من قصص «الجلطة»

محمد علي علي

وظيفة
أصيب بأزمة قلبية (جلطة) جعلته يبتعد عن عمله (العتالة) فبقي عاطلا عن العمل لمدة طويلة ، ولكن لقمة العيش المريرة أرغمته على البحث عن عمل يرتزق منه ليعيل أسرته البائسة ،ولكن أي عمل ؟
كان يبكي بحسرة كلما رجع إلى البيت و لا يحمل في يده كيسا أو شيئا ما يفرح به أولاده ، الذين لم يعد ينتظرون عودته عند الباب!
تنقل بين وجهاء البلد بعد أطلاقه “نداءات استغاثة” طولا وعرضا ،إلى أن جاء ذلك اليوم ، عندما تدخل احد الوجهاء ” الخيّرين، ” مانحا إياه رسالة في مغلف ، موجهة إلى احد أولياء الأمور في البلد.
حمل المغلف وقلبه يخفق فرحا لا “جلطة” ، توجه إلى مكتب ذلك المسئول،ناول المغلف إلى الحاجب ، ثم انتظر قليلا ، ليدخل بعدها إلى المسئول ، الذي رحب به وبكاتب الرسالة ، وبدأ بإجراء بعض المكالمات ،ثم التفت إليه باسما :
– مبروك ، لقد وظفناك !
لم يستطع أن يتفوه بكلمة ، غاصت عيناه بالدموع ، وجفت حلقه، كأن لقمة خبز جافة سدت بلعومه .
– الله يوفقك ،لقد أنقذت حياة أسرة بائسة من الجوع ، ولكن يا سيدي ، في أية مدرسة سأصبح مستخدما ؟
– لا…لن تصبح مستخدما في مدرسة ، بل عيناك موظفا من الدرجة السادسة في مقبرة المدينة في وظيفة “حفار قبور “!
تم تعيين ” الميت المناسب في القبر المناسب ” وباشر عمله ، ولكن… أول قبر حفره ، كان قبره!
كتب على شاهدة قبره :” هنا يرقد الرجل الذي حفر قبره بيده “,

 قلب من حجر
مات العتال حميدو بالجلطة وهو يئن تحت وطأة كيس عدس ، كما مات بالجلطة أيضا المعلم عبدا لله أثناء شرحه للتلاميذ درسا عن الصدق والأمانة ، كذلك مات جلطة جارنا يوسف على باب الفرن لأنه لم يستطع تأمين أرغفة خبز لأولاده الصغار ، مات الجميع ،  تعدد الأموات  و السبب واحد ، إنها الجلطة  !
صرخ أحد الأطباء في أحد المشافي :
-لابد أن هناك غلطة لتفشي “موضة ” الجلطة بين الناس ! يجب إجراء أبحاث حول هذا المرض !
وبعد إجراء الدراسات والتحليلات ، توصل الأطباء إلى إن السبب هو الدخان ، فحكموا على السيجارة بالحرق حتى الانطفاء في نفاضة !
أما السيد” شايلوك” المرابي، فتمدد في فراشه وهو يدخن غليونه وقال :
-الحمد لله إني لا أدخن سيجارة  ! والحمد لله أن قلبي من حجر !

في المشفى
أصيبت أمهم بجلطة دماغية ، فاجتمع الأبناء حولها يتباكون ، أسعفوها إلى أحدى المشافي واخذوا ينتظرون نتيجة الفحوصات والتحاليل.
ذهب الأخ الأكبر إلى طبيبها ، مستفسرا عن حالة أمه ، فأجابه الطبيب ، بأن المريضة في حالة “موت سريري” ، ونصحه بأخذها إلى البيت لتموت في بيتها لحين دنو أجلها !
وما إن أخبر إخوته وأخواته بحالة الأم ، حتى تعالى العويل والبكاء ردهة المشفى ، وصرخ الأخ الأصغر منهم والدمع في عينيه :
–  لا ، لن أدع أمي تموت ، لن نأخذها إلى البيت ، بل سنبقيها هنا تحت مراقبة الأطباء  !
وصرخت أحدى بناتها باكية :
–  لما لا نأخذها إلى العاصمة ؟
وهنا تدخل الأخ الأكبر بعد أن جال بنظره في الوجوه الشاحبة الباكية :
–  ستموت الأم عاجلا أم أجلا حتى ولو أخذناها إلى أخر الدنيا ، ولكن من منكم بمقدوره تحمل المصاريف ؟
وهنا ساد صمت القبور الوجوه ، وتوقف الدمع في العيون !
لقد “مات ” الجميع قبل أن تموت الأم !

 دراسة
توصل الأطباء إلى أن نسبة المصابين بالجلطة في ايطاليا هي أدنى مستوى لها في العالم ، فقام الأطباء بالبحوث والتحاليل لبيان الأسباب ، فتوصلوا إلى نتيجة علمية مفادها ، بأن الإيطاليين يتناولون بكثرة زيت الزيتون دون الزعتر!
كما توصل الرأي الشعبي في مدينتنا إلى أن نسبة المتوفيين بالجلطة هي أعلى نسبة في العالم ، وبعد دراسة شعبية عن الأحوال المعيشية ، توصلوا إلى نتيجة مفادها ، بأن السكان في مدينتنا يتناولون بكثرة الزعتر دون …  !

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…

شكري شيخ نبي ( ş.ş.n)

 

والنهد

والنهد إذا غلا

وإذ اعتلى

صهوة الثريا وابتلى… ؟

فما ضل صاحبك

ولا جرى في الغوى… !

 

والنهد

اذا علا

حجلين اضناهما

الشرك في اللوى

او حمامتين

تهدلان التسابيح في الجوى… ؟!

 

والنهد

اذا غلا

عناقيد عنب

في عرائش السما… ؟

توقد الجلنار

نبيذا في الهوى… !

 

والنهد

اذا غلا

وإذ اعتلى صهوة الثريا والنوى

تنهيد في شفاه التهنيد…؟

كالحباري

بين مفاز الصحارى

اضناه

مشاق اللال والطوى… !

 

والنهد

اذا علا

وإذ اعتلى كالبدر وارتوى… ؟

فما ضل صاحبك

ولا وقع في شرك…