فتح الله حسيني
بعد أن صدر للشاعر الكوردي شيركو بيكه س مجموعته الشعرية “الكرسي” عن دار المدى في العاصمة السورية دمشق، بترجمة الكاتب سامي داوود، صدرت، مؤخراً، عن دار الينابيع في دمشق أيضاً، مجموعة “ملك الكلمات”، التي أحتوت على أكثر من سبعين قصيدة قصيرة، ومن ترجمة المترجم الكوردي المقيم في دمشق صلاح برواري.
تحتفي المجموعة بتقديم الصورة الأكثر ألقاً في الشعر الكوردي المترجم الى العربية احتفاءً ساخناً، وربما هذه إحدى ميزات الترجمة الى لغة أخرى، ولعل لجوء المترجم الكوردي صلاح برواري الى فن الترجمة، منذ زمن بعيد، طبعاً، نابع من هاجسه غير الوحيد، في أن للترجمة نكهتها، أوللترجمة منابر أكثر جدوى للإفضاء، بكل تأكيد، الى التواصل المباشر بين الثقافات المتنوعة، وربما أيضاً ناجم من روح وهاجس “الخيانة” الأدبية المتجذرة في قناعات برواري الثقافية، حينما يلجأ الى ذلك، ويدون بلاهوادة، ثم لينثرها وينشرها في صحف عربية كبرى موزعة بين بيروت ودمشق، لتبقى خياناته ذهبية، وهي بالتالي خيانات جميلة تفضي الى ايصال الأدب الكوردي الذي همش كثيراً وبقي في الظل الإعلامي طويلاً، دون الوصول، مترجماً، الى القارئ العربي، بلغته هو، دون زيف، لا سيما تمكن برواري من اللغتين.
اهداء برواري كتاب بيكه س الشاعر، الى بيكه س الانسان، إخلاص واضح من مترجم له باع طويل في هذا المضمار، بعد أن رفد دوريات عربية مهمة بالإبداعات الكوردية المختلفة، وعلى اختلاف أجيالهم دون تحيز.
تبدأ المجموعة بتقديم قصير بقلم المترجم، يسلط فيه الضوء على مسيرة هذا الشاعر الحافلة بالسفر واللااستقرار، منذ ولادته في كوردستان العراق، وتأسيسه لرابطة روانكه/ المرصد، في مطلع السبعينيات من القرن الماضي والتي كانت تمثل حركة التجديد في الشعر والأدب الكورديين، والى تبوءه منصب وزير الثقافة في حكومة إقليم كوردستان والى سفره الى السويد وحصوله على جائزة توخولسكي السويدية العالمية ومنحه محافظة فلورنسا الايطالية جنسيتها الفخرية، وترؤسه لمؤسسة “سردم” في السليمانية، هذه المؤسسة الضخمة التي تصدر العديد من الدوريات باللغتين الكوردية والعربية، والى توزع بيكه س بين المنابر هنا وهناك، كشاعر تظل له نكهة الشعر، وهو المغتسل بالشعر.
يقول بيكه س في قصيدة “ملك الكلمات” التي تحمل المجموعة عنوانها:
لو ارتديت الشعاع
لتتوجت أنا بقمر زاهٍ
وتمنطقت بموجة
لو تكللت بتاج
من حباحب قصيدة لي
لتحولت أنا
الى ملك للكلمات الجميلة
وتربعت على عرش غمامة
قبالة قوس قزح
بيكه س، الشاعر، الذي يقود مفرداته بروية تامة، هو الذي يحدد الفاصل بين مفردة وأخرى، ويهتم بقصيدته كما يهتم الربّ بملكوته، هادئ في ايراد الكلمة، ويتربع على عرشها، ويراقص جنياتها، وينام في حضنها، هو ملك، في تتويج قصيدته من بعده، لأنه بكل بساطة ” شاعر ترتمي جنية الشعر على قدميه، متضرعة فك إسارها، فيقمقمها في قصائد مختزلة وغاية في الروعة والجمال” بحسب تعبير المترجم.
قصيدة حلبجة التي أحتوتها المجموعة، هي قصيدة كتبت أوان الكارثة، أوان الفاجعة الكبرى، أوان بسط الله عباده على أسلاكهم الشائكة، وقالت لهم الأرض تعالوا لأحضنكم، والحدود، والمنافي القاسية، فرداى فرادى أو بالجملة لايهم، لتقول لهم السماء: أنتم أكرادي الموتى/ الشهداء، هي قصيدة قرأتها في بداية التسعينيات، كما هي الآن، من ترجمة ذات المترجم، صلاح برواري، الذي قدم لنا، في دمشق أيضاً، آنذاك كتيباً صغيراً لأربعة شعراء كورد مترجمين الى اللغة العربية وهم :لطيف هلمت، رفيق صابر وعبدالله بيشو بالإضافة الى شيركو بيكه س، ووقفت، حينها، أتأمل وأتمعن في حضرة هذه القصيدة المؤلمة، التي تقص سيرة يباس مقصود، واستشهاد جماعي، أوان كان جرح حلبجة مازال مدمياً، رغم أن المدينة كلها مدماة منذ استشهادها في العام 1988 والى الآن:
كان الرابع عشر من الشهر
على هامة كويزه
اختطفت الرياح قلمي
وحين وجدته وكتبت به
حلقت كلماتي أسراباً أسراباً
كان الخامس عشر
أخذ ( سيروان) قلمي
وحين استرددته وكتبت به
تحولت قصائدي، واحدة إثر أخرى
الى أسماك
كان السادس عشر
آه، السادس عشر
عندما سلبني ( شارزور) قلمي
وحين أعاده إليّ.. لأكتب به
كانت أصابعي قد تيبست
مثل حلبجة.
المجموعة التي تضم أكثر من سبعين قصيدة قصيرة، تحتفي بالوحشة الانسانية، بالألم الكوردي، باحتراق زكيا ألكان، وتهدى الى كمال جنبلاط، وتوزع كصور انسانية وشعرية على متاهات زمن مر مرير، ويبقى للشعر رونقه كشاهد على ما سيأتي، تماماً كالكرسي الذي أُعدم عليه الشاعر وبقي شاهداً حتى رأى موت الجلاد:
الكرسي الذي
أعدموا عليه الشاعر
بقي شاهداً
وظل حياً
حتى رأى موت الجلاد
وتربعت عليه
الحرية..
الشاعر الكوردي الذي يكتب بالكوردية دون غيرها من اللغات شيركو بيكه س، بتعبير الشاعر الكوردي الذي يكتب باللغة العربية دون غيرها من اللغات سليم بركات هو “الرعوي المنشد الجوالة في الطبائع المائية للكلمات، يحدّث التراب بلسان الروائح التي هي قسم الكوردي، وبلسان اللون الذي هو بذرة روحه، مأخوذاً بكل تدبير للصور بنازع المحتفل كأنما يسرح في المذاهب كلها المؤتلفة باجتهاد الهواء الفقيه”.
يقول بيكه س في قصيدة “بيانو”:
ذات مرة،
والوقت خريف
طارت أسراب السنونو
صفاً صفاً
من قلوب شعراء القارات الخمس
في هذا العالم.
ورويداً رويداً
دخلت قفصاً
فتحول القفص
الى بيانو
فإذا كانت أسراب السنونو الآتية من القارات الخمس تدخل قفصاً، ليتحول القفص الى بيانو، فأنه في غابر الأزمان وبأمر من الشعر تم دفن زوجة السلطان والحلي والشعر:
في غابر الأزمان
قيل أن شعراً
تزين بحلي زوجة السلطان
وبأمره:
دفنوا الزوجة
والحلي
والشعر معاً.
مجموعة ” ملك الكلمات” للشاعر الكوردي شيركو بيكه س ومن ترجمة صلاح برواري تحتاج الى وقفة طويلة، ولكن آثرنا قراءتها سريعاً، لتكون نوعاً من المبتدأ، إيذاناً بخبر غير متأخر.
اهداء برواري كتاب بيكه س الشاعر، الى بيكه س الانسان، إخلاص واضح من مترجم له باع طويل في هذا المضمار، بعد أن رفد دوريات عربية مهمة بالإبداعات الكوردية المختلفة، وعلى اختلاف أجيالهم دون تحيز.
تبدأ المجموعة بتقديم قصير بقلم المترجم، يسلط فيه الضوء على مسيرة هذا الشاعر الحافلة بالسفر واللااستقرار، منذ ولادته في كوردستان العراق، وتأسيسه لرابطة روانكه/ المرصد، في مطلع السبعينيات من القرن الماضي والتي كانت تمثل حركة التجديد في الشعر والأدب الكورديين، والى تبوءه منصب وزير الثقافة في حكومة إقليم كوردستان والى سفره الى السويد وحصوله على جائزة توخولسكي السويدية العالمية ومنحه محافظة فلورنسا الايطالية جنسيتها الفخرية، وترؤسه لمؤسسة “سردم” في السليمانية، هذه المؤسسة الضخمة التي تصدر العديد من الدوريات باللغتين الكوردية والعربية، والى توزع بيكه س بين المنابر هنا وهناك، كشاعر تظل له نكهة الشعر، وهو المغتسل بالشعر.
يقول بيكه س في قصيدة “ملك الكلمات” التي تحمل المجموعة عنوانها:
لو ارتديت الشعاع
لتتوجت أنا بقمر زاهٍ
وتمنطقت بموجة
لو تكللت بتاج
من حباحب قصيدة لي
لتحولت أنا
الى ملك للكلمات الجميلة
وتربعت على عرش غمامة
قبالة قوس قزح
بيكه س، الشاعر، الذي يقود مفرداته بروية تامة، هو الذي يحدد الفاصل بين مفردة وأخرى، ويهتم بقصيدته كما يهتم الربّ بملكوته، هادئ في ايراد الكلمة، ويتربع على عرشها، ويراقص جنياتها، وينام في حضنها، هو ملك، في تتويج قصيدته من بعده، لأنه بكل بساطة ” شاعر ترتمي جنية الشعر على قدميه، متضرعة فك إسارها، فيقمقمها في قصائد مختزلة وغاية في الروعة والجمال” بحسب تعبير المترجم.
قصيدة حلبجة التي أحتوتها المجموعة، هي قصيدة كتبت أوان الكارثة، أوان الفاجعة الكبرى، أوان بسط الله عباده على أسلاكهم الشائكة، وقالت لهم الأرض تعالوا لأحضنكم، والحدود، والمنافي القاسية، فرداى فرادى أو بالجملة لايهم، لتقول لهم السماء: أنتم أكرادي الموتى/ الشهداء، هي قصيدة قرأتها في بداية التسعينيات، كما هي الآن، من ترجمة ذات المترجم، صلاح برواري، الذي قدم لنا، في دمشق أيضاً، آنذاك كتيباً صغيراً لأربعة شعراء كورد مترجمين الى اللغة العربية وهم :لطيف هلمت، رفيق صابر وعبدالله بيشو بالإضافة الى شيركو بيكه س، ووقفت، حينها، أتأمل وأتمعن في حضرة هذه القصيدة المؤلمة، التي تقص سيرة يباس مقصود، واستشهاد جماعي، أوان كان جرح حلبجة مازال مدمياً، رغم أن المدينة كلها مدماة منذ استشهادها في العام 1988 والى الآن:
كان الرابع عشر من الشهر
على هامة كويزه
اختطفت الرياح قلمي
وحين وجدته وكتبت به
حلقت كلماتي أسراباً أسراباً
كان الخامس عشر
أخذ ( سيروان) قلمي
وحين استرددته وكتبت به
تحولت قصائدي، واحدة إثر أخرى
الى أسماك
كان السادس عشر
آه، السادس عشر
عندما سلبني ( شارزور) قلمي
وحين أعاده إليّ.. لأكتب به
كانت أصابعي قد تيبست
مثل حلبجة.
المجموعة التي تضم أكثر من سبعين قصيدة قصيرة، تحتفي بالوحشة الانسانية، بالألم الكوردي، باحتراق زكيا ألكان، وتهدى الى كمال جنبلاط، وتوزع كصور انسانية وشعرية على متاهات زمن مر مرير، ويبقى للشعر رونقه كشاهد على ما سيأتي، تماماً كالكرسي الذي أُعدم عليه الشاعر وبقي شاهداً حتى رأى موت الجلاد:
الكرسي الذي
أعدموا عليه الشاعر
بقي شاهداً
وظل حياً
حتى رأى موت الجلاد
وتربعت عليه
الحرية..
الشاعر الكوردي الذي يكتب بالكوردية دون غيرها من اللغات شيركو بيكه س، بتعبير الشاعر الكوردي الذي يكتب باللغة العربية دون غيرها من اللغات سليم بركات هو “الرعوي المنشد الجوالة في الطبائع المائية للكلمات، يحدّث التراب بلسان الروائح التي هي قسم الكوردي، وبلسان اللون الذي هو بذرة روحه، مأخوذاً بكل تدبير للصور بنازع المحتفل كأنما يسرح في المذاهب كلها المؤتلفة باجتهاد الهواء الفقيه”.
يقول بيكه س في قصيدة “بيانو”:
ذات مرة،
والوقت خريف
طارت أسراب السنونو
صفاً صفاً
من قلوب شعراء القارات الخمس
في هذا العالم.
ورويداً رويداً
دخلت قفصاً
فتحول القفص
الى بيانو
فإذا كانت أسراب السنونو الآتية من القارات الخمس تدخل قفصاً، ليتحول القفص الى بيانو، فأنه في غابر الأزمان وبأمر من الشعر تم دفن زوجة السلطان والحلي والشعر:
في غابر الأزمان
قيل أن شعراً
تزين بحلي زوجة السلطان
وبأمره:
دفنوا الزوجة
والحلي
والشعر معاً.
مجموعة ” ملك الكلمات” للشاعر الكوردي شيركو بيكه س ومن ترجمة صلاح برواري تحتاج الى وقفة طويلة، ولكن آثرنا قراءتها سريعاً، لتكون نوعاً من المبتدأ، إيذاناً بخبر غير متأخر.
تجدر الإشارة هنا، الى أن المترجم صلاح برواري، من الكتاب القلائل الذين يشتغلون على الترجمة الى جانب الكتابة الإبداعية، وهذا ما يفتقده الكثيرون من المنخرطين في الوسط الثقافي، فقد صدر لبرواري كتب مترجمة عديدة تمت ترجمتها من الكوردية الى العربية، منها “انتفاضة آكري: مذكرات الجنرال إحسان نوري باشا” العام 1990، “مختارات من الشعر الكوردي المعاصر” العام 1991، و”قصائد تمطر نرجساً” في العام 2008 للشاعرة كزال أحمد ومجموعة “فصول الحب” للشاعر الكوردي السوري فرهاد عجمو هذا العام.