بحث في الميثولوجيا المقارنة:
خالص مسور:
من الملفت للنظر وجود فصول من الأساطير والقصص الكردية القديمة بين ثنايا الأساطير والقصص السومرية والبابلية القديمة والتي لاتزال تحتفظ في الصدور حتى اليوم وهو ماأغفله الباحثون في الميثولوجيا وعلم الآثار ربما عن عمد أو عن جهل لاأدري، وكلها تشير بوضوح إلى قدم الشعب الكردي في المنطقة قدم التاريخ نفسه، بخلاف ذكرهم للشعوب الآخرى كالسومريين أو البابليين والآشورييين…الخ. مما يدل على أن هذه الشعوب استولت على بلادهم وتراثهم معاً ونسبوها لأنفسهم وأضافوها إلى تراثهم وقصصهم وحكاياهم دون حدود وعوائق.
ومن هذه القصص سنذكر قصة (سين وكولى) الكردية، وهي نفسها في تفاصيلها الرئيسية وخطوطها العامة هي قصة (إيتانا الراعي) السومرية بدون منازع.
وللإختصار فسنبدأ بسرد القصة الكردية في الجزء الذي يفي بغرضنا للمقارنة مع القصة السومرية القديمة، أي من المرحلة التي يعتلي فيها بطل القصة الكردية محمد بن العجوز ظهر السيمرة وما بعد. وكذلك سنفعل الشيء ذاته مع القصة السومرية إيتانا الراعي للغرض نفسه.
محمد بن العجوز بطل القصة الكردية يرسل أمه لتطلب له يد ابنة ملك المدينة، فيكون مهرها جلب قصة سين وكولى العجيبة، عندها يودع محمد أمه ويرحل على ظهر حصانه حتى يصادف شجرة عليها عش طائر (السيمر) الخرافي، وحينما يكون نائماً تحت الشجرة تهجم حية على العش فيقتله محمد وينقذ فراخ الطائر من موت محقق، فتكافئه السيمرة بأخذه على ظهرها إلى بلاد سين وكولى البعيدة والحصينة ليجلب قصتهما وهي مهر زواجه من ابنة ملك المدينة الغريبة الأطوار.
نعم، لقد بدت السيمرة في عجلة من أمرها، فأوعزت إلى محمد بن العجوز أن يربط حصانه بالشجرة التي تؤوي عش صغارها، وأن يعتلي ظهرها على الفور مع ما في يده من سلاح ومتاع . لم يتردد محمد في تنفيذ أوامرها على عجل، فامتطى ظهر طائره وقد أصابه شيء من الخوف والإرتباك من المصير المجهول الذي بات ينتظره وهو معلق بين الأرض والسماء، وما قد تخبئه له الأيام من مصير يراه قاتماً أحياناً، ومشرقاً أحايين أخرى ! ثم أمرته السيمرة أن يغمض عينيه وألا يفتحهما إلا حين تأمره هي بذلك، وأن يتماسك بأرياشها بكل ما أوتي من قوة وعزم . أصغى ضيفها الأثير لأوامرها مرة أخرى، وأطبق يديه على أرياش السيمرة بكل قوة وإحكام، وفي لحظة الإقلاع ألتفتت إلى صغارها تستحثهم الصبر، وتوصيهم بالإنتباه والحذر أيام غيبتها من مفاجآت القدر وخبيئات الزمان والأيام… وما هي إلا لحظات حتى انطلقت في الأعالي هادرة بشموخ وعنفوان، محلقة فوق أجنحة الريح، شاقة طريقها نحو السماء بصلابة واندفاع، ومحمد على ظهرها مغمض العينين خائف يترقب، لا يرى تحته أرضاً مفروشة ولا فوقه سماءاً مسقوفة. وبعد طيران طويل وصعود متواصل، أصدرت السيمرة أوامرها إلى ضيفها العزيز ليفتح عينيه المغمضتين بهدوء، وسألته بكل رقة ولطف : ها… يامحمد… ألا زلت ترى تحت قدميك الأرض…؟
فتح محمد عينيه ونظر إلى أسفل منه فشعر برعب متزايد وقال :
– نعم، فلازلت أرى الأرض في الأسفل هناك كبحر واسع الاطراف !.
– آه… يا ضيفي العزيز… فلازلنا بعيدين عن مبتغانا، ولا زال أمامنا طيران شاق طويل. قالت السيمرة ذلك ثم طلبت أن يلقي في فمها إلية كبش، وتنورخبز، وقربة ماء، فألقى محمد في فيها إلية كبش، وتنور خبز، وقربة ماء، كما طلبت منه تماماً. ثم أمرته أن يغمض عينيه ثانية، لتعاود الإرتفاع نحو السماء من جديد، وبعد ساعات مديدة من طيران متواصل مرير! طلبت السيمرة منه أن يفتح عينيه للمرة الثانية وسألته:
– الآن كيف ترى الأرض تحت ناظريك يامحمد؟ ألازلت ترى منها شيئاً ؟
– نعم أراها من بعيد كبساط صغير الرقعة أو دون ذلك اتساعاً .
– يظهر أننا لم نقترب من هدفنا كثيراً بعد… فهيا الق في فمي طعامي المعتاد مرة أخرى . نفذ محمد ماطلبته السيمرة وعاد يلقي في فمها إلية كبش، وتنورخبز، وقربة ماء، ثم طلبت منه – كالمعتاد – أن يغمض عينيه من جديد، لتتابع طيرانها بقوة تشق عنان السماء، وترتفع رويداً رويداً، حتى بدت الأرض أمام ناظري محمد كقطعة نقد صغيرة، حينما سألته السيمرة كيف يراها أسفل منه؟ أما في المرة الأخيرة فقد وصلت بطيرانها إلى علو شاهق حينما سألته السيمرة : إن كان لا يزال يرى تحته من الارض شيئاًً…؟.
– لا، لقد غاب عن ناظري كل شيء، ولم أعد أرى الآن أرضاً ولا سواداً.
– إذاً أنت لاترى من الأرض شيئاً يامحمد؟
– نعم، فلم تعد عيناي تلمحان في الاسفل شيئاً أيها الطائر العزيز…؟
عندها أمرته السيمرة – للمرة الأخيرة – أن يتماسك بأرياشها جيداً، وأن يغمض عينيه على عجل وألا يفتحهما ألا حينما تأمره هي بذلك . إستجاب محمد لما أرادته، وفجأة أطبقت السيمرة جناحيها إلى جسمها وبدأت تهوي مع ضيفها الغريب الأطوار، كبرق في إعصار خارق القوة، كاد أن يطير لها قلب محمد هلعاً ! لولا جلده.. وقوة احتماله.. ورباطة جأشه .
وماهي إلا لحظات حاسمة مرت من عمر الزمن مهولة، مرعبة ! حتى أحس محمد ابن العجوز، بأن أرجل طائره قد استقرت على أرض ما، وسمع صوت السيمرة، تأمره أن يفتح عينيه بهدوء. وحينما كان يفتحهما بحذر خوفاً من رهبة المكان وهيبته، الفى هذا الشاب المغامر الطموح، ألفى نفسه فوق سطح قصر شاهق منيف، لم ير في حياته قصراً لا أبهى، ولا أجمل، ولا أعجب منه قط ، تحيط به سبعة أبحر محيط مترامية الاطراف، تمتد على مرمى البصر،لا نهاية لمياهها ولا قرار، كما وصفتها له السيمرة من قبل تماماً.
هنا نتوقف عن متابعة بقية القصة وننتقل إلى القصة السومرية القديمة في حلتها البابلية المقتبسة من السومرية أصلاً بعنوان (إيتانا الراعي) أو بالتعبير السومري القديم (عندما الآلهة رسموا المدينة). والقصة تعود في عمرها إلى آلاف السنين قبل الميلاد أي إلى العصر السومري ثم البابلي تحديداً، وإيتانا هذا هو الملك الثالث عشر الذي حكم بعد الطوفان والملك الرابع لسلالة كيش السومرية الأولى. وللمقارنة بين القصتين إيتانا الراعي، وسين وكولى، اللتان تدور حوادثهما حول أسطورة النسر والحية. تقول القصة السومرية – البابلية:
ولدا سوية وسوية ولدا
وكان ذلك في ظل شجرة صفصاف حيث وضعت الحية فراخها
بينما وضع النسر فراخه فوقها
راودت النسر أفكار سيئة
قرر أن يلتهم صغار حليفته
فتح النسر فاه وقال لصغاره.
إني سألتهم صغار الحية
فانبرى أصغرالفراخ وكان أذكاهم
قائلاً لأبيه النسر
يا أبت لاتأكلها لأن شبكة شمس ستنال منك
ولكن النسر لم يصغ إلى كلام ابنه
وما كان منه إلا أن نزل والتهم فراخ الحية
بعدها تشتكي الحية إلى الإله السومري (إيا) خيانة النسر لها وما فعله بفراخها بعدما حلفا لبعضهما بعهود الآلهة، وبعد يسمعها الإله يوعزإلى الحية بالإختباء داخل جثة ثور سيميته هو، وعندما يأتي النسر ليلتهم لحم الثور عليها أن تمسك به وأن تنتف أرياشه وتلقيه في حفرة عميقة في الأرض، ففعلت الحية ما أمره بها الإله فأمسك بالنسرونتف أرياشه وألقى به في حفرة عميقة في الأرض. ثم يأتي بعد ذلك إيتانا لينقذ النسرمن حفرته التي عاقبه فيها الآلهة فتكون لإيتانا أياد بيضاء عليه ويصبحان على إثرها صديقين حميمين، كما كان لمحمد بن العجوز أياد بيضاء على السيمرة بإنقاذه صغارها من هجمة ثعبان مخيف.
المقطع الثاني وفيه يسأل إيتانا إله الشمس أن يمنحه نبتة الإنجاب لأنه كان بدون ذرية.
أيها السيد تلفظ بأمرمن أجلي
امنحني نبتة الإنجاب
اما اللوحة الرابعة للقصة فتقول:
قال النسر لإيتانا
ياصديقي إن السموات رائعة
تعال لأنهض بك إلى سموات آنو
الصق صدرك بصدري
وضع يدك على طرف جناحي
وطوق بذراعيك أعلى الجناح
ولما حلق الطائر بالملك إلى مسافة فرسخ مضاعف
قال النسر لإيتانا
أنظر ياصديقي، كيف ترى البلاد
أحط بنظرك البحر وفتش عن شواطئه
أجاب إيتانا: أن البلاد اختفت وكأنها جبل فقط
وأصبحت مياه البحر كمياه النهر
فارتفع به إلى فرسخين مضاعفين
فقال النسر لإيتانا:
أنظر ياصديقي كيف هي البلاد فقال:
أصبحت البلاد مثل تل واحد
هكذا في كل مرة كان يسأل فيه النسر إيتانا الراعي عن أحوال الأرض تحته، إلى أن وصلا سماء آنو فنزلا يسجدان له، كما هو حال محمد ابن العجوز مع السيمرة العملاقة ونزولهما على سطح قصر سين بطل القصة الكردية الآنفة الذكر. وهنا سنعمد إلى مقارنة القصتين بجدول مقارن للتوضيح.
جدول للمقارنة:
وللإختصار فسنبدأ بسرد القصة الكردية في الجزء الذي يفي بغرضنا للمقارنة مع القصة السومرية القديمة، أي من المرحلة التي يعتلي فيها بطل القصة الكردية محمد بن العجوز ظهر السيمرة وما بعد. وكذلك سنفعل الشيء ذاته مع القصة السومرية إيتانا الراعي للغرض نفسه.
محمد بن العجوز بطل القصة الكردية يرسل أمه لتطلب له يد ابنة ملك المدينة، فيكون مهرها جلب قصة سين وكولى العجيبة، عندها يودع محمد أمه ويرحل على ظهر حصانه حتى يصادف شجرة عليها عش طائر (السيمر) الخرافي، وحينما يكون نائماً تحت الشجرة تهجم حية على العش فيقتله محمد وينقذ فراخ الطائر من موت محقق، فتكافئه السيمرة بأخذه على ظهرها إلى بلاد سين وكولى البعيدة والحصينة ليجلب قصتهما وهي مهر زواجه من ابنة ملك المدينة الغريبة الأطوار.
نعم، لقد بدت السيمرة في عجلة من أمرها، فأوعزت إلى محمد بن العجوز أن يربط حصانه بالشجرة التي تؤوي عش صغارها، وأن يعتلي ظهرها على الفور مع ما في يده من سلاح ومتاع . لم يتردد محمد في تنفيذ أوامرها على عجل، فامتطى ظهر طائره وقد أصابه شيء من الخوف والإرتباك من المصير المجهول الذي بات ينتظره وهو معلق بين الأرض والسماء، وما قد تخبئه له الأيام من مصير يراه قاتماً أحياناً، ومشرقاً أحايين أخرى ! ثم أمرته السيمرة أن يغمض عينيه وألا يفتحهما إلا حين تأمره هي بذلك، وأن يتماسك بأرياشها بكل ما أوتي من قوة وعزم . أصغى ضيفها الأثير لأوامرها مرة أخرى، وأطبق يديه على أرياش السيمرة بكل قوة وإحكام، وفي لحظة الإقلاع ألتفتت إلى صغارها تستحثهم الصبر، وتوصيهم بالإنتباه والحذر أيام غيبتها من مفاجآت القدر وخبيئات الزمان والأيام… وما هي إلا لحظات حتى انطلقت في الأعالي هادرة بشموخ وعنفوان، محلقة فوق أجنحة الريح، شاقة طريقها نحو السماء بصلابة واندفاع، ومحمد على ظهرها مغمض العينين خائف يترقب، لا يرى تحته أرضاً مفروشة ولا فوقه سماءاً مسقوفة. وبعد طيران طويل وصعود متواصل، أصدرت السيمرة أوامرها إلى ضيفها العزيز ليفتح عينيه المغمضتين بهدوء، وسألته بكل رقة ولطف : ها… يامحمد… ألا زلت ترى تحت قدميك الأرض…؟
فتح محمد عينيه ونظر إلى أسفل منه فشعر برعب متزايد وقال :
– نعم، فلازلت أرى الأرض في الأسفل هناك كبحر واسع الاطراف !.
– آه… يا ضيفي العزيز… فلازلنا بعيدين عن مبتغانا، ولا زال أمامنا طيران شاق طويل. قالت السيمرة ذلك ثم طلبت أن يلقي في فمها إلية كبش، وتنورخبز، وقربة ماء، فألقى محمد في فيها إلية كبش، وتنور خبز، وقربة ماء، كما طلبت منه تماماً. ثم أمرته أن يغمض عينيه ثانية، لتعاود الإرتفاع نحو السماء من جديد، وبعد ساعات مديدة من طيران متواصل مرير! طلبت السيمرة منه أن يفتح عينيه للمرة الثانية وسألته:
– الآن كيف ترى الأرض تحت ناظريك يامحمد؟ ألازلت ترى منها شيئاً ؟
– نعم أراها من بعيد كبساط صغير الرقعة أو دون ذلك اتساعاً .
– يظهر أننا لم نقترب من هدفنا كثيراً بعد… فهيا الق في فمي طعامي المعتاد مرة أخرى . نفذ محمد ماطلبته السيمرة وعاد يلقي في فمها إلية كبش، وتنورخبز، وقربة ماء، ثم طلبت منه – كالمعتاد – أن يغمض عينيه من جديد، لتتابع طيرانها بقوة تشق عنان السماء، وترتفع رويداً رويداً، حتى بدت الأرض أمام ناظري محمد كقطعة نقد صغيرة، حينما سألته السيمرة كيف يراها أسفل منه؟ أما في المرة الأخيرة فقد وصلت بطيرانها إلى علو شاهق حينما سألته السيمرة : إن كان لا يزال يرى تحته من الارض شيئاًً…؟.
– لا، لقد غاب عن ناظري كل شيء، ولم أعد أرى الآن أرضاً ولا سواداً.
– إذاً أنت لاترى من الأرض شيئاً يامحمد؟
– نعم، فلم تعد عيناي تلمحان في الاسفل شيئاً أيها الطائر العزيز…؟
عندها أمرته السيمرة – للمرة الأخيرة – أن يتماسك بأرياشها جيداً، وأن يغمض عينيه على عجل وألا يفتحهما ألا حينما تأمره هي بذلك . إستجاب محمد لما أرادته، وفجأة أطبقت السيمرة جناحيها إلى جسمها وبدأت تهوي مع ضيفها الغريب الأطوار، كبرق في إعصار خارق القوة، كاد أن يطير لها قلب محمد هلعاً ! لولا جلده.. وقوة احتماله.. ورباطة جأشه .
وماهي إلا لحظات حاسمة مرت من عمر الزمن مهولة، مرعبة ! حتى أحس محمد ابن العجوز، بأن أرجل طائره قد استقرت على أرض ما، وسمع صوت السيمرة، تأمره أن يفتح عينيه بهدوء. وحينما كان يفتحهما بحذر خوفاً من رهبة المكان وهيبته، الفى هذا الشاب المغامر الطموح، ألفى نفسه فوق سطح قصر شاهق منيف، لم ير في حياته قصراً لا أبهى، ولا أجمل، ولا أعجب منه قط ، تحيط به سبعة أبحر محيط مترامية الاطراف، تمتد على مرمى البصر،لا نهاية لمياهها ولا قرار، كما وصفتها له السيمرة من قبل تماماً.
هنا نتوقف عن متابعة بقية القصة وننتقل إلى القصة السومرية القديمة في حلتها البابلية المقتبسة من السومرية أصلاً بعنوان (إيتانا الراعي) أو بالتعبير السومري القديم (عندما الآلهة رسموا المدينة). والقصة تعود في عمرها إلى آلاف السنين قبل الميلاد أي إلى العصر السومري ثم البابلي تحديداً، وإيتانا هذا هو الملك الثالث عشر الذي حكم بعد الطوفان والملك الرابع لسلالة كيش السومرية الأولى. وللمقارنة بين القصتين إيتانا الراعي، وسين وكولى، اللتان تدور حوادثهما حول أسطورة النسر والحية. تقول القصة السومرية – البابلية:
ولدا سوية وسوية ولدا
وكان ذلك في ظل شجرة صفصاف حيث وضعت الحية فراخها
بينما وضع النسر فراخه فوقها
راودت النسر أفكار سيئة
قرر أن يلتهم صغار حليفته
فتح النسر فاه وقال لصغاره.
إني سألتهم صغار الحية
فانبرى أصغرالفراخ وكان أذكاهم
قائلاً لأبيه النسر
يا أبت لاتأكلها لأن شبكة شمس ستنال منك
ولكن النسر لم يصغ إلى كلام ابنه
وما كان منه إلا أن نزل والتهم فراخ الحية
بعدها تشتكي الحية إلى الإله السومري (إيا) خيانة النسر لها وما فعله بفراخها بعدما حلفا لبعضهما بعهود الآلهة، وبعد يسمعها الإله يوعزإلى الحية بالإختباء داخل جثة ثور سيميته هو، وعندما يأتي النسر ليلتهم لحم الثور عليها أن تمسك به وأن تنتف أرياشه وتلقيه في حفرة عميقة في الأرض، ففعلت الحية ما أمره بها الإله فأمسك بالنسرونتف أرياشه وألقى به في حفرة عميقة في الأرض. ثم يأتي بعد ذلك إيتانا لينقذ النسرمن حفرته التي عاقبه فيها الآلهة فتكون لإيتانا أياد بيضاء عليه ويصبحان على إثرها صديقين حميمين، كما كان لمحمد بن العجوز أياد بيضاء على السيمرة بإنقاذه صغارها من هجمة ثعبان مخيف.
المقطع الثاني وفيه يسأل إيتانا إله الشمس أن يمنحه نبتة الإنجاب لأنه كان بدون ذرية.
أيها السيد تلفظ بأمرمن أجلي
امنحني نبتة الإنجاب
اما اللوحة الرابعة للقصة فتقول:
قال النسر لإيتانا
ياصديقي إن السموات رائعة
تعال لأنهض بك إلى سموات آنو
الصق صدرك بصدري
وضع يدك على طرف جناحي
وطوق بذراعيك أعلى الجناح
ولما حلق الطائر بالملك إلى مسافة فرسخ مضاعف
قال النسر لإيتانا
أنظر ياصديقي، كيف ترى البلاد
أحط بنظرك البحر وفتش عن شواطئه
أجاب إيتانا: أن البلاد اختفت وكأنها جبل فقط
وأصبحت مياه البحر كمياه النهر
فارتفع به إلى فرسخين مضاعفين
فقال النسر لإيتانا:
أنظر ياصديقي كيف هي البلاد فقال:
أصبحت البلاد مثل تل واحد
هكذا في كل مرة كان يسأل فيه النسر إيتانا الراعي عن أحوال الأرض تحته، إلى أن وصلا سماء آنو فنزلا يسجدان له، كما هو حال محمد ابن العجوز مع السيمرة العملاقة ونزولهما على سطح قصر سين بطل القصة الكردية الآنفة الذكر. وهنا سنعمد إلى مقارنة القصتين بجدول مقارن للتوضيح.
جدول للمقارنة:
قصة سين وكولى |
قصة إيتانا الراعي السومرية |
أفراخ السيمرة ينصحونها بألا تقتل محمداً | فرخ النسر ينصح والده بألا يلتهم صغار الحية |
السيمرة تحمل محمد على ظهره | النسر يحمل إيتانا على ظهره |
تطلب السيمرة أن يتماسك بأرياشها جيداً | يطلب النسر أن يطوق بيديه جناحه |
القصد هو جلب قصة كمهر للزواج | القصد هو جلب عشب الولادة |
تسأل السيمرة محمد كيف يرى الأرض | النسر يسأل إيتانا كيف يرى الأرض |
محمد يراها مرة كبحر واسع | إيتانا يراها كأنها جبل فقط |
يرى الأرض كبساط | يراها إيتانا مثل تل واحد |
نزل محمد على سطح قصر سين | نزل إيتانا في سماء آنو |
للقصة مرحلتين طلب الزواج ثم الوسيلة | مرحلتين للقصة طلب الإنجاب ثم الوسيلة |
بهذه المقارنة الشيقة والعجيبة بين القصتين أو الإسطورتين الكردية والسومرية الموغلة في القدم نثبت قدم القصة الكردية أيضاً، ونثبت بهذا مرة أخرى بأن السومريين إما انهم أكراد أو أنهم جيران للكرد في بلاد الرافدين وذلك منذ عصور سحيقة في القدم، وإلا فليفسر المفسرون لنا سر هذا التشابه العجيب! وبقاء القصة الكردية تحفظ في الصدور إلى اليوم بينما اندثر السومريون وقصصهم التي تروى من قبل الآخرين وبقيت منقوشة في الرقيمات الأثرية بكل عظمة وجلال. واعتقد أنه علينا ألا ننظر ببساطة إلى هذا التشابه العجيب بين مثل هذه القصص والأساطير بيسر وسهولة، فهي تكشف تاريخاً هاماً لشعوب كانت ولازالت بلاد الرافدين مسرحاً لها ثم تقوقع هذا التاريخ في ثنايا تراث شعوب المنطقة وفي تلك التلال الذهبية التي لازالت تنتظر البحث والتنقيب في كل ذرة من ذراتها الذهبية القيمة.
وهكذا نؤكد هنا على أن المحتوى المفاهيمي لقصة سين وكولى تعود إلى آلاف السنين أي إلى العهد السومري تحديداً، ولكنها حورت حسبما تقتضيه ثوابت ومفاهيم المجتمع الكردي آنذاك، ولذا حاولنا قدر الإمكان أن نقرأ من خلالها وفي تحليلاتنا وشروحاتنا السابقة بعضاً من فراغات وصوامت المجتمع الكردي القديم وامتداده حتى اليوم أيضاً.