أزواج على حدود التردد إلى الاستقلالية

عامر خ. مراد

لم تكن عملية طرح التساؤلات الخاصة بموضوعنا بالسهلة ، فلقد كانت تشرك في صياغتها بعض التعاليل والاعتذارات نظراً لحساسية مثل هذه المواضيع في مجتمع  كمجتمعنا ، الشرقي بطباعه، والذي يولي للأحاسيس والمشاعر الأهمية المثلى ويقحم عناصر التجمع والعائلة في قلب الصفات المميزة لواقعنا والتي يحظر المساس بها، فأمر السؤال عن السبب في عدم انفصال الإبن المتزوج عن عائلته بعد الزواج فيه ما يشبه التحريض على شر معين حسب النظرة الأولى للأهل، أما ما يلحق به من تعاليل فقد تضيء جانباً من النية الحسنة لدينا لمعرفة الآراء المختلفة حول هذا الموضوع وبكل ما في الأمر من موضوعية
فحين توجهنا بالسؤال إلى الشاب هشام (متزوج ولديه ثلاثة أطفال ولكنه ما زال في كنف العائلة التي يربو عدد أفرادها عن العشرة) قال بأن سبب وجوده في العائلة حتى الآن:” كان عدم قدرتي على العيش منفرداً في البداية وخاصة أنه ليس لدي وظيفة ثابتة بل أعمل في الأعمال الحرة وحين تأخرت في الانفصال أصبحت الأمور أكثر سوءاً”.
أما بهية علي (سيدة في السنة الثالثة من الزواج) فلقد خجلت من الإجابة بصراحة أمام أهل زوجها الذين تعيش معهم وحين طرحنا التساؤل في فرصة أخرى قالت:” إن الانفصال فيه الكثير من الفائدة ولكن زوجي لم يسمع نصيحتي في البداية لتمسكه بعقلية وليدة ظروفنا هذه وعنوانها الامتناع عن النظر للأمام والتخطيط للمستقل والآن فأنا من لا أوافق وخاصة أن هنالك أموراً اقتصادية وعائلية مستجدة تعيق هذا الأمر”.
وفي معرض بحثنا المتواصل عن الأسباب أجابنا ج.رضوان (متزوج وغير منفصل عن أهله) بأن:”الأسباب كثيرة وعلى رأسها الأسباب الاقتصادية فعدم قدرة الشاب على إعالة أسرة بعمله لوحده يجعله يتراجع دائماً عن خطوة الانفصال وإن كانت من ضمن رغباته الشديدة،  فغلاء العقارات و المعيشة وأجور البيوت تعد أهم الأسباب في هذا الموضوع”، وإن لم تخالفه السيدة هناء علي فإنها تعرض أسباباً أخرى للمسألة فتقول:”يجب ألا نغفل دور بعض العادات الاجتماعية وقيم المجتمع في الأمر فتجربتي في البقاء مع أهل زوجي كان سببها أن زوجي هو أحد أقاربي وبالتالي فإن طلبي للانفصال كان سيقابل بنظرة سلبية من قبل عائلته وكنت سأبقى الكنه التي رفضت العيش معهم وبالتالي لكنت أستحق كل ما يحدث لي نعم هذا ما كانوا سيقولونه دائماً وعند كل ضائقة”.
وعن النتائج التي تترتب على هذا التعايش الطويل مع الأهل أجابنا علوان محمد وهو شاب متزوج ولديه طفل واحد وما زال مع أهله بأن :”هذا الأمر فيه من السلبيات الكثير وخاصة على مستقبلنا الذي سنبدأ به من الصفر حين ننفصل عن الأهل فبقاؤنا كل هذه الفترة مع الأهل لا يغير من الأمر شيئاً ولا يضيف إلى رصيدنا الأسري أنا وزوجتي وطفلي شيئاً ويؤجل أمر استقلالي واعتمادي على ذاتي إلى زمن قد لا أستطيع بعده أن أفعل سيئاً “، أما السيد إبراهيم (الأخ الأكبر،متزوج ولديه طفلين، غير منفصل) فلديه ما يخالف كل هذا حيث يرى بأن:”الوجود ضمن العائلة وإن كانت سلبياتها كثيرة فإن تعاون الأخوة مع بعضهم قد يؤدي إلى إيجابيات كثيرة في حال ساعد بعضهم البعض بصدق ليكوًّن الأخ بعد الآخر وإلا فإن هذا الانفصال المبكر سيؤدي إلى أن يبقى الشاب المتزوج منا أسير ظروفه القاسية إلى الأبد”، وترى السيدة أحلام المتزوجة منذ خمس سنوات وما تزال مع أهل زوجها بأن:”القدر قد حكم على كل عروس جديدة أن تذوق الأمرين من أهل زوجها قبل الانفصال الذي لا يأتي عادة إلا بعد سلسلة من المشاكل العائلية التي هي نتاج طبيعي للعيش في هذه الظروف”، واسترسلت السيدة سناء عبدالله المتزوجة منذ عدة أعوام ولم تنفصل عن أهل زوجها بعد في عرض بعض النتائج الأخرى قائلة:”وحتى أبناؤنا فإن أمر تربيتهم وكأنه لا يخصنا أنا وزوجي فكل من في العائلة يتدخل ونمنع بذلك من تربيتهم بأسلوبنا الخاص ويجعل منهم عرضة للتربية وفق أساليب مختلفة تجعلهم عرضة للضياع والأمراض الاجتماعية النفسية المختلفة”.
وبعد سلسة من الدردشات الحميمة توجهنا بالسؤال ذاته إلى الباحث الاجتماعي عدنان درويش الذي قال:” إن هذه الظاهرة منتشرة في مجتمعنا بشكل واسع وتعود إلى الأوضاع الاقتصادية أولاً فنحن نرى غياباً لها في المجتمعات الغربية والتي تقدم معونات في هذه الأحوال كالسكن، وحتى في الكثير من الأسر الميسورة لدينا والتي تخلت عن السبب الآخر في هذه الظاهرة وهو العنصر الاجتماعي المعيق للانفصال في حالات كثيرة منفتحين بذلك على العادات الأكثر استقلالية وتنتج عن هذه الظاهرة سلبيات نركز عليها أكثر من الإيجابيات التي قد تتحول إلى سلبيات إن طالت مدة البقاء داخل الأسرة ويؤدي ذلك إلى مشاكل عديدة تؤدي في النهاية إلى ولادة قيصرية للأسرة الجديدة التي ستعاني الأمرين من جراء هذا التأخر في الانفصال”. 

       siyaziya@hotmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…