يواصل لقمان ديركي سيرته الشعرية مع الأنثى في كتابه الجديد (لا غبار عليك)عن« دار ممدوح عدوان» في رحلة هي أشبه بمغامرات شاعر عاشق أدمن قصص الحب و الفراق و الكره و ما شابه.
و أنا اصعد الدرج
أجدك لاهثة تنتظرينني أمام الباب
بعينيك السوداوين حينا و الزرقاوين حينا آخر
نحضر الطعام معا
و تنهرينني كي آكل أكثر
و في المساء أجدك بجانبي على السرير
ألاعب شعرك الأسود حينا و الأشقر بعد حين
و أنام مطمئنا على صدرك صباحا
أجدك ما زلت بجانبي بيضاء حينا و سمراء حينا آخر
(لا غبار عليك ) للقمان ديركي تجاوز النص الشرعي لقصيدة النثر ، وذلك للسردية الفاضحة التي سيّرت النص من أول مقطع في الكتاب إلى آخر الصفحات« 145 صفحة»، تجاوز يتخلله برنامج منظم و مرسوم له ان يكون لقصيدة النثر التي يكتبها لقمان أكثر من منحى و مسار و تكون لها القدرة في قيادة نص يتحكم فيه الانسلال( الصوري ) الذي في الأخير يجرف كل التعاريف و التصانيف لهذه القصيدة :
«هو يشتاق إليك
يترك الدنيا من اجل أن يراك
يقطع إجازاته
أما أنا…
فلا أشتاق إليك
لأنك في كل اللحظات
حتى لو كنت معه.. معي ».
يأتي اغلب نصوص لقمان الصغيرة جدا ( جملة أو أقل من جملة) على شكل مواضيع شخصية مؤرشفة على شكل مذكرات أو تدوين تجربة ذات حساسية مركبة تبدأ بالحب و الكره و الحضور و الغياب، الألم و السعادة، البعد و اللقاء، الدوام و التهلكة .. وهي مواضيع تتكاتف على شكل رسائل قصيرة جدا تتوجه إلى الأنثى تعاتبها حينا و تقاضيها حينا آخر:
(لم اقصد النظر إليك
كنت ارفع رأسي فقط. )
( تمرين أمامنا فنبتسم)
( دونك لا استطيع أن أبقى)
( أنت تنسين دائما، لذلك ارتكب بحقك كل الأخطاء)
( لاغبار عليك)
لغة لقمان في ( لا غبار عليك) بسيطة جدا هادئة و مسترخية تصل إلى حد الكسل و التململ، و أحيانا تصل اللغة بمفرداتها إلى العادي جدا و المرتجل الذي لا تجد فيه حتى ( جملة مفيدة ) و أحيانا ترتفع اللغة في مكان ما إلى العمق عبر توغلاته بسرد الأحاسيس الشخصية و بكائيات قد تصل إلى حد الانتحار والزوال:
«قبل أن امضي واتتني فكرة
خفت أن أنساها
و كنت بلا أوراق
فكتبتها
على كفي اليسرى
احبك».
و المعروف عن لقمان انه يسّمي الأشياء بأسمائها مستفيدا من ملفات تعبيرية حسية أخرى كالسينما في تتالي صورها و المسرح في تعاقب شخصياته و التشكيل في تضارب ألوانه ، مستفيدا من سيرته الذاتية و اختزال هذه التجربة باليوميات و التفاصيل المهملة لحياته المكركبة .
فهو لا يأبه بالترف البلاغي و الرؤيوية الحالمة ، يحتج على الإيماءات المغموزة التي تثقل المغزى و تسطحه أو توهمه في ظاهره و ماورائيته، كتابة لقمان مفتوحة على كل المعاني، حتى تلك التي يقصدها أو يتقصدها، المعمولة من هذر الكلام و شوائبه ، كتابة لقمان تكشف المعنى لحظة قراءته و تعريه من هيبته و هيلمانه ، لتصير شعرية الكلام هي التي تعطي المعنى فضاءه و خيلاءه أرحب، صوته و صورته و تصير اللغة هي التي تعدد المعاني، ترفعها و تخفضها ، تولدها و تنسل منها الكلام الشعري ، بنفس ذلك العمق و ذلك الخفاء ، كتابة لا تبتكر إلا ما هو منبلج على سطحها ، على هامشها (الغامض)، مفتوحة على آخرها كوجه البحر ، تنتظر الضوء من كل ما تراها تحت الشمس ، تسرد لحظيتها و آنيتها دون ان تمرّغ لغتها بأسئلة أو محاكمة أو عقل يسأل و لا يكف عن السؤال ، فهي بقدر ما هي بسيطة و متوترة ، فهي متحركة في كل الاتجاهات بسهولة( الواقعي المحكي) المحيط بها ، بيقظة العناصر و الأشياء و الأشخاص التي تكون كيانها و أسئلتها الأبدية.
——-