وزنه حامد
w.hamedose@gmail.com
كانت تهرول ..تضحك ,تشرع ذراعيها وهي تهبط من الدرج لتنثر الأرض وروداُ بنفسجية وأخيراً قفزت لتقطع المسافة في النزول من الدرج.
ارتمت في حضنه متماهيةً.انتابتها غبطة لا مثيل لها تملكها شعور أفقدها التوازن قال لها:
ـ مهلاً….مهلاً يا عدلة ما سبب هذه الغبطة الغريبة.
w.hamedose@gmail.com
كانت تهرول ..تضحك ,تشرع ذراعيها وهي تهبط من الدرج لتنثر الأرض وروداُ بنفسجية وأخيراً قفزت لتقطع المسافة في النزول من الدرج.
ارتمت في حضنه متماهيةً.انتابتها غبطة لا مثيل لها تملكها شعور أفقدها التوازن قال لها:
ـ مهلاً….مهلاً يا عدلة ما سبب هذه الغبطة الغريبة.
تناولت يده واصطحبته متابعة…. قالت:
ـ تعال معي.. يا حسن سأستضيفك اليوم في أرقى المطاعم سأغديك على حسابي.
ـ لكن ما سبب هذه الدعوة …
ـ المناسبة..فقط لأنك تنتظرني كل يوم أمام الشركة حتى ترفض الذهاب إلى المنزل من غير أن تصطحبني معك ,إنك حبيبي و….و….و…. كانت تتحدث وهي تستدير حول قامتها وترقص :
ـ لكن يا عدلة من أين لكِ كل هذه المصاريف.
ـ لقد استلفت من صديقتي
ـ استلفت من صديقتك..؟ مجنونة ..تعرفين مدى احتياجنا لقرش واحد ونحن على وشك الزواج
تناولت يده بحرارة وقالت: حسن يا حبيبي تعال معي سأخبرك دواعي احتفالنا هذا.
ـ لكن بشرط يا عدلة.
ـ هات يا سيدي ..يا أغلى إنسان في الدنيا.
ـ لا حاجة أن نذهب إلى المطعم.
لكن إلى أين..؟ في خاطري أن اشرع لكَ طاولة عامرة
ـ سنذهب إلى ضفة النهر ونبتاع غداءً جاهزاً لأنني احتاج إلى مكان هادئ ويكون قريب من النهر لتكتنفنا أشجاره ونستمتع بخرير مياهه
استمر وهو يتأمل الأفق البعيد ,أحس في بعض الأحيان بالضجر وخصوصاً أن زواجنا قد تأخر.
ـ حسن حبيبي بقائي إلى جانبك ألا تشعر بالاطمئنان ألستُ حبيبتك إنني أحس بقلقك.. وبعدم استقرارك خاصة في هذه الأيام إذا كانت المشكلة هي تأخر زواجنا فأنا جاهزة…
قاطعها ..؟!
ـ كلا ياعدلة بعدك عني حتى ولو للحظة واحدة يخلق لي انعدام التوازن ولكن الذي يبعث فيّ الضجر هو لأنني لا أستطيع أن أتصرف وأتغلب على الموقف الذي نعيشه لأنه بات حائلا بيني وبينك هذا كل ما في الأمر.
ابتسمت عدلة في وجهه .
ـ كنت أريد أن أخبرك عن مفاجأة بعد الغداء والسبب الحقيقي الذي جعلني ان أدعوك اليوم … هو يا سيدي فكر ملياً معي كانت تطلق كلمة .. كلمة وتضحك وتغمض عينيها مشيرة بهذه الإيماءات أن تلفت انتباهه.
ـ عدلة شوقتني ما تريدين البوح فيه. أرجوك تحدثي.
ـ اسمع سيدي قبل انتهاء الدوام ربما بساعة طلبني مدير الشركة و اخبرني باحتياجهم إلى موظفين أكفاء ليعملوا ساعات إضافية بعد الظهر ربما أنا الوحيدة وقع عليها الاختيار والخبر الآخر مرتبط بك.
ـ ها … يا عدلة هاتي ما عندك.
ـ وأيضا يا حسن طلبوا مهندسين ذوي كفاءات عالية يبدو أن هناك مشروعاً سياحياً يقوم بها صاحب الشركة في اعتقادي أن هدفه ربح مادي والرواتب التي قرروا دفعها بدت أنها مغرية مقابل أن تخطط لهم وتشرف على التنفيذ مع مجموعة من المهندسين.
ـ لكن لست من موظفي شركتكم.
ـ اجل أدرك ذلك. لا مانع لديهم وقد دونت اسمك في قائمة المهندسين المطلوبين . ما رأيك بهذا الخبر.
ـ فعلاً إنها سارة … الآن أحس بأن كابوساً قد انزاح عن صدري وهذا يعني أننا سنتزوج في اقرب وقت ولا ريب سنختصر مسافة الزمن .
أثناء تناولهما الغداء اصطدمت كرة صغيرة بظهر حسن ولما أدار وإذ بطفل فداعبه بسؤال عن اسمه وفي أي صف هو.
ثم لعب مع الطفل بالكرة وشاركتهما عدلة أيضا. بعد هذا الانتعاش الذي شعر به حسن ما كان أمامها إلا ان ذهبت إلى بيتها وخصوصاً إن الشمس وهي على وشك أن تسدل ستارها لتحجب النور ويحل مكانه الظلام, وفي طريقهما تبادلا أحاديث ساخنة التي تعني حياتهما ومستقبلهما وتواعدا أن يستغلا الفرص المتوفرة لهما في العمل الإضافي ليبنيا عشاً زوجياً هادئاً , افترقا على أمل اللقاء .
في صباح اليوم الثاني تناولت عدلة الهاتف وبدأت تدير الأرقام واحداً تلو الآخر.
ـ ألو… صباح الخير.. حسن
ـ أهلا حبيبتي.. صباح النور .. كنت أنتظر اتصالاً منك سوف أتخلف اليوم عن العمل فثمة ظروف تعترض قدومي إليك , أرجو أن لا تنتظريني وتذهبي إلى عملك .
ـ ولكن ما هذه الظروف.. ؟
ـ عدلة صدقيني لاشيء ,دعاني صديقي لأداء عمل يهمه ..
ـ اجل… اجل فهمتك . أتمنى لكما رفقة سعيدة.
ـ في أمان الله
ـ شكراً حبيتي.
انصرفت عدلة من عملها بعد أن مضت وقتها المخصص. خرجت متشتتة الحال تنظر يميناً تارة وأخرى شمالاً ثم بخطوات وئيدة و قد تكون هي المرة الأولى التي يتخلف فيها حسن عن اصطحابها إلى المنزل منذ أن جمعتهما علاقة حب يتدفق كالينبوع ويتجدد في كل لحظة كلمات شجية فيسارع كلاهما في التعبير عما يجول في خاطره من أحاسيس ومشاعر جياشة ,في هذه الأثناء من المد والجزر بالتفكير كانت تريد عبور الشارع إلى الجهة الثانية. وفجأة وإذ بسيارة تصدمها وتسقطها أرضاً, سرعان ما نزل سائق السيارة وهرول الجميع الى مكان الحادثة ولكن سبحانه وتعالى نجاها بأعجوبة ولم تصب بأذى ,قال لها سائق السيارة وهو يرتعش من هول الصدمة ,وهو يحدق في تفاصيل بدنها وملامح وجهها.
ـ أرجوك سيدتي هل أنت بخير.
ـ أجل يا عمي إني بخير. قالت وهي تنظف ثيابها من الغبار العالق بها.
ـ تفضلي لأوصلك إلى المكان الذي تريدين.
– كلا يا عمي أنا بخير ..أستطيع الذهاب بمفردي
ـ أقسمت أن أوصلك. أمام رغبته الملحة.
ـ حاضر يا عمي….أثناء الطريق. سألها :
ـ المعذرة يا ابنتي ما أسمك : عدلة.
أين تسكنين. هلا هديتني إلى الطريق.
– أجل …في نهاية هذا الشارع إلى يمينك سيصادفك شارع فرعي ومنه تدخل حياً شعبياً.
فأنا أسكن في ضواحي المدينة.
ـ آه …اجل صدقيني. ثم هز رأسه .
كرر ما قالت عدلة. (ضواحي المدينة). حي شعبي أكمل
بالرغم من إنني ولدت وفي فمي ملعقة ذهبية وأنا ابن عائلة ثرية والملك لله ولكنني في أحايين كثيرة احن إلى المشي في مثل هذه الأحياء وبين أناسها البسطاء الذين لا يفوتهم شيء إلا أن يتوقفوا عنده فجأة : أشارت عدلة.
ـ من فضلك توقف لقد وصلنا.
ـ تفضلي يا ابنتي هذه بطاقتي ومكتوب فيها رقم هاتفي أتمنى أن تتصلي معي إن احتجت إلى خدمة أكمل آه… إن فرحتي بسلامتك جعلني أنسى أن آخذك إلى طبيب ليكشف عليك.
ـ يا عمي والله الأمر لا يحتاج إلى طبيب.
ـ لكن هل لي أن آخذ رقم هاتفك لأطمئن عليك في وقت لاحق.
ـ تفضل هذا رقمي.
– لكن في أي طابق تسكنين .
– في الطابق الثاني رقم البيت ……..
ثم انصرفت لتدخل بيتها فهرعت أمها تسألها.
ـ ما بك يا عدلة لم أنت مصفرة هكذا.
ـ لا شيء يا أمي أنا بخير.
لكن إحساسها كان أقوى وألحت على ابنتها أن تقص ما جرى لها وهي مصفرة الوجه والاضطرابات بادية عليها يبعث في قلب الأم فزعاً فأخبرتها عدلة بكل ما جرى لها شرط ان لاتخبر خطيبها حسن كي لا يقلق عليها .
في الصباح رن جرس الهاتف مطولاً مما اضطرت الأم أن ترد .
ـ ألو ….
ـ صباح الخير يا خالتي . صباح الخير يا أبني .
ـ أين عدلة…؟
ـ ما تزال نائمة …
– لا يعقل …أهي نائمة حتى الآن..؟
أعرفها نشيطة وربة بيت من الدرجة الأولى قال : مازحاً .
صوت أمها أيقظتها من نومها .هرولت من فراشها تناولت سماعة الهاتف من يد أمها بعجالة .
ـ ألو حبيبي حسن صباح الخير …
– صباح الخير أيتها الخاملة .لقد سبقتك اليوم .
لا يهم يا سيدي فأنا جاهزة بعد لحظات انتظرك ،في طريقهما إلى العمل ترددت أن تخبره عن الحادث لتتجنب ما قد يحدث له من خوف وقلق عليها .
في ذات المساء دق جرس الباب فتحت عدلة الباب وإذ بالعم ومعه امرأة عجوز تقاربه في السن…
ـ قالت : أهلاً … أهلاً تفضلا .
عند دخولهما كانا قد جلبا لهم الكثير من الهدايا . نادت عدلة أمها لاستقبال الضيوف جاءت الأم ورحبت بهم ثم قدم العم نفسه وزوجته إلى أهل المنزل .
فقال : أنا الحاج محمد وينادونني بـ ( أبو مازن ) وهذه أم مازن .
أهلاً وسهلاً بكما.
جئنا نطمئن على صحة عدلة .
إنها بخير والحمد لله .
ألتفت أبو مازن إلى عدلة قائلاً بعد ان قدمت له كوب من الشاي :
أنت مخطوبة .
اجل .
مبروك سلفاً. ومتى العرس إن شاء الله ؟ ارجوا أن نكون من المدعوين ..
أكيد يا عمي فأنت الآن بمكانة والدي .
آه صحيح أين والدك . بسؤاله هذا استفز الحزن والحرمان الأبوي في أعماق عدلة ,أجابته بحسرة قاتلة .
والدي ( تعيش أنت يا عمي ) توفي منذ سنوات في الوقت الحاضر أعيش مع والدتي وليس معنا أحد .
أعتبريني بمثابة والدك يابنتي والحاجة فاطمة أمك . فنحن لدينا ابنة في عمرك تعيش مع زوجها في فرنسا استمر : زوجها من أكبر رجال الأعمال وهي تعمل في الصحافة وقد عوضنا الله في غياب ابنتنا بابنة مثلك وأمك هي أخت لنا . أراد الحاج أن ينسي حزن عدلة بذكر والدها بقوله .
لنعد الى موضوعنا متى سنحتفي بكما يا عدلة .
قبل أن تتفوه عدلة بحرف واحد سبقتها والدتها لتخبر (أبو مازن) عن سبب تأخر زواجها – في هذه اللحظات استأذنهما العم وزوجته بالانصراف وأوصى عدلة بأن لا تتأخر في طلب أي شيء وأنه أصبح من حقه أن يحضر ويحملها بسيارته ويوصلها إلى مكان عملها ويقدم ما يحلو لها لاْن كلاهما ربما يعوض الحرمان في الآخر قبل نزول (أبو مازن) من الدرج التفت إلى عدلة .
في أية شركة تعملين .
الشركة (….)
آوه ..؟! حتى صاحب الشركة من أعز أصدقائي سأوصيه ليهتم بك تردد العم كثيراً عليها مما جعلت عدلة تهمل حسن لا لشيء بل لأنها وجدت اباً حنوناً وتعتذر في بعض الأحيان عن العمل الإضافي فحسن الذي يعمل لساعات إضافية ويضطر أحيانا الابتعاد عن المدينة ربما أياما للعمل في المشروع السياحي وفي الأيام التي ياتي إلى المدينة لا يجد اهتماماً من عدلة كما كانت في السابق بدورها تخفي هذه العلاقة عن حسن لتجعلها مفاجأة في الأيام القادمة التي ستخبره بها .
في يوم حضر حسن كعادته أوقات الدوام الانصراف ليرافق عدلة إلى منزلها ولكنه لم يجد لها أي اثر لان الحاج قد سبقه بساعة واصطحبها الى الحاجة فاطمة التي حثته أن يحضرها ويقضيا فترة الغداء معاً بعد أن استأذنت من والدتها , عند انتظاره لحظات . التقى بمستخدم الدائرة سأله : عن عدلة بلهجة مربكة تناهى كلماته مسمع الموظفة التي خرجت للتوها من الدائرة فتقدمت نحو حسن وقالت : ها يا أستاذ أتسأل عن عدلة الله في عونك مسكين وضائع بطيبتك وحبيبتك ناسية الدنيا كلها مع ذاك العجوز الثري . قالتها بلغة شكوكية ..كلماتها تتطاير كالخناجر المسمومة مما شل تفكيره وعدم التركيز على ما قالته الآنسة ثم استمرت في طريقها . التفت إليه المستخدم وقال له :
إياك أن تصدق كلام الآنسة . فعدلة إنسانة متزنة وأكثر من ذلك انها أشرف من الشرف هذا طبعها فهي حاقدة عليها وتغار منها أيضا .
استأذن حسن بالانصراف ولكن إلى أين لا يدري هل يعقل ان يشك بحبيبته ولو للحظة واحدة . هل يعقل ان يتخلى عن مشاعره وحبه . هل يعقل أن يتخلى عن عالم بأكمله عاش معها في سنوات حبها,اغرورقت عينا حسن بالدمع . معاتباً تفكيره الذي جره إلى كل هذه الشكوك في رفيقة دربه , عند الساعة المتأخرة من النهار اتصلت عدلة هاتفياً.
ألو حبيبي حسن مرحباً وكيف حالك ؟ أعتذر… قاطعها تعتذرين عن ماذا ؟ غاصت في نفسه شكوك أنها احست بالذنب وتريد ان تلملم ما فعلته.
ألو حسن لم لا ترد عليّ… لم توقفت عن الكلام……….
كلا ..كلا أنا معك .
لما هذا الشجن في صوتك , انك لم ترحب بي كالعادة , ربما هذه أول مرة أحس بأنني غريبة عنك
لا شيء لا شيء ما تريدينه من اتصالك. لم تبال عدلة بالموقف لعله يكون كابوساً عابرا عاودت الكلام:
أريدك ان تأتيني في غضون ساعة ,هناك مفاجأة سأخبرك بها .
ما هي هذه المفاجئة ان شاء الله ؟ يبدو ان هذه الأيام تخبئ كثيراً من المفاجآت وتكشف حقائق كثيرة.
مرة أخرى لن أباليك ولن أشاجرك في الحديث انتظرك … باي تمدد على سريره هل يذهب أم لا . أصبح عقله يناقش شكوكه . هل يعقل يا حسن أنها عدلة …… اجل انها عدلة التي تعرفها أكثر من أي شخص آخر . هل يعقل ان تهيمن عليك كل هذه الوساوس. أنها كانت مجرد كلمة عابرة من إنسانة مريضة .
ذهب حسن إلى موعده متوجهاً إلى عدلة . استقبلته بكل حب وحنان. جرته من يده قالت له :
تعال معي .
إلى أين ..؟
الم تتذكر بأنني وعدتك بالمفاجئة.
في طريقها قصتّ عليه ما جرى لها عن الحادث وكيف تعرفت (بأبي مازن) الذي بدوره عوضها عن والدها وقد أصر ان يتعرف بحسن وان يحضره معها ليشربا القهوة معاً .
دهش حسن من رؤية فيلا فخمة . عند وصولهما استقبلهما (أبو مازن) بكل احترام وبمشاعر أبوة مما اخمد لهيب الشكوك في داخل حسن الذي بدأ ينظر إلى عيني عدلة . أحزنه ما بدر منه كل هذه الشكوك تجاهها بدأ (أبو مازن) بالحديث.
– اذاً أنت حسن . حدثتني عدلة عنك كثيراً فهي تحبك هنيئاً على وفائها لك .
– وأنا أيضا أحبها فهي بالنسبة لي كل ما املك في هذه الدنيا .
– يا ابني اردت مجيئك لأنني علمت بطريقة غير مباشرة من عدلة سبب تأخير زواجكما كما ترى أنعم الله عليّ بأموال طائلة لا أستطيع ان أحصيها وكذلك ابنتي الوحيدة فزوجها يملك ربما أكثر مما أملك وسمحت لنفسي أن اخذ دور والدكما وأن اشتري شقة مفروشة أسجلها باسم عدلة وان أهديكم بطاقات الدعوة وحجز الصالة أيضا ومصاريف الزفاف ها ….. ما رأيك .
– لكن يا عمي …… قاطعه .
– اجل …. اجل فهمت ما ستقوله عدلة أيضا اعترضت على الشقة وأنها ستأخذها شرط أن ترد ثمنها على شكل أقساط وافقتها وأمام رغبتها الملحة وهي لا تقوم بفعل أي شيء إلا بموافقتك واستشارتك ولهذا طلبت حضورك . ما رأيك .
– ليس لدي رأي فأنت الأب والعم لذلك أنت تفصل ونحن نلبس .
ـ لكن ما سبب هذه الدعوة …
ـ المناسبة..فقط لأنك تنتظرني كل يوم أمام الشركة حتى ترفض الذهاب إلى المنزل من غير أن تصطحبني معك ,إنك حبيبي و….و….و…. كانت تتحدث وهي تستدير حول قامتها وترقص :
ـ لكن يا عدلة من أين لكِ كل هذه المصاريف.
ـ لقد استلفت من صديقتي
ـ استلفت من صديقتك..؟ مجنونة ..تعرفين مدى احتياجنا لقرش واحد ونحن على وشك الزواج
تناولت يده بحرارة وقالت: حسن يا حبيبي تعال معي سأخبرك دواعي احتفالنا هذا.
ـ لكن بشرط يا عدلة.
ـ هات يا سيدي ..يا أغلى إنسان في الدنيا.
ـ لا حاجة أن نذهب إلى المطعم.
لكن إلى أين..؟ في خاطري أن اشرع لكَ طاولة عامرة
ـ سنذهب إلى ضفة النهر ونبتاع غداءً جاهزاً لأنني احتاج إلى مكان هادئ ويكون قريب من النهر لتكتنفنا أشجاره ونستمتع بخرير مياهه
استمر وهو يتأمل الأفق البعيد ,أحس في بعض الأحيان بالضجر وخصوصاً أن زواجنا قد تأخر.
ـ حسن حبيبي بقائي إلى جانبك ألا تشعر بالاطمئنان ألستُ حبيبتك إنني أحس بقلقك.. وبعدم استقرارك خاصة في هذه الأيام إذا كانت المشكلة هي تأخر زواجنا فأنا جاهزة…
قاطعها ..؟!
ـ كلا ياعدلة بعدك عني حتى ولو للحظة واحدة يخلق لي انعدام التوازن ولكن الذي يبعث فيّ الضجر هو لأنني لا أستطيع أن أتصرف وأتغلب على الموقف الذي نعيشه لأنه بات حائلا بيني وبينك هذا كل ما في الأمر.
ابتسمت عدلة في وجهه .
ـ كنت أريد أن أخبرك عن مفاجأة بعد الغداء والسبب الحقيقي الذي جعلني ان أدعوك اليوم … هو يا سيدي فكر ملياً معي كانت تطلق كلمة .. كلمة وتضحك وتغمض عينيها مشيرة بهذه الإيماءات أن تلفت انتباهه.
ـ عدلة شوقتني ما تريدين البوح فيه. أرجوك تحدثي.
ـ اسمع سيدي قبل انتهاء الدوام ربما بساعة طلبني مدير الشركة و اخبرني باحتياجهم إلى موظفين أكفاء ليعملوا ساعات إضافية بعد الظهر ربما أنا الوحيدة وقع عليها الاختيار والخبر الآخر مرتبط بك.
ـ ها … يا عدلة هاتي ما عندك.
ـ وأيضا يا حسن طلبوا مهندسين ذوي كفاءات عالية يبدو أن هناك مشروعاً سياحياً يقوم بها صاحب الشركة في اعتقادي أن هدفه ربح مادي والرواتب التي قرروا دفعها بدت أنها مغرية مقابل أن تخطط لهم وتشرف على التنفيذ مع مجموعة من المهندسين.
ـ لكن لست من موظفي شركتكم.
ـ اجل أدرك ذلك. لا مانع لديهم وقد دونت اسمك في قائمة المهندسين المطلوبين . ما رأيك بهذا الخبر.
ـ فعلاً إنها سارة … الآن أحس بأن كابوساً قد انزاح عن صدري وهذا يعني أننا سنتزوج في اقرب وقت ولا ريب سنختصر مسافة الزمن .
أثناء تناولهما الغداء اصطدمت كرة صغيرة بظهر حسن ولما أدار وإذ بطفل فداعبه بسؤال عن اسمه وفي أي صف هو.
ثم لعب مع الطفل بالكرة وشاركتهما عدلة أيضا. بعد هذا الانتعاش الذي شعر به حسن ما كان أمامها إلا ان ذهبت إلى بيتها وخصوصاً إن الشمس وهي على وشك أن تسدل ستارها لتحجب النور ويحل مكانه الظلام, وفي طريقهما تبادلا أحاديث ساخنة التي تعني حياتهما ومستقبلهما وتواعدا أن يستغلا الفرص المتوفرة لهما في العمل الإضافي ليبنيا عشاً زوجياً هادئاً , افترقا على أمل اللقاء .
في صباح اليوم الثاني تناولت عدلة الهاتف وبدأت تدير الأرقام واحداً تلو الآخر.
ـ ألو… صباح الخير.. حسن
ـ أهلا حبيبتي.. صباح النور .. كنت أنتظر اتصالاً منك سوف أتخلف اليوم عن العمل فثمة ظروف تعترض قدومي إليك , أرجو أن لا تنتظريني وتذهبي إلى عملك .
ـ ولكن ما هذه الظروف.. ؟
ـ عدلة صدقيني لاشيء ,دعاني صديقي لأداء عمل يهمه ..
ـ اجل… اجل فهمتك . أتمنى لكما رفقة سعيدة.
ـ في أمان الله
ـ شكراً حبيتي.
انصرفت عدلة من عملها بعد أن مضت وقتها المخصص. خرجت متشتتة الحال تنظر يميناً تارة وأخرى شمالاً ثم بخطوات وئيدة و قد تكون هي المرة الأولى التي يتخلف فيها حسن عن اصطحابها إلى المنزل منذ أن جمعتهما علاقة حب يتدفق كالينبوع ويتجدد في كل لحظة كلمات شجية فيسارع كلاهما في التعبير عما يجول في خاطره من أحاسيس ومشاعر جياشة ,في هذه الأثناء من المد والجزر بالتفكير كانت تريد عبور الشارع إلى الجهة الثانية. وفجأة وإذ بسيارة تصدمها وتسقطها أرضاً, سرعان ما نزل سائق السيارة وهرول الجميع الى مكان الحادثة ولكن سبحانه وتعالى نجاها بأعجوبة ولم تصب بأذى ,قال لها سائق السيارة وهو يرتعش من هول الصدمة ,وهو يحدق في تفاصيل بدنها وملامح وجهها.
ـ أرجوك سيدتي هل أنت بخير.
ـ أجل يا عمي إني بخير. قالت وهي تنظف ثيابها من الغبار العالق بها.
ـ تفضلي لأوصلك إلى المكان الذي تريدين.
– كلا يا عمي أنا بخير ..أستطيع الذهاب بمفردي
ـ أقسمت أن أوصلك. أمام رغبته الملحة.
ـ حاضر يا عمي….أثناء الطريق. سألها :
ـ المعذرة يا ابنتي ما أسمك : عدلة.
أين تسكنين. هلا هديتني إلى الطريق.
– أجل …في نهاية هذا الشارع إلى يمينك سيصادفك شارع فرعي ومنه تدخل حياً شعبياً.
فأنا أسكن في ضواحي المدينة.
ـ آه …اجل صدقيني. ثم هز رأسه .
كرر ما قالت عدلة. (ضواحي المدينة). حي شعبي أكمل
بالرغم من إنني ولدت وفي فمي ملعقة ذهبية وأنا ابن عائلة ثرية والملك لله ولكنني في أحايين كثيرة احن إلى المشي في مثل هذه الأحياء وبين أناسها البسطاء الذين لا يفوتهم شيء إلا أن يتوقفوا عنده فجأة : أشارت عدلة.
ـ من فضلك توقف لقد وصلنا.
ـ تفضلي يا ابنتي هذه بطاقتي ومكتوب فيها رقم هاتفي أتمنى أن تتصلي معي إن احتجت إلى خدمة أكمل آه… إن فرحتي بسلامتك جعلني أنسى أن آخذك إلى طبيب ليكشف عليك.
ـ يا عمي والله الأمر لا يحتاج إلى طبيب.
ـ لكن هل لي أن آخذ رقم هاتفك لأطمئن عليك في وقت لاحق.
ـ تفضل هذا رقمي.
– لكن في أي طابق تسكنين .
– في الطابق الثاني رقم البيت ……..
ثم انصرفت لتدخل بيتها فهرعت أمها تسألها.
ـ ما بك يا عدلة لم أنت مصفرة هكذا.
ـ لا شيء يا أمي أنا بخير.
لكن إحساسها كان أقوى وألحت على ابنتها أن تقص ما جرى لها وهي مصفرة الوجه والاضطرابات بادية عليها يبعث في قلب الأم فزعاً فأخبرتها عدلة بكل ما جرى لها شرط ان لاتخبر خطيبها حسن كي لا يقلق عليها .
في الصباح رن جرس الهاتف مطولاً مما اضطرت الأم أن ترد .
ـ ألو ….
ـ صباح الخير يا خالتي . صباح الخير يا أبني .
ـ أين عدلة…؟
ـ ما تزال نائمة …
– لا يعقل …أهي نائمة حتى الآن..؟
أعرفها نشيطة وربة بيت من الدرجة الأولى قال : مازحاً .
صوت أمها أيقظتها من نومها .هرولت من فراشها تناولت سماعة الهاتف من يد أمها بعجالة .
ـ ألو حبيبي حسن صباح الخير …
– صباح الخير أيتها الخاملة .لقد سبقتك اليوم .
لا يهم يا سيدي فأنا جاهزة بعد لحظات انتظرك ،في طريقهما إلى العمل ترددت أن تخبره عن الحادث لتتجنب ما قد يحدث له من خوف وقلق عليها .
في ذات المساء دق جرس الباب فتحت عدلة الباب وإذ بالعم ومعه امرأة عجوز تقاربه في السن…
ـ قالت : أهلاً … أهلاً تفضلا .
عند دخولهما كانا قد جلبا لهم الكثير من الهدايا . نادت عدلة أمها لاستقبال الضيوف جاءت الأم ورحبت بهم ثم قدم العم نفسه وزوجته إلى أهل المنزل .
فقال : أنا الحاج محمد وينادونني بـ ( أبو مازن ) وهذه أم مازن .
أهلاً وسهلاً بكما.
جئنا نطمئن على صحة عدلة .
إنها بخير والحمد لله .
ألتفت أبو مازن إلى عدلة قائلاً بعد ان قدمت له كوب من الشاي :
أنت مخطوبة .
اجل .
مبروك سلفاً. ومتى العرس إن شاء الله ؟ ارجوا أن نكون من المدعوين ..
أكيد يا عمي فأنت الآن بمكانة والدي .
آه صحيح أين والدك . بسؤاله هذا استفز الحزن والحرمان الأبوي في أعماق عدلة ,أجابته بحسرة قاتلة .
والدي ( تعيش أنت يا عمي ) توفي منذ سنوات في الوقت الحاضر أعيش مع والدتي وليس معنا أحد .
أعتبريني بمثابة والدك يابنتي والحاجة فاطمة أمك . فنحن لدينا ابنة في عمرك تعيش مع زوجها في فرنسا استمر : زوجها من أكبر رجال الأعمال وهي تعمل في الصحافة وقد عوضنا الله في غياب ابنتنا بابنة مثلك وأمك هي أخت لنا . أراد الحاج أن ينسي حزن عدلة بذكر والدها بقوله .
لنعد الى موضوعنا متى سنحتفي بكما يا عدلة .
قبل أن تتفوه عدلة بحرف واحد سبقتها والدتها لتخبر (أبو مازن) عن سبب تأخر زواجها – في هذه اللحظات استأذنهما العم وزوجته بالانصراف وأوصى عدلة بأن لا تتأخر في طلب أي شيء وأنه أصبح من حقه أن يحضر ويحملها بسيارته ويوصلها إلى مكان عملها ويقدم ما يحلو لها لاْن كلاهما ربما يعوض الحرمان في الآخر قبل نزول (أبو مازن) من الدرج التفت إلى عدلة .
في أية شركة تعملين .
الشركة (….)
آوه ..؟! حتى صاحب الشركة من أعز أصدقائي سأوصيه ليهتم بك تردد العم كثيراً عليها مما جعلت عدلة تهمل حسن لا لشيء بل لأنها وجدت اباً حنوناً وتعتذر في بعض الأحيان عن العمل الإضافي فحسن الذي يعمل لساعات إضافية ويضطر أحيانا الابتعاد عن المدينة ربما أياما للعمل في المشروع السياحي وفي الأيام التي ياتي إلى المدينة لا يجد اهتماماً من عدلة كما كانت في السابق بدورها تخفي هذه العلاقة عن حسن لتجعلها مفاجأة في الأيام القادمة التي ستخبره بها .
في يوم حضر حسن كعادته أوقات الدوام الانصراف ليرافق عدلة إلى منزلها ولكنه لم يجد لها أي اثر لان الحاج قد سبقه بساعة واصطحبها الى الحاجة فاطمة التي حثته أن يحضرها ويقضيا فترة الغداء معاً بعد أن استأذنت من والدتها , عند انتظاره لحظات . التقى بمستخدم الدائرة سأله : عن عدلة بلهجة مربكة تناهى كلماته مسمع الموظفة التي خرجت للتوها من الدائرة فتقدمت نحو حسن وقالت : ها يا أستاذ أتسأل عن عدلة الله في عونك مسكين وضائع بطيبتك وحبيبتك ناسية الدنيا كلها مع ذاك العجوز الثري . قالتها بلغة شكوكية ..كلماتها تتطاير كالخناجر المسمومة مما شل تفكيره وعدم التركيز على ما قالته الآنسة ثم استمرت في طريقها . التفت إليه المستخدم وقال له :
إياك أن تصدق كلام الآنسة . فعدلة إنسانة متزنة وأكثر من ذلك انها أشرف من الشرف هذا طبعها فهي حاقدة عليها وتغار منها أيضا .
استأذن حسن بالانصراف ولكن إلى أين لا يدري هل يعقل ان يشك بحبيبته ولو للحظة واحدة . هل يعقل ان يتخلى عن مشاعره وحبه . هل يعقل أن يتخلى عن عالم بأكمله عاش معها في سنوات حبها,اغرورقت عينا حسن بالدمع . معاتباً تفكيره الذي جره إلى كل هذه الشكوك في رفيقة دربه , عند الساعة المتأخرة من النهار اتصلت عدلة هاتفياً.
ألو حبيبي حسن مرحباً وكيف حالك ؟ أعتذر… قاطعها تعتذرين عن ماذا ؟ غاصت في نفسه شكوك أنها احست بالذنب وتريد ان تلملم ما فعلته.
ألو حسن لم لا ترد عليّ… لم توقفت عن الكلام……….
كلا ..كلا أنا معك .
لما هذا الشجن في صوتك , انك لم ترحب بي كالعادة , ربما هذه أول مرة أحس بأنني غريبة عنك
لا شيء لا شيء ما تريدينه من اتصالك. لم تبال عدلة بالموقف لعله يكون كابوساً عابرا عاودت الكلام:
أريدك ان تأتيني في غضون ساعة ,هناك مفاجأة سأخبرك بها .
ما هي هذه المفاجئة ان شاء الله ؟ يبدو ان هذه الأيام تخبئ كثيراً من المفاجآت وتكشف حقائق كثيرة.
مرة أخرى لن أباليك ولن أشاجرك في الحديث انتظرك … باي تمدد على سريره هل يذهب أم لا . أصبح عقله يناقش شكوكه . هل يعقل يا حسن أنها عدلة …… اجل انها عدلة التي تعرفها أكثر من أي شخص آخر . هل يعقل ان تهيمن عليك كل هذه الوساوس. أنها كانت مجرد كلمة عابرة من إنسانة مريضة .
ذهب حسن إلى موعده متوجهاً إلى عدلة . استقبلته بكل حب وحنان. جرته من يده قالت له :
تعال معي .
إلى أين ..؟
الم تتذكر بأنني وعدتك بالمفاجئة.
في طريقها قصتّ عليه ما جرى لها عن الحادث وكيف تعرفت (بأبي مازن) الذي بدوره عوضها عن والدها وقد أصر ان يتعرف بحسن وان يحضره معها ليشربا القهوة معاً .
دهش حسن من رؤية فيلا فخمة . عند وصولهما استقبلهما (أبو مازن) بكل احترام وبمشاعر أبوة مما اخمد لهيب الشكوك في داخل حسن الذي بدأ ينظر إلى عيني عدلة . أحزنه ما بدر منه كل هذه الشكوك تجاهها بدأ (أبو مازن) بالحديث.
– اذاً أنت حسن . حدثتني عدلة عنك كثيراً فهي تحبك هنيئاً على وفائها لك .
– وأنا أيضا أحبها فهي بالنسبة لي كل ما املك في هذه الدنيا .
– يا ابني اردت مجيئك لأنني علمت بطريقة غير مباشرة من عدلة سبب تأخير زواجكما كما ترى أنعم الله عليّ بأموال طائلة لا أستطيع ان أحصيها وكذلك ابنتي الوحيدة فزوجها يملك ربما أكثر مما أملك وسمحت لنفسي أن اخذ دور والدكما وأن اشتري شقة مفروشة أسجلها باسم عدلة وان أهديكم بطاقات الدعوة وحجز الصالة أيضا ومصاريف الزفاف ها ….. ما رأيك .
– لكن يا عمي …… قاطعه .
– اجل …. اجل فهمت ما ستقوله عدلة أيضا اعترضت على الشقة وأنها ستأخذها شرط أن ترد ثمنها على شكل أقساط وافقتها وأمام رغبتها الملحة وهي لا تقوم بفعل أي شيء إلا بموافقتك واستشارتك ولهذا طلبت حضورك . ما رأيك .
– ليس لدي رأي فأنت الأب والعم لذلك أنت تفصل ونحن نلبس .
– اذاً توكلنا على الله لقد حجزت لكم الصالة بعد (أربعة أيام) في هذه اللحظات تشابكت أيديهما وخرجا يجوبان الشوارع تحت زخات خفيفة من المطر بخطوات وئيدة وفرحتهما تغمر المكان كله.