هيثم حسين
heysem1@hotmail.com
heysem1@hotmail.com
كَثُر الحديثُ ويكثُر عن دمشق، عاصمة الثقافة العربيّة، كما تُنشر الكثير من الصور والبروشورات التي توزَّع، وتعلَّق على لوحات الإعلانات في معظم الشوارع، ممهّدة لتجمّع صغير هنا، أو حفلة غنائيّة هناك، ومُعلِنة عن مواعيد بعض العروض التي تمرّ ولم تزل إعلاناتها بعد معلَّقة، مُنتساة حيث هي، مقتصرة على بعض مَن يختلَف على إطلاق وصف المثقَّف عليهم، حيث أنّ بعض الأقوال التي بدأت تُدرَج على ألسنة بعض المتثاقفين، هي: إنّ أولئك المدّعين ليسوا مثقّفين، أو أنّهم مدّعو ثقافة مُبَرْوَزون، أيْ أنّ هناك تجريداً ثقافيّاً من ناحية، واحتكاراً لها من ناحية أخرى. ولا شكّ أنّ كلّ اقتصار للثقافة هو حَجْر عليها وتقصير لها، وهذا بالتالي إشراك بالحرّيّة المفترَضة التي تستلزمها الثقافة، وتضييق عليها وإحراج لها..
ومن ملامح عاصمة الثقافة العربيّة هو رواج الكثير من المظاهر التي تبتعد عن الثقافة لتقترب من تأمين ديمومةِ حياة لمتلقّي الثقافة، هؤلاء الذين هم قبلة كلّ مثقّفٍ ومنطلقَه في آن.. فبئس ثقافة تلك التي تدّعي الترفّع والتسامي على البسطاء والطيّبين، وبئس ثقافة تلك التي تحتكر الثقافة في تمادحٍ وقرعٍ للكؤوس، هذا الذي هو ضرب بالفؤوس المسنونة على الرؤوس الملعونة تشفّياً من مروقٍ ما حاصل خارج متاهة المخطَّط له. وما يُخشَى منه أن تتحوّل تلك المظاهر المتكاثرة يوماً بيومٍ إلى ظواهر تعدي كلّ مكان تبلغه.. ومن الملامح “الثقافيّة” أيضاً، أنّ الكتابَ مُصادَرٌ والكُُتّاب مُحاصَرون.. وأنّ هناك تكاثراً في عدد باعة الكتب والأسطوانات في الشوارع، وكذلك ازدياد أعداد المتفرّجين على تلك البضاعة، ولا ينعدم تواجد بعض سارقي الكتب، من الصعاليك الجدد، فارغي الجيوب، مُفعَمي القلوب بالآهات والتأوّهات والتأفّفات.. فإذا مررت في شارع الحلبوني مثلاً، تلاحظ الزحام الذي يسدّ الأرصفة، وهو ناتج عن عرض كبير للكتب “المستعملة”، والأسطوانات المعطَّلة، كما تلاحظ تجمّعاً حولها، ومن خلال المتابعة القصيرة، تلاحظ أيضاً إعراضاً عنها، بعد فترة تأمّل لها، وهزّاتِ رأس متتالية تتأمّل أن يساعد الله الناس..
بحثت في دمشقَ عن دمشقَ، أتاهني عنها تكلُّفُ الحبور، أضلّني عنها تهافتٌ، وأشغلني عنها الإفقار المستحكم الرابض على الصدور.. فهل نحتاج، ونحن نحتفل بالثقافة، أن نكثر من باعة الكتب، أم نحتاج إلى الإكثار من القرّاء، ولكن، من باب المخالفة في القول، هل نحتاج إلى الكِتاب، أم نحتاج إلى الخبز كي نؤمّن بعضاً ممّن قد يقرؤون هذا الكتابَ المنتَج..؟ وهل يحيا الإنسان بالكلام وحده، أم أنّه يحيا بالخبز وحده، أم لا هذا ولا ذاك..؟!
“ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان..”، بالتأكيد هذا صحيح، ولكن اليوم في دمشق، وعندما أقول دمشق، يتعمّم القول تلقاءً، فالإنسان هنا، لا يعثر أو يتعثّر برغيف خبزٍ يتكفّل له بتأجيل جوعه ساعاتٍ، والضحك على أبنائه دقائقَ، وليس من شكّ أنّه إذا قرأتَ أو كتبتَ أو عزفتَ للجائع فإنّه سيعزف عن قراءتك وكتابتك وعزفك، وسيقول في سرّه، حيث الخوف يشلّه ويحاصره في كلّ مكان يلتجئ إليه: ما هذا الضجيج، وما هذا الجنون..!
اليوم في دمشق، بالخبز وحده يحيا الإنسان، ودمشق اليوم جائعة إلى كلّ شيء وفي المقدَّمة الحوار، وخبزُ جياعِ الحرّيّةِ الحرّيّةُ والحوارُ، وليس مثقّفاً مَن يتعالى على سماع أصوات الجائعين، أو نقل مآسيهم، وليس من الإنصاف اختصار دمشق في بضع صالات، وبضعة مراكز ثقافيّة، أو عدد من الشعراء والكتّاب والفنّانين الزوّار، لأنّ حدودها مترامية ومفتوحة على أبوابها السبعة، ومن كلّ باب يدخل تيّار مختلف، مُكمّل، عوضَ الخطايا السبع التي تُستََجلب لتؤمّن ملاذاً للمضارع كي يستمرّ، وكلُّ تيّارٍ جائعٌ ويحتاج إلى إسماع صوته، والاستماع لأنينه، دون أن يخوَّن أو يُسجَن أو يُلعَن..
الفقر والجوع، (الإفقار والتجويع)، هما اليوم العنوانان غير المعلَنين لعاصمة الثقافة، والأجدى الافتئات لهما للتغلّب عليهما لأنّهما يخترقان أشدّ المنظومات تحصيناً ويفتكان بها.. وكم كان سيكون رائعاً لو أنّ عنوان الاحتفاليّة كان ما عنون به سعدالله ونّوس كلمته في يوم المسرح العالميّ: “الجوع إلى الحوار”. كي يتكاملَ الجميع في ما بينهم، ويرفعوا نخبَ ثقافة تليق باسمها.. وكي لا يُفسحَ أيّ مجالٍ لاختراقٍ أو فتكٍ مؤكَّدين، إن أبقي ألدّ عدوّين للإنسان فاعلَيْنِ حيث أُريدَ لهما أن يفعلا..
بحثت في دمشقَ عن دمشقَ، أتاهني عنها تكلُّفُ الحبور، أضلّني عنها تهافتٌ، وأشغلني عنها الإفقار المستحكم الرابض على الصدور.. فهل نحتاج، ونحن نحتفل بالثقافة، أن نكثر من باعة الكتب، أم نحتاج إلى الإكثار من القرّاء، ولكن، من باب المخالفة في القول، هل نحتاج إلى الكِتاب، أم نحتاج إلى الخبز كي نؤمّن بعضاً ممّن قد يقرؤون هذا الكتابَ المنتَج..؟ وهل يحيا الإنسان بالكلام وحده، أم أنّه يحيا بالخبز وحده، أم لا هذا ولا ذاك..؟!
“ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان..”، بالتأكيد هذا صحيح، ولكن اليوم في دمشق، وعندما أقول دمشق، يتعمّم القول تلقاءً، فالإنسان هنا، لا يعثر أو يتعثّر برغيف خبزٍ يتكفّل له بتأجيل جوعه ساعاتٍ، والضحك على أبنائه دقائقَ، وليس من شكّ أنّه إذا قرأتَ أو كتبتَ أو عزفتَ للجائع فإنّه سيعزف عن قراءتك وكتابتك وعزفك، وسيقول في سرّه، حيث الخوف يشلّه ويحاصره في كلّ مكان يلتجئ إليه: ما هذا الضجيج، وما هذا الجنون..!
اليوم في دمشق، بالخبز وحده يحيا الإنسان، ودمشق اليوم جائعة إلى كلّ شيء وفي المقدَّمة الحوار، وخبزُ جياعِ الحرّيّةِ الحرّيّةُ والحوارُ، وليس مثقّفاً مَن يتعالى على سماع أصوات الجائعين، أو نقل مآسيهم، وليس من الإنصاف اختصار دمشق في بضع صالات، وبضعة مراكز ثقافيّة، أو عدد من الشعراء والكتّاب والفنّانين الزوّار، لأنّ حدودها مترامية ومفتوحة على أبوابها السبعة، ومن كلّ باب يدخل تيّار مختلف، مُكمّل، عوضَ الخطايا السبع التي تُستََجلب لتؤمّن ملاذاً للمضارع كي يستمرّ، وكلُّ تيّارٍ جائعٌ ويحتاج إلى إسماع صوته، والاستماع لأنينه، دون أن يخوَّن أو يُسجَن أو يُلعَن..
الفقر والجوع، (الإفقار والتجويع)، هما اليوم العنوانان غير المعلَنين لعاصمة الثقافة، والأجدى الافتئات لهما للتغلّب عليهما لأنّهما يخترقان أشدّ المنظومات تحصيناً ويفتكان بها.. وكم كان سيكون رائعاً لو أنّ عنوان الاحتفاليّة كان ما عنون به سعدالله ونّوس كلمته في يوم المسرح العالميّ: “الجوع إلى الحوار”. كي يتكاملَ الجميع في ما بينهم، ويرفعوا نخبَ ثقافة تليق باسمها.. وكي لا يُفسحَ أيّ مجالٍ لاختراقٍ أو فتكٍ مؤكَّدين، إن أبقي ألدّ عدوّين للإنسان فاعلَيْنِ حيث أُريدَ لهما أن يفعلا..
فما أحوجنا إلى الحوار..! وما أعظمَ جوعنا إلى الحوار، اليومَ، وفي دمشقَ بالذات..؟!