ليلة الزفاف …. للبنات فقط «سلسلة ألحان الورد في فلسفة الحب والجمال في الإسلام» (18)

الدكتور علاء الدين جنكو

لا أجد مبررا للقلق والاضطراب الذي ينتاب العروس عندما يقترب شمس يوم زفافها من الغروب، وخاصة إذا ما أزالت أستار الجهل عن هذه الليلة وأهميتها، وتبين لها كيفية التعامل مع شريك حياتها في ليلتها تلك.

نعم اقدر وضعها وحالتها ، وأنها خلال الساعات القليلة القادمة من الزفَّة تنتقل من أولى مراحل حياتها إلى المرحلة الثانية، ترحل من ذكريات عزوبيتها إلى روضة زواجها، من حياة كانت هي برمتها مسؤولية أبويها وأسرتها ، إلى حياة تكون هي بمكانتها الجديدة مسؤولة عن عرين باتت هي شطر أساسها وعمود بنيانها.
إن الهالة التي رسمتها عاداتنا في المنع من تناول مثل هذه المواضيع مع أجيالنا حتى وهم مقبلون عليها، كانت من أهم أسباب خلق هذا التوتر في نفسية العروسين.
لا شك أن مسؤولية تهدئة العروس وتوجيهها في حالتها تقع على عاتق الأم ؛ لأنها الأقرب إلى قلب ابنتها، ثم يأتي دور أختها المتزوجة الأكبر منها صاحبة التجربة، التي مرت عليها أجواء هذه الليلة ، وكلتاهما – واقصد الأم والأخت – لا يمكن لهن أن تنجحا في مهمتهن إذا لم تكن العلاقة بينهن وبين العروس قائمة على أساس من الصداقة والمحبة، وعليهن إشعار العروس بحرارة ودفئ الحديث عندما يتحاورن معها ، ومن ناحية أخرى ألا يشعرنها أنهن ينظرن إليها بعين الشفقة والخوف عليها، لأنها واللحظة هذه بحاجة إلى خلق نفسية قوية واثقة فيها، على الأقل لتتغلب على ما يقلقها.

تناول هذه الليلة بتفاصيلها منذ أول وهلة، أعتقد أنه تسرع، وربما ينتج آثارا لا تحمد عقباها ..
إذ الأولى عند الحديث معها يوم زفافها تذكيرها في البداية بمهمتها الأساسية كونها أصبحت زوجة، وهي مقبلة على منعطف يغير تجاه حياتها إلى نوع آخر من العيش ، من حالة الفردية إلى حالة الاقتران.

وكما وعدت في اللحن السابق ، أن أورد لمغردي ألحاني وصية أم لابنتها يوم زفافها، فها هي أمامة بنت الحارث الشيباني توصي ابنتها، وترسم لها ملامح حياتها القادمة واضعة بين يديها دستورا لحياتها الزوجية عندها قالت وهي تودعها:
أي بنيّــة إنك قد فارقت بيتك الذي منه خرجت، ووكرك الذي فيه نشأت، إلى وكر لم تألفيه، وقرين لم تعرفيه، فكوني له أمة يكن لك عبدا، واحفظي له عشر خصال يكن لك ذخرا:
أما الأولى والثانية : فالصحبة بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة.
 
أما الثالثة والرابعة : فالتعهد لموقع عينيه، والتفقد لموضع أنفه، فلا تقع عيناه منك على قبيح، ولا يشمن منك إلا أطيب ريح، والكحل أحسن الحسن الموصوف، والماء والصابون أطيب الطيب المعروف.

وأما الخامسة والسادسة : فالتفقد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه، فإن حرارة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مكربة .

وأما السابعة والثامنة : فالعناية ببيته وماله ، والرعاية لنفسه وعياله.

أما التاسعة والعاشرة : فلا تعصين له أمرا، ولا تفشين له سرا، فإنك أن عصيت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره .

ثم بعد ذلك …. إياك والفرح حين اكتئابه، والاكتئاب حين فرحه، فإن الأولى من التقصير، والثانية من التكدير، وأشد ما تكونين له إعظاما أشد ما يكون لك إكراما ، ولن تصلي إلى ذلك حتى تؤثري رضاه على رضاك وهواه على هواك فيما أحببت أو كرهت، والله يصنع لك الخير ، واستودعك الله.

وقبل أن أودع أعزائي لابد من التنويه على أن البعض يرى مثل هذه الوصايا أو المبادئ قد تقلل من قيمة الفتاة بمجرد زواجها واقترانها برجل على اعتبار هذه المطالب منها إنما بسبب السلطة الذكورية لدى الرجل.
أتصور أن من يعتقد ذلك إنما يعيش في أوهام وخرافات المثالية ، عندما يريد أن تتساوى المرأة بالرجل في أشياء لا يمكن أن تتساوى بها، كالعاطفة، والحياء، والقوة الجسدية، والحمل، والدورة الشهرية !!!
وكل ما يطلب منها لتتويج حياتهما الزوجية بأكاليل النجاح يطلب من الرجل أيضا ، كل منهما حسب الطبيعة التي خلق عليها، وقد مر ذلك في اللحن السابق في وصية الأم لولدها ويكفي أن نسمع سيد البشر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ما قاله في حق من تعيش تحت يده امرأة : (ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم) .
ثم ماذا بعد …. لنقرأ معا كيف يبادر العروسان ليلة العسل في لحننا القادم..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…