“العصافير تطير، والأوراق تسقط .. مّر الصياد.. العصافير تسقط، والأوراق تطير”.
“جاك بريفيرت”
زيت وزعتر، وأحياناً قطعة سكر، حلمنا، قوتنا اليومي لعصافير تعيش في أعشاش من قشّ البيدر، تزقزق ليل نهار كلّما اشتدّ الجوع أكثر !
الجوع كافر، الفقر والعوز، المرض والفاقة. كلّها نيران تلتهم أزاهير العمر من روضة، من دوحة، غاب عنها دفء الشمس وظل الشجر.
الفقر ليس عيباً، بل العيب أن لا تطير العصافير، أن تجوع على أفنان الشجر، وأن تموت في أعشاشها إن لم يسقط المطر!
سماء بلا عصافير قوس بلا قزح
عصافير بلا أعشاش قوس بلا نصر
أعشاش بلا شجر قوس بلا وتر
عصافير “متسوّلة”، مقصوصة الجناح، تزقزق بطونها جوعاً، غدر بها الزمان والمكان، والأرض والسماء، تلوذ بالفرار من الغربان ،من “فزّاعة”الخراب والأطلال ،تهرب من بروق العواصف ورعود الأعاصير، فلا عشّ يؤويها في الصغر، ولا سماء تحميها عند الكبر.
عصافير يتيمة بعيون حزينة، تتأمّل فتات الخبز المتعفّن بين أزقة المدن، وعلى قارعات الطرق، تتوق لسنابل الحقول ودروب البساتين الظليلة عند الغروب والشروق، بانتظار فجر جديد يورق العشب والشجر بالخضرة والثمر.
أيّها الصياد لا تمرّ من هنا !
أيّها الصياد لا تطلق الرصاص، لا تقتل الشمس !
لا تجرح السماء بالنار..
فوطن العصافير سماء وشمس وضياء !
أيّها الأفق الكئيب،لا تسأم من المغيب ،
العصافير لن تلبس الأكفان ،والشمس لن يخطفها الغمام ،
فهناك في الحقل مازالت تغرد كلّ صباح ،على جبين الفجر الوليد بنشيد للخبز، سترتدي أجنحة مخمليّة، أرجوانية الريّش، وردية الزغب، ستطير من جديد عالياً، ستغنّي بلسانها الذهبيّ:
السماء فسيحة، فيها فسحة تكفي قوس قزح،
وغيمة مطر
الأرض طيبة، فيها تربة تكفي سنبلة قمح،
وغرسة شجر
السماء عشّنا
الشمس دفئنا
والأرض أمّنا!