إنْ كنت المُكفَّر من الطرفين، فإنّي إذن لمؤمن أعظمَ الإيمان..

هيثم حسين
كانت قد نشرت جريدة السفير في ملحقها الثقافي بتاريخ 18/1/2008م مقالاً لي بعنوان “ماذا يحدث في رأس الهرم الثقافيّ” كنت قد كتبته تعليقاً على تحقيق نشر في ملحق تشرين الثقافيّ بتاريخ 5/1/2008م، وقد شكّل ذاك التحقيق ما اعتبرته هزّة ثقافيّة في عاصمة الثقافة العربيّة، وأنا إذ أعلنت اغتباطي فليس لتشهير بأحدٍ ما من المنتقَدين انتقاداً خرج عن حدوده، هذا الانتقاد الذي تجاوز حدّ التشهير المتبادل، ولم أقصد أو أرُمْ أيّة إساءة لأيّ طرف من الطرفين اللذين يفترض بهما أن يكونا طرفاً واحداً في هيئة واحدة للكتاب
بل أراني إذ أعلنت عن رواقٍ ما انتابني جرّاء تأخّر الهزّات، أيّاً كان نوعها عندنا، ولاسيّما الثقافيّة التي حوصِرت بالتركيد المُمَنهج، وكما كتبت حينها، أنّه شاقني ما قرأت، ذلك لأنّ ما حصل حرّك الركود الذي استنقع، وفاحت رائحته، وأرى الأساتذة عندما باحوا بهمومهم أزاحوا بعض الهموم عن كاهل الشعب السوريّ كلّه، ذلك لأنّ المثقّفين في أيّ بلدٍ هم روّاد الحقيقة، كما يُفترض بهم أن يكونوا في طليعة الباحثين عنها. وأنا كأيّ قارئ سوريّ متابع، أقرأ الكثير من التقريظ، بل والتقريظ المهوّل الذي ينبئ باستفحال في المرض يصعُب البرء منه إلاّ باستئصالٍ متفجّعٍ.. وأردت أن يُكشف ما وراء الأكمة، لنعرف ما وراءها، ومَن وراءها.. والبحث عن الحقيقة هو الهاجس الذي ينهجس به الجميع، ويجهرون ببحثهم المحموم عن مصدر الداء للإشارة إليه ومداواته..
أما أنّي، كما يقول الأستاذ حسن م يوسف، (الذي أقرأ له، وأحترمه جدّاً)، ناقلُ شتائم د.عبد النبي إصطيف، في مقالته (عن اصطيف وناقل شتائمه!) المنشورة في تشرين بتاريخ 5/2/2008  فمغالطة واتّهام، وسبب ذلك أنّني أنأى بنفسي عن التجيّش والتجييش لأحدٍ على حساب الآخر، ولا أقبل على نفسي ذلك، وأوقن أنّ كلّ مَن يحترم فكره وقلمه لا يقبل على نفسه أن يتجيّر ويُكوْلك لحسابٍ ينفد سريعاً بمواجهة حساب لا نفاد له، والحساب الذي لا نفاد له، هو حساب القارئ المتجدّد يوماً بيوم، والمطالب بحقّه في المكتوب كذلك، دون أن يُسقط التقادمُ هذا الحقّ المأمون..
أستاذي الكريم حسن م يوسف:
أنا أقرأ لك وأتابع ما أستطيعه من نتاجاتك، وأنت لا تعرفني، حسب ما أظنّ، ذلك لأنّي مقًَصًى عن المشهد الصحفيّ الرسميّ السوريّ، بطريقة أو بأخرى، وذلك لأسباب شتّى، قد تعود إلى عدم صلاحيّتي للكتابة في المنابر الصحفيّة السوريّة التي تضيق بالكثيرين من أمثالي.. وأرفض رفضَ المُحبّ لك، أن أكون من المتبنّين لأيّ تنقيص أو شتيمة تطال شخصك الكريم، فكما أنّه لا خلاف بينك وبين إصطيف، فأجزم أن لا خلاف ولا حتّى أيّ شيء بيني وبينكما كليكما، وكلاكما مصدر تقدير واحترام عندي.. فكما أنّ اللطف ليس مهنة، كما كتبت، فالأولى ألاّ يكون التعالي مهنة أيضاً، وأظنّنا لن نختلف على هذا..
وأمّا تنسيبي بضمير الحاضر/ الغائب إلى إصطيف لا أرتضيه، وأقول ذلك، لا حماسة أو غضباً، بل ليقيني الجازم بأنّ الافتئات في الثقافة افتقار إليها وافتقاد لها، إمراض لها وإعراض عنها..
وأمّا أن أكون ناقل الكفر، فهذا تفكير في التكفير قبل التدقيق، وأنا أعلم أنّك من المدقّقين الذين لا تفوتهم الفائتة، لذا أعجب كيف قرأت، ما كتبته، قراءةَ: لا تقربوا الصلاة..، دون أن تكمل القراءة، وأحسبك قد نسيت أو تناسيت أنّني قد أوردت، من باب التوثيق، أقوال الأساتذة المديرِين العاملين في هيئة الكتاب، وأنا عندما تناولت المادّة تلك، حرصت على إيراد التهم التي لم تَلِقْ بالثقافة، ولا بعاصمة الثقافة، ولا بمثقّفين يجدُر بهم التسامي على التفخيخ الكلاميّ، والتكايد اللفظيّ غير الموثّق، وقد طالبت في كتابتي بعدم إلقاء التهم وتلفيقها جزافاً دون التحقّق منها ودون توثيقها توثيقاً لا يتخلّله شكّ، ولكن، لأنّ المحسوبيّة متغلغلة فينا، حتّى أخمص القلم (وليس القدم)، فكان التبادل الاتّهامي الذي قرأناه، ولم نستمتع به، إلاّ لأنّه أخرج المخبوء، من تصارع وتناحر، على السطح، حيث التفاضح الذي نُشر، أزاح الستار عن الفتنة المستيقظة، لا النائمة، وأمّا أن يُترَك الجميع، ويُلتَفَت إليّ، باعتباري، قد أكون الحلقة الأضعف في تلك الفضيحة التي نُشرت، ولم يستثنِ أحدٌ فيها أحداً ممّن انقسموا إلى طرفين، مع وضدّ.. وإذا ما سُئلت عن موقعي فيما جرى، أقول إنّني مع الكتاب والقارئ، ضدّ التفاضح وعدم المسؤوليّة، ولست أنا مَن يقرّر عدم المسؤوليّة، لأنّ هناك هيئات يفترض بها ذلك، ويتوجّب أن تقوم به..
لا أشكّ بأنّ ناقل الكفر بكافر، ولكن، أنا كفرت بالتكفير الذي تمّ، واستنكرت (لا استنكارَ الأنظمة العربيّة العقيم)، بل استنكار الغيور على بلده من أيّ إساءة قد تطاله، حتّى وإن كانت على أيدي بعض من محتكري الوطن في أنفسهم.. والأجمل من كلّ شيء أنّ الوطن لا يُحتَكَر، مهما كانت المزاعم والاتّهامات.. ولا أشكّ أنّني قد أوفيت بشروط إيراد السجال، لأنّني قد أوردت معظم التهم التي وردت ومن الطرفين كليهما.. ثمّ كتبت رأيي فيما جرى، قائلاً:
“إن كان هذا ما يجري في رأس الهرم الثقافيّ في سوريا، حتّى إن كان بعض من البعض المسرود صادقاً، فلا شكّ أنّ الوباءَ وبَال مستفحل، ودمشق تدخل عاماً تكون فيه عاصمة للثقافة، فكيف يا ترى يكون الوضع في الهيئات والإدارات الأخرى، وكيف يكون حال الثقافة؟! يقيناً إنّ حال الثقافة فيها، بادٍ للعيان، الكتاب فيها مُتوَّه في الهيئة بين القيل والقال، بين الدسيسة والمؤامرة، بين خيبة الأمل وتخييب الظنّ، والمثقّف السوريّ المغلوب على أمره يتابع ما يجري، متحايداً دون أيّ اكتراث، لأنّ قسماً كبيراً منهم محروم من هذا الحقّ وذاك، ولأنّه يرى أنّ ما يجري تصفية حسابات على حساب الكتاب، وعلى حساب الكاتب والقارئ على السواء، وأنّ المضرور في هذه الحالة هو الثقافة التي تنحدر في مؤسّسةٍ يفترض بها أن تكون ثقافيّة إلى مستويات لا تليق بالمثقّفين، وأنّ الافتئات والشلليّة التي يتقاذف التوصيفَ بهما الطرفان، تكتسح المُحترَب» المُعترَك الثقافيّ، لتفرز أو تهمِّش هذه الجماعة أو تلك، لتجرّد هذا من امتيازه أو ذاك، وبالطبع في مثل هذه الحالة، يدّعي كلّ قسم أنّه يحرص على مصلحة الوطن، ويتمترس البعض منهم خلف شعارات، كلما كُبِّرت أخفت خطايا كبرى، ولا شكّ أنّ الحقيقة التي يكون البحث عنها هي المُضيّعة بين الاستجواب وضبط التحقيق الثقافيّ الذي يجب أن يقدَّم للقرّاء على الملأ، الحقيقة المغيّبة تنتظر التفريج عنها، تستحثّ انفراجاً لا انفجاراً بحسب ما قرأنا…”
أستاذ حسن م يوسف:
أكرّر تقديري لك، وأكرّر كلامي مرّة ثانية، أنّه كان قد شاقني أن أقرأ تحقيقاً يعرّي بعض الممارسات التي تجري تحت اسم الثقافة، وهي خارج الإطار المتاجَر باسمه، كما أود أن تتأكّد بأنّني لست بكافر، ولا بناقل شتائم، وإن كان الكلام الذي تقوله كذلك، فيجب أن أكون ناقل شتائم المدراء الذين وصفوا كتاب د.إصطيف بأنّه رديء، ووصفوا خططه بالأضحوكة والمخجلة والكفيلة بأن ترسل بمستوى الكتاب السوريّ إلى الحضيض، وبأنّه قد عرقل كلّ الأعمال والقرارات..إلخ..
أعجب كيف يتمّ تكفيري من الجانبين، لأنّني أوردت أقوالهم، و”عمّمت” التهم ” المنشورة والمعمَّمة” التي تقاذفوا بها، ولا يهدأ تعجّبي لأنّني لا أريد أن أقول: أعلم أنّ الأساتذة يريدون عدم نشر غسيلنا على حبال غيرنا، خاصّة ونحن جميعاً نعلم، أنّ جرائدنا المحلّيّة قليلة القراءة، مغضوض عنها الطرف من الكثيرين من المواطنين الذين أضناهم الجوع وألقى بهم بعيداً عن الثقافة، وأرغَبَهم عنها، لأنّهم أيقنوا أنّ المشتغلين بها لا يجدرون بها وبأسماء كبيرة سبقتهم في عالمها..
أكرّر أسفي على وصفكِ لي بأنّني ناقل شتائمـ : (ـه)..
وأقول:
إنْ كنت المُكفَّر من الطرفين، فإنّي إذن لمؤمن أعظمَ الإيمان..   
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط مقالتي في السفير:
http://www.assafir.com/WeeklyArticle.aspx?EditionId=844&WeeklyArticleId=33816&ChannelId=4504  
رابط مقالة الأستاذ حسن م يوسف في تشرين:
http://www.tishreen.info/_cult.asp?FileName=97015309320080204221730

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…