء لا يمكن طلب المساعدة منهم، فكر طويلاً بالأمر ووجد أخيراً مخرجاً بسيطاُ وذكياَ. راح في فجر أحد الأيام إلى أشقلون وقتل هناك ثلاثين فلسطينياً ونزع عنهم ثلاثين قميصاً وثلاثين حلة ثياب. صفى بعد ذلك حسابه مع رفاق كأسه، وعاد إلى أهله دون أن ينظر حتى إلى زوجته بعد فترة من الزمن خف غضب شمشون وضايقه الحنين إلى زوجته، وصار يقنع نفسه بأنها فعلت ما فعلت تحت ضغط قومها، وبسبب محبتها لوالديها وليس عليه أن يعاقبها على ضعفها وخيانته المقصودة.
أخذ جدي معزى للصلح وحث سيرة إلى تمنة لكن القدر هيأ له مفاجأة غير منتظرة ليسخر منه، فقد دخل مباشرة إلى مكان نوم زوجته وهو مفعم بالشوق والحنين إليها. وهناك ياللفظاعة سد عليه حموه الطريق وأخبره أنه زوج أبنته لرجل آخر لأنه ظن أن شمشون قد ترك زوجته ولن يعود إليها. غير أن حماه أبدى إرادة طيبة إذ عرض عليه ابنته الصغرى الأكثر جمالاً من الكبرى. تملك شمشون غضب شديد، فلم يرغب حتى بالأستماع إلى حميه. فقد فهم شيئأ واحداً، فهم أنه يقف ذليلاً عند عتبة مكان نوم زوجته الحبيبة، وأنهم تصرفوا معه وكأنه أكبرغبي على وجه البسيطة. وهو القوي بين الأقوياء, المشهور عند الأعداء قبل الأصدقاء. كيف له أن يظهر بعد هذه المذلة على أعين الناس؟ يجب الأنتقام لنفسه بالقوة والحيلة. وقال في نفسه مفكراً بطريقة الأنتقام: (( إني بريء الآن من الفلسطينيين إذا عملت بهم شيئاً)).
هكذا بدأت حرب شمشون الفردية ضد الفلسطينيين لم يعد إلى بيته، بل صاريطوف كالذئب في ضواحي تمنه، يتحين الفرص للأنتقام من المدينة الحاقدة. أخيراً طرأت له فكرة طريفة وفظيعة: أمسك ثلاثمائة ابن آوى جعلها ذنباً إلى ذنب ووضع بين كل ذنبين مشعلاً. أضرم النار في المشاعل وأطلق الحيوانات الهائجة صوب المدينة. فأنطلقت هذه إلى الأمام كالمسعورة حارقة بطريقها الأكداس والزرع وكروم الزيتون وصارت محاصيل الفلاحين الفلسطينيين رماداً، فقتل سكان تمنة لشدة ألمهم زوجة شمشون وأباها. سمع شمشون بالنبأ فأقسم على الأنتقام وأن يكون أنتقامه فظيعاً ونفذ قسمه. فكان يظهر أمام المارين يقتلهم وينشر الرعب في الأرض حتى لم يعد أحد في تمنى يجرؤ على الخروج من بيته.فصار جوع في المدينة وشلت حياة أهلهاكما لو أن جيشاً هائلاً يحاصرهم. فقررالفلسطينيون وضع حد لطغيان شمشون . شنوا هجوماً على يهوذا وطالبوا بتسليم شمشون وإلا سيسلبون ويدمرون.
أرسل بنو يهوذا الجبناء ثلاثة آلاف مقاتل إلى شق صخرة عيطم حيث يختبئ شمشون. تباحث رئيس المقاتلين مع شمشون و لامه مؤنباً (( أما علمت أن الفلسطينيون متسلطون علينا؟ فماذا فعلت بنا)). (( كما فعلوا بي فعلت بهم)) قالها شمشون بحزن ثم أضاف (( احلفوا لي أنكم أنتم لا تقعون علي)) . حلف له بنو يهوذا أنهم لن يقتلوه فاستسلم لهم شمشون وسمح لهم بتقييده بالحبال. استقبل الفلسطينيون الأسير بالسباب والإستهزاء. صبر شمشون وتحمل كل المضايقات ولكن لما تجرأ البعض على ضربه بقبضات أيديهم قطع الحبال كأنها خيوط. أمسك بلحي حمار طري وهجم به كالوحش على أعدائه ضربهم يميناً ويساراً، وصارت رؤوسهم تتطاير كالذباب أصيب الفلسطينيون بهلع كبير وتفرقوا هاربين. استغل شمشون ذلك وقتل منهم ألف رجل. سعد شمشون ورضي جداً بما فعله، وعاد إلى ملجأه الجبلي منشداً على وقع خطاه : ((بلحي حمار كومة كومتين، بلحي حمار قتلت ألف رجل)). لم يقم شمشون طويلاً في الجبال فقد أختاره شعبه الشكور قاضياً عليه منذ ذلك الحين ولعشرين سنة حكم شمشون اسرائيل، وكان اسمه يبعث الرعب والهلع في نفوس الفلسطينيين الذين لم يتجرأوا بعد درس قاس تلقوه على المساس به.
قصة سيامند وخجيه:
القصة التوراتية السابقة، تشبه تماماً مقطع رئيس من قصة (سيامندى وخجى) في التراث الكردي العريق.
تقول القصة باختصار شديد: كان سيامند هذا اليتيم المشرد في شعاب الجبال والهارب من عمه الظالم بعد وفاة والديه تملكته شقاوة ومزاج عنيف، فكان في عراك وخصام دائمين مع أقرانه الأطفال في القرية يعتدي عليهم ويسلبهم كعابهم وألعابهم.
وفي أحد الأيام عاد سيامند من الحقل بعدما أخذ معه غداء عمه الفلاح، وفي البيت أخبرامراة عمه بأن عمه يأمرها أن تذبح ثورالفلاحة البديل وأن يفرق لحمه على الفقراء والمساكين، لأنه رآى حلماً جميلاً يبعث على التفاؤل والسرور وعليه أن يذبح ثوره البديل هذه المناسبة السعيدة. وبعدما أقنع امرأة عمه ذبح سيامند الثور بيديه وأكل من لحمه وشبع، هرب إلى البراري وشعاب الجبال خوفاً من غضب عمه الذي كان لايزال يفلح في حقله ولم يعد إلى البيت بعد. وفي الجبال والبراري القريبة من القرية بدأ سيامند يذيق أهل القرية الويلات، فيقطع ضروع أبقارهم ويتلف ممتلكاتهم ويمنعهم من الخروج من القرية، فاحتارسكان القرية في أمره، وذهبوا إلى عمه يطلبون منه تسليمه إليهم أو وضع حد لتصرفاته وإلا فإنهم سيعاقبون عمه أشد العقاب. ولكن لم يستطع العم أن يفعل شيئاً، وبقي الأمرهكذا حتى قدم يوماً شاب من قرية مجاورة لزيارة خطيبته في القرية وفي المجلس وجد الخطيب أن الأهالي يشكون سيامند وأفاعيله، فانحمس الشاب الخاطب أمام أهل خطيبته وقال لهم: أنا من سيأتيكم بسيامند أسيراً مكبلاً بالقيود والأغلال. وفي أحد الأيام وحينما كان الشاب قادماً إلى قرية خطيبته بدأ يبحث عن سيامند فلقيه على الطريق ولم يتردد في مباغتته والهجوم عليه، ولكن تمكن سيامند من أسره واعتقاله، فرجاه الخاطب أن يفرج عنه ويطلق سراحه، فأطلقه سيامند( الأقرع) بعدما عرف قصته وأنه كان يريد إبراز نفسه أمام خطيبته لاغير، عندها أشفق عليه شسيامند وطلب منه أن يلف رسن حصانه حول رقبته ويقوده إلى القرية كتمثيلية ترفع من قدرالشاب لدى خطيبته وأهلها، ولكن اشترط عليه سيامند أن يطلقه حالما يرى عمه قادماً إليهم. وافق الشاب على ذلك الذي قام بوضع رسن حصانه في رأس سيامند وسحبه إلى حيث قرية خطيبته، ولما اقتربا من القرية توجه نحوهما سكان القرية وهم مندهشون لما يحدث أمامهم! ولكن لما وجدا عم سيامند قادماً طلب سيامند من الشاب إطلاق سراحه على الفور ولكن الشاب حنث بوعده ولم يطلقه، حينها ضربه سيامند بعظم رجل بعيركان معه ضربة قوية أنقذ بها نفسه من الشاب، ثم بدأ يضرب به القرويين حتى أبعدهم عن نفسه وتمكن من الهرب والنجاة من عمه. هذا هو ملخص جزء بسيط من القصة وهو الجزء الذي سيوفي بموضوعنا وإجراء مقارنة به مع قصة شمشون التوراتية.
دراسة مقارنة:
قبل البدء بالمقارنة نقول أن قصة شمشون تألفت من دمج قصتين كرديتين في قصة واحدة حتى يكمل المؤلف التوراتي إسطورته الشمشونية ويتجنب عادة الزواج بالخطف الجارية لدى الكرد وشعوب بلاد الرافدين عموماً، لأنها لم تكن عادة دارجة كثيراً لدى اليهود، والقصتان الكرديتا هما قصة (سيامند وخجى) ثم قصة (جومرد) أومحمد فيما بعد، وهو ما سنبينه في المقارنة الحالية، ولكننا سنفصل قصة شمشون إلى جزئيها الكرديتين اللتين اقتبست منهما قصة شمشون التوراتية حتى تكتمل المقارنة لكل قصة على حدة وليتحقق منها الفائدة والقصد . هنا في البدايةن مقارنة بين قصة (سيامند وخجى) مع النصف الأول من قصة شمشون، ثم النصف الآخر مع قصة جومرد أو محمد لنأكد مدى التطابق المذهل بين القصتين في خطوطها العامة وحتى في التفاصيل أحياناً.
جدول مقارنة:
وسنبدأ هنا بحثنا هذا بالقول: بأن هناك بالفعل الكثير من الإقتباسات التوراتية عن الشعوب التي اختلط اليهود بها وعاشت بين ظهرانيها ردحاً طويلاً من الزمن، ومنهم الكرد في كردستان العراق خاصة، حيث أخذ عنهم اليهود بعض قصصهم وأساطيرهم وأدخلوها في توراتهم على أنها قصص إلهامية منزلة من الله، ولكن يبدو أن الأمربخلاف ذلك تماماً. وسنورد هنا قصتين كرديتين اقتبسهما كهنة التوراة وأدخلتا إليها بظلالهما التناريخية بل بتفاصيلها أحياناً وذلك أثناء تواجد اليهود في السبي البابلي وفي مناطق كردستان بشكل خاص، والقصتان هما (سيامند وخجى)، ثم قصة (جومرد) أومحمد حسب الرواة أحياناً. وحول الإقتباسات التوراتية يقول الأب (دوفو): (لقد تكونت أسفار موسى الخمسة من أقوال موروثة لأمم مختلفة، جمعها محررون وضعوا تارة ما جمعوا جنباً إلى جنب، وطوراً غيروا من شكل هذه الروايات بهدف إيجاد وحدة مركبة، تاركين للعين أموراً غير معقولة، وأخرى متنافرة…). وثائق إيبلا – عفيف يهنسي
وبدورنا، وعن طريق هذه الدراسة الميثولوجية المقارنة والفريدة من نوعها ولأول مرة في تاريخ الدراسات الميثولوجية المقارنة بين القصص الكردية والأساطيرالتوراتية، سنؤكد على أن التوراة اقتبست الكثيرمن أساطيره من التراث الكردي كما هو، مع بعض التعديلات الطفيفة التي أدخلت عليها لتناسب وحجم طموحات اليهود المستقبلية، وذلك أثناء تواجدهم في السبي البابلي البختنصري 586 ق.م. وتوزيعهم ما بين كردستان وبابل آنذاك. حيث بادرالكهنة اليهود المسبيين وأولهم كاهنهم الرئيسي (عزرا) إلى كتابة الأساطيرالتوراتية بإلهام من الإله (يهوه) حسب زعمهم، وبذلك استعادوا كتابتها من جديد بعض ضياعها على إثرالغزوات والبابلية والآشورية لليهود في فلسطين، لاستعادة ما فقد من التوراة من جديد كمزيج من أساطير الشعوب وما حفظه البعض منها في صدورهم وعن ظهر قلب، وسخروها في سبيل تحقيق طموحاتهم في نيل الأراضي والجنان مفارقين حياة الرعي والصحراء، متعاقدين مع إلههم يهوة ليمنحهم أرضاً تفيض لبناً وعسلاً.
قصة شمشون الجبار حسب التوراة:
قدم الفلسطينيين إلى كنعان من جهة البحر، وشغلوا السهل الساحلي الجنوبي، وكان لهم خمس مدن هي تمنة، ووادي سورف، وأشقلون، وغزة، وعيطم، ويحكمها خمسة ملوك. وبعد مدة ضاقت بهم الأرض الواقعة قرب الشاطئ بما رحبت، فتوسعوا نحو العمق في الأرض الفلسطينية التي استولى عليها سبطي اليهود وهما (يهوذا) و(دان)، ودان هواسم ابن يعقوب الذي ولدته له جاريته (بلهة)، ويعتقد أن يعقوب تعلم الكردية أثناء تواجده عند حماه المدعو (لابان) في مناطق حران الكردية والذي عاش فيها عشرين عاماً وفيها ولدت ذريته(1). ولذلك يعتقد الكثيرون أن دان هو اسم كردي وتعني العطاء فالأكراد يقولون(ana Xwedê ) أي عطاء الله.
نعم، لم يكن الفلسطينيون ليهابون أحداً لأنهم كانوا قساة في الحرب مجربون وبالحديد مدرعون. لذلك لم يكن من الغريب أن يسيطروا على المنطقة وأن يخضعوا إسرائبل لعبوديتهم على مدى أربعين عاماً.
عاش في تلك الأيام في مدينة (صرعة) رجل من الدانيين أسمه (منوح)، وكانت زوجته عاقراً، وفي أحد الأيام ظهر للزوجين ملاك أخبرهما بأنه سيكون لهما ولد على ألا يقصا شعره أبداً وألا يشربا الخمر أو يأكلا النجس لا هما ولا الولد. ولد الطفل وسمياه شمشوناً وبدأ يكبر وينموبالساعات لا بالأيام، وأصبح بعد حين أقوى الأقوياء فلم يشرب الخمر، ولم يأكل النجس، ولم يقص شعره، وبقي الرجل محافظاً على وعد أبويه رغم أنه لم يكن شديد الإيمان. بالإضافة إلى أنه كان يمتلك جسماً قوياً وعضلات بارزة وقوة هائلة. فكان ينزل إلى الشوارع ليبارزالناس متفاخراً بعضلاه وقوته. عدا ذلك فإنه كان يتمتع بميل شديد نحو التصرفات الغريبة والأعمال التي تدل على غباء. فكان مغرماً بالمزاحات الثقيلة على النفس. وفي الوقت الذي كان يقهقه فيه ضاحكاً حتى الغثيان لعمل أرتكبه أو مزحة تتعذب بسببها ضحيته وتتألم أشد الألم. لذلك أبتعد عنه أغلب الناس. وكان إذا جرح كبرياؤه يتملكه غضب شديد غضب جنوني قد يترك آثاراً لا تحمد عقباها عند المحيطين به. وعدا كل هذا وذاك، كان هذا المتسكع المغرورشهوانياً كثيرالتعلق بالنساء، وحينما يدخل حبه في قلب فتاة ويتعلق هو بها كلفاً، فعندها يتحول شمشون إلى خروف أحمق غبي.
كان شمشون يهوى التسكع في البلاد من مكان إلى آخر، فصادف في مدينة تمنه الفلسطينية واحدة من الفلسطينيات فأغرم الرجل بها من أول نظرة وقرر الزواج منها. حينها ركض مسرعاً إلى البيت وطلب من والديه خطبة الفتاة له، فاستشاط الوالدان غضباً لأن هذا الولد الشقي طالما سبب لهما الألم والشقاء. وها هو اليوم عاقد العزم على الزواج من أمرأة غريبة من ابنة أحد الفلسطينيين الجاهلين. ولكن أصر شمشون على موقفه وخاطب أباه قائلاً: (( إياك خذلي لأنها حسنت في عيني )).
حينها لم يكن لدى والديه حل آخرفتأوها بتعاسة وألم ونفذا رغبة أبنهما المتهورغير المتزن، هكذا صارشمشون خاطباً وتكررت زياراته لبيت خطيبته. في أحد الأيام لما كان يسيرفي كروم تمنه متبختراً، صادف شبل أسد يزمجرفمزق شمشون الجبار الشبل إرباً إرباً. وتابع سيره إلى تمنه وكأن شيئاً لم يكن بل ولم يخبر أحداً بالأمر. وكان وهو عائد من البيت أن رأى دبراً من النحل في جوف الشبل مع عسل. فأخذ شمشون العسل إلى أبويه ولم يقل لهما من أين حصل عليه. حل أخيراً يوم الزفاف أستمرت الأحتفالات حسب العادات الفلسطينية سبعة أيام. وفي إحدى السهرات أخذ شمشون يخترع الأحاجي ويسأل ثلاثين من الفلسطينيين لإيجاد حل لها. وراهن على ثلاثين قميصاً وثلاثين حلة ثياب إن حزر أحدهم أحجيته التالية : (( من الأكل خرج أكل، ومن الجافي خرجت حلاوة)). لم يستطع الفلسطينيون بعد تفكير ثلاثة أيام أن يحلوا أحجية شمشون. ولما فقدوا كل أمل بحلها جاؤوا إلى زوجته وقالوا لها: (( تملقي رجلك كي يظهر لنا الأحجية لئلا نحرقك وبيت أبيك بنار….)). ماذا كان بمقدور المرأة التعيسة أن تفعل؟ خافت من التهديد واضطرت لخداع زوجها كي تعرف منه حل الأحجية. وهكذا ذهبت إليه غارقة بدموعها، واشتكت له باكية (إنما كرهتني و لا تحبني، قد حاجيت بني شعبي وإياي لم تخبر).
تهرب شمشون بشتى الوسائل من الجواب لكن أمرأته ظلت تبكي وتتملقه وتشتكي حتى أفضى لها بحل الأحجية. وفي اليوم التالي أجتمع الفلسطينيون من جديد بشمشون على مائدة الطعام وأخبروه ساخرين: أن الحديث يدور في أحجيته عن أسد مقتول في جوفه دبر نحل. عرف شمشون فوراً أنه قد خدع فتصنع الهدوء رغم الغضب الشديد الذي سيطر عليه وقال للفلسطينيين: ((لو لم تحرثوا على عجلتي لما وجدتم أحجيتي)). لكن الأنكى من ذلك كان البحث عن وسيلة لدفع الشرط المتفق عليه، فالثلاثون قميصاً والثلاثون حلة ثياب ليست بمزحة ولا بأمر سهل سيما وأن أهله فقراء لا يمكن طلب المساعدة منهم، فكر طويلاً بالأمر ووجد أخيراً مخرجاً بسيطاُ وذكياَ. راح في فجر أحد الأيام إلى أشقلون وقتل هناك ثلاثين فلسطينياً ونزع عنهم ثلاثين قميصاً وثلاثين حلة ثياب. صفى بعد ذلك حسابه مع رفاق كأسه، وعاد إلى أهله دون أن ينظر حتى إلى زوجته بعد فترة من الزمن خف غضب شمشون وضايقه الحنين إلى زوجته، وصار يقنع نفسه بأنها فعلت ما فعلت تحت ضغط قومها، وبسبب محبتها لوالديها وليس عليه أن يعاقبها على ضعفها وخيانته المقصودة.
أخذ جدي معزى للصلح وحث سيرة إلى تمنة لكن القدر هيأ له مفاجأة غير منتظرة ليسخر منه، فقد دخل مباشرة إلى مكان نوم زوجته وهو مفعم بالشوق والحنين إليها. وهناك ياللفظاعة سد عليه حموه الطريق وأخبره أنه زوج أبنته لرجل آخر لأنه ظن أن شمشون قد ترك زوجته ولن يعود إليها. غير أن حماه أبدى إرادة طيبة إذ عرض عليه ابنته الصغرى الأكثر جمالاً من الكبرى. تملك شمشون غضب شديد، فلم يرغب حتى بالأستماع إلى حميه. فقد فهم شيئأ واحداً، فهم أنه يقف ذليلاً عند عتبة مكان نوم زوجته الحبيبة، وأنهم تصرفوا معه وكأنه أكبرغبي على وجه البسيطة. وهو القوي بين الأقوياء, المشهور عند الأعداء قبل الأصدقاء. كيف له أن يظهر بعد هذه المذلة على أعين الناس؟ يجب الأنتقام لنفسه بالقوة والحيلة. وقال في نفسه مفكراً بطريقة الأنتقام: (( إني بريء الآن من الفلسطينيين إذا عملت بهم شيئاً)).
هكذا بدأت حرب شمشون الفردية ضد الفلسطينيين لم يعد إلى بيته، بل صاريطوف كالذئب في ضواحي تمنه، يتحين الفرص للأنتقام من المدينة الحاقدة. أخيراً طرأت له فكرة طريفة وفظيعة: أمسك ثلاثمائة ابن آوى جعلها ذنباً إلى ذنب ووضع بين كل ذنبين مشعلاً. أضرم النار في المشاعل وأطلق الحيوانات الهائجة صوب المدينة. فأنطلقت هذه إلى الأمام كالمسعورة حارقة بطريقها الأكداس والزرع وكروم الزيتون وصارت محاصيل الفلاحين الفلسطينيين رماداً، فقتل سكان تمنة لشدة ألمهم زوجة شمشون وأباها. سمع شمشون بالنبأ فأقسم على الأنتقام وأن يكون أنتقامه فظيعاً ونفذ قسمه. فكان يظهر أمام المارين يقتلهم وينشر الرعب في الأرض حتى لم يعد أحد في تمنى يجرؤ على الخروج من بيته.فصار جوع في المدينة وشلت حياة أهلهاكما لو أن جيشاً هائلاً يحاصرهم. فقررالفلسطينيون وضع حد لطغيان شمشون . شنوا هجوماً على يهوذا وطالبوا بتسليم شمشون وإلا سيسلبون ويدمرون.
أرسل بنو يهوذا الجبناء ثلاثة آلاف مقاتل إلى شق صخرة عيطم حيث يختبئ شمشون. تباحث رئيس المقاتلين مع شمشون و لامه مؤنباً (( أما علمت أن الفلسطينيون متسلطون علينا؟ فماذا فعلت بنا)). (( كما فعلوا بي فعلت بهم)) قالها شمشون بحزن ثم أضاف (( احلفوا لي أنكم أنتم لا تقعون علي)) . حلف له بنو يهوذا أنهم لن يقتلوه فاستسلم لهم شمشون وسمح لهم بتقييده بالحبال. استقبل الفلسطينيون الأسير بالسباب والإستهزاء. صبر شمشون وتحمل كل المضايقات ولكن لما تجرأ البعض على ضربه بقبضات أيديهم قطع الحبال كأنها خيوط. أمسك بلحي حمار طري وهجم به كالوحش على أعدائه ضربهم يميناً ويساراً، وصارت رؤوسهم تتطاير كالذباب أصيب الفلسطينيون بهلع كبير وتفرقوا هاربين. استغل شمشون ذلك وقتل منهم ألف رجل. سعد شمشون ورضي جداً بما فعله، وعاد إلى ملجأه الجبلي منشداً على وقع خطاه : ((بلحي حمار كومة كومتين، بلحي حمار قتلت ألف رجل)). لم يقم شمشون طويلاً في الجبال فقد أختاره شعبه الشكور قاضياً عليه منذ ذلك الحين ولعشرين سنة حكم شمشون اسرائيل، وكان اسمه يبعث الرعب والهلع في نفوس الفلسطينيين الذين لم يتجرأوا بعد درس قاس تلقوه على المساس به.
قصة سيامند وخجيه:
القصة التوراتية السابقة، تشبه تماماً مقطع رئيس من قصة (سيامندى وخجى) في التراث الكردي العريق.
تقول القصة باختصار شديد: كان سيامند هذا اليتيم المشرد في شعاب الجبال والهارب من عمه الظالم بعد وفاة والديه تملكته شقاوة ومزاج عنيف، فكان في عراك وخصام دائمين مع أقرانه الأطفال في القرية يعتدي عليهم ويسلبهم كعابهم وألعابهم.
وفي أحد الأيام عاد سيامند من الحقل بعدما أخذ معه غداء عمه الفلاح، وفي البيت أخبرامراة عمه بأن عمه يأمرها أن تذبح ثورالفلاحة البديل وأن يفرق لحمه على الفقراء والمساكين، لأنه رآى حلماً جميلاً يبعث على التفاؤل والسرور وعليه أن يذبح ثوره البديل هذه المناسبة السعيدة. وبعدما أقنع امرأة عمه ذبح سيامند الثور بيديه وأكل من لحمه وشبع، هرب إلى البراري وشعاب الجبال خوفاً من غضب عمه الذي كان لايزال يفلح في حقله ولم يعد إلى البيت بعد. وفي الجبال والبراري القريبة من القرية بدأ سيامند يذيق أهل القرية الويلات، فيقطع ضروع أبقارهم ويتلف ممتلكاتهم ويمنعهم من الخروج من القرية، فاحتارسكان القرية في أمره، وذهبوا إلى عمه يطلبون منه تسليمه إليهم أو وضع حد لتصرفاته وإلا فإنهم سيعاقبون عمه أشد العقاب. ولكن لم يستطع العم أن يفعل شيئاً، وبقي الأمرهكذا حتى قدم يوماً شاب من قرية مجاورة لزيارة خطيبته في القرية وفي المجلس وجد الخطيب أن الأهالي يشكون سيامند وأفاعيله، فانحمس الشاب الخاطب أمام أهل خطيبته وقال لهم: أنا من سيأتيكم بسيامند أسيراً مكبلاً بالقيود والأغلال. وفي أحد الأيام وحينما كان الشاب قادماً إلى قرية خطيبته بدأ يبحث عن سيامند فلقيه على الطريق ولم يتردد في مباغتته والهجوم عليه، ولكن تمكن سيامند من أسره واعتقاله، فرجاه الخاطب أن يفرج عنه ويطلق سراحه، فأطلقه سيامند( الأقرع) بعدما عرف قصته وأنه كان يريد إبراز نفسه أمام خطيبته لاغير، عندها أشفق عليه شسيامند وطلب منه أن يلف رسن حصانه حول رقبته ويقوده إلى القرية كتمثيلية ترفع من قدرالشاب لدى خطيبته وأهلها، ولكن اشترط عليه سيامند أن يطلقه حالما يرى عمه قادماً إليهم. وافق الشاب على ذلك الذي قام بوضع رسن حصانه في رأس سيامند وسحبه إلى حيث قرية خطيبته، ولما اقتربا من القرية توجه نحوهما سكان القرية وهم مندهشون لما يحدث أمامهم! ولكن لما وجدا عم سيامند قادماً طلب سيامند من الشاب إطلاق سراحه على الفور ولكن الشاب حنث بوعده ولم يطلقه، حينها ضربه سيامند بعظم رجل بعيركان معه ضربة قوية أنقذ بها نفسه من الشاب، ثم بدأ يضرب به القرويين حتى أبعدهم عن نفسه وتمكن من الهرب والنجاة من عمه. هذا هو ملخص جزء بسيط من القصة وهو الجزء الذي سيوفي بموضوعنا وإجراء مقارنة به مع قصة شمشون التوراتية.
دراسة مقارنة:
قبل البدء بالمقارنة نقول أن قصة شمشون تألفت من دمج قصتين كرديتين في قصة واحدة حتى يكمل المؤلف التوراتي إسطورته الشمشونية ويتجنب عادة الزواج بالخطف الجارية لدى الكرد وشعوب بلاد الرافدين عموماً، لأنها لم تكن عادة دارجة كثيراً لدى اليهود، والقصتان الكرديتا هما قصة (سيامند وخجى) ثم قصة (جومرد) أومحمد فيما بعد، وهو ما سنبينه في المقارنة الحالية، ولكننا سنفصل قصة شمشون إلى جزئيها الكرديتين اللتين اقتبست منهما قصة شمشون التوراتية حتى تكتمل المقارنة لكل قصة على حدة وليتحقق منها الفائدة والقصد . هنا في البدايةن مقارنة بين قصة (سيامند وخجى) مع النصف الأول من قصة شمشون، ثم النصف الآخر مع قصة جومرد أو محمد لنأكد مدى التطابق المذهل بين القصتين في خطوطها العامة وحتى في التفاصيل أحياناً.
جدول مقارنة:
قصة شمشون التوراتية | قصة سيامند وخجى الكردية |
شمشون صبي وحيد لأبويه | سيامند وحيد لأبويه يتيم |
شمشون بطل قوي هارب من أهله والفلسطينيين | سيامند بطل قوي هارب من عمه وأهله |
شمشون هارب في البراري ويعتدي على الفلسطسنيين | سيامند هارب في البراري ويعتدي على أهل قريته |
طالب الفلسطينيون بتسليم شمشون إليهم لتصرفاته |
طالب طالب سكان القرية من عم سيامند تسليمه أووضع حد
|
سمح شمشون لأهله بتقيده بالحبال | سمح سيامند للشاب بوضع الرسن في عنقه |
قطع شمشون الحبال حينما أحس بالخطر | أخرج سيامند الرسن من عنقه حينما أحس بالخطر |
حارب شمشون بلحى عظم حمار | حارب سيامند بلحى عظم جمل |
طلب شمشون من أهله وعوداً بعدم قتله | طلب سيامند من الشاب وعوداً بإطلاق سراحه عند الخطر |
شقاوة شمشون مع أقرانه | شقاوة سيامند مع أطفال قريته |
تابع الإسطورة التوراتية شمشون.(2)
أحب شمشون امراة فلسطينية تدعى دليلة تعيش في وادي سوق. وحينما سمع الفلسطينيون بذلك جاؤا إلى دليلة وطلبوا منها الإيقاع بشمشون ليمسكوه ويذلوه ويهينوه مقابل ألف شيقل يدفعون لها، وافقت دليلة على ذلك وحينما التقت بحبيبها في بيتها سألته عن سر قوته فاخبرها تحت إلحاحها بأنه تذهب قوته إن ربطوه بسبع أوتار طرية فاضمرت في نفسها ذلك، وحينما جن الليل ونام شمشون أوثقته بالأوتارالطرية ثم صرخت تؤلب الفلسطينيين عليه متظاهرة بالخوف وقالت:(شمشون الفلسطينيون عليك). فهب الرجل من فراشه وقطع الاوتاركما يقطع فتيل المشاقة إذا مسته النار. عندها هرب الفلسطينيون منه مذعورين وتمكنت دليلة من الإحتيال عليه واقنعته بصحة موقفها، وفي أحد اليام أخبرها شمشون أنه يفقد قوته إذا أوثقوه بحبال جديدة لم تستعمل قط، ومرة أخرى قال لها أن قوته تفارقه حالما يضفرشعر رأسه سبع ضفائر تشد غلى الوتد، ولكنه كان يفلت من الفلسطينين في كل مرة، وفي المرة الأخيرة أباح لها بالحقيقة ليهدأ قلبه ويرتاح وقال لها:( لم تصل موسى رأسي لأني منذور من بطن أمي. فإن قص شعر رأسي فارقتني قوتي وضعفت حتى أغدو كأحد الناس). ولما أغفى دعت دليلة الحلاق وأمرته أن يقص سبع ضفائرمن شعره ثم ايقظته دليلة وطردته من بيتهان فجاء الفلسطينيون فقيدوه وسملوا عينيه وقادوه إلى غزة أسيراً موثقاً يالسلاسل والقيود.
– القصة الكودية جومرد:
هذه القصة تشبه في خطوطها العريضة القصة الفولكلورية الكردية الموسومة
بـ(Keleşê binê şkeftê werêyê) أي إليك به يا حوت عمق المغارة. وأحياناً كان الرواة يقرأون العنوان كبداية للتعريب بـالشكل التالي: (Hûtê binê mixarê werêyê)
وسنروي هنا مختصراً للقصة ليساعدنا على المقارنة بينها وبين قصة شمشمون التوراتية، ولندلل على مدى الإقتباس التوراتي من التراث الكردي القديم، ولندلل من طرف آخر إلى أن القصة التوراتية تعود بجذورها إلى ما بعد السبي البابلي، أي إلى مرحلة سبي اليهود وتوزعهم بين بابل وكردستان منذ عام 587 ق.م وقبله وبعده أيضاً.
تقول القصة الكردية: أن بطل القصة وهو (جومرد) أي الجواد والكريم، وأحياناًً محمد لأن الرواة التراثيين كانوا يقولون أثناء سرد القصة: (فليكن اسمه محمد ليحصل لنا البركة) أي أن إسم البطل الحقيقي هو جومرد مما يعني أن القصة في طريقها إلى التعريب وإدخال تأثيرات إسلامية إليها: معم، كان هناك شاب يدعى(جومرد) أومحمد، خطف في أحد الأيام فتاة أحلامه وحبيبته الحسناء وتدعى(بوزيه) أي الغراء ليسكنها في أحد الكهوف الجبلية البعيدة، ثم زوجها لنفسه فأصبحت له زوجة وهو لها زوج، وكان يحبها حباً جماً كما كانت هي تبادله الحب ذاته. كان جومرد يخرج من الكهف أو المغارة صباح كل يوم إلى حيث القنص والصيد، ليعود في المساء منهك القوى تعباً، ولكن مع صيد ثمين وقوت يوم كامل. وخلال وجود جومرد في الصيد كانت الزوجة تبقى لوحدها في المغارة تنتظر قدوم زوجها المحبوب بفارغ الصبر، ولكنها وفي يوم من الأيام وبينما كان جومرد خارجاً كعادته للصيد والقنص، تعرفت الزوجة على (كلش) أو قاطع طريق في التراث الكردي، وأحياناً يسميه الرواة بحوت ضخم الجثة فعشقها وعشقته، ثم جاءت المرأة بالحوت ليسكن سراً في عمق المغارة قريباً منها دون أن يدري جومرد ذلك.
ولما كان الكلش أو الحوت لايستريح مع عشيقته بوجود بعل لها قربه، لذلك قررا التخلص من جومرد وأخذ راحتهما في الإستفراد ببعضهما. ولكن كان جومرد بطلاً قوياً وفارساً مغواراً لايشق له غبار ولن تخيفه المهالك والردى. ورغم قوة الحوت وضخامته ولكنه كان غيرقادرعلى مواجهة جومرد وقتله وجهاً لوجه، لذلك قررا التخلص منه بالحيلة والغدر. وفي أحد الأيام حينما خرج جومرد للصيد وضعا عقرباً في سقف باب المغارة ليلسعه العقرب ويميته، ولكن تمكن جومرد من قتل العقرب بسيفه دون أن يدرك سروجود العقرب هناك، ومرة أخرى وضعا له حية في سقف باب المغارة، ففعل بها حومرد ما فعله بالعقرب وتمكن من تمزيق الحية بسيفه شر تمزيق. وهكذا لم يفلح العاشقان من التأثيرعلى قوة جومرد(محمد) أو موته. وفي إحدى الأمسيات وبينما كان جومرد ينام في حضن زوجته يداعبها وتداعبه، تدللت الزوجة(بوزيه) عليه وطلبت منه أن يخبرها عن سر ومصدر قوته، وبماذا يمكن ربطه وأسره؟. فامتنع عن مصارحتها بذلك مراراً ولكنها ألحت عليه وأظهرت غضبها وانزعاجها على أنه لن يثق بزوجته الحبيبة فلن يخبرها بأخباره ويتحفها أسراره، فاستجاب جومرد لطلبها وأخبرها مدعياً مرة أنه ينربط من عينيه، ومرة من عنقه، وأخرى من يديه، أو من رجليه. وهكذا وفي كل مرة كانت المرأة تربطه في الموضع الذي يعينه بإحكام وتستصرخ عليه الحوت وتناديه:
(Keleşê binê şkeftê werêyê) أي عليك به ياحوت أعماق المغارة، فيستشعر جومرد الخطر ويمزق رباطه قبل أن يخرج الحوت من مكمنه في الكهف ويحررنفسه، إلى أن أيقنت المرأة أنه يخدعها فأعلنت غضبها بشدة معلنة أنه لايثق بها رغم محبتها له، فاضطر محمد هذه المرة أن يصدقها القول ويبين سرقوته فقال لها: إن تأخذي ثلاثة أوتار من من ذيل حصاني، وتغمسينها ببول حصاني ثم تضمين إبهامي يدي وتربطيهما بالأوتارمعاً، عندها لم أستطيع تحريريدي من سطوة الأوتارمهما أوتيت من قوة وبأس، وبهذا أنربط ولا أستطيع من الأوتار فكاكاً أبداً.
فرحت المرأة بإفشائه السر لها، وفي المساء ذهبت وانتزعت ثلاث شعرات من ذيل حصان زوجها جومرد وغمستها ببول حصانه، ثم طلبت منه أن يضم إبهاميه لتربطهما وتجرب بها قوته وبأسه، فربطت الزوجة إبهامي زوجها جومرد بالشعرات الثلاث بإحكام ثم نادت: (Keleşê binê şkeftê werêyê ) أي إليك به يا حوت أعماق المغارة. وحينما شعرمحمد بجدية الموقف وحاول قطع الحبال وفك يديه لكنه لم يستطع ولشدة محاولته وقوته وصلت الأوتارإلى العظم واستسلم جومرد لها، عندها قفزالكلش أوالحوت من مكمنه وتشاورا فيم يفعلان بالرجل؟ فاقترح الحوت قتله ولكن المرأة رأت من الأنسب سمل عينيه وإلقائه في عمق المغارة حتى يأتي أجله، فعملا برأي المرأة وسملا عيني جومرد وإلقياه في غيابة المغارة، وفي كل يوم يضعان له طعامه وشرابه، وكان أنينه يسمع فيها كل ليلة. بقي جومرد هكذا في حالة يرثى لها، حتى دعا يوماً ربه أن يفك أسره ويفتح له عينيه، فاستجاب الله لدعائه ورأت عيناه النورثانية، فنهض جومرد وحمل سيف كلش أو(الحوت) الملقى هناك وأجهز به عليهما بعد عراك وسجال خطر وطويل، وليعود بعدها إلى قومه يروي لهم مآسيه وآلامه على أيدي هذه الزوجة الماجنة المستهترة وقصته مع المغارة والحوت.
هنا تطابق شبه تام بين القصة التوراتية والقصتين الكرديتين، ومن تشابههما نؤكد وبشكل قاطع من أن اليهود اقتبسوا القصة الإسطورية من القصتين الكرديتين، في وقت كان فيه قسم من اليهود يعيشون بين ظهرانيهم بعد مرحلة السبي البابلي الذي جرى لليهود ونقلهم إلى بابل وكردستان، وأنهم طوروا القصتين بما يتناسب مع مفاهيمهم وطموحاتهم التاريخية، فأصبحت أكثر تطوراً وإتقاناً من القصتين الكرديتين، وذلك لأن القصتين الكرديتين هما أقدم من إسطورة شمشون التوراتية بكثير، ولأن العلماء يشيرون إلى أن اليهود اقتبسوا الكثير من القصص البطولية من شعوب الشرق الأدنى ومنهم الاكراد بلا شك، وأسبغوا حوادثها على أبطالهم الإسطوريين بعد كتابتها في توراتهم وعهدهم القديم كما يقال.
وبالمقارنة التالية: سنبرزضم اليهود لقصة كردية أخرى، إلى مأثورات وأساطير توراتهم بجلاء ووضوح:
أحب شمشون امراة فلسطينية تدعى دليلة تعيش في وادي سوق. وحينما سمع الفلسطينيون بذلك جاؤا إلى دليلة وطلبوا منها الإيقاع بشمشون ليمسكوه ويذلوه ويهينوه مقابل ألف شيقل يدفعون لها، وافقت دليلة على ذلك وحينما التقت بحبيبها في بيتها سألته عن سر قوته فاخبرها تحت إلحاحها بأنه تذهب قوته إن ربطوه بسبع أوتار طرية فاضمرت في نفسها ذلك، وحينما جن الليل ونام شمشون أوثقته بالأوتارالطرية ثم صرخت تؤلب الفلسطينيين عليه متظاهرة بالخوف وقالت:(شمشون الفلسطينيون عليك). فهب الرجل من فراشه وقطع الاوتاركما يقطع فتيل المشاقة إذا مسته النار. عندها هرب الفلسطينيون منه مذعورين وتمكنت دليلة من الإحتيال عليه واقنعته بصحة موقفها، وفي أحد اليام أخبرها شمشون أنه يفقد قوته إذا أوثقوه بحبال جديدة لم تستعمل قط، ومرة أخرى قال لها أن قوته تفارقه حالما يضفرشعر رأسه سبع ضفائر تشد غلى الوتد، ولكنه كان يفلت من الفلسطينين في كل مرة، وفي المرة الأخيرة أباح لها بالحقيقة ليهدأ قلبه ويرتاح وقال لها:( لم تصل موسى رأسي لأني منذور من بطن أمي. فإن قص شعر رأسي فارقتني قوتي وضعفت حتى أغدو كأحد الناس). ولما أغفى دعت دليلة الحلاق وأمرته أن يقص سبع ضفائرمن شعره ثم ايقظته دليلة وطردته من بيتهان فجاء الفلسطينيون فقيدوه وسملوا عينيه وقادوه إلى غزة أسيراً موثقاً يالسلاسل والقيود.
– القصة الكودية جومرد:
هذه القصة تشبه في خطوطها العريضة القصة الفولكلورية الكردية الموسومة
بـ(Keleşê binê şkeftê werêyê) أي إليك به يا حوت عمق المغارة. وأحياناً كان الرواة يقرأون العنوان كبداية للتعريب بـالشكل التالي: (Hûtê binê mixarê werêyê)
وسنروي هنا مختصراً للقصة ليساعدنا على المقارنة بينها وبين قصة شمشمون التوراتية، ولندلل على مدى الإقتباس التوراتي من التراث الكردي القديم، ولندلل من طرف آخر إلى أن القصة التوراتية تعود بجذورها إلى ما بعد السبي البابلي، أي إلى مرحلة سبي اليهود وتوزعهم بين بابل وكردستان منذ عام 587 ق.م وقبله وبعده أيضاً.
تقول القصة الكردية: أن بطل القصة وهو (جومرد) أي الجواد والكريم، وأحياناًً محمد لأن الرواة التراثيين كانوا يقولون أثناء سرد القصة: (فليكن اسمه محمد ليحصل لنا البركة) أي أن إسم البطل الحقيقي هو جومرد مما يعني أن القصة في طريقها إلى التعريب وإدخال تأثيرات إسلامية إليها: معم، كان هناك شاب يدعى(جومرد) أومحمد، خطف في أحد الأيام فتاة أحلامه وحبيبته الحسناء وتدعى(بوزيه) أي الغراء ليسكنها في أحد الكهوف الجبلية البعيدة، ثم زوجها لنفسه فأصبحت له زوجة وهو لها زوج، وكان يحبها حباً جماً كما كانت هي تبادله الحب ذاته. كان جومرد يخرج من الكهف أو المغارة صباح كل يوم إلى حيث القنص والصيد، ليعود في المساء منهك القوى تعباً، ولكن مع صيد ثمين وقوت يوم كامل. وخلال وجود جومرد في الصيد كانت الزوجة تبقى لوحدها في المغارة تنتظر قدوم زوجها المحبوب بفارغ الصبر، ولكنها وفي يوم من الأيام وبينما كان جومرد خارجاً كعادته للصيد والقنص، تعرفت الزوجة على (كلش) أو قاطع طريق في التراث الكردي، وأحياناً يسميه الرواة بحوت ضخم الجثة فعشقها وعشقته، ثم جاءت المرأة بالحوت ليسكن سراً في عمق المغارة قريباً منها دون أن يدري جومرد ذلك.
ولما كان الكلش أو الحوت لايستريح مع عشيقته بوجود بعل لها قربه، لذلك قررا التخلص من جومرد وأخذ راحتهما في الإستفراد ببعضهما. ولكن كان جومرد بطلاً قوياً وفارساً مغواراً لايشق له غبار ولن تخيفه المهالك والردى. ورغم قوة الحوت وضخامته ولكنه كان غيرقادرعلى مواجهة جومرد وقتله وجهاً لوجه، لذلك قررا التخلص منه بالحيلة والغدر. وفي أحد الأيام حينما خرج جومرد للصيد وضعا عقرباً في سقف باب المغارة ليلسعه العقرب ويميته، ولكن تمكن جومرد من قتل العقرب بسيفه دون أن يدرك سروجود العقرب هناك، ومرة أخرى وضعا له حية في سقف باب المغارة، ففعل بها حومرد ما فعله بالعقرب وتمكن من تمزيق الحية بسيفه شر تمزيق. وهكذا لم يفلح العاشقان من التأثيرعلى قوة جومرد(محمد) أو موته. وفي إحدى الأمسيات وبينما كان جومرد ينام في حضن زوجته يداعبها وتداعبه، تدللت الزوجة(بوزيه) عليه وطلبت منه أن يخبرها عن سر ومصدر قوته، وبماذا يمكن ربطه وأسره؟. فامتنع عن مصارحتها بذلك مراراً ولكنها ألحت عليه وأظهرت غضبها وانزعاجها على أنه لن يثق بزوجته الحبيبة فلن يخبرها بأخباره ويتحفها أسراره، فاستجاب جومرد لطلبها وأخبرها مدعياً مرة أنه ينربط من عينيه، ومرة من عنقه، وأخرى من يديه، أو من رجليه. وهكذا وفي كل مرة كانت المرأة تربطه في الموضع الذي يعينه بإحكام وتستصرخ عليه الحوت وتناديه:
(Keleşê binê şkeftê werêyê) أي عليك به ياحوت أعماق المغارة، فيستشعر جومرد الخطر ويمزق رباطه قبل أن يخرج الحوت من مكمنه في الكهف ويحررنفسه، إلى أن أيقنت المرأة أنه يخدعها فأعلنت غضبها بشدة معلنة أنه لايثق بها رغم محبتها له، فاضطر محمد هذه المرة أن يصدقها القول ويبين سرقوته فقال لها: إن تأخذي ثلاثة أوتار من من ذيل حصاني، وتغمسينها ببول حصاني ثم تضمين إبهامي يدي وتربطيهما بالأوتارمعاً، عندها لم أستطيع تحريريدي من سطوة الأوتارمهما أوتيت من قوة وبأس، وبهذا أنربط ولا أستطيع من الأوتار فكاكاً أبداً.
فرحت المرأة بإفشائه السر لها، وفي المساء ذهبت وانتزعت ثلاث شعرات من ذيل حصان زوجها جومرد وغمستها ببول حصانه، ثم طلبت منه أن يضم إبهاميه لتربطهما وتجرب بها قوته وبأسه، فربطت الزوجة إبهامي زوجها جومرد بالشعرات الثلاث بإحكام ثم نادت: (Keleşê binê şkeftê werêyê ) أي إليك به يا حوت أعماق المغارة. وحينما شعرمحمد بجدية الموقف وحاول قطع الحبال وفك يديه لكنه لم يستطع ولشدة محاولته وقوته وصلت الأوتارإلى العظم واستسلم جومرد لها، عندها قفزالكلش أوالحوت من مكمنه وتشاورا فيم يفعلان بالرجل؟ فاقترح الحوت قتله ولكن المرأة رأت من الأنسب سمل عينيه وإلقائه في عمق المغارة حتى يأتي أجله، فعملا برأي المرأة وسملا عيني جومرد وإلقياه في غيابة المغارة، وفي كل يوم يضعان له طعامه وشرابه، وكان أنينه يسمع فيها كل ليلة. بقي جومرد هكذا في حالة يرثى لها، حتى دعا يوماً ربه أن يفك أسره ويفتح له عينيه، فاستجاب الله لدعائه ورأت عيناه النورثانية، فنهض جومرد وحمل سيف كلش أو(الحوت) الملقى هناك وأجهز به عليهما بعد عراك وسجال خطر وطويل، وليعود بعدها إلى قومه يروي لهم مآسيه وآلامه على أيدي هذه الزوجة الماجنة المستهترة وقصته مع المغارة والحوت.
هنا تطابق شبه تام بين القصة التوراتية والقصتين الكرديتين، ومن تشابههما نؤكد وبشكل قاطع من أن اليهود اقتبسوا القصة الإسطورية من القصتين الكرديتين، في وقت كان فيه قسم من اليهود يعيشون بين ظهرانيهم بعد مرحلة السبي البابلي الذي جرى لليهود ونقلهم إلى بابل وكردستان، وأنهم طوروا القصتين بما يتناسب مع مفاهيمهم وطموحاتهم التاريخية، فأصبحت أكثر تطوراً وإتقاناً من القصتين الكرديتين، وذلك لأن القصتين الكرديتين هما أقدم من إسطورة شمشون التوراتية بكثير، ولأن العلماء يشيرون إلى أن اليهود اقتبسوا الكثير من القصص البطولية من شعوب الشرق الأدنى ومنهم الاكراد بلا شك، وأسبغوا حوادثها على أبطالهم الإسطوريين بعد كتابتها في توراتهم وعهدهم القديم كما يقال.
وبالمقارنة التالية: سنبرزضم اليهود لقصة كردية أخرى، إلى مأثورات وأساطير توراتهم بجلاء ووضوح:
القصة الكردية |
الإسطورة اليهودية |
سر قوة جومرد في حبال ذيل حصانه المغموسة ببوله | سر قوة شمشون في شعررأسه، أو في حبال جديدة |
خانته زوجته(دليلة) وتآمرت عليه | خانته زوجته (بوزيه) وتآمرت عليه |
جومرد بطل قوي يقتل خصومه | شمشون بطل قوي يقتل خصومه |
سمل (الكلش) أوالحوت عيني جومرد | سمل الفلسطينيون عيني شمشون |
جومرد أو محمد أحب بوزيه وخطفها | شمشون أحب دليلة وجاء ليخطفها |
ينربط جومرد بثلاثة أوتار من ذيل حصانه | ينربط شمشون بسبعة أوتار طرية |
قادوا شمشون إلى غزة مثقاً بالسلاسل والقيود | ألقوا بجومرد في المغارة |
إليك به يا حوت المغارة | صرخت تؤلب الفلسطينيين عليه |
يعود جومرد إلى أهله | يعود شمشون إلى أهله ويصبح سيداً عليهم |
وللنثبت أن القصتين الكرديتين هما أقدم من التوراتية…؟. لانتردد في القول بأن التوراة هي التي اقتبست القصتين الكرديتين وليس العكس وذلك لعدة أسباب:
1- إن القصتين الكرديتين تبدوان أقدم من اليهودية والتي تبدو أنها مقتبسة من التراث الكردي بجلاء ووضوح، وذلك لأن القصة الكردية تأتي على ذكرالمغاوروالكهوف، وهومايشيرإلى بقاء ظلال حياة الكهوف الموغلة في القدم في مخيال الكردي التراثي حتى اليوم، ظلال حياة الكهوف التي تنتشرفي جبال كردستان حتى اليوم، والتي اكتشف العلماء أقدم آثار للإنسان القديم فيها. بينما القصة اليهودية أو بالأحرى الإسطورة اليهودية تأتي إلى ذكرأعمدة لقصورفارهة رفعها شمشون لقتل أعدائه، وهو مايشير إلى نوع من الحياة المدنية أحدث من حياة الكهوف بكثير، وحتى اسم شمشون يشير بوضوح إلى وجود عبادة الشمش وتاثيرات لإله الشمس الكردي الشهير (ميثرا) وإنما فقط ذكرالإسم بلغة سامية أو عبرية.
2- تشيرالقصة الكردية في مغزاها على إدانة المرأة وجنستها وشبقتها وخيانتها للرجل باستمرار. بينما القصة الإسرائيلية وظفت بشكل يتناسب ظروف وطموحات وتطلعات اليهود القومية والدينية، حينما وجدوا أنفسهم شعباً مشاكساً وضعيفاً بآن واحد، وفي حالة حرب دائمة مع الجيران بحثاً عن موطيء قدم لهم بين شعوب المنطقة الأقوى منهم، فباتوا يتوقون إلى الإنتصار بقوى خارقة قوة الإله وقوة الأبطال الإسطوريين على السواء.
3- تظهر القصة الكردية سيكولوجية كردية متقوقعة ومستقرة في وطنه ومهتمة بالقضايا الاجتماعية أكثرمن القومية. بينما نجد في الطرف الاسرائيلي شعباً بدوي الطابع وبدأ يدخل في طورالحضارة مجدداً بسيكولوجية محارب غيرمستقر تساوره حالة من القلق والخوف من الآخرين.
4- ظاهرة الزواج بالخطف وإستهتارالمرأة بواجباتها الزوجية في القصة الكردية وانعدام التسامح مع المرأة المستهترة، مما يشيرإلى ظاهرة الغيرة الشديدة للكردي على عرضه وشرفه. بينما تحفل التوراة بإظهار حالات من الشبقية والجنس، حيث يرد في التوراة أن شمشون تزوج من الزواني، وهو ما تأباه الاخلاق الكردية على مرالسنين.
5- غياب الجانب القومي لدى جومرد البطل الكردي والتركيز – كما قلنا – على الجانب الإجتماعي، إلى جانب ازدهارورسوخ الجانب القومي والديني لدى التوراتيين بفعل العوامل الطارئة التي وجدوا أنفسهم فيها، فكانوا بداة متنقلين على مر التاريخ، بينما هم اليوم يباشرون الإستقرار ويحتاجون إلى الإستلاء على أراضي الشعوب الإخرى، حيث وعد الإله يهوه – حسب التوراة – نبيه ابراهيم بقوله: (لنسلك أعطي هذه الأرض)-التكوين- ح-12.
6- قصاص عادل وقليل من الدماء في الجانب الكردي، بينما هناك الكثير من الدماء والقتل في الجانب الإسرائيلي تحت ستار ديني مفبرك.
7- القصة التوراتية أحدث وأكثر تطوراً زمنياً من الكردية، فبطل القصة الكردية حومرد ينربط بأوتارمن ذيل حصانه مغموسة ببول الحصان، وهو ما يدل على سيكولوجية فارس من الطراز الأول، وأن روح الكردي في قوة حصانه لافي شعررأسه، لأن الميديين الكرد هم أول من استخدم الحصان للركوب مئات السنين قبل الميلاد، بينما شمشمون التوراتي قوته في شعررأسه إيغالاً في المدنية بعيداً عن البدائية وأدواتها البسيطة كالبول مثلاً.
8- أن التوراة فقدت معظمها وديست تحت سنابك الخيول، بعد السبي البابلي والآشوري لليهود وإسكانهم مابين بابل وكردستان، حيث لم يسلم من التوراة سوى ما بقيت منقوشة في صدورالمؤمنين بها، وأولهم (عزرا) الكاهن الذي بدأ بكتابة مايتذكره وما حفظه منها في صدره وصدورالآخرين من اليهود إلى التوراة بإلهام من الإله (يهوه) بعد السبي البابلي أي بين عامي 581- 539 ق.م(3). مع إضافات من أساطيروتراث الشعوب المجاورة طبعاً. يقول كليمني اسكندريانوس في هذا الصدد: (إن الكتب السماوية ضاعت، فألهم عزرا أن يكتبها مرة أخرى). وفي سفر عزرا 7/5-10/ يرد مايلي: (عزرا الكاهن كاتب شريعة إله السماء).
9- وهنا نثبت – وهذا هو المهم- كما أثبتنا في مقالاتنا السابقة- من أن الأكراد كانوا مستقرين في مواطنهم الحالية جنباً إلى جنب مع الشعوب الشرق الأدنى القديم منذ ماقبل السبي البابلي 586 ق.م وحتى اليوم، وأنهم لم يكونوا ضيوفاً على أحد في يوم من الأيام، وكان لهم تاريخهم وتراثهم وقصصههم وأساطيرهم العريقة، لتقتبس التواراة بعضها حين قدوم السبي اليهودي إلى كردستان.
…………………………………..
مصادر:
(1) – وثائق إيبلا – الدكتور عفيف بهنسي – ص- 114.
(2) – قصة شمشون مقتبسة من كتاب: الواقع والاسطورة في التورات- تاليف- زينون كاسيدوفسكي – ترجمة- د. حسان ميخائيل اسحق- 144- 145.
1- إن القصتين الكرديتين تبدوان أقدم من اليهودية والتي تبدو أنها مقتبسة من التراث الكردي بجلاء ووضوح، وذلك لأن القصة الكردية تأتي على ذكرالمغاوروالكهوف، وهومايشيرإلى بقاء ظلال حياة الكهوف الموغلة في القدم في مخيال الكردي التراثي حتى اليوم، ظلال حياة الكهوف التي تنتشرفي جبال كردستان حتى اليوم، والتي اكتشف العلماء أقدم آثار للإنسان القديم فيها. بينما القصة اليهودية أو بالأحرى الإسطورة اليهودية تأتي إلى ذكرأعمدة لقصورفارهة رفعها شمشون لقتل أعدائه، وهو مايشير إلى نوع من الحياة المدنية أحدث من حياة الكهوف بكثير، وحتى اسم شمشون يشير بوضوح إلى وجود عبادة الشمش وتاثيرات لإله الشمس الكردي الشهير (ميثرا) وإنما فقط ذكرالإسم بلغة سامية أو عبرية.
2- تشيرالقصة الكردية في مغزاها على إدانة المرأة وجنستها وشبقتها وخيانتها للرجل باستمرار. بينما القصة الإسرائيلية وظفت بشكل يتناسب ظروف وطموحات وتطلعات اليهود القومية والدينية، حينما وجدوا أنفسهم شعباً مشاكساً وضعيفاً بآن واحد، وفي حالة حرب دائمة مع الجيران بحثاً عن موطيء قدم لهم بين شعوب المنطقة الأقوى منهم، فباتوا يتوقون إلى الإنتصار بقوى خارقة قوة الإله وقوة الأبطال الإسطوريين على السواء.
3- تظهر القصة الكردية سيكولوجية كردية متقوقعة ومستقرة في وطنه ومهتمة بالقضايا الاجتماعية أكثرمن القومية. بينما نجد في الطرف الاسرائيلي شعباً بدوي الطابع وبدأ يدخل في طورالحضارة مجدداً بسيكولوجية محارب غيرمستقر تساوره حالة من القلق والخوف من الآخرين.
4- ظاهرة الزواج بالخطف وإستهتارالمرأة بواجباتها الزوجية في القصة الكردية وانعدام التسامح مع المرأة المستهترة، مما يشيرإلى ظاهرة الغيرة الشديدة للكردي على عرضه وشرفه. بينما تحفل التوراة بإظهار حالات من الشبقية والجنس، حيث يرد في التوراة أن شمشون تزوج من الزواني، وهو ما تأباه الاخلاق الكردية على مرالسنين.
5- غياب الجانب القومي لدى جومرد البطل الكردي والتركيز – كما قلنا – على الجانب الإجتماعي، إلى جانب ازدهارورسوخ الجانب القومي والديني لدى التوراتيين بفعل العوامل الطارئة التي وجدوا أنفسهم فيها، فكانوا بداة متنقلين على مر التاريخ، بينما هم اليوم يباشرون الإستقرار ويحتاجون إلى الإستلاء على أراضي الشعوب الإخرى، حيث وعد الإله يهوه – حسب التوراة – نبيه ابراهيم بقوله: (لنسلك أعطي هذه الأرض)-التكوين- ح-12.
6- قصاص عادل وقليل من الدماء في الجانب الكردي، بينما هناك الكثير من الدماء والقتل في الجانب الإسرائيلي تحت ستار ديني مفبرك.
7- القصة التوراتية أحدث وأكثر تطوراً زمنياً من الكردية، فبطل القصة الكردية حومرد ينربط بأوتارمن ذيل حصانه مغموسة ببول الحصان، وهو ما يدل على سيكولوجية فارس من الطراز الأول، وأن روح الكردي في قوة حصانه لافي شعررأسه، لأن الميديين الكرد هم أول من استخدم الحصان للركوب مئات السنين قبل الميلاد، بينما شمشمون التوراتي قوته في شعررأسه إيغالاً في المدنية بعيداً عن البدائية وأدواتها البسيطة كالبول مثلاً.
8- أن التوراة فقدت معظمها وديست تحت سنابك الخيول، بعد السبي البابلي والآشوري لليهود وإسكانهم مابين بابل وكردستان، حيث لم يسلم من التوراة سوى ما بقيت منقوشة في صدورالمؤمنين بها، وأولهم (عزرا) الكاهن الذي بدأ بكتابة مايتذكره وما حفظه منها في صدره وصدورالآخرين من اليهود إلى التوراة بإلهام من الإله (يهوه) بعد السبي البابلي أي بين عامي 581- 539 ق.م(3). مع إضافات من أساطيروتراث الشعوب المجاورة طبعاً. يقول كليمني اسكندريانوس في هذا الصدد: (إن الكتب السماوية ضاعت، فألهم عزرا أن يكتبها مرة أخرى). وفي سفر عزرا 7/5-10/ يرد مايلي: (عزرا الكاهن كاتب شريعة إله السماء).
9- وهنا نثبت – وهذا هو المهم- كما أثبتنا في مقالاتنا السابقة- من أن الأكراد كانوا مستقرين في مواطنهم الحالية جنباً إلى جنب مع الشعوب الشرق الأدنى القديم منذ ماقبل السبي البابلي 586 ق.م وحتى اليوم، وأنهم لم يكونوا ضيوفاً على أحد في يوم من الأيام، وكان لهم تاريخهم وتراثهم وقصصههم وأساطيرهم العريقة، لتقتبس التواراة بعضها حين قدوم السبي اليهودي إلى كردستان.
…………………………………..
مصادر:
(1) – وثائق إيبلا – الدكتور عفيف بهنسي – ص- 114.
(2) – قصة شمشون مقتبسة من كتاب: الواقع والاسطورة في التورات- تاليف- زينون كاسيدوفسكي – ترجمة- د. حسان ميخائيل اسحق- 144- 145.
(3) – وثائق إيبلا- الدكتور عفيف بهنسي – ص- 100.