قصص «زيت وزعتر»

محمد علي علي

قوت يموت

قوت يموت أمام أعين الجائعين ، البطون تبكي فوق حصيرة مرقعّة ، في غرفة يتيمة لأسرة بائسة :
أطفال كالعصافير يتجمعون حول “مائدة الفطور” كل صباح ، تسمع زقزقتهم وابتساماتهم ، إنهم فرحون ، فالأب يمازح الأم ، الأم تدغدغ صغارها وتعلمهم “البسّملة ” قبل الطعام ، و”الحمد لله” بعد الشبع ، وها هم ينقرون بمناقيرهم الصغيرة ، بنهم شديد ، كسرات الخبز المغمسة بالزيت والزعتر على ” المائدة السعيدة “! التي ينقصها كل شيء ، إلا الزيت والزعتر !
على المائدة ، تأمل الزيت الشاحب  قطراته القليلة المبعثرة في قعر الصحن  ، نظر حوله فلم يجد سوى صديقه الزعتر فقال باكيا وهو يذرف أخر قطراته :
– الوداع يا صديقي ، فاليوم هو أخر يوم لي معك ، لقد انتهيت !في الأمس مات الزيتون ،وقبله افتقدنا البيض واللبن والزبدة ،  ما يحز في نفسي هو فراق هذه الأسرة السعيدة ، كيف سيعيشون بدوني ، هل سيذكرونني من جديد ؟
 في الصباح اليوم التالي ، ساد الصمت ، لقد لاحظ الجميع الحزن على ذرات   الزعتر ، انه حزين على فراق صديقه الزيت ! وقف الأب بين أطفاله وقال :
– أوعدكم يا أبنائي بأني لن أترك الزعتر ، صديق الفقراء ، يبقى وحيدا ،
ثم خرج وهو يحلم بزجاجة زيت اصفر كأشعة الشمس ،تعيد البهجة إلى الزعتر الحزين، وكذلك إلى أطفاله ،
 الذين تعودوا على معانقة الزيت للزعتر !

 قصة مدينة

ورد في الأخبار عن اختفاء طفلة صغيرة ، تم البحث عنها طويلا ..
بعد شهر ، وجدوا الطفلة ، ولكن بكلية واحدة !
ويحكى، أن مدينة اختفت في ظروف غامضة ، تم البحث عنها طويلا ..
بعد سنوات ،وجدوا مقبرتها ، ولكنهم لم يعثروا على المدينة !

سرعة فائقة

يا أيها الممتطي أنين الريح ، ألا تستريح !
الحياة مرهقة ، تعيش ،تسير ببطيء ، تقطع مسافات العمر بخطوات متثاقلة ، بسنوات : ثلاثون ، خمسون ، تسعون ، مئة !
أما أنت ، فتقطعها بدقيقة ، بلحظة ، بحشرجة !
كم أنت تواق لنزع الروح من جسد الحياة !
كم أنت سريع ، أيها الموت !

 “مطمورة “

في صباح العيد ، بعد أن قبّل ابنته الصغيرة ، أعطاها عيديه العيد ، سألها :
– ماذا ستفعلين بالعيدية ، يا ابنتي ؟
– سأشتري بها  “مطمورة ” يا أبي .
عند الظهيرة جاءت إلى البيت وبيدها علبة معدنية صغيرة ذو ثقب كبير ، سألها مجددا :
– ماذا ستفعلين بهذه العلبة ؟
– سأجمع نقودا كثيرة لأشتري لك بنطا لا ولأمي ثوبا ، لأخي دراجة ووو…!
تنهد الأب ، متأملا ابنته ، الشاردة في شراء الهدايا وقال في نفسه :
” الأحلام كبيرة يا ابنتي ، لكن العلبة صغيرة” !؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…