جميل داري
في أحد المنابر الالكترونية قرأت مقالا نقديا للدكتور” إبراهيم عوض” الذي أسمع به أول مرة يشن فيه هجوما كاسحا على قصيدة” لأحمد عبد المعطي حجازي ” عنوانها: “طردية” ولو لم أكن أعرف” حجازي” منذ أمد بعيد لمررت بكلامه مرور السحاب.. ولكن صوت الشاعر ناداني من أعماق الزمن منذ كنت أشرح قصيدته “لمن نغني ” لطلاب البكالورياالسورية في نهاية الثمانينيات من القرن الغابر إلى الأمسية الشعرية التي حضرتها في مدينة “كلباء” الإماراتية الساحلية الساحرة منذ سنة… طبعا اقتربت منه وقلت: أنت صديقي” من طرف واحد” منذ أكثر من ربع قرن.. فضحك بفرح طفولي بل “ضحكنا ضحك طفلين معا” وصافحني بحرارة شعرية صادقة وبدفء إنساني نبيل… حكيت له حكاية “لمن نغني”قبل الأمسية وفوجئت به يلقيها بشغف
كان يضوع ثقافة وحبا وطفولة وتواضعا.. شعرت- وهو يبتعد عني بعد لقائنا القصير على هامش الأمسية الشعرية- أني أفارق صديقا مزمنا وأنا استعيد صدى قصائده التي ألقاها بشموخ وشمم..
تقول القصيدة التي قضت مضجع الدكتور السالف الذكر:
هو الربيع كان
واليوم أحد
وليس في المدينة التي خلت
وفاح عطرها سواي
قلت:أصطاد القطا
كان القطا يتبعني من بلد إلى بلد
يحط في حلمي ويشدو
فإذا قمت شرد
حملت قوسي
وتوغلت بعيدا في النهار المبتعد
أبحث عن طير القطا
حتى تشممت احتراق الوقت في العشب
ولاح لي بريق يرتعد
كان القطا
يدخل كاللؤلؤ في السماء
ثم ينعقد
مقتربا
مسترجعا صورته في البدد
مساقطا
كأنما على يدي
مرفرفا على مسارب المياه كالزبد
صوبت نحوه نهاري كله
ولم أصد
عدوت بين الماء والغيمة
بين الحلم واليقظة
مسلوب الرشد
ومذ خرجت من بلادي لم أعد
هذه هي القصيدة” المنكوبة “التي يلف ويدور حولها الناقد ويقول عنها:”إن القصيدة رديئة لامعنى لهاو يصعب علي أن أتذوقها وليس فيها فن ..إلخ”وغير ذلك من كلام متحامل.. فيه من الطعن واللعن أكثر من النقد ..بل لا نقد فيه قط..”لديه مئة كتاب نقدي!! “
أعترف قبل ردي الموجز على “الناقد” أنه طويل الباع في اللغة.. غزير الثقافة التراثية حيث يدخلنا إلى دهاليز القصائد الجاهلية.. وكان الأولى به أن يبقى في إطارها لأنها قصائد واضحة له ويمكن لأي واحد أن يفهمها بعد إزالة الغموض عن معاني مفرداتها القاموسية الغريبة وهو بثقافته اللغوية متمكن من خوض غمار النقد الشكلي والمضموني للقصيدة القديمة.. لكنه للأسف لا يستسيغ طعم الشعر الحديث برمته من خلال رأيه في قصيدة” حجازي” التي يمكن لأي مثقف عصري أن يفهمها بسهولة… فليس فيها ألغاز أنسي الحاج أو بول شاؤول أو أدونيس.. إلخ.
إني أستشف من وراء هذا النقد الهجومي أن الناقد يقصد شخصية” حجازي” وأفكاره النيرة والدليل قوله:”العقاد شاعر كبير رغم تنطع بعض اليساريين إزاءه للهجوم الصاعق الذي كان يشنه رحمه الله على الفكر الماركسي المتهافت” أليس هذا كافيا ليبين لنا أن الناقد لو كان أمر الشعر بيده لمنع الحديث منه… ووضع شعراء الحداثة قيد الإقامة الجبرية أو قيد القيود أو قيد القبور.. ومن هنا فإنه بطلاق بائن يصرخ في وجه قصيدة حجازي: “لا فكرة ولا صورة ولا عاطفة ولا لغة متميزة..” هكذا بجرة قلم غير مسؤولة ينفي موهبة الشعر عن شاعر يقر بشاعريته القاصي قبل الداني..! لا أظن موت رجاء النقاش وسهيل إدريس وفؤاد التكرلي مؤخرا إلا بسبب أمثال هذا الطعان اللعان ممن يريدون إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء أكثر مما هي في الوراء.. ذروة الذل أن تموت المروءا ت ويمشي إلى الوراء الوراء “نزار قباني”
من المعروف أن” حجازي” يتعرض إلى حملة شعواء ونكراء وبلهاء.. من قبل “فقهاء الظلام” فلقد فرضوا عليه دفع 20الف جنيه.. ثم سال لعابهم فأقاموا عليه دعوى بمليون جنيه.. فتصور يا أخي العربي : يكلفني عمي ثمانين ناقة ومالي والرحمن غير ثمان
لا أريد التعليق على القصيدة كثيرا.. ولكن لا بد من القول: إنها جميلة من وجهة نظر قلبي الذي لا يخيب.. غموضها واضح وشفيف.. ف “القطا” رمز إلى الحرية كما أرى.. والشاعر راغب في اصطيادها بما ملكت يده من سلاح.. وهل لدى الشاعر إلا الكلمة الصادقة المعبرة..؟ أما كلمة “النهار” التي لم يفهمها الناقد الدكتور فهي ترمز إلى العمر الجميل الذي يذوب كشمعة تحت لهيب شمس الزمن.. وقد عبر السياب عن ذلك في إحدى قصائده الرائعة مخاطبا زوجته” إقبال” في العراق وهو على سرير المرض في بيروت:
رحل النهار
ها إنه انطفأت ذبالته على أفق توهج دون نار
وجلست تنتظرين عودة سندباد من السفار
والأفق يصرخ من ورائك بالعواصف والرعود
هو لن يعود
النحريرو الجهبذ والناقد.. ذو الرأي الواحد.. لم يترك كلمة من كلمات” حجازي” إلا أشبعها تهكما واستخفافا.. وجردها من كل فضيلة.. لم يجد عنده إلا ظلاما في ظلام.. ولذلك لم يستسغها وكابد “المسكين” وهو يكتب عنها بحقد” دفين” مقالا واسعا ليفش خلقه المأزوم الضيق… دون أن يعلم أن العيب ليس في القصيدة.. بل العيب فيه قلبا وقالبا.. وكأن المتنبي العملاق كان يعنيه حين قال:
ومن يك ذا فم مر مريض يجد مرا به الماء الزلالا
ولا لا ولالا ولا لا …..؟!
المفكر المصري الكبير” زكي نجيب محمود” ذكر قبيل موته منذ سنين أن أشد ما يؤلمه في شيخوخته هو الوضع التنويري الذي تراجع تراجعا خطيرا في نهايات القرن العشرين حيث كان بخير في خمسينيات القرن العشرين.. فأين ذهبت جهوده وجهود غيره من المفكرين العرب الذين كافحوا وكابدوا ليخرجوا الناس من” كهوف الشرق إلى شرق جديد” حسب تعبير خليل حاوي؟
“زكي نجيب محمود” كان يدرك الدرك الأسفل والمحتوى الضحل للفكر الماضوي الذي لا يرى في الحاضر إلا مروقا وفي المستقبل إلا بدعة .. زكي نفسه لم ينج من تخر صات إبراهيم عوض الذي يجاهد ليربح الدنيا والآخرة معا من خلال تطهيره نفسه من سيئاتها وكسب حسنات غيره… إن كانت لديه حسنات..!!
الأمر الذي يحيرني أكثر من غيره الآن هو: من أين وكيف سيدفع حجازي” المليون جنيه مصري” هل سيستدين من” أحمد فؤاد نجم مثلا..”!؟ حقا..لقد صدق الذي قال: “شر البلية ما يضحك”
هو الربيع كان
واليوم أحد
وليس في المدينة التي خلت
وفاح عطرها سواي
قلت:أصطاد القطا
كان القطا يتبعني من بلد إلى بلد
يحط في حلمي ويشدو
فإذا قمت شرد
حملت قوسي
وتوغلت بعيدا في النهار المبتعد
أبحث عن طير القطا
حتى تشممت احتراق الوقت في العشب
ولاح لي بريق يرتعد
كان القطا
يدخل كاللؤلؤ في السماء
ثم ينعقد
مقتربا
مسترجعا صورته في البدد
مساقطا
كأنما على يدي
مرفرفا على مسارب المياه كالزبد
صوبت نحوه نهاري كله
ولم أصد
عدوت بين الماء والغيمة
بين الحلم واليقظة
مسلوب الرشد
ومذ خرجت من بلادي لم أعد
هذه هي القصيدة” المنكوبة “التي يلف ويدور حولها الناقد ويقول عنها:”إن القصيدة رديئة لامعنى لهاو يصعب علي أن أتذوقها وليس فيها فن ..إلخ”وغير ذلك من كلام متحامل.. فيه من الطعن واللعن أكثر من النقد ..بل لا نقد فيه قط..”لديه مئة كتاب نقدي!! “
أعترف قبل ردي الموجز على “الناقد” أنه طويل الباع في اللغة.. غزير الثقافة التراثية حيث يدخلنا إلى دهاليز القصائد الجاهلية.. وكان الأولى به أن يبقى في إطارها لأنها قصائد واضحة له ويمكن لأي واحد أن يفهمها بعد إزالة الغموض عن معاني مفرداتها القاموسية الغريبة وهو بثقافته اللغوية متمكن من خوض غمار النقد الشكلي والمضموني للقصيدة القديمة.. لكنه للأسف لا يستسيغ طعم الشعر الحديث برمته من خلال رأيه في قصيدة” حجازي” التي يمكن لأي مثقف عصري أن يفهمها بسهولة… فليس فيها ألغاز أنسي الحاج أو بول شاؤول أو أدونيس.. إلخ.
إني أستشف من وراء هذا النقد الهجومي أن الناقد يقصد شخصية” حجازي” وأفكاره النيرة والدليل قوله:”العقاد شاعر كبير رغم تنطع بعض اليساريين إزاءه للهجوم الصاعق الذي كان يشنه رحمه الله على الفكر الماركسي المتهافت” أليس هذا كافيا ليبين لنا أن الناقد لو كان أمر الشعر بيده لمنع الحديث منه… ووضع شعراء الحداثة قيد الإقامة الجبرية أو قيد القيود أو قيد القبور.. ومن هنا فإنه بطلاق بائن يصرخ في وجه قصيدة حجازي: “لا فكرة ولا صورة ولا عاطفة ولا لغة متميزة..” هكذا بجرة قلم غير مسؤولة ينفي موهبة الشعر عن شاعر يقر بشاعريته القاصي قبل الداني..! لا أظن موت رجاء النقاش وسهيل إدريس وفؤاد التكرلي مؤخرا إلا بسبب أمثال هذا الطعان اللعان ممن يريدون إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء أكثر مما هي في الوراء.. ذروة الذل أن تموت المروءا ت ويمشي إلى الوراء الوراء “نزار قباني”
من المعروف أن” حجازي” يتعرض إلى حملة شعواء ونكراء وبلهاء.. من قبل “فقهاء الظلام” فلقد فرضوا عليه دفع 20الف جنيه.. ثم سال لعابهم فأقاموا عليه دعوى بمليون جنيه.. فتصور يا أخي العربي : يكلفني عمي ثمانين ناقة ومالي والرحمن غير ثمان
لا أريد التعليق على القصيدة كثيرا.. ولكن لا بد من القول: إنها جميلة من وجهة نظر قلبي الذي لا يخيب.. غموضها واضح وشفيف.. ف “القطا” رمز إلى الحرية كما أرى.. والشاعر راغب في اصطيادها بما ملكت يده من سلاح.. وهل لدى الشاعر إلا الكلمة الصادقة المعبرة..؟ أما كلمة “النهار” التي لم يفهمها الناقد الدكتور فهي ترمز إلى العمر الجميل الذي يذوب كشمعة تحت لهيب شمس الزمن.. وقد عبر السياب عن ذلك في إحدى قصائده الرائعة مخاطبا زوجته” إقبال” في العراق وهو على سرير المرض في بيروت:
رحل النهار
ها إنه انطفأت ذبالته على أفق توهج دون نار
وجلست تنتظرين عودة سندباد من السفار
والأفق يصرخ من ورائك بالعواصف والرعود
هو لن يعود
النحريرو الجهبذ والناقد.. ذو الرأي الواحد.. لم يترك كلمة من كلمات” حجازي” إلا أشبعها تهكما واستخفافا.. وجردها من كل فضيلة.. لم يجد عنده إلا ظلاما في ظلام.. ولذلك لم يستسغها وكابد “المسكين” وهو يكتب عنها بحقد” دفين” مقالا واسعا ليفش خلقه المأزوم الضيق… دون أن يعلم أن العيب ليس في القصيدة.. بل العيب فيه قلبا وقالبا.. وكأن المتنبي العملاق كان يعنيه حين قال:
ومن يك ذا فم مر مريض يجد مرا به الماء الزلالا
ولا لا ولالا ولا لا …..؟!
المفكر المصري الكبير” زكي نجيب محمود” ذكر قبيل موته منذ سنين أن أشد ما يؤلمه في شيخوخته هو الوضع التنويري الذي تراجع تراجعا خطيرا في نهايات القرن العشرين حيث كان بخير في خمسينيات القرن العشرين.. فأين ذهبت جهوده وجهود غيره من المفكرين العرب الذين كافحوا وكابدوا ليخرجوا الناس من” كهوف الشرق إلى شرق جديد” حسب تعبير خليل حاوي؟
“زكي نجيب محمود” كان يدرك الدرك الأسفل والمحتوى الضحل للفكر الماضوي الذي لا يرى في الحاضر إلا مروقا وفي المستقبل إلا بدعة .. زكي نفسه لم ينج من تخر صات إبراهيم عوض الذي يجاهد ليربح الدنيا والآخرة معا من خلال تطهيره نفسه من سيئاتها وكسب حسنات غيره… إن كانت لديه حسنات..!!
الأمر الذي يحيرني أكثر من غيره الآن هو: من أين وكيف سيدفع حجازي” المليون جنيه مصري” هل سيستدين من” أحمد فؤاد نجم مثلا..”!؟ حقا..لقد صدق الذي قال: “شر البلية ما يضحك”
ملاحظة:
بعد كتابتي الكلمات السابقة قمت بجولة في عالم الدكتور إبراهيم عوض من خلال “جوجل” فرأيت أن اختصاصه مهاجمة كبار الكتاب والمفكرين عربا وأعاجم.. ممن تتناقض أفكارهم العصرية مع أفكاره الكهفية الحجرية ” ظانا” وبعض الظن إثم ” أنه بذلك قادر على طمسهم
بل سحقهم وطحنهم…… فلم ينج من شره المستطير: “طه حسين- رجاء النقاش- حيدر حيدر- عبد الرحمن منيف..إلخ “
بعد كتابتي الكلمات السابقة قمت بجولة في عالم الدكتور إبراهيم عوض من خلال “جوجل” فرأيت أن اختصاصه مهاجمة كبار الكتاب والمفكرين عربا وأعاجم.. ممن تتناقض أفكارهم العصرية مع أفكاره الكهفية الحجرية ” ظانا” وبعض الظن إثم ” أنه بذلك قادر على طمسهم
بل سحقهم وطحنهم…… فلم ينج من شره المستطير: “طه حسين- رجاء النقاش- حيدر حيدر- عبد الرحمن منيف..إلخ “