أحمد فراج العجمي
” البعض لا يعلو عن النقد”
” الأدب لا يعرف أسوارا”
” واللغات لا تعرف حدودا سياسية ولا جغرافية”
” الأدب لا يعرف أسوارا”
” واللغات لا تعرف حدودا سياسية ولا جغرافية”
أبدأ مقالي بهذه الحقائق التي لا مجال لنقضها أو للتعامل مع من يخالفها ، من أعجب ما قد تسمعه الأذن أن يتنطع امرؤ متدحرجا على مهبط الجهل العلمي ، ويسلم نفسه ليد الكبر تعبث بها كيف شاءت، ويتبرأ من انتمائه لركب الحضارة التي تخضع للنقد من أجل التطور والارتقاء، فيزعم أن الأدب يعرف أسوارا ، ويتجاهل عن المعلومة التاريخية القديمة جدا التي تقول: إن أسوار الأدب قد هدمت منذ زمن بعيد ، وخرج أدعياء الاحتلال الأدبي من ساحاته منذ أشرق نور العلم على جبين الآداب الإنسانية .
إن ما يجري كل يوم على هذه المعمورة من سفك جل معاني الإنسانية ، وإشعال الانتماءات الكاذبة للغة أو عرق أو لون ، والمبالغة في العنصرية الحمقاء ، وتسييس كل هذه المعاني أو إسقاطها على حوادث فردية في أرض الواقع، أثرت في فكر بعض المتعنتين أو البسطاء ، ونفثت في روع بعض المتشددين أو الجهلاء ، أن الحضارات تتصادم ، وأن الأبيض يعلو على الأسود كما تعلو الشمس رؤوس العباد ، وأن الآداب تنحصر لجنس بعينه وربما لشخص بعينه ؛ فلا يجوز نقده بحال من الأحوال .
ما درى هذا الذي يزعم ذلك أن الأدب لا يعرف الدخلاء ولا يعرف الاستعمار ولا يعرف الأسوار العنصرية، ولا يعرف هذه الحدود الحمراء التي يضعها المستعمر أمام الناس، ولا يعرف الألغام التي تنشر حول قرية معينة لفصلها عن العالم ، ولا يعرف لوحات مكتوب عليها ” قف للتفتيش ” أو ” ممنوع الاقتراب أو التصوير “؟ بل ينتشر من أرض إلى أخرى ومن لغة إلى أخرى ومن ثقافة إلى أخرى؛ ليملأ الأرض مودة وسلاما، من يزعم أن أدبا لم يتأثر بآخر؟ فما الآداب المترجمة إلا وليدة هذه التفاعلات الإنسانية وهذه الحضارات الفكرية التي تتكاتف وتأخذ اليد باليد على درب الرقي والتفاهم، فنرى الياباني يعيش في دولة تتكلم الإنجليزية فيتأثر بأدبها بل ويكتبه، ونرى أدباء المهجر والشتات – وهم باب واسع في الآداب العالمية – ينقلون إلينا آثار هذا التفاهم بين الحضارات ، والمجال ليس مجال ضرب المثل على التأثر والتأثير بين الآداب والأدباء؛ فلا يتسع المقام لذلك .
أظنني تقصيت هذا المعنى وما كان يستدعي هذا التقصي؛ حيث إنه من الحقائق التي لا تقبل النقض كما ذكرت آنفا .
أظنني تقصيت هذا المعنى وما كان يستدعي هذا التقصي؛ حيث إنه من الحقائق التي لا تقبل النقض كما ذكرت آنفا .
إن القلم ما تحرك على أحد أبدا كرها وغيظا وحنقا ، بل كان ذلك لقناعات شخصية بأنه لا يعلو أحد على النقد – كما يزعم البعض – فقد ذهب زمن العصمة مذ مات خير البشر محمد – صلى الله عليه وسلم – ، ومن فوق أديم الأرض لا يعلو على أنه من البشر يخطئ ويصيب ، ويبقى للقارئ حق أن يقرأ فيقبل قناعاته ويرفض ما يتعارض مع عقله وفكره السليم ومع الحقائق الثابتة، ولم يأتل ناقد أن يبين ما يراه خاطئا وإلا عمت الفوضى الأدبية ، فمن الغبن أن يرى أحدنا الإثم الصغير عند مخالفه كجبال الكبائر، وأن تصغر عنده كبيرة الصديق حتى لا ترى شيئا .
فما بال قوم يرفضون القول إذا كان من جنس بذاته ، أو كان نقدا لشخص بذاته ؟ يا أعداء الحق أميطوا أذاكم عن طريق الإنسانية ، وارفعوا غيظكم واتركوا الساحة لمن هو أفهم منكم يتعامل مع الحقائق يطورها ويحسنها وينقحها ، وارفعوا هذه الغشاوة من أعينكم ، وانزعوا هذه الشوكة من حلقكم ، وابلعوا ريقكم بكل هدوء، واجلسوا على أريكتكم مطمئنين ، وراقبوا الثقافات تمر من أمامكم متشابكة الأصابع ، مشرقة الوجه ،باسمة الثغر، واكتفوا بصمتكم ولا تظهروا حنقكم ، فهذه العربية تتعلم من الإنجليزية وهذه الفرنسية تستفيد من العربية ، ولا تنكر ذلك فهذه هي السنّة الماضية ، والترجمة الحقيقية لتعاون البشر واختلاطهم رغم كل الاختلافات الدينية والعرقية والشكلية ، فمن ينكر اختلاط كل مجتمع على وجه الأرض لونا وثقافة ولغة ؟ ومن ينكر حاجة كل المجتمعات بعضها لبعض .
إلى دعاة الهدم والتطرف “الشوفيني” :
فلنترك اللغات تتقوقع وتنحصر على أهلها وتحتبي في فناء دارها ، ولنترك الآداب تنعزل في محيطها الداخلي ، فلا يتكلم العربية إلا عربي ، ولا يتكلم الألمانية إلا ألماني ، ولا يقرأ الإنجليزية إلا إنجليزي ، ولا يكتب الأسبانية إلا أسباني ، ولا ينقد الكردي إلا كردي ، ولا … إلا … ليستريح بالكم .
وهذه الحروف التي تدفقت على صفحات مواقعكم تعتذر إليكم – إن فهم منها بعضهم هجوما أو انتقاصا – ولنتركها تجري في صفحات أخرى فركب الإنسانية ما أوسعه ، وركب التفاهم والحضارات سيل متدفق يجرف أمامه غثاء الكلمات والادعاءات .
(” فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ” قرآن كريم ).
فلنترك اللغات تتقوقع وتنحصر على أهلها وتحتبي في فناء دارها ، ولنترك الآداب تنعزل في محيطها الداخلي ، فلا يتكلم العربية إلا عربي ، ولا يتكلم الألمانية إلا ألماني ، ولا يقرأ الإنجليزية إلا إنجليزي ، ولا يكتب الأسبانية إلا أسباني ، ولا ينقد الكردي إلا كردي ، ولا … إلا … ليستريح بالكم .
وهذه الحروف التي تدفقت على صفحات مواقعكم تعتذر إليكم – إن فهم منها بعضهم هجوما أو انتقاصا – ولنتركها تجري في صفحات أخرى فركب الإنسانية ما أوسعه ، وركب التفاهم والحضارات سيل متدفق يجرف أمامه غثاء الكلمات والادعاءات .
(” فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ” قرآن كريم ).
أحمد فراج العجمي
الخميس 24/4/2008
الخميس 24/4/2008