يعتبر قضاء سنجار (شنكال) من أقدم الاقضية في ولاية كوردستان ومن ثم الموصل على أيام الدولة العثمانية، إذ ورد اسمه في كثير من السالنامات العثمانية للولاية في أعوام 1850 م وحتى عام 1912 م كسنجق (قضاء) من سناجق الولاية يتمتع بمجلس بلدي يعاون القائم مقام في إدارته.
لقد أصبح قضاء سنجار (شنكال) واحدا من أهم المشاكل التي تسببت في فشل المفاوضات بين الحكومة المركزية في بغداد وقيادة الثورة الكوردية في منتصف السبعينات من القرن الماضي حول عائدية هذه المنطقة إلى إقليم كوردستان بسبب الكثافة الكوردية العالية فيها وكونها امتدادا جغرافيا وتاريخيا لكوردستان العراق.
بعد سقوط النظام السابق استعادت المدينة والقضاء حريتها وبعض من عافيتها في التعبير عن هويتها القومية والجغرافية، وخلال اقل من ستة أشهر وفي أكتوبر (تشرين أول) 2003 م وتحت إشراف مباشر من قبل خبراء ومراقبين أمريكيين وبريطانيين أجريت انتخابات عامة واستفتاء لانتخاب قائم قام ومجلس قضاء لإدارة المنطقة بعد أن اعترض البعض من المواطنين العرب الذين استفادوا من سياسة التعريب أيام النظام السابق، وقد تم إشراكهم في العملية الانتخابية مع قبول مرشحيهم للإدارة ومجلس القضاء.
وقد جاءت النتائج كما توقع معظم الأهالي حيث فاز الكورد بالأغلبية الساحقة من أعضاء مجلس القضاء الذي حصلوا فيه على اثني عشر مقعدا من أصل اثني عشر مقعدا، علما بأنه كان هناك ضمن ألاثني عشر عضوا اثنين من العرب على قائمة الأحزاب الكوردية. ولم يحصل أولئك الذين طلبوا إجراء الاستفتاء والانتخابات على أي مقعد من مقاعد مجلس القضاء وراحوا يبحثون عن حلول توافقية للحفاظ على ماء الوجه، حيث تدخل في وقتها محافظ الموصل غانم البصو ونائبه خسرو كوران والقائد الأمريكي في حينها الجنرال باتريوس (قائد الفرقة 101 المجولقة والتي مقرها الموصل) فأضافوا عضوين عربيين احدهما زوبعي والثاني من عشيرة الجحيش من باب التوافق فقط ليس إلا وخارج معطيات الانتخابات.
وتأتي الدراسة التي قام بها معهد دهوك للقضايا السياسية في كانون أول 2006 م لتعطي خارطة المنطقة السكانية وانتمائها الجغرافي والقومي على شريحة عشوائية من 400 شخص أكثرهم من الذكور، تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشر والستون.
ومن قراءة أولية للشريحة التي اعتُمدت في هذه الدراسة يظهر أن ثلثي المشمولين بالاستطلاع هم ممن يسكنون مركز المدينة ونفس النسبة في اعتمادها على معتنقي الديانة الايزيدية التي تشكل ديانة أكثرية السكان في المنطقة، وكان هناك أكثر من خمسين عربيا شارك ضمن الشريحة المكونة من 400 شخص ونفس الحجم لأعراق أخرى، أي إن ربع الشريحة كانت من غير الكورد.
وحول سؤال عن الرغبة في الارتباط بالإقليم أو البقاء مع المركز في بغداد جاءت النتائج لتؤشر رغبة 77.5 بالمائة من الشريحة المعتمدة في الارتباط بالإقليم بينما يرى 22.5 بالمائة البقاء مع المركز أفضل.
وهكذا نرى نتائج السؤال حول الدراسة باللغة الكوردية التي جاءت مطابقة تقريبا لنتائج الرغبة في الارتباط بالإقليم حيث يرغب 77.5 بالمائة الدراسة بلغته الأم (الكوردية).
وحول رعاية المنطقة والاهتمام بها من النواحي الخدمية والاقتصادية والأمنية من قبل حكومة إقليم كوردستان، يرى 65 بالمائة من الشريحة المعتمدة في هذه الدراسة إن الإقليم هو الذي يتابع المنطقة من النواحي أعلاه، بينما يرى 20 بالمائة اهتمام الإقليم ضعيفا وإن 15 بالمائة يعتقد إن الإقليم ليس له أي دور يذكر.
وحول مشاهدة الفضائيات الكوردية ومتابعة برامجها عن غيرها، أجاب 75.25 بالمائة على متابعة برامج التلفزيونات الكوردية، بينما يتابع 24.75 بالمائة برامج الفضائيات الأخرى، ولم يكن هناك سؤال عن رأي الأهالي بالبرامج ونوعيتها أو المشاكل التي يعاني منها الأهالي في موضوع وصول البث التلفزيوني والراديوي إلى المنطقة.
تأتي هذه الدراسة بعد انتخابات 2005 م التي جاءت بنتائج مقاربة لنتائج تلك الانتخابات ومطابقة تقريبا لدراسات وبحوث أجراها كاتب المقال في عام 2002م قبل سقوط النظام والموثقة في دراسة مطبوعة بعنوان (التركيب السكاني في منطقة سنجار/شنكال) بطلب من الفرع الأول للحزب.
كما إن نتائج هذه الدراسة جاءت أيضا لتؤشر نفس النتائج التي خرجت بها انتخابات واستفتاء السكان في أكتوبر 2003 م لانتخاب قائم مقام القضاء ومجلسه المحلي والتي كانت تحت إشراف دولي من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا.
لقد تميزت هذه الدراسة عن غيرها باعتمادها شريحة واسعة في حجمها حيث اعتمدت أربعمائة شخص بشكل عشوائي غير مشروط إلا من ناحية العمر الزمني للشخص، حيث لا يقل عن 18 عاما، كما تميزت أيضا في نسبة الشباب التي تجاوزت الثلثين من الشريحة.
ومن ابرز ما يميز هذه الدراسة عن غيرها إنها جاءت بنتائج حول المستوى التعليمي والثقافي للمنطقة من خلال نتائج نوعية المشاركين في الدراسة من الناحية التعليمية، حيث تبين إن الذين لا يجيدون القراءة والكتابة يمثلون ما يقارب ربع السكان ونسبتهم هنا 28 بالمائة، بينما اظهر الاستطلاع نسبة خريجو الدراسة الابتدائية 18 بالمائة والدراسة المتوسطة 11 بالمائة بينما كانت الدراسة الثانوية 16.50 بالمائة والمعاهد 10.50 بالمائة بينما كانت الجامعات 6 بالمائة.
وربما لو كانت الدراسة قد اعتمدت نسبة اكبر من النساء رغم صعوبة ذلك في منطقة مثل شنكال ، كانت ستكون أكثر مثالية، وهذا أيضا يشمل لو أنها اعتمدت نسبة اكبر من سكان القرى الذين يشكلون أكثر من 75 بالمائة من عدد نفوس القضاء إجمالا، حيث اعتمدت في دراستها 62.5 بالمائة من سكان المدينة.
وعلى ضوء هذه النتائج التي جاءت مقاربة لما خرجت بها بحوث ودراسات وانتخابات منذ 2002 م وحتى يومنا هذا، نرى إننا بحاجة ماسة جدا إلى استطلاعات من هذا النوع وفي معظم مجالات الحياة لإعطاء نتائج أولية مقاربة للحقائق على الأرض دون الاعتماد على افتراضات غير منصفة ومغايرة لواقع الحال ومن ثم الوصول إلى نتائج عملية لاعتمادها في أي خطط للتنمية الاجتماعية والتربوية والاقتصادية.
كما أظهرت نتائج هذه الدراسة إن المنطقة تحتاج إمكانيات مهمة للبدء في عملية إعمارها وتحسين مستويات السكان الاقتصادية والمعاشية من خلال امتصاص البطالة الكبيرة بين الشباب ومعالجة البطالة المقنعة في الوظائف غير الإنتاجية.
وبالاعتماد على نتائج هذه الدراسة في المستويات التعليمية التي جاءت مثيرة حقا بالمقارنة مع كثير من المناطق في الإقليم نرى انه بالإمكان الشروع فورا في فتح وتأسيس مراكز ومعاهد دراسية في الحقول الفنية والتقنية والزراعية والتربوية في المنطقة ، إضافة إلى الإسراع في بناء المدارس التي تضاعف عددها إلى عشرات المرات بعد فتح أكثر من 120 مدرسة ابتدائية (جميعها من الطين) يدرس فيها أكثر من أربعة وعشرين ألف تلميذ باللغة الأم للسكان، كما جاء في نتائج السؤال عن الدراسة بالكوردية (75.5 بالمائة من السكان).
كما إن هذه الدراسة أظهرت حاجتنا الماسة إلى دراسات مهمة في حقول التربية والتعليم والثقافة والإعلام، إضافة إلى استطلاعات مهمة ومتخصصة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتنموية الأخرى، ليس في منطقة شنكال فحسب وإنما في كافة مناطق الإقليم.
إن معظم الدول المتقدمة إن لم تكُ جميعها تعتمد مراكزا لقياس الرأي العام ومنظمات الاستطلاع المباشر للمواطنين من خلال انتخاب مجموعات عشوائية وبشفافية عالية للوصول إلى أحسن النتائج القريبة من الواقع والميدان الحقيقي لحركة الحياة في المجتمع.
إن إقليم كوردستان بنهضته الحالية أحوج ما يكون إلى مراكز إستراتيجية للبحوث والدراسات وقياس الرأي العام وإجراء الاستطلاعات والاستفتاءات للوصول إلى النتائج المرجوة والأهداف التي تصبو إلى تحقيقها الحكومة والبرلمان ومن ثم الأحزاب الوطنية، ليس على المستوى الوطني والقومي متمثلا بالرئاسة بل على مستوى الوزارات ومن ثم مجلس الوزراء والبرلمان وحتى الأحزاب العاملة في الساحة السياسية للإقليم.