المرأة ومهنة التمريض ورؤية المجتمع

  لافا خالد

لمهنة التمريض قيمة إنسانية عالية، إلا أن البعض مازال ينظر للمهنة وللعاملات فيها من زاوية ضيقة معتبرا إنها مهنة خدمية لا تليق إلا بفئة لها خصوصية معينة، فمعظم العاملات في هذه المهنة يرى المجتمع فيهنّ إما من طبقة اجتماعية فقيرة أو إنها فتاة غير ملتزمة بعادات وتقاليد مجتمعها في وقت تبدو مهنة التمريض من المهن السامية وتعد من أقدس  المهن على وجه الأرض وتتفاخر الدول الغربية بعمل المرأة في هذا المجال ولكن مجتمعات عديدة  لاتزال تنظر لها نظرة دونية قاصرة.
وبالعودة إلى دور المرأة في هذا المجال فقد مارست المرأة جميع المهارات التمريضية في دور لم يكن يقل عن مهمة الطبيب نفسه وكانت تعتني بالمرضى والمحتاجين وكبار السن ومارست فن التوليد. ولعل العرب كانوا الأسبق في التركيز على دور المرأة الممرضة  خاصة في مصر والعراق التي عرفت الطب والجراحة والتمريض قبل 2100 ق.م  وكان في حينها دور الممرضة والطبيب دور لا يختلف عن دور الملوك وعرف الاهتمام بهم عن المصريين القدامى والبابليين الذين اهتموا بالتمريض وتفوقوا في استخدام العقاقير ومختلف العلاجات وتؤكدها المنحوتات الجدارية واللقى على ذلك. واستمر الاهتمام بهذه المهنة وقدسية دور الممرضة على مدار أزمنة طويلة فمارست المرأة مهنة  التمريض في صدر الإسلام الأول حيث كان هناك حضور واضح للمرأة المسلمة في الغزوات التي حصلت آنذاك ويعني ذلك دليلا واضحا على احترام الإسلام لمهنة المرأة الممرضة وتكريما للمرأة وإيمانا بدورها على  أنها تمتلك الكفاءة العالية لممارسة هذه المهنة بما تمتلكه من مقومات منها الصبر والعواطف الإنسانية الجياشة والقدرة على التواصل اللفظي مع المريض بكفاءة بالشكل الذي يخفف عن المريض كثيراً من الآلام، وحتى في العقود القريبة أظهرت المرأة الممرضة  كفاءة عالية في هذا الجانب في العناية بالمرضى خاصة وقت الظواهر والحالات الصعبة كالحروب والمجاعات وانتشار الأوبئة وتعددت أنماط التمريض وتطورت وسائله ورغم وجود رجال يمارسون هذه المهنة فقد بقيت هذه الساحة واحدة من الساحات المقدسة التي تشرق فيها صورة المرأة وبالرغم من كل الإيجابيات التي تحلت بها مهنة التمريض بالنسبة للمرضة لكن ثمة تغيير حدث فجأة غير من تلك الصورة السائدة لا بل بدت الصورة شديدة الغرابة في النظرة السلبية للمرأة الممرضة  ويبقى السؤال الأهم
لما تغيرت نظرة الناس لعمل المرأة في مهنة التمريض في وقتنا الراهن بالرغم من الدور المميز الذي أدته على مدار عصور متعددة؟ ما التغيرات التي حصلت حتى غيرت فكرة الناس عن قداسة هذه المهنة؟ ماذا تقول الممرضة عن نفسها وعملها ونظرة المجتمع لها؟ لما يوافق البعض على أن تعمل ابنتهم في هذه المهنة وترفض عائلات كثيرة أخرى؟ ماذا يقول الشباب عن المرأة الممرضة؟ هل يوافق الاقتران بها أم له وجهة نظر أخرى في الموضوع؟
ربما يعود السبب الأهم في بعض وجهات النظر الموجودة التي تنظر للمرأة الممرضة بسلبية ما هو نظرة التخلف التي تنظر للمرأة الممرضة على أنها خادمة للمرضى  أو شغالة  رغم أنها تقوم بعمل إنساني وتبذل طاقة جسدية ونفسية كبيرة يتطلب كل التقدير والاحترام لدورها، وبعضهم يبررون وجهة نظرهم  بطبيعة عملها  في عدد ساعات العمل الطويلة التي تقضيها الممرضة خارج بيتها.
تقول الممرضة عبير الموظفة في إحدى  المستوصفات الحكومية بمدينة القامشلي لعل الدافع المشترك لدى الكثير من الفتيات العاملات في مهنة التمريض هو الحصول على فرصة عمل في ظل الظروف المعيشية  الصعبة، وفي نفس الوقت التي لا تجد الفتاة المتعلمة فرصة لها بعد التخرج من الجامعة
أما الممرضة نسرين فتقول: نعم إن فرص العمل في مهنة التمريض أكثر من غيرها من التخصصات لذلك توجهت للعمل فيها ولم أواجه الكثير من  الصعوبات ولم يمانع أهلي دخولي هذا المجال ورغم التطور الكبير الذي تحقق في مهنة التمريض إلا إنني ما أزال أرى أن هناك نظرة قاصرة لهذه المهنة واتسال إلى متى سوف نرضخ لهذه النظرة الغريبة وكأننا نرتكب الخطيئة فمهنة التمريض لا تقل في أهميتها عن باقي المهن بل تعتبر من المهن المهمة والحيوية، وشخصيا لا تهمني الآراء السلبية فعلينا أن نعمل على تحسين وتطوير المهنة ولا يهم من ينظر إلينا وكيف ينظر طالما نعمل في حدود نحترم فيها أنفسنا ومهنتنا، أحيانا اشعر نفسي أشفق على الكثيرين حينما يرون الصعوبة في التعامل مع حالة علاجية بسيطة فمهنتنا مقدسة  والأفضل كان لهذا المجتمع أن يشجعنا لا أن يرمقنا وكأننا حقا شغالات!!!.
الممرضة هيفاء تقول نعم وجدت الصعوبة في إقناع عائلتي التي تعيش في بيئة محافظة وتدرك ان المرأة الممرضة تتعرض للكلام وحتى للطعن في أخلاقها لكني وبعد سنة من عملي بدأت اشعر بنظرة الرضى من أهلي وحتى المحيطين حولي، ما نعانيه ليس فقط نظرة الناس  حقوقنا مسلوبة الكثيرات من زميلاتي لا يحصلون على راتبهم من الطبيب بل من الإبر والعلاجات السريعة التي تأتيهم للعيادة وهذه نقطة لا يتكلم فيها أحد وهي مظلمة في حقنا
الممرضة سناء عن مهنة التمريض التي تركتها بعد شهر واحد بأنها تعرضت لكلام كثير حول عزوف الزواج عن الاقتران بالممرضة لاعتبارات اجتماعية سلبية معروفة لذلك نحن في حاجة الى حملة توعية لتصحيح الصورة السلبية التي تهدد مستقبل هذه المهنة وعمل المرأة فيها وثمة ممرضات كثيرات هنّ من يشتكين من مهنتهن بسبب
ساعات الدوام الطويلة في المستشفيات والمستوصفات ومن ثم في عيادات خاصة ضرورة التوعية
يقول الطبيب حنا عيسى إن مهنة التمريض مثل مختلف المهن الأخرى هي مهنة خدمية وإنسانية ولا يمكن أن يستغنى عنها بأي مرفق صحي في المركز الصحي الصغير أو المستشفى فعلى الجميع وبخاصة وسائل الإعلام تغيير طريقة تعامل المجتمع السلبية مع الممرضة كون الكثيرون لازالوا  ينظرون لها نظرة قاصرة ويعتبرونها (كخادمة) ولا يقيموها كونها إنسانة خريجة أولاً ومراعية لصحة المرضى ثانياً، لذا فهي بحاجة إلى كلمات التشجيع من قبل المواطن والمريض معاً حتى تزداد عطاء لا أن تنتكس وتترك مهنتها إلى حيث اللاعودة، وثمة أطباء انفسهم  يعاملون الممرضة  بتعالي على الرغم من رفقة العمل الطويلة بين الاثنين وثمة حالات كثيرة التقيتها كانت تحكي المأساة من قبل الطبيب أولا فما بالكم بمجتمع لا زال في مرحلة يرزح تحت عادات قديمة لا بل قديمة جدا
كلمة حق  لابد منها
كل الأعمال التي تقوم بها الممرضة حرجة وحساسة وخطرة في بعض الأحيان مثل (سحب الدم، تشكيل المبولة، تركيب المغذي، زرق الإبر، بعض الأحيان قياس الضغط، متابعة ارتفاع أو انخفاض السكر وإعطاء الدواء لبعض المرضى حتى ساعات متأخرة وحسب إرشادات الطبيب)، وكل هذه الأعمال تتعلق بحياة المرضى وفيها من الخطورة الكثير بمعنى لا يقل دورها عن دور الطبيب أبدا وعلى الرغم من بعض الوعي الحاصل تجاه هذه المهنة لكن نحتاج الكثير لترميم تلك النظرة السلبية عن المرأة وعملها في مجال التمريض ولابد لتكاتف المؤسسات الإعلامية  للتركيز على قداسة المهنة والسعي لاستعادة الدور الإيجابي الذي لعبته ماضيا ولا تزال تفعله حاضرا  ومنح الممرضات حقوقها كاملة.
——

مجلة ثرى

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…