مسرحية قاضي محمد .. جراب البدليسي (2)

  أحمد اسماعيل اسماعيل

   إهداء :
إلى سولين وميران: ولديّ .
 إليكما، وإلى كل أبناء جيلكما..بعض ما بقي في العيون من نور أُعلقه قناديل أمل على دربكم الطويل.
    أحمد
كلمة لا بد منها :

إن مسرحة التاريخ ليست بالفن الجديد، فقد لجأت إليها شعوب المعمورة في ظروف تاريخية استثنائية وخاصة، فنتجت عن هذه التجربة نتائج إيجابية طيبة.وحين نحاول في هذا المشروع مسرحة حياة الأبطال الكرد، والشخصيات التاريخية الفذة، نهدف بالدرجة الأساس إلى إزالة ما لحق بهذا التاريخ من تهميش وتزوير وغبن من ناحية، وإلى تقديم العبرة والمثال المحتذى به من ناحية أخرى.
    غير أن للمسرحية شروطها، ومن أولى هذه الشروط، حرية تصرف الفنان بالمادة التاريخية، وعدم التزامه تفاصيل الحدث التاريخي، وضرورة الانتصار للفن على التاريخ.

     وفي هذا المشروع سنحاول-ولأسباب عديدة- إجراء ما يشبه المصالحة أو التوفيق بين الأمانة للحدث التاريخي والأصالة الفنية، بغية تحقيق الفائدة المرجوة والمتعة الجمالية، آملين أن يحالفنا النجاح قدر المستطاع على الصعيدين الفني والتاريخي، وأن تسمح لنا الظروف بمتابعة هذا المشروع-الطموح- في سلسلة مسرحية تاريخية تتناول كل حلقة منها حياة ونضال شخصية تاريخية هامة.
  وفي الحلقة الثانية من هذه السلسلة ،نتناول سيرة قاضي محمد، رئيس أول جمهورية كردية،وهذه المسرحية موجهة للصغار والكبار، بل هي مسرحية موجهة لأفراد الأسرة بشكل خاص.
   بقي أن نقول إن اختيارنا البدليسي :شرف بن شمس الدين بن شرف خان البدليسي ،أمير بدليس وموش، المولود في كرهرود بكردستان إيران سنة 1543 والمتوفى في بدليس سنة 1604، ليكون رسول نوروز، ليس بسبب مكانته السيادية الرفيعة، أو انتمائه لعائلة عريقة حكمت بدليس مدة سبعة قرون،على الرغم من أهمية ذلك تاريخياً، بل لريادة كتابه شرفنامه (رسالة شرف ) الذي دوّن فيه تاريخ أمراء الكرد وأحوال الولايات الكردية،بكثير من الدراية وسعة الأفق ، معتزلاً الحكم لصالح ولده (أبي المعالي شمس الدين) من أجل التفرغ لرسالته التاريخية هذه ، هذا السبق التاريخي المليء بالعبر والمعاني والدلالات، سلوكاً وجهداً فكرياً ،إضافة إلى أهداف وغايات أخرى – وطنية وتربوية- جعلنا نختار هذه الشخصية، لتكون رسول نوروز إلى الجيل الصاعد، رسول المحبة والحرية والسلام والمعرفة .وقدوة حسنة يحتذى بها ولعل من المفيد قيام البدليسي بجولة في الأحياء والشوارع والقرى ليلة نوروز من كل سنة، بثيابه الكردية التقليدية المعروفة، والتي يمكن أن تكون بيضاء اللون،و العمامة التي سيعتمرها صفراء اللون، ومن كتفه يتدلى جراب مليء بالشموع والهدايا البسيطة ،فيمنح الهدايا للصغار ،ويوقد الشموع للصغار والكبار،وذلك بعد أن يطرح عليهم أسئلة تاريخية معينة، ويتلقى إجاباتهم ،ومن المحبذ أن يرافق البدليسي مهرج، أو شخصية فلكلورية كردية محبوبة وطريفة ،خيالية أو واقعية ، تكون معروفة من قبل أبناء المنطقة التي يتجول فيها جدو بدليسي. وذلك بهدف إضفاء طابع المرح والفكاهة على هذه الجولة .   
        أحمد اسماعيل
 ( أحد الأحياء الشعبية في مدينة غير كبيرة ،ساحة تتفرع عنها شوارع ضيقة،تصطف على طرفي الشوارع بيوت طينية وأسمنتية واطئة،مصباح العمود الكهربائي الوحيد الذي ينتصب في مدخل أحد الشوارع يرسل ضوءاً باهتاً يبدد بعضاً من عتمة الساحة الكثيفة. وقع أقدام قادمة تبدد السكون السائد في المكان، يعلو الصوت مع دخول شرف خان البدليسي بثيابه التقليدية .الوقت:ليل )
البدليسي   : ( لنفسه) غريب.. ما الحكاية ؟!
              ( يدخل أحد الشوارع الفرعية،يطرق عدة أبواب، تزداد دهشته حين تظل الأبواب موصدة لا تنفرج عن أية وجوه،تلتقط أذناه أصوات غير واضحة تنبعث من مكان ما، فيتجه نحو مصدر الصوت حتى يصل إلى باب في مدخل أحد الشوارع الفرعية،ينصت باهتمام،يطرق الباب بإلحاح )  افتحوا يا أخوان،أنا البدليسي،شرف خان البدليسي.
             ( يتغير المنظر. غرفة بسيطة،خالية من الأثاث،مجموعة من الشباب يرتدون ثياباً فلكلورية ،يرقصون ويغنون بحذر واضح)
المدرب  : (بصوت مكتوم ) هذا ليس رقصاً ،إنكم منفعلون.
              كفوا عن الصياح وضرب الأرجل بقوة على  الأرض . أريد سرعة وجمالاً في الحركة،وليس  صياحاً وعنفاً.غداً يوم نوروز،والوقت دَهَمنا. لنبدأ من جديد .
               ( يعقد الشباب حلقة الدبكة،ينظمون حركاتهم على إيقاع العزف .يبدأ الطرق على الباب مع بداية العزف،يكف الجميع عن الحركة وقد ارتسمت على وجوههم أمارات الدهشة والخوف)
 المدرب  : (بصوت خافت.وخوف) من يكون هذا الطارق يا ترى ؟
 متدربة2  : قد يكون أحد الرفاق .
 متدرب3 : أو ضيفاً جاء لزيارة أهل البيت .
متدرب2  : أو دورية.
المتدربون   : (بخوف) دورية ؟!
متدرب3   : نعم .
               (يزداد الطرق على الباب،يتبادل الجميع   نظرات الحيرة والعجز )
المدرب    : (بضيق) قلت لكم حذار من الصياح يا شباب.
متدرب3  : الطرق على الباب يزداد ..فماذا نفعل ؟
المدرب    : يجب أن نفتح الباب قبل أن ينتبه الجيران، أو تمر دورية ما، فيقع المحظور.
متدرب4  🙁بخوف ) دورية ؟! وماذا سنقول لعناصرها؟
المدرب    : وماذا سنقول ؟ سنقول : نحن يا سادة : نحيي حفلة خطوبة، أو حفلة ختان..أو نقول أي شيء .ليفتح أحدكم الباب قبل أن  يقتحموا البيت .
             (يخرج أحدهم من الغرفة ويسير نحو باب الدار بحذر شديد،يتكرر الطرق  على الباب)
متدرب1  : (بصوت مضطرب) من .. من الطارق؟
صوت البدليسي :  أنا ، افتحوا الباب بسرعة .
متدرب 1  : من أنت ؟
صوت البدليسي : أنا البدليسي، جدو بدليسي.
متدرب1   : ( يلتفت نحو رفاقه . بهمس)  يقول إنه جدو بدليسي ؟!
صوت البدليسي: افتح يا بني، افتح .
المدرب          :  البدليسي ..غير معقول ؟!
صوت البدليسي: افتح الباب يا بني .
المدرب    : (بسرور) إنه هو، افتح الباب بسرعة يا ديار.
متدرب4  : (بحيرة وصوت خافت ) قد تكون خدعة يا أستاذ ؟
المدرب     : افتح يا ديار.إنه البدليسي ،رسول نوروز.
               (يفتح المتدرب1 الباب بكثير من التردد يدخل شرف خان البدليسي بثيابه التقليدية
        المعروفة حاملاً جرابه على كتفه)
——

مقدمة المسرحية التي تم انجازها وتنتظر الطبع

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…